الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب سُجُود التِّلَاوَة وَاجِب)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} ، وَهَذَا يدل على وجوب السَّجْدَة، إِلَّا أَن ظَاهره يَقْتَضِي وجوب السُّجُود عِنْد سَماع سَائِر الْقُرْآن إِلَّا (أَنا) خصصنا مِنْهُ مَا عدا مَوَاضِع السُّجُود واستعملناه فِي مَوَاضِع السُّجُود بِعُمُوم اللَّفْظ، لأَنا لَو لم نستعلمه على ذَلِك كُنَّا قد ألغينا حكمه رَأْسا. " فَإِن قيل: إِنَّمَا أَرَادَ الخضوع.
قيل لَهُ: هُوَ كَذَلِك لكنه خضوع مَخْصُوص على (وصف) وَهُوَ وضع الْجَبْهَة على الأَرْض، كَمَا أَن الرُّكُوع وَالْقِيَام وَالصِّيَام وَالْحج وَسَائِر الْعِبَادَات خضوع وَلَا يُسمى سجودا لِأَنَّهُ خضوع على صفة إِذا خرج عَنْهَا لم يسم بِهِ.
مُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إِذا قَرَأَ ابْن آدم السَّجْدَة فَسجدَ اعتزل الشَّيْطَان يبكي يَقُول: يَا ويله، وَفِي رِوَايَة: يَا ويلتى، أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة، وَأمرت بِالسُّجُود فأبيت فلي النَّار ".
(وَجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث: تَشْبِيه إِبْلِيس إباءه، بسجوده لآدَم، وَسُجُوده لآدَم كَانَ وَاجِبا (عَلَيْهِ) فَكَذَا هَذَا.
فَإِن قيل: يجوز أَن يكون / أَرَادَ المشابهة فِي كَونه سجودا فَذكر مَا سلف لَهُ وَلم يرد المشابهة فِي الْأَحْكَام.
قيل: ظَاهره المشابهة فِي الْأَحْكَام، وَلِهَذَا ذكر الْجنَّة وَالنَّار اللَّذين يكونَانِ جَزَاء لمن أطَاع، (وَجَزَاء) لمن عصى، ثمَّ وَإِن سلمنَا فقد قَالَ: أَمر بِالسُّجُود، وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ غير مَأْمُور بِهِ.
فَإِن قيل: إِنَّمَا يكون هَذَا فِيمَا ورد من أَمر الله تَعَالَى أَو حَكَاهُ الرَّسُول عَن ربه، وَأما هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن إِبْلِيس، وَقد يكون مخطئا فِي تَعْبِيره عَن ذَلِك بِالْأَمر فَلَا يحْتَج بقوله، كَمَا أَخطَأ فِي قَوْله محتجا لفضيلته بِزَعْمِهِ:{أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} ، إِلَّا أَن يَقُول قَائِل:(إِن أَخذ) النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ذَلِك عَنهُ وَلم يُنكره كَالْإِقْرَارِ لَهُ التصويب، فَمَا ذَاك ببين فقد حكى الله تَعَالَى وَحكى هُوَ عليه السلام عَن أهل الْكفْر مقالات كَثِيرَة وَلم يكن ذَلِك تصويبا لَهَا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي قَوْله:" فَلهُ الْجنَّة " دَلِيل على وُجُوبهَا، إِذْ لَيْسَ كل مَا يدْخل بِفِعْلِهِ الْجنَّة وَاجِبا، فالمندوب يُثَاب عَلَيْهِ بِالْجنَّةِ وَلَيْسَ بِوَاجِب) .
فَإِن قيل: روى البُخَارِيّ: عَن عَطاء بن يسَار: " أَنه سَأَلَ زيد بن ثَابت فَزعم أَنه قَرَأَ على النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] النَّجْم فَلم يسْجد فِيهَا ".
قيل لَهُ: يحْتَمل أَنه عليه السلام لم يسْجد فِي تِلْكَ الْحَال لأحد أَمريْن: إِمَّا لِأَن زيد بن ثَابت لما قَرَأَ عَلَيْهِ لم يسْجد، وَالْمُسْتَحب أَن يسْجد الْقَارئ أَولا ثمَّ يسْجد السَّامع. قَالَ البُخَارِيّ: " وَقَالَ ابْن مَسْعُود لتميم بن حذلم - وَهُوَ غُلَام - فَقَرَأَ