الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَكَذَا وَهَكَذَا». فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِى كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِى حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِىَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ خُذْ مِثْلَيْهَا. أطرافه 2598، 2683، 3137، 3164، 4383
4 - باب جِوَارِ أَبِى بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدِهِ
ــ
وهكذا وهكذا) أشار بملئ كفيه، قد للتحقيق في الموضعين، ولو: بمعنى إن، ويحتمل التمني (قال جابر: فأتيته) أي: أَبا بكر (فقلت: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لي: كذا) كناية عما كان أشار إليه بكفيه من إعطاء الدراهم (فحثى لي حثية) يقال: يحثي، وحثا يحثو بمعنى؛ أي: الرمي بيده، ومعناه في الحديث أنَّه غرف له من المال بكفيه، واستدل به مالك وطائفة من العلماء على أن الوعد ملزم، والجواب: أن هذا كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم لعظم منصبه، واللائق بأخلاقه، وأيضًا فعل أبي بكر لم يكن لكونه كان ذلك في ذمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم كسائر الديون؛ بل كان إكرامًا له لئلا يقع الخلف في مواعيده، ألا ترى أنَّه عطف الدين عليه؛ إذ لو كان لازمًا لم يكن لعطف الدين عليه وجه.
فإن قلت: أين موضع الدلالة في الحديث؟ قلت: هو قوله: (من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فليأتنا) وقد سلف أن الكفالة عقد لازم لا يمكن الرجوع عنه.
قال بعض الشارحين: لو كان لأبي بكر الرجوع للزم خلاف المقصود؛ وهو براءة ساحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنَّه لو بقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركة لكانت صدقة؛ فلا مجال للرجوع إليها، وهذا غلط منه، فإن الصدقة إنما هي بعد أداء الدين، صرح به في الحديث، والتحقيق أن هذا لم يكن كفالة بالمال؛ بل صورته الكفالة، ألا ترى أن أَبا بكر إنما أعطى جابرًا من مال الفيء.
باب جوارُ أبي بكر في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
الجوار -بكسر الجيم- مصدر جور، أو اسم من الإجارة، مضاف إلى المفعول، قال الجوهري: والجار هو الذي أجرته ممن يظلمه.
قلت: وقد جاء بمعنى المجير، وقد حكى الله عن إبليس في سورة الأنفال:{وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48]. وكذا في قول ابن دغنة: هذا لأبي بكر (وأنا لك [جارٌ]).
2297 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ، إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ - وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ - فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِى قَوْمِى فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّى. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ. فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِى بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ،
ــ
2297 -
(بكير) بضم الباء: مصغر، وكذا (عقيل) (أن عائشة قالت: لم أعقل أبوَيَّ إلَّا وهما يدينان الدين) أي: الإِسلام، وانتصاب بنزع الخافض. قال الجوهري: وإن بكذا ديانة، وتدين به؛ فهو دين ومتدين (قال أبو صالح) قال الغساني: أبو صالح هذا هو سليمان بن صالح المروزي شيخ شيوخ البُخَارِيّ (خرج أبو بكر مهاجرًا قبل الحبشة حتَّى بلغ برك الغماد) قال ابن الأثير: بكسر الباء وفتحها، وبفتح العين وضمها اسم موضع باليمن، وقيل: وراء مكة بخمس ليال (لقيه ابن الدغنة) بفتح الدال وكسر الغين المعجمة: ويقال: الدثنة -بالثاء المثلثة- اسمه: ربيعة بن رفيع، والدغنة اسم أمه.
(سيد القارة) -بالقاف- اسم قبيلة، قال الجوهري: هم عضل والديش، أبناء الهون بن خزيمة، سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم لما أراد ابن الشراح أن يفرقهم في كنانة؛ كذا قاله في قور، وقال في ديش: الديش -بكسر الدال وفتحها- ابن الهوشى بن خزيمة، والعضل: ابن الهون ابن خزيمة (فإنك تكسب المعدوم) وفي بعضها: "العديم" أي: تعطي الرَّجل الفقير من مالك، وهذه الأوصاف تقدمت في حديث ورقة أول الكتاب في بدء الوحي.
وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِى الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَاّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَىَّ ذِمَّتِى، فَإِنِّى لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنِّى أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ. وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ
ــ
(وتقري الضيف) بفتح الثاء (وتعين على نوائب الحق) جمع نائبة، وهي: المصيبة (فأنفذت قريش) بالذال المعجمة (جوار ابن المدغنة) أي: إجارته وقبلت (فليعبد ربه في داره) أي: لا في المسجد الحرام.
(فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره) على ما شرط المشركون (ثم بدا لأبي بكر) بالألف والدال المهملة على وزن وفا، أي: ظهر؛ وفاعله ما دل عليه قوله (فابتنى مسجدًا بفناء داره) -بكسر الفاء والمد- ما امتد من جوانب الدار، هذا أول مسجد بني في الإِسلام (فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم) من القصف، وهو الكسر، أي: تكسر بعضهم على بعض من شدة الازدحام (فاسأله أن يرد إليك ذمتك) أي: جوارك (فإنا كرهنا أن نخفرك) بضم النُّون والخاء المعجمة، أي: ننقض عهدك، يقال: خفرته حفظت عهده، وأخفرته: نقضت عهده.