الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- كَمَا زعمت - لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث، فَإِن ترك الْعلمَاء كلهم الْعَمَل بِالْحَدِيثِ لَا يقْدَح فِي صِحَّته، كَحَدِيث الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، فَلَا يقْدَح فِي صِحَّته ترك الْأَكْثَر.
وَقَوله: " وَلَو صَحَّ الْخَبَر لقَالَ بِهِ وَاحِد من الْعلمَاء غَيره ".
قيل لَهُ: الْعَمَل بِمُوجب الحَدِيث لَا يدل على صِحَّته، فَإِن أَئِمَّة (الْأَمْصَار) اتَّفقُوا على الْعَمَل بِمُوجب خبر معَاذ بن جبل رضي الله عنه فِي الْقيَاس، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيح عِنْد أهل الحَدِيث، وَعمل أبي حنيفَة رضي الله عنه كَاف فِي صِحَة الحَدِيث، إِن كَانَ عمل بعض الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ يدل على صِحَّته، فَإِن الْأَئِمَّة كلهم تبع لَهُ وعائلة عَلَيْهِ، وانفراده بِهَذَا القَوْل دون غَيره لَا يدل على أَنه مخترع (كَمَا لَا يدل انْفِرَاد غَيره بالْقَوْل على أَنه مخترع) وَقَول ابْن الْمُنْذر:" وَذَهَبت طَائِفَة قَلِيل عَددهَا إِلَى أَن الْعشْر وَالْخَرَاج لَا يَجْتَمِعَانِ ". لَيْسَ بِصَحِيح، فَإِن أَصْحَاب أبي حنيفَة رضي الله عنه لَا ينْحَصر عَددهمْ، وَلَا يَنْقَطِع مددهم، وَإِن كَانَ عَددهمْ قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْعلمَاء / فَلَيْسَ ذَلِك بقادح فيهم، فَإِن كل وَاحِد من الْأَئِمَّة مَعَ أَصْحَابه بِهَذِهِ المثابة، فَظهر بِهَذَا أَن ابْن الْمُنْذر قصد تعييرنا بالقلة فِي الْعدَد، فَنَقُول كَمَا قَالَ بَعضهم:
(تعيرنا أَنا قَلِيل عديدنا
…
فَقلت لَهَا إِن الْكِرَام قَلِيل)
ثمَّ إِن أحدا من الْأَئِمَّة العادلة والجائرة لم يَأْخُذ الْعشْر من أَرض الْخراج، وَلَا الْخراج من أَرض الْعشْر، مَعَ كَثْرَة احتيال بَعضهم لأخذ أَمْوَال النَّاس وَكفى بِالْإِجْمَاع حجَّة.
(بَاب)
لَا يخرص الرطب (تَمرا) فَيعلم مِقْدَاره (فَيسلم) إِلَى رب النّخل، وَيملك
بذلك حق الله تَعَالَى (فِيهِ) ، وَيكون عَلَيْهِ مثله بمكيل ذَلِك تَمرا. إِذْ كَيفَ يجوز ذَلِك، وَقد يجوز أَن تصيب الثَّمَرَة بعد ذَلِك آفَة فتتلفها فَيكون مَا يُؤْخَذ من صَاحبهَا بَدَلا من حق الله تَعَالَى فِيهِ مأخوذا (بَدَلا) مِمَّا لم يسلم لَهُ.
وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيث المروية عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم](مَا يدل على أَن الثَّمَرَة كَانَت رطبا حِينَئِذٍ فَيجْعَل لصَاحِبهَا حق الله تَعَالَى بمكيله تَمرا يكون عَلَيْهِ نَسِيئَة. وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ) : " أَنه نهى عَن بيع التَّمْر على رُؤُوس النّخل كَيْلا، وَنهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة ". وَإِنَّمَا أُرِيد بخرص ابْن رَوَاحَة ليعلم مِقْدَار مَا فِي أَيدي النَّاس من الثِّمَار فَيَأْخُذ مثله بِقَدرِهِ فِي أَيَّام الصرام، لَا أَنهم يملكُونَ شَيْئا مَا يجب لله فِيهِ بِبَدَل لَا يَزُول ذَلِك الْبَدَل عَنْهُم.
البُخَارِيّ: عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ: " غزونا مَعَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] غَزْوَة تَبُوك، فَلَمَّا جَاءَ وَادي الْقرى إِذا امْرَأَة فِي حديقة لَهَا، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] لأَصْحَابه: اخرصوا، وخرص رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] عشرَة أوسق، فَقَالَ لَهَا: أحصي مَا يخرج مِنْهَا ".
وَمن طَرِيق الطَّحَاوِيّ: حَتَّى أرجع إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوك قَالَ: " أما أَنَّهَا ستهب اللَّيْلَة ريح شَدِيدَة فَلَا يقومن أحد، وَمن كَانَ مَعَه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت ريح شَدِيدَة، فَقَامَ رجل فألقته بجبل طَيء، وَأهْدى ملك أَيْلَة للنَّبِي [صلى الله عليه وسلم] بغلة بَيْضَاء، وكساه بردا، وَكتب لَهُم (ببحرهم) ، فَلَمَّا أَتَى وَادي الْقرى قَالَ للْمَرْأَة: / كم جَاءَت حديقتك، قَالَت: عشرَة أوسق خرص رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ".
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] خرص حديقتها، وأمرها أَن تحصي مَا يَجِيء مِنْهَا حَتَّى يرجع إِلَيْهَا، فَذَلِك دَلِيل أَنَّهَا لم تملك بِخرْصِهَا إِيَّاهَا مَا لم تكن مالكة لَهُ قبل
ذَلِك، وَإِنَّمَا أُرِيد بذلك معرفَة مِقْدَار مَا فِي نخلها خَاصَّة، ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا (الزَّكَاة) فِي وَقت الصرام على حسب مَا يجب (فِيهَا) .
فَإِن قيل: روى أَبُو دَاوُد: عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: " كَانَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود، فيخرص النّخل حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ ".
وَعَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد:" أَن رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أمره أَن يخرص الْعِنَب زبيبا كَمَا يخرص الرطب ".
قيل لَهُ: حَدِيث عَائِشَة فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، وَحَدِيث ابْن الْمسيب مُنْقَطع لِأَن عتابا توفّي فِي الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه، ومولد سعيد بن الْمسيب فِي خلَافَة عمر رضي الله عنه سنة خمس عشرَة على الْمَشْهُور.
قَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: " لَيْسَ فِي الْخرص حَدِيث يَصح إِلَّا وَاحِد وَهُوَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا روينَاهُ فِي حديقة الْمَرْأَة، قَالَ: ويليه حَدِيث ابْن رَوَاحَة فِي الْخرص على الْيَهُود. وَهَذِه الْمَسْأَلَة عسرة جدا، لِأَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ثَبت عَنهُ خرص النّخل، وَلم يثبت عَنهُ خرص الزَّبِيب، وَكَانَ كثيرا فِي حَيَاته وَفِي بِلَاده، وَلم يثبت عَنهُ خرص النّخل إِلَّا على الْيَهُود، لأَنهم كَانُوا شُرَكَاء وَكَانُوا غير أُمَنَاء، وَأما الْمُسلمُونَ فَلم يخرص عَلَيْهِم. قَالَ: وَلما لم يَصح حَدِيث سهل، وَلَا حَدِيث ابْن الْمسيب، بَقِي