الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر الْغَرِيب:)
غم عَلَيْكُم: يَعْنِي استتر، من قَوْلك: غممت الشَّيْء إِذا سترته وغطيته فَهُوَ مغموم. وَقَوله: فاقدروا لَهُ: ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن المُرَاد بِهِ التَّقْدِير بِحِسَاب الْقَمَر فِي الْمنَازل، أَي اقدروا لَهُ منَازِل الْقَمَر فَإِنَّهُ يدلكم على أَن الشَّهْر تِسْعَة وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاثُونَ. قَالَ بعض أهل الْعلم: وَهَذَا خطاب لمن خصّه الله بِهَذَا الْعلم، وَقَوله: فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ يَوْمًا للعامة. وَالله أعلم.
(بَاب لَا بَأْس بِصَوْم يَوْم الشَّك تَطَوّعا)
مَالك: " أَنه سمع أهل الْعلم ينهون عَن أَن يصام (الْيَوْم) الَّذِي يشك فِيهِ من شعْبَان إِذا نوى بِهِ صِيَام رَمَضَان، وَلَا يرَوْنَ بصيامه تَطَوّعا بَأْسا ". وَمَا رُوِيَ أَن عمارا قَالَ: " من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم " مَحْمُول على أَنه صَامَهُ نَاوِيا أَنه من رَمَضَان، كَقَوْلِه عليه السلام:" لَا تقدمُوا (صَوْم) رَمَضَان بِيَوْم وَلَا بيومين ". (أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم) .
فَإِن قيل: فقد روى الْخَطِيب، عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: " أَصْبَحْنَا يَوْم الثَّلَاثِينَ صياما، وَكَانَ الشَّهْر قد أُغمي علينا، فأتينا النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فوجدناه مُفطرا،
فَقلت: يَا نَبِي الله صمنا الْيَوْم قَالَ: أفطروا إِلَّا أَن يكون رجل يَصُوم هَذَا الْيَوْم فليتم صَوْمه، لِأَن أفطر يَوْمًا من رَمَضَان يكون مِنْهُ أحب إِلَيّ من أَن أَصوم يَوْمًا من شعْبَان لَيْسَ مِنْهُ، يَعْنِي لَيْسَ من رَمَضَان.
قَالَ الْخَطِيب: فَفِي هَذَا كِفَايَة عَمَّا سواهُ.
قلت: قَالَ أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ رحمه الله: " لَا تكون عصبية أبلغ من هَذَا، فليته روى الحَدِيث وَسكت عَنهُ، فَأَما أَن يعلم عَيبه وَلَا يذكرهُ ثمَّ يمدحه ويثني عَلَيْهِ وَيَقُول فِيهِ كِفَايَة عَمَّا سواهُ، فَهَذَا مِمَّا أزرى بِهِ علمه. أتراه مَا علم أَن أحدا يعرف قبح مَا أَتَى بِهِ، كَيفَ وَهَذَا ظَاهر لكل من شم شَيْئا من علم الحَدِيث / فَكيف بِمن أوغل فِيهِ، أتراه مَا علم أَن فِي الصَّحِيح من روى حَدِيثا يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين، وَهَذَا الحَدِيث مَوْضُوع على ابْن جَراد وَلَا أصل لَهُ عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ، وَلَا ذكره أحد من الْأَئِمَّة الَّذين جمعُوا السّنَن وترخصوا فِي الضِّعَاف، وَإِنَّمَا هُوَ مَذْكُور فِي نُسْخَة يعلى بن الْأَشْدَق، قَالَ أَبُو زرْعَة: يعلى بن الْأَشْدَق لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي الْحَافِظ: ليعلى بن الْأَشْدَق عَن عَمه عبد الله بن جَراد عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَحَادِيث كَثِيرَة مُنكرَة، وَهُوَ وَعَمه غير معروفين. وَقَالَ البُخَارِيّ: يعلى لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان: لَقِي يعلى عبد الله بن جَراد، فَلَمَّا كبر اجْتمع عَلَيْهِ من لَا دين لَهُ، فوصفوا لَهُ مَا يواتي نُسْخَة عبد الله بن جَراد. فَجعل يحدث بهَا وَهُوَ لَا يدْرِي، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ بِحَال.
قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ رحمه الله: وَمَا كَانَ هَذَا يخفى على الْخَطِيب، غير أَن العصبية تغطي على الذِّهْن، وَإِنَّمَا يبهرج مَا يخفي، وَمثل هَذَا لَا يخفى، نَعُوذ بِاللَّه من غلبات الْهوى.
قلت: وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن الْجَوْزِيّ رحمه الله إِنَّمَا عَنى بِهِ خطيب بَغْدَاد فِي ذَلِك الزَّمَان، وَبئسَ خطيب الْقَوْم كَانَ، فَإِن بِسَبَب وُقُوعه فِي الْأَئِمَّة الْأَعْيَان، ونسبته إِلَيْهِم
الزُّور والبهتان جعل من الَّذين على رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يكذبُون، {ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} .
فقد تجرأ على الإِمَام أبي حنيفَة رضي الله عنه فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بتاريخ بَغْدَاد، وسلك فِي ثلبه سَبِيل الْبَغي والعناد، وَأظْهر بتكلمه فِيهِ صُورَة النصح للعباد، وحذا فِي ذَلِك حَذْو فِرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ:{ذروني أقتل مُوسَى وليدع ربه إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} . واختلق عَلَيْهِ أقوالا وأفعالا، وَكَانَ لاختلافه ذَلِك من الأخسرين أعمالا، وَقدم على مَا وَضعه فِي كِتَابه من مثالبه، نبذة يسيرَة من مناقبه ليوهم من سَمعه أَنه لَيْسَ بمتقول (بِهِ) عَلَيْهِ، وَأَنه لم يذكر فِي كِتَابه (عَنهُ) إِلَّا مَا نقل إِلَيْهِ. وَقد تتبعت النقاد مَا ذكره من المثالب، فوجدوه فِي جَمِيع مَا نَقله مِنْهَا كَاذِب، فَكَانَ / بذلك من الَّذين يلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ ويكتمون الْحق وهم يعلمُونَ، {فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} ، وَقد كَانَ كَمَا بلغنَا من الْمُحدثين، وَلَكِن الله تَعَالَى آتَاهُ آيَاته {فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين} .