الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب يجوز دفع الْقيم فِي (الزكوات) وَالْكَفَّارَات الْمَالِيَّة)
صَحَّ فِي حَدِيث أبي بكر رضي الله عنه أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ: " فَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَأَن يَجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا (لَهُ) ، أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت عِنْده (صَدَقَة الحقة) (وَلَيْسَ عِنْده حقة) وَعِنْده جَذَعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ (وَيُعْطِيه الْمُصدق شَاتين، أ) وَعشْرين درهما ".
فَإِن قيل: لَيْسَ هَذَا على وَجه الْقيمَة، إِنَّمَا هِيَ أصُول، بِدَلِيل أَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمَان، وَلِهَذَا قدرهَا الشَّارِع بِشَيْء لَا يخْتَلف.
قيل لَهُ: إِنَّمَا قدرهَا لِأَن قيمتهَا فِي ذَلِك الْوَقْت (كَانَت) كَذَلِك
فَإِن قيل: قَالَ الْخطابِيّ بعد أَن حكى أَقْوَال النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث: " وَأَصَح هَذِه الْأَقْوَال، قَول من ذهب إِلَى أَن كل وَاحِد من الشاتين وَالْعِشْرين درهما
فيهمَا أصل فِي نَفسه، وَلَيْسَ لَهُ الْعُدُول عَنْهَا (إِلَى الْقيمَة) ، إِذْ لَو كَانَ للقيمة مدْخل لم يكن لنقل الْفَرِيضَة إِلَى مَا هُوَ فَوْقهَا، وَإِلَى مَا هُوَ أَسْفَل مِنْهَا معنى ".
قيل لَهُ: بل أصح الْأَقْوَال قَول من ذهب إِلَى أَن كل وَاحِد من الشاتين وَالْعِشْرين (درهما) ليسَا بِأَصْل، وَأَن لَهُ الْعُدُول إِلَى الْقيمَة، بِدَلِيل أَن النَّص فِي (الْجبرَان)(ورد) فِي (سنة) وَاحِدَة نزولا وصعودا، وَمن قَالَ بِأَن الشاتين وَالْعِشْرين درهما أصل جوز الترقي (بِسنتَيْنِ)(وَأخذ) جبرانين، وَالنُّزُول (بِسنتَيْنِ) مَعَ جبرانين، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا قِيَاس بالتعديل والتقويم، وَفِي الصعُود وَالنُّزُول فَائِدَة وَهِي التَّيْسِير على أَرْبَاب الْمَوَاشِي.
وروى أَحْمد بن حَنْبَل رحمه الله عَن الصنَابحِي رضي الله عنه قَالَ: " رأى رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي إبل الصَّدَقَة نَاقَة مُسِنَّة، (وَقيل: نَاقَة كوماء) ، فَغَضب فَقَالَ: مَا هَذِه؟ فَقَالَ (الْمُصدق) : " يَا رَسُول الله ارتجعتها ببعيرين من مَاشِيَة الصَّدَقَة، فَسكت ".
فَإِن قيل: / لَعَلَّه استبدل وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ بعد الْقَبْض بطرِيق البيع، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ تعرض لجِهَة الْأَخْذ فَلَا حجَّة فِيهِ.
قيل لَهُ: قَالَ أَبُو عبيد: الارتجاع: أَن يَأْخُذ سنا مَكَان (سنّ) . وَقَالَ فِي
الصِّحَاح: " وَالرَّجْعَة فِي الصَّدَقَة أَن يجب على رب المَال (أَسْنَان، فَيَأْخُذ الْمُصدق مَكَانهَا) أسنانا فَوْقهَا أَو دونهَا بِثمنِهَا ". وَقَالَ فِي مُجمل اللُّغَة: " الراجعة: النَّاقة تبَاع وتشتري بِثمنِهَا مثلهَا، وَقد ارتجعتها ارتجاعا، ورجعتها رَجْعَة ".
وَعَن طَاوس: " قَالَ معَاذ بن جبل لأهل الْيمن: ائْتُونِي (بِعرْض ثِيَاب) بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم (مَكَان الذّرة وَالشعِير) فِي الصَّدَقَة فَهُوَ أَهْون عَلَيْكُم، وَخير للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ ". وَهَذَا مُرْسل، والمرسل عندنَا حجَّة.
فَإِن قيل: المُرَاد بِالصَّدَقَةِ الْجِزْيَة، وَقد كَانُوا يطْلبُونَ ذَلِك مَعَ تَضْعِيف الْوَاجِب حذرا من الْعَار، وَيدل عَلَيْهِ نَقله إِلَى الْمَدِينَة، وَمذهب معَاذ (أَن) النَّقْل فِي الصَّدقَات مُمْتَنع، وَيدل عَلَيْهِ إضافتها إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، والجزية تسْتَحقّ بِالْهِجْرَةِ والنصرة، وَأما الزَّكَاة فتستحق بالفقر والمسكنة.
قيل لَهُ: إِطْلَاق لفظ الصَّدَقَة على الْجِزْيَة بعيد جدا، وَلَا يظنّ بمعاذ رَضِي الله
عَنهُ (أَن) يُطلق لفظ الصَّدَقَة على الْجِزْيَة، فَإِن الصَّدَقَة عبَادَة والجزية عُقُوبَة، وَلم يطْلب أحد مِمَّن طلب مِنْهُ الْجِزْيَة تَضْعِيف الزَّكَاة عوضا عَن الْجِزْيَة - فِيمَا علمنَا - إِلَّا بَنو تغلب، فَإِنَّهُم طلبُوا من عمر رضي الله عنه أَن يصالحهم على ذَلِك، فَصَالحهُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ جِزْيَة فسموها مَا شِئْتُم. وَفِي قَوْله: " فَهُوَ أَهْون عَلَيْكُم وَخير للمهاجرين وَالْأَنْصَار (بِالْمَدِينَةِ) "، دَلِيل على أَن الْخطاب كَانَ مَعَ الْمُسلمين، لِأَنَّهُ طلب مِنْهُم ذَلِك وَبَين لَهُم مَا فِيهِ من النَّفْع لأَنْفُسِهِمْ وللمهاجرين وَالْأَنْصَار) فَلَو (لَا) أَنه رأى أَنهم يؤثرون رَاحَة أنفسهم، ووصول الْخَيْر إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَإِلَّا لما كَانَ لذكر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَائِدَة، وَفِي حَيَاة رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] لم ينْسب إِلَى أحد من الصَّحَابَة مَذْهَب، وَنقل معَاذ الصَّدَقَة إِلَى الْمَدِينَة لم يكن إِلَّا بِأَمْر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ظَاهرا، وَلم يضف الصَّدَقَة إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مُطلقًا، بل أَرَادَ (أَنه) خير للْفُقَرَاء مِنْهُم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَخير لفقراء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، / فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وأعربه بإعرابه، وَقد جَاءَ فِي كَلَام الله تَعَالَى كثير من هَذَا
و (قد) روى البُخَارِيّ وَمُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: " بعث النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] عمر بن الْخطاب رضي الله عنه على الصَّدَقَة، فَمنع ابْن جميل، وخَالِد بن الْوَلِيد، وَالْعَبَّاس. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " مَا ينقم ابْن جميل إِلَّا أَن كَانَ فَقِيرا فأغناه الله، وَأما خَالِد بن الْوَلِيد، فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا (فقد)(احْتبسَ أدرعه)