الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً.
وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ، وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ، وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَقٌّ، قَالَ: لَا يَحْلِفْ، وَيُعْلِمُ الْقَاضِي بِالْقَضِيَّةِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي، فَهُوَ أَعْلَمُ، أَيْ: يُقِيمُ الْقَاضِي ثُبُوتَهُ، وَيَشْهَدُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، فَلَوْ صَدَّقَهُ وَارِثٌ لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَيِّنَةٌ، فَفِي لُزُومِ قَضَائِهِ نَقْلَا حَاكِمٍ، فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ، مَا لَا يُصَدِّقُهُ وَارِثُهُ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شُرِعَ لَهُ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَحَاجَةُ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَا يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ فِي الْحَالِ، فَأَمَّا الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ فِي الْحَالِ، فَالْوَصَاةُ بِهِ وَاجِبَةٌ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ.
(وَعَنْهُ: فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً) يَعْنِي إِذَا خَافَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْوَرَثَةُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيُنْكِرُوا الدَّيْنَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ فَلَا يَقْضِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ رُجُوعَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَاءِ دَيْنٍ يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الرِّوَايَتَانِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ، وَوَصَّى بِهِ لِزَيْدٍ، فَلَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَلَا يَقْضِيهِ عَيْنًا، لَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ إِلَّا إِلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ جَمِيعًا، وَقِيلَ: يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إِلَى الْوَصِيِّ.
فَرْعٌ: صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ، وَقِيلَ: أَوْ لِغَيْرِهِ فِي جِهَتِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ، نَقَدَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: بِبَيِّنَةٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يُقْبَلُ مَعَ صِدْقِ الْمُدَّعِي، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: فِيمَنْ وَصَّاهُ بِدَفْعِ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَدْفَعْهُ فِي غَيْبَةِ الْوَرَثَةِ.
[صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ]
(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ) لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ
حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ أَعْطِهِ مَنْ شِئْتَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ، لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ، فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَكُنِ التَّرِكَةُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ نَحْوَهُمَا، (وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ) فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي النَّسَبَ، قِيلَ: بِالْوَصِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَاسِقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى.
(وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ أَوْ أَعْطِهِ) أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ (عَلَى مَنْ شِئْتَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مِلْكِهِ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَكُونُ قَابِلًا لَهُ لِوَكِيلٍ، وَقِيلَ: يَعْمَلُ بِالْقَرِينَةِ (وَلَا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ كَهُوَ، وَأَبَاحَهُ الشَّيْخَانِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: مَعَ أَبِيهِ، وَذَكَرَهُ آخَرُونَ وَأَبِيهِ، وَلَمْ يَزِيدُوا، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى وَارِثِهِ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ: فِي مَنْعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَجْهًا (وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ) وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَكَذَا مَا ذَكَرَ، وَقِيلَ: لَهُ إِعْطَاءُ وَلَدِهِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ إِذَا كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لَهُ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّفْرِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ.
مَسَائِلُ: إِذَا قَالَ: تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي، احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا، عَيَّنَهُ، ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ: مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، أَوْ فِي السَّبِيلِ، فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، فَقَالَ الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ يَجُزْ حَفْرُهَا بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ، فَلَمْ يَجِدْ عَرْصَةً، لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: ادْفَعْ إِلَى يَتَامَى فُلَانٍ، فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا وَصِيَّةٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ) أَيْ ضَرَرٌ (فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ) إِذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا، وَالصِّغَارِ نَصَّ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ، وَهُوَ أَقْيَسُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَةِ، فَمَلَكَ جَمِيعَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً، وَكَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ أَوَّلًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ بِقَدْرِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ وَحِصَّةِ صِغَارٍ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: بَيْعُ الْوَصِيِّ الدُّورَ عَلَى الصِّغَارِ يَجُوزُ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ نَظَرًا لَهُمْ لَا عَلَى كِبَارٍ يُؤْنَسُ فِيهِمْ رُشْدٌ، هُوَ كَالْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي النِّكَاحِ، قِيلَ لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثْبَتَ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي؟ قَالَ: إِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بَيْعُ مِلْكِهِ لِيَزْدَادَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ شَرِيكُهُمْ غَيْرَ وَارِثٍ (قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ) وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكُلِّ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ وَلَا وَصِيًّا، فَلِمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَوْزُ تَرِكَتِهِ، وَيَبِيعُ مَا يَرَاهُ، وَقِيلَ: إِلَّا الْإِمَاءَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَارِي: أُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُنَّ الْحَاكِمُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِهِنَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إِبَاحَةَ فُرُوجِهِنَّ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِذْنُ رَجَعَ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ مَعَ إِذْنِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.