الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، وَشَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نَجِدُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا، وَلَا تَوْقِيتُهَا كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً إِلَّا فِي الْعُمْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَبْضُهُ فِيهِ صَارَ مَقْبُوضًا، وَمَلَكَهُ الْمُتَّهَبُ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَةُ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ كَالْوَصِيَّةِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ هِبَةُ مَعْدُومٍ غَيْرِهِ.
[تَعْلِيقُ الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ]
(وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ) ، جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَهِيَ لَكَ» ، وَعْدٌ لَا هِبَةٌ، وَاسْتَثْنَى فِي " الْفُرُوعِ " وَسَبَقَهُ إِلَيْهِ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي غَيْرَ الْمَوْتِ، أَيْ مَوْتِ الْمُبْرِئِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ مُتُّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَكَتَعْلِيقِ الْهِبَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: هُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالتَّعْلِيقُ مَشْرُوعٌ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ فَقَطْ، فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ فَوَصِيَّةٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ جَعَلَ رَجُلًا فِي حِلٍّ مِنْ عَيْبِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ الشَّرْطَ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ.
(وَلَا شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نَحْوُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا) ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ يَهَبَهَا، أَوْ يَهَبَ فُلَانًا شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا الْهِبَةُ، وَفِيهَا وَجْهُ بِنَاءٍ عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ وَهَبَ أَمَةً، وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا صَحَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْعِتْقِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ (وَلَا تَوْقِيتُهَا) خِلَافًا لِلْحَارِثِ (كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ، وَقِيلَ: يَلْغُو تَوْقِيتُهُ. وَتَصِحُّ الْهِبَةُ مُطْلَقًا (إِلَّا فِي الْعُمْرَى) وَالرُّقْبَى، فَإِنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُهُمَا، سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمْرِ، وَسُمِّيَتْ رُقْبَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ) أَوْ أَعْطَيْتُكَ (أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا) قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُكَ أَوْ أَعْطَيْتُكَ، وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْمِرْقِبِ إِنْ مَاتَ
أَرْقَبْتُكَهَا، أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمِرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَالْفَاعِلُ مِنْهُمَا مُعْمَرٌ، وَمِرْقِبٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَافِ - وَالْمَفْعُولُ بِفَتْحِهِمَا، وَقَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ أَيْ جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَيَّ، كَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبْطَلَ ذَلِكَ الشَّرْعُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ (أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ) أَوْ عُمْرِي (أَوْ حَيَاتَكَ) أَوْ مَا بَقِيتُ (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى (يَصِحُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ ضِدُّهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا» ، هَذَا نَهْيٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَجَوَابُهُ مَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّهْيُ وَرَدَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ أَنَّكُمْ إِنْ أَعْمَرْتُمْ أَوْ أَرْقَبْتُمْ نَفَذَ لِلْمُعْمَرِ وَالْمِرْقِبِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمَنْ أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَلِعَقِبِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةً لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَطَلَاقِ الْحَائِضِ، وَصِحَّةُ الْعُمْرَى ضَرَرٌ عَلَى الْمُعْمَرِ، فَإِنْ مِلْكَهُ يَزُولُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، (وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ) - بِفْتَحِ الْمِيمِ - مِلْكًا فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ:«قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ ". (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ» ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ الْمُسْتَقِرَّةَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَيَاةِ الْمَالِكِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ، فَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُهُ بِحَيَاتِهِ مُنَافِيًا لِحُكْمِ الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ عُدِمُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ رَبِّهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَضَافَهَا إِلَى عُمْرِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ إِلَى
بَعْدِهِ، وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إِلَى الْمُعْمَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا - صَحَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُعْمِرِ، وَقَالَهُ اللَّيْثُ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، أَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، مَعَ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ قَضَى بِهَا طَارِقٌ بِالْمَدِينَةِ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، لَا يَضُرُّ إِذَا نَقَلَهَا الشَّارِعُ إِلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ كَالْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَلِعَقِبِكَ فَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي " الْكَافِي " وَذِكْرُ الْعَقِبِ تَأْكِيدٌ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْعَقَارِ، بَلْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ مَنْ يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ أَيْضًا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا أُعْمِرَ فَرَسًا حَيَاتَهُ، فَخَاصَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عليه السلام:«مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ» ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عُمْرَهُ، فَقَدْ وَقَّتَهُ بِمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَالْمُطْلَقِ.
(وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إِلَى الْمُعْمَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ) إِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى الرُّقْبَى، أَوْ رُجُوعُهَا مُطْلَقًا إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ (أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا، صَحَّ الشَّرْطُ) كَالْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . قَالَ الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى شُرُوطِهِمْ، وَحِينَئِذٍ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) الشَّرْطُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ:«لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ» ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَطُ فِيهَا