الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ: " مَا أُبَالِي إِذا أتممت وضوئي بِأَيّ أعضائي بدأت ". وَقد وَافَقنَا مَالك رحمه الله فِي ذَلِك.
وَقَالَ ابْن شَدَّاد فِي دَلَائِل الْأَحْكَام لَهُ: " وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنه سنة حَتَّى لَو عكس صَحَّ وضوءه ".
وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهما، وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين سعيد بن الْمسيب، وَعَطَاء، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الْأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْري، رَحِمهم الله تَعَالَى "
(بَاب الْخَارِج النَّجس من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء)
الدَّارَقُطْنِيّ: عَن ابْن جريج عَن (أَبِيه) قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إِذا قاء أحدكُم أَو قلس أَو وجد مذيا وَهُوَ فِي الصَّلَاة فلينصرف، وليتوضأ، وليبن على صلَاته / مَا لم يتَكَلَّم ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " قَالَ لنا أَبُو بكر سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: هَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج وَهُوَ مُرْسل ".
وروى التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق حُسَيْن الْمعلم عَن أبي الدَّرْدَاء: " أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قاء فَتَوَضَّأ، فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق، فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: صدق، أَنا صببت لَهُ وضوءه ".
قَالَ الْأَثْرَم: " قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل، قد اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حُسَيْن الْمعلم يجوده ".
فَإِن قيل: إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ غسل فَمه من الْقَيْء (وزهومته) .
قيل: لَهُ: الْمَفْهُوم من (إِطْلَاق) لفظ الْوضُوء عِنْد أهل الشَّرْع إِنَّمَا هُوَ الْوضُوء الشَّرْعِيّ، وَغسل الْفَم من الْقَيْء وَمن اللَّبن يُسمى مضمضة.
وروى تَمِيم الدَّارِيّ رضي الله عنه أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ: " الْوضُوء من كل دم سَائل ".
هَذَا الحَدِيث يرويهِ عَن تَمِيم الدَّارِيّ عمر بن عبد الْعَزِيز وَلم يلقه، وَيَرْوِيه عَن عمر بن عبد الْعَزِيز يزِيد بن خَالِد، و (يزِيد) بن مُحَمَّد وهما مَجْهُولَانِ، إِلَّا أَن عدم لَقِي الرَّاوِي من حدث عَنهُ بِمَنْزِلَة الْإِرْسَال، والمرسل مَقْبُول عندنَا. والجهالة غير مَانِعَة من الْقبُول على مَا مر.
(روى) مَالك: عَن نَافِع: " أَن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كَانَ إِذا رعف انْصَرف فَتَوَضَّأ ثمَّ رَجَعَ فَبنى وَلم يتَكَلَّم ".
فَإِن قيل: رُوِيَ أَن ابْن عمر رضي الله عنه عصر بثرة فَخرج مِنْهَا دم وَلم يتَوَضَّأ ".
قيل لَهُ: وَكَذَلِكَ نقُول فَإِن هَذَا مخرج وَلَيْسَ بِخَارِج فَلَا ينْتَقض الْوضُوء. وروى مَالك: عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيْثِيّ، " أَنه رأى سعيد بن الْمسيب رعف وَهُوَ يُصَلِّي فَأتى حجرَة أم سَلمَة زوج النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فَتَوَضَّأ ثمَّ رَجَعَ فَبنى على مَا قد صلى ".
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد: فِي سنَنه عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، فَأصَاب رجل امْرَأَة رجل من الْمُشْركين، فَحلف أَن لَا أَنْتَهِي حَتَّى أهريق دَمًا فِي أَصْحَاب مُحَمَّد، فَخرج يتبع أَثَره، وَنزل رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَقَالَ: هَل من رجل يكلؤنا فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَقَامَ (رجل) من الْأَنْصَار وَقَالَ: (كونا) بِفَم الشّعب، / فَلَمَّا خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب اضْطجع الْمُهَاجِرِي، وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي، فَأتى الرجل فَلَمَّا رأى شخصه (عرف) أَنه ربيئة (الْقَوْم) ، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاه بِثَلَاثَة أسْهم، ثمَّ ركع ثمَّ سجد ثمَّ أنبه صَاحبه، فَلَمَّا عرف أَنهم قد نذروا بِهِ هرب، فَلَمَّا
رأى الْمُهَاجِرِي مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء قَالَ: سُبْحَانَ الله (هلا) أنبهتني أول (مَا) رمى، قَالَ: كنت فِي سُورَة أقرؤها فَلم أحب أَن أقطعها ".
قَالُوا: فقد مضى فِي صلَاته وَلَو كَانَ خُرُوج الدَّم ينْقض (الْوضُوء) لما مضى فِي صلَاته.
قيل: هَذَا لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ، فَإِن الدَّم حِين خرج أصَاب بدنه وثوبه، فَيَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّلَاة وَلم يخرج، (فَلَمَّا لم يدل) مضيه فِي الصَّلَاة على جَوَاز الصَّلَاة مَعَ النَّجَاسَة، كَذَلِك لَا يدل مضيه فِيهَا على أَن خُرُوج الدَّم لَا ينْقض الْوضُوء. قَالَ الْخطابِيّ:" وَتَقْدِير خُرُوج الدَّم زرقا بِحَيْثُ (لَا يلوث) شَيْئا بعيد ".
فَإِن قيل: إِصَابَة الدَّم شَيْئا من بدنه أَو ثِيَابه يشك فِيهِ ويشك فِي أَنه يسير يتَحَمَّل فِي الصَّلَاة، أَو كثير لَا يتَحَمَّل فِي الصَّلَاة، وَأما خُرُوجه فَإِنَّهُ يحس بِهِ لِأَنَّهُ خَارج من بدنه.
قيل لَهُ: هَذِه مُكَابَرَة، كَيفَ يحصل هَذَا الشَّك وَقد قَالَ جَابر رضي الله عنه:" فَلَمَّا رأى الْمُهَاجِرِي مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء "، والمهاجري قد رَآهُ بِاللَّيْلِ، وهاله مَا رأى من الدِّمَاء بِبدنِهِ وثيابه، لِأَنَّهُ قَالَ:" مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء "، وَلم يقل مَا بِالْأَرْضِ، وَالدَّم المهول فِي اللَّيْل لَا يكون يَسِيرا، كَيفَ وَقد جمع الدَّم فَقَالَ:" مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء "، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد أَصَابَهُ بِثَلَاثَة أسْهم، وَالظَّاهِر أَنَّهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، ثمَّ إِن هَذَا فعل وَاحِد من الصَّحَابَة رضي الله عنهم، وَلَعَلَّه كَانَ مذهبا لَهُ أَو كَانَ غير عَالم بِحكمِهِ.