الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ التِّرْمِذِيّ: " مَعْنَاهُ التَّغْلِيظ ". فَإِذا حمل قَوْله عليه السلام على التَّغْلِيظ فَكَذَلِك قَول أَصْحَابه رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
(بَاب تَارِك الصَّلَاة تهاونا (بهَا) يحبس وَيضْرب حَتَّى يُصَلِّي وَلَا يقتل)
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج أَرْكَان الْإِسْلَام، فَكَمَا لَا يقتل بترك مَا سوى الصَّلَاة، فَكَذَلِك لَا يقتل بترك الصَّلَاة.
فَأَما قَوْله تَعَالَى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فَخلوا سبيلهم} ، فَلَا يَخْلُو من أَن يكون وجود هَذِه الْأَفْعَال مِنْهُم شرطا فِي زَوَال الْقَتْل عَنْهُم (أَو يكون) قبُول ذَلِك والانقياد لأمر الله تَعَالَى فِيهِ هُوَ الشَّرْط دون وجود الْفِعْل، وَمَعْلُوم أَن وجود التَّوْبَة من الشّرك شَرط لَا محَالة فِي زَوَال الْقَتْل (عَنْهُم) وَلَا خلاف أَنهم لَو قبلوا أَمر الله تَعَالَى فِي فعل الزَّكَاة وَالصَّلَاة / وَلم يكن الْوَقْت وَقت صَلَاة، وَلَا وَقت زَكَاة، أَنهم مُسلمُونَ، و (أَن) دِمَاءَهُمْ محظورة.
فَعلمنَا أَن شَرط زَوَال الْقَتْل عَنْهُم، قبولهم أوَامِر الله تَعَالَى وَالِاعْتِرَاف (بلزومها) دون فعل الصَّلَاة وَالزَّكَاة، وَلِأَن إِخْرَاج الزَّكَاة لَا يلْزم بِنَفس الْإِسْلَام إِلَّا بعد حول، فَغير جَائِز أَن تكون الزَّكَاة شرطا فِي زَوَال الْقَتْل، وَكَذَلِكَ فعل الصَّلَاة لَيْسَ بِشَرْط فِيهِ، وَإِنَّمَا شَرطه قبُول هَذِه الْفَرَائِض والتزامها وَالِاعْتِرَاف بِوُجُوبِهَا، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فعل الصَّلَاة وَالزَّكَاة من شَرط زَوَال الْقَتْل لما زَالَ عَمَّن أسلم فِي غير وَقت الصَّلَاة، وَعَمن لم يؤد زَكَاته مَعَ إِسْلَامه.
فَلَمَّا اتَّفقُوا على زَوَال الْقَتْل عَمَّن وَصفنَا بعد اعْتِقَاده الْإِيمَان وَلُزُوم شرائعه، ثَبت بذلك أَن فعل الصَّلَاة وَالزَّكَاة لَيْسَ من شَرَائِط زَوَال الْقَتْل، وَأَن شَرط زَوَاله إِظْهَار الْإِيمَان وَقبُول شرائعه.
أَلا ترى أَن قبُول الْإِيمَان والتزام شرائعه، لما كَانَ شرطا فِي ذَلِك لم يزل عَنهُ الْقَتْل عِنْد الْإِخْلَال بِبَعْض ذَلِك، وَقد كَانَت الصَّحَابَة رضي الله عنهم سبت ذَرَارِي مانعي الزَّكَاة، (وَقتلت مُقَاتلَتهمْ) ، وسموهم أهل الرِّدَّة، لأَنهم امْتَنعُوا من الْتِزَام الزَّكَاة وَقبُول وُجُوبهَا فَكَانُوا مرتدين، لِأَن من كفر بِآيَة (من الْقُرْآن) كفر بِهِ كُله، وعَلى ذَلِك أجْرى حكمهم أَبُو بكر الصّديق مَعَ سَائِر الصَّحَابَة رضي الله عنهم حِين قَاتلُوا. يدل على ذَلِك مَا روى معمر عَن أنس رضي الله عنه قَالَ:" لما توفّي رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ارْتَدَّت الْعَرَب كَافَّة ".
وروى ابْن الْمُبَارك عَن فضَالة، عَن الْحسن قَالَ:" لما قبض رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ارْتَدَّت الْعَرَب عَن الْإِسْلَام إِلَّا أهل الْمَدِينَة ". وأخبروا أَن ردتهم (من) جِهَة امتناعهم (من) أَدَاء الزَّكَاة، وَذَلِكَ عندنَا على أَنهم امْتَنعُوا من أَدَاء الزَّكَاة على (جِهَة) الرَّد لَهَا وَترك قبُولهَا، فسموا مرتدين من أجل ذَلِك، فالآية أوجبت قتل الْمُشْركين، وَمن دخل فِي الْإِسْلَام وَأقر بفروضه والتزمها فَهُوَ غير مُشْرك بالِاتِّفَاقِ.
فَإِن قيل: إِنَّمَا زَالَ عَنْهُم الْقَتْل بِشَرْطَيْنِ: /
(أَحدهمَا: التَّوْبَة) وَهِي الْإِيمَان وَقبُول شرائعه.
وَالثَّانِي: فعل الصَّلَاة وَأَدَاء الزَّكَاة.
قيل لَهُ: إِنَّمَا وَجب (بدءا) قتل (الْمُشرك) بقوله تَعَالَى: {اقْتُلُوا الْمُشْركين} ، فَمن زَالَت عَنهُ سمة الشّرك فقد وَجب زَوَال الْقَتْل عَنهُ وَيحْتَاج (فِي) إِيجَابه.
فَإِن قيل: هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال فَائِدَة ذكر الشَّرْطَيْنِ فِي الْآيَة.
قيل لَهُ: لَيْسَ الْأَمر على مَا ظَنَنْت، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا جعل هَاتين (القربتين) من فعل الصَّلَاة وَأَدَاء الزَّكَاة شرطا فِي وجوب تخلية سبيلهم، وَذَلِكَ بعد ذكره الْقَتْل للْمُشْرِكين والحصر، فَإِذا زَالَ الْقَتْل بِزَوَال اسْم الشّرك فالحصر وَالْحَبْس بَاقٍ لترك الصَّلَاة وَمنع الزَّكَاة، لِأَن من منع الزَّكَاة وَترك الصَّلَاة عمدا وأصر عَلَيْهَا جَازَ للْإِمَام حَبسه، فَحِينَئِذٍ لَا يجب تخليته إِلَّا بعد فعل الصَّلَاة وَأَدَاء الزَّكَاة (فانتظمت) الْآيَة إِيجَاب قتل (الْمُشرك) وَحبس تَارِك الصَّلَاة ومانع الزَّكَاة.