الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِى أَبِى الْحُقَيْقِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا فَقَالَ عُمَرُ أَظَنَنْتَ أَنِّى نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ، لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ» . فَقَالَ كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِى الْقَاسِمِ. قَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضًا، مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اخْتَصَرَهُ.
15 - باب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ
2731 و 2732 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِى الزُّهْرِىُّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ
ــ
ذلك) أي: عزم (أتاه أحد بني [أبي] الحقيق) بضم الحاء وتكرير القاف على وزن المصغر بياء ساكنة (كيف بك إذا أخرجت من خبير تعدو بك قلوصك) -بفتح القاف- الناقة الشابة (قال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم) مصغر، هذا صفة كلمة (فقال: كذبت يا عدو الله) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقًّا؛ لا سيما في أمثال هذه المواطن (أقركم ما أقركم الله) استدل به على جواز المساقاة مع الجهل بالمدة، وقد أسلف الجواب عنه في كتاب المساقاة بأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل:"أقركم ما أقركم الله" يريد به مدة العهد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب (فأجلاهم وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالًا وإبلًا وعروضًا من أقتاب وحبال) بيان للعروض.
باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط مع الناس بالقول
2731 -
2732 - (معمر) بفتح الميمين وسكون العين (المسور بن مخرمة) بكسر الميم في الأول وفتحه في الثاني قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغميم) بفتح المعجمة على
لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ». فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِى يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ. فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِى خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَاّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» . ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّىِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِىُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ،
ــ
وزن عليم. موضع بقرب مكة على مرحلتين (في خيل لقريش طليعة) هي مقدمة الجيش، فعيل بمعنى الفاعل سميت بذلك لطلوعها من الجيش (فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش) -بفتح القاف والتاء- الغبار (فانطلق يركض) أي: يسوق الفَرَس (نذيرًا) أي منذرًا (لقريش). (بركت ناقته، فقال الناس: حل حل) بسكون اللام وقد ينون إذا كرر، اسم فعل زجر للناقة والجمل (فقالوا: خلأت القصواء) بالخاء المعجمة والهمزة، أي.: حرنت وتعبت. القصواء الناقة التي قطع أذنها، وكذا القصاء، وكان هذا لقبًا لها ولكل مقطوعة الأذن (حبسها حابس الفيل) أي: الله الذي منع الفيل عن دخول مكة هو الذي منع القصواء (لا يسألوني خطة) بتشديد النون وتخفيفها بحذف نون المضارعة. خطة بضم الخاء وتشديد الطاء أي: خصلة. قال ابن الأثير: هي الأمر الواضح في الهدى والاستقامة. وقيل: هي الأمر العظيم الذي يستحق أن يخط في الدفاتر.
(يتبرضه الناس) على وزن يتفعل -بالضاد المعجمة- أي: يأخذون منه قليلًا قليلًا (فلم يلبثه الناس) بضم الياء من الإلباث؛ أي: يتركوه سريعًا، لم يبق فيه الماء (فانتزع سهمًا من كنانته) -بكسر الكاف- جعبة السهام (يجيش لهم بالري) بكسر الراء وتشديد الياء، يقال: جاش الماء إذا غار (بديل بن ورقاء) بديل بضم الباء مصغر. ورقاء بفتح الواو والقاف والمد (من خزاعة) بفتح الخاء والزاي المعجمة من أولاد سبأ، سكنوا مكة لما خرب الله السد وتفرقوا أيدي سبأ.
وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ إِنِّى تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَىٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَىٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِى وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَاّ فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِى هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِى، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ» . فَقَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ. قَالَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا قَالَ إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلاً، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَىْءٍ. وَقَالَ ذَوُو الرَّأْىِ مِنْهُمْ هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ. قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَىْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ قَالُوا بَلَى. قَالَ أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ قَالُوا بَلَى. قَالَ فَهَلْ تَتَّهِمُونِى. قَالُوا لَا. قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّى اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَىَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِى وَوَلَدِى وَمَنْ أَطَاعَنِى قَالُوا
ــ
(وكانوا عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح العين وسكون الياء المثناة تحت، قال ابن الأثير: أي موضع أسراره. والعيبة في الأصل ما يحفظ فيه الثياب النفيسة، فأطلقت على ما يودع فيه الأسرار (كعب بن لوي وعامر بن لؤي) يريد هاتين القبيلتين (أعداد مياه الحديبية) بفتح الهمزة جمع العِد -بكسر العين-. قال ابن الأثير: هو الماء الدائم (العوذ المطافيل) قال ابن الأثير: العوذ جمع العائذ؛ وهي الناقة القريبة العهد بالنتاج.
قلت: وجه التسمية أنها تعوذ ولدها؛ أي: تحفظه.
والمطافيل: جمع مطفل -بضم الميم- على وزن مسلم التي ولدها معها. والمراد به في الحديث النساء اللآتي معهن الأطفال (إن قريشًا قد نهكتهم الحرب) بكسر الهاء وفتحها، أي: أضعفتهم (فإن شاؤوا ماددتهم) أي: صالحتهم؛ أي: جعلت بيني وبينهم مدة لا حرب فيها (وإلا فقد جمّوا) أي: استراحوا بفتح الجيم وتشديد الميم (وإن هم أبوا قاتلتهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي) السالفة: مقبل العنق وإنما ذكر العنق؛ لأنه موضع الذبح (لينفذن الله) بضم الياء وتشديد الفاء وذال معجمة، أي: ليمضه (هات) بكسر التاء والسكون أيضًا (استنفرت) أي: دعوت للخروج إلى القتال (بلحوا عليّ) -بالباء الموحدة وتشديد
بَلَى. قَالَ فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِى آتِهِ. قَالُوا ائْتِهِ. فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَىْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ امْصُصْ بَظْرَ اللَاّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ فَقَالَ مَنْ ذَا قَالُوا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِى لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقَالَ أَىْ غُدَرُ، أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ
ــ
اللام، وقد تخفف، أي: أبطؤوا. قال ابن الأثير: من بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء (خطة رشد) أي: طريق الرشاد (استأصلت) أخذته من أصله (اجتاح) بتقديم الجيم، أي: أهلك (وإن تكن الأخرى) أي: إن كان الظفر لهم (إني لأرى أشوابًا من الناس) جمع شوب؛ أي: أخلاطًا من الناس، ليسوا من قبيلة واحدة ليعتمد عليهم، ويروى أوباشًا. قال ابن الأثير: الأوباش والأشواب: الناس من قبائل شتى (خليقًا أن يفروا) أي: جديرًا (امصص بظر اللات) بصادين مهملتين على وزن انصر والبظر بفتح الباء وظاء معجمة القطعة تقطعها الخافضة من أعلى الفرج عند الختان (لولا يد كانت لك عندي) أي: نعمة سابقة (وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته) أي: بلحية نفسه، دل عليه قوله:(فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف) وكان دأبهم عند المحاورة الأخذ باللحية مؤانسة؛ وإنما كفّ المغيرة يده عن مماس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مشرك، وأيضًا لم يكن كفئًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا بين الأكفاء والأقران.
(أي غدر) بضم الغين المعجمة على وزن عمر، معدولة من الغادر (ألست أسعى في غدرتك) -بفتح الغين- المرة من الغدر، وأصل هذا أن المغيرة بن شعبة ثقفي، وكذلك عروة. وكان المغيرة غدر في الجاهلية بثلاثة عشر رجلًا من بني مالك فقتلهم، وأسلم وجاء
فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا الإِسْلَامَ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَىْءٍ» . ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَاّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَىْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِىِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ، يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَاّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى كِنَانَةَ دَعُونِى آتِهِ. فَقَالُوا ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هَذَا فُلَانٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ» . فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِى لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ. فَقَالَ دَعُونِى آتِهِ. فَقَالُوا ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «هَذَا مِكْرَزٌ وَهْوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» . فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِى أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» . قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِىُّ فِي حَدِيثِهِ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ، اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا
ــ
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أقبله منك، وأما المال فلست مني في شيء) فودى عروة ديه ثلاثة عشر رجلًا، وأصلح بين الحيين (إن عروة جعل يرمق أصحاب) أي: ينظر إليهم خفية. قال ابن الأثير: الرمق نظر العدو إلى عدوه (النخامة) -بفتح النون- البصاق (وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه) -بفتح الواو على الأفصح- الماء الذي توضأ به.
(مكرز) بكسر الميم وسكون الكاف آخره زاي معجمة (فلما جاء سهيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد سهل لكم الأمر) أخذه تفاؤلًا من اسمه .................................
النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَاّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» . ثُمَّ قَالَ «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» . فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «وَاللَّهِ إِنِّى لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِى. اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» . قَالَ الزُّهْرِىُّ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ «لَا يَسْأَلُونِى خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَاّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» . فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ» . فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ. فَقَالَ سُهَيْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ، إِلَاّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا. قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَىَّ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ» . قَالَ فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَىْءٍ أَبَدًا. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «فَأَجِزْهُ لِى» . قَالَ مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ. قَالَ «بَلَى، فَافْعَلْ» . قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. قَالَ مِكْرَزٌ بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ. قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ أَىْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَيْتُ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ «بَلَى» . قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ «بَلَى» . قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ «إِنِّى
ــ
(لا تتحدث الناس أنا أخذنا ضغطة) بالضاد والغين المعجمة، أي: قهرًا، أصله ضيق.
(دخل أبو جندل بن سهيل) واسمه العاص (يرسف في قيوده) أي: يمشي فيها، من الرسف، والرسف هو المشي في القيد (قال سهيل: يا محمد! هذا أول ما أقاضيك عليه) يريد رد ابنه أبي جندل (قال مكرز: بل قد أجزنا لك) ولم يقبل منه سهيل، ورد ابنه (قال عمر: فلم نعطي الدنية) على وزن العطية، من الدناءة؛ وهي الحالة الخسيسة (إني
رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهْوَ نَاصِرِى». قُلْتُ أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ قَالَ «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ» . قَالَ قُلْتُ لَا. قَالَ «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ» . قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى. قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى. قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ يَعْصِى رَبَّهُ وَهْوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ قُلْتُ لَا. قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِىِّ قَالَ عُمَرُ فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً. قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا» . قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست أعصيه) نبه بذلك عمر على أن ما فعله إنما هو بالوحي لا بالاجتهاد (فاستمسك بغرزه) -بغين معجمة، ثم راء مهملة، آخره زاي معجمة- هو لكور الجمل مثل الركاب للفرس. قال ابن الأثير: يكون من الخشب، أو من الجلد، وقيل: مطلقًا. وهذا كناية عن اتباعه من غير مخالفة؛ كمن يكون مستمسكًا بركاب راكب يدور معه كيف دار، ومن تأمل في كلام الصديق مع عمر، ظهر له الفرق بينهما (قال عمر: فَعَلت لذلك أعمالًا) يشير إلى أنه ذهب إلى أناس آخرين، وتكلم بأشياء، وذلك كله غيرة منه على الإسلام؛ فإنها كانت قضية بعيدة عن الأفهام، علمها الله، ولم يعلموا، وذلك أن الناس بعد هذا الصلح معهم وقع الاختلاط واجتمع المسلمون والكفار، وشاهدوا محاسن الإسلام، وسمعوا مواعظ القرآن، ونصح الأخ أخاه، ودعا الصديق الصديق، ففشى الإسلام، وعلت كلمة الله، وكان ذلك في الكتاب مسطورًا، وقيل: معنى قوله: عملت لذلك أعمالًا، أنه كفّر، وتقرب إلى الله بأشياء كفارة عن جرأته في ذلك الكلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه روي عنه أنه قال: أعتقت ستة مملوكين.
(فلما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات).
فإن قلت: كيف لم يتبادروا إلى ما أمر وهم الصديقون الذين شأنهم أن يبادروا إلى كل ما أمر به؟ قلت: كانوا يرجون أن يحدث الله في ذلك أمرًا آخر، ولذلك لما نحر وحلق علموا أن ذلك أمر مقضي بادروا إلى ما أمر.
لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) حَتَّى بَلَغَ (بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَهْوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا الْعَهْدَ الَّذِى جَعَلْتَ لَنَا. فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا. فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ. فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ «لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا» . فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِى وَإِنِّى لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِى إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِى
ــ
(ثم جاء نسوة مؤمنات) أي: جاءت النسوة في مكان الصلح؛ كذا قيل، وقال شيخنا إنما جاءت بعد الرجوع في المدة (فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة:10] حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} العصم: جمع عصمة. وهي الحفظ. والمرأة ما دامت عند زوج فهي في عصمة. والكوافر: جمع كافرة (فطلق عمر يومئذٍ امرأتين، فتزوج إحداهما معاوية) هي قريبة -بفتح القاف وكسر الراء- وقيل: -بضم القاف وفتح الرّاء- بنت أبي أمية، والأخرى بنت جرول على وزن جعفر. تزوجها صفوان بن أمية بن خلف.
(فجاءه أبو بصير، رجل من قريش) لم يرد أنه من قريش نفسها؛ بل هو حليف لهم، ثقفي بإجماع النَّسَّابة، هو عُبيد بن أسيد بتصغير الأول وفتح الهمزة في الثاني. وقال خليفة بن معشر: اسمه عتبة بن أسيد (جربته ثم جربته) يريد المبالغة في مدحه؛ بحيث لم يبق له شبهة (فضربه حتى برد) كناية عن الموت، فإن الميت تبرد أعضاؤه (لقد رأى هذا ذعرًا) بالذال المعجمة الخوف (لقد والله أوفى الله ذمتك) أدخل القسم بين قد والمقسم عليه اهتمامًا به،
اللَّهُ مِنْهُمْ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ. قَالَ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِى بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَاّ لَحِقَ بِأَبِى بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَاّ اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهْوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) حَتَّى بَلَغَ (الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِىُّ اللَّهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. طرفاه 1694، 1695
2733 -
وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ، أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِىِّ، فَتَزَوَّجَ قَرِيبَةَ مُعَاوِيَةُ، وَتَزَوَّجَ الأُخْرَى أَبُو جَهْمٍ،
ــ
ودلالة على التحقيق (ويل أمه) الويل: الهلاك، لم يرد به ذلك؛ أراد التعجب من شجاعته (مسعر حرب) بكسر الميم، قال ابن الأثيرة المسعر والمسعار آلة تحرك بالنار من حديد، كأنه أراد أنه آلة إيقاد نار الحرب (لو كان له أحد) الظاهو أنه للتمني، ويجوز الشرط، ويقدر له الجواب (فخرج إلى سيف البحر) بكسر السين الساحل (فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرّحم) أي: تسائله بالله وبالرحم (لما أرسل) أي: إلى أبي بصير وردّه إليه.
قال ابن عبد البر: كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه ومن معه فوافاه الكتاب وهو في الموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، لما أرسل مصدرية أو زائدة عند من يجوز زيادتها في لإثبات.
2733 -
(وتزوج الأخرى جهم) -بفتح الجيم- عامر بن حذيفة.
فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) وَالْعَقِبُ مَا يُؤَدِّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَاّئِى هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِىَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. طرفه 2713
ــ
فإن قلت: تقدم أنها تزوجها صفوان بن أمية؟ قلت: تزوجها أحدهما ثم صارت إلى الآخر، ومن الشارحين من أجاب بأن هذه رواية عقيل، وتلك رواية معمر، وخفي عليه أن هذا عين الإشكال فإنه رد لإحدى الروايتين.
(فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم) لقوله تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] (فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] محصله: إنكم إذا أديتم إلى الكفار ما أنفقوا على أزواجهم المسلمات ولم يؤدوا إليكم ما أنفقتم على أزواجكم الكافرات فأعطوا أنتم للذي ذهبت زوجته مثل ما أنفق من المال من بيت المال.
(وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد) بفتح الهمزة (الثقفي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا، فكتب الأخنس بن شريق) بفتح الشين المعجمة: على وزن كريم (يسأله أبا بصير) ليرده؛ لأن الأخنس ثقفي أيضًا (فذكر الحديث) أي: حديث أبي بصير، وقتله أحد الرجلين، ثم لحوقه سيف البحر.
قال بعض الشارحين: فإن قلت: ذكر أولًا أن أبا بصير رجل من قريش، وثانيًا أنه ثقفي؟ قلت: تلك رواية أخرى. وخفي عليه أن هذا عين الإشكال، وقد أطلعناك على أنه ثقفي، ولكن حليف قريش. قال ابن عبد البر: حليف لبني زهرة.
فإن قلت: ترجم على الشروط مع الناس بالقول، أين موضع الدلالة في الحديث؟ قلت؟ هو قول سهيل بن عمرو في أبي جندل: يا محمد هذا أوّل ما أُقاضيك عليه، أو هو قول قريش حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد أبا بصير ومن أتاه فهو آمن.