الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب من نسي أَن يَنْوِي بِاللَّيْلِ أَجْزَأته النِّيَّة مَا بَينه وَبَين نصف النَّهَار)
البُخَارِيّ وَغَيره: عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رضي الله عنه قَالَ: " أَمر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] رجلا من أسلم أَن أذن فِي النَّاس (أَن) من (كَانَ) أكل فليصم بَقِيَّة يَوْمه، وَمن لم يكن أكل فليصم فَإِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء ". وعاشوراء يَوْمئِذٍ كَانَ عَلَيْهِم فرضا. يدل على ذَلِك مَا روى البُخَارِيّ: عَن عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أَمر بصيام يَوْم عَاشُورَاء، فَلَمَّا فرض رَمَضَان كَانَ من شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ رحمه الله: " فَفِي أَمر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] إيَّاهُم بصومه بَعْدَمَا أَصْبحُوا، دَلِيل على أَن من (كَانَ) فِي يَوْم عَلَيْهِ صَوْمه بِعَيْنِه، وَلم يكن نوى صَوْمه من اللَّيْل، أَنه يُجزئهُ أَن يَنْوِي صَوْمه بَعْدَمَا أصبح إِذا كَانَ (ذَلِك) قبل الزَّوَال، على مَا قَالَ أهل الْعلم ".
فَإِن قيل: صَوْم (يَوْم) عَاشُورَاء إِن كَانَ الْأَمر بصيامه فِي أول الْفَرْض،
فالفرض من حِين الْخطاب، وَإِن كَانَ فِي وَقت نسخ فَرْضه، وَبَقِي تَطَوّعا، فَيجوز أَنه أخْبرهُم قبل دُخُوله وَأَشَارَ إِلَيْهِم بِهِ، وَإِلَّا فَلَا معنى لهَذَا.
وَالَّذِي يدل على صِحَة هَذَا أَنه لم يرو أحد أَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَمر فِي (يَوْم) عَاشُورَاء من أكل بِقَضَاء.
قيل لَهُ: الْفَرْض كَانَ قبل الْخطاب، وَالْخطاب كَانَ معلما بِثُبُوتِهِ، كَالشَّهَادَةِ بِرُؤْيَة الْهلَال، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع: فَإِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء. فَفِي هَذَا أَنهم كَانُوا عَالمين بشرعية صَوْمه، وَلم يَكُونُوا عَالمين بِأَنَّهُ هُوَ هَذَا الْيَوْم. وَقد روى أَبُو دَاوُد: عَن عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة، عَن عَمه أَن أسلم أَتَت النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] فَقَالَ:" أصمتم يومكم هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأتمُّوا بَقِيَّة يومكم واقضوه "، وَأخرجه النَّسَائِيّ.
فَإِن قيل: / فَمَا جوابك عَن قَوْله عليه السلام: " من لم يبيت الصّيام قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ ".
قيل لَهُ: هَذَا حَدِيث لم يرفعهُ الْحفاظ الَّذين يَرْوُونَهُ عَن ابْن شهَاب، ويختلفون فِيهِ اخْتِلَافا يجب اضْطِرَاب الحَدِيث بِمَا هُوَ دونه.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن حَفْصَة، عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] قَالَ:" من لم يجمع الصّيام من اللَّيْل قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: " حَدِيث حَفْصَة لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَوْله، وَهُوَ أصح ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ رحمه الله: " وَلَكِن مَعَ ذَلِك نثبته ونجعله على خَاص من الصَّوْم وَهُوَ الصَّوْم الْفَرْض الَّذِي لَيْسَ فِي أَيَّام بِعَينهَا، مثل الصَّوْم فِي الْكَفَّارَات وَقَضَاء رَمَضَان وَمَا أشبه ذَلِك ".
وروى التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: " دخل عَليّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يَوْمًا فَقَالَ: هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ قَالَت: قلت: لَا، قَالَ: فَإِنِّي صَائِم ".
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ: " فَلَمَّا جَاءَت هَذِه الْآثَار على مَا ذكرنَا لم يجز أَن نجْعَل بَعْضهَا مُخَالفا لبَعض، فحملنا حَدِيث عَائِشَة على صَوْم التَّطَوُّع، وَحَدِيث يَوْم عَاشُورَاء على الصَّوْم الْمَفْرُوض فِي الْيَوْم الَّذِي بِعَيْنِه، فَكَذَلِك حكم الصَّوْم الْمَفْرُوض فِي ذَلِك (الْيَوْم) جَائِز أَن يعْقد لَهُ النِّيَّة بعد طُلُوع الْفجْر، وَمن ذَلِك شهر رَمَضَان فَهُوَ فرض فِي أَيَّام بِعَينهَا كَيَوْم عَاشُورَاء.