الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي قَوْله: " وَكَانُوا لَا يرشون شَيْئا من ذَلِك ". وَإِذا (كَانَ) دأبها الإقبال والإدبار فِيهِ فَمَا الْمَانِع لَهَا من الْبَوْل فِيهِ، أعقلها وأدبها أم ربط الْحفاظ على منافذها.
(بَاب إِذا أصَاب الأَرْض نَجَاسَة مائعة وَهِي صلبة مستوية قلب أَعْلَاهَا حَتَّى يصير أَسْفَلهَا، لِأَنَّهُ الطَّرِيق الْمُمكن فِي تطهيرها)
فَإِن قيل: قد صَحَّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن أَعْرَابِيًا دخل الْمَسْجِد - وَرَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] جَالس - فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمدا وَلَا ترحم مَعنا أحدا "، / فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] :(لقد) تحجرت وَاسِعًا، ثمَّ لم يلبث أَن بَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فأسرع النَّاس إِلَيْهِ فنهاهم النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] وَقَالَ: إِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين، صبوا عَلَيْهِ سجلا من مَاء (أَو قَالَ ذنوبا من مَاء) .
قيل لَهُ: فقد روى أَبُو دَاوُد، عَن عبد الله بن معقل بن مقرن قَالَ:" صلى أَعْرَابِي مَعَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، بِهَذِهِ الْقِصَّة، وَقَالَ يَعْنِي النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه وأهريقوا على مَكَانَهُ مَاء ".
فَإِن قيل: هَذَا حَدِيث مُرْسل، لِأَن عبد الله بن معقل لم يدْرك النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] .
قيل لَهُ: الْمَرَاسِيل حجَّة يجب الْعَمَل بهَا والمرسل: مَا انْقَطع إِسْنَاده فأخل فِيهِ بِبَعْض رُوَاته. (وَإِلَى هَذَا) ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ والصدر الأول كلهم وَسَائِر أَصْحَاب الحَدِيث من الْمُتَقَدِّمين.
قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي أُصُوله: " قَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: إِنْكَار الْمُرْسل بِدعَة ظَهرت بعد المئتين، وَيدل على ذَلِك إِجْمَاع النَّاس على نقل الْمُرْسل إِلَى الْيَوْم، وَلَا فَائِدَة فِي نَقله وَرِوَايَته والاشتغال بِهِ إِلَّا الْعَمَل بِمُوجبِه، وبهذه الطَّرِيقَة أثبتنا الْعَمَل بأخبار الْآحَاد المسندة ".
فَإِن قيل: هَذَا يبطل بأخبار الضُّعَفَاء والمتروكين، فَإِنَّهَا تروى وتكتب وتنقل فِي الْكتب وَمَعَ ذَلِك لَا يجب الْعَمَل بمتضمنها.
قيل لَهُ: هَذَا بَاطِل، لِأَن أَكثر المتورعين والفضلاء لَا يروون عَن الضُّعَفَاء، وَقد رُوِيَ عَن مَالك رحمه الله أَنه سَأَلَهُ عبد الرَّزَّاق (أَن) يحدثه بِحَدِيث فَقَالَ: قد رويته وَلَا أحَدثك بِهِ، وَسَأَلَهُ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي أَن يحدثه بِهِ فَقَالَ: لَو كنت مُحدثا بِهِ لحدثته، وَلَكِنِّي لَا أحدث بِهِ لِأَن رَاوِيه لم يكن (عندنَا) بذلك، وَقَالَ شُعْبَة: لِأَن أزني (أحب إِلَيّ من أَن) أحدث بِحَدِيث عَن أبان بن أبي عَيَّاش، وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَئِمَّة إِذا ثَبت عِنْدهم تَضْعِيف / رجل رموا بحَديثه، إِلَّا آحادا من الْمُحدثين لم يثبت بهم حجَّة، وَلِأَن خبر الضَّعِيف إِذا رُوِيَ فَأكْثر الْعلمَاء يبين ضعفه ويقرن بِهِ مَا يُوجب رده، فَيجوز لذَلِك.
(وَلَيْسَ) كَذَلِك الْخَبَر الْمُرْسل، فَلم نر أحدا من الْعلمَاء روى حَدِيثا مُرْسلا، وَذكر أَنه لَا يُؤْخَذ بِهِ لِأَنَّهُ مُرْسل.
فَهَذَا نوع آخر من أَنْوَاع الحَدِيث قبلناه وأوجبنا الْعَمَل بِهِ، وَتَركنَا الْقيَاس من أَجله، وغيرنا مِمَّن ادّعى (اتِّبَاع) الحَدِيث ترك الْعَمَل بِهِ، وَعمل بِالْقِيَاسِ عِنْد وجوده، وَمن ترك الْعَمَل بالمرسل فقد ترك أَكثر أَحَادِيث رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] .
قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ: " وَلَو تتبعت أَخْبَار الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَسَائِر أهل الْمَدِينَة والشاميين والكوفيين، لوجدت (أئمتهم) كلهم قد أرْسلُوا الحَدِيث ".
ثمَّ هَذَا عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنه مُسْنده من أَكثر مسانيد الصَّحَابَة رضي الله عنهم، وَقد ثَبت بِخَبَرِهِ أَنه لم يسمع من النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] إِلَّا نَحوا من سَبْعَة أَحَادِيث.
ثمَّ نقُول: قد أَمر فِي هَذَا الحَدِيث بِأخذ التُّرَاب الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْل وإلقائه وصب المَاء عَلَيْهِ، وَقد ذكره بِحرف الْوَاو، فَإِن كَانَ أَمر بصب المَاء عَلَيْهِ أَولا ثمَّ بِأخذ التُّرَاب ففائدة الصب ذهَاب رَائِحَة الْبَوْل، وَإِن كَانَ أَمر بِأخذ التُّرَاب أَولا ثمَّ بصب المَاء فَيحْتَمل وَجْهَيْن:
أَحدهمَا أَنه (أَمر) بصب المَاء على مَكَانَهُ، لاحْتِمَال أَن يكون بَقِي شَيْء من التُّرَاب الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْل، فَيكون الصب مطهرا لَهُ، لِأَن الأَرْض قد أثيرت فالماء يستتبع النَّجَاسَة (وينسفل) بهَا، أَو يكون الْأَمر بالصب (تعبدا) .
وَأما الحَدِيث الأول إِن سلمنَا صِحَة الِاحْتِجَاج بِهِ دون غَيره فَنَقُول: إِنَّمَا اكْتفى