الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ
، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ الْأَخْذِ بَعْدَهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، فَلِأَنَّ الشِّقْصَ صَارَ مِلْكًا لَهُ بِالْمُطَالَبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ طَلَبِهَا، كَمَا لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُؤَلِّفِ، فَلِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِمُطَالَبَتِهِ بَقَاءَهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ، لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ يَطْلُبُهَا، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِي إِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِرَغْبَةِ الْمَيِّتِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": فَعَلَى هَذَا لَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ أَنَّهُ رَاغِبٌ فِيهَا كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبِ الْمَيِّتُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ الْحَقُّ إِلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مُطْلَقًا، فَإِذَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوِ التَّرْكُ كَالشُّفَعَاءِ إِذَا عَفَا بَعْضُهُمْ عَنْ حَقِّهِ، وَقِيلَ: مَنْ عَفَا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ لَمَ يَطْلُبْهُ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ.
[فَصْلٌ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ]
ِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيُّ فِي " الْمُتَرْجَمِ "، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقْتَ لُزُومِهِ لَكَانَ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ إِلَى قِيمَتِهِ، وَالشَّفِيعُ اسْتَحَقَّهُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِوَضِ الثَّابِتِ بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ حِيلَةً، دَفَعَ إِلَيْهِ مَا أَعْطَاهُ أَوْ قِيمَةَ الشِّقْصِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَصُبْرَةِ نَقْدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حُكْمٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ، إِنْ صَحَّ بَيْعُ غَائِبٍ وَإِلَّا اعْتُبِرَتْ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحُكْمَ تَارَةً، وَدَفْعَ ثَمَنِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ مُشْتَرِيَهُ، فَإِنْ دَفَعَ مَكِيلًا بِوَزْنٍ أَخَذَ مِثْلَ كَيْلِهِ كَقَرْضٍ، وَقِيلَ: يَكْفِي وَزْنُهُ، إِذِ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ وَقَدْرُ
سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يُزَادَ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِهِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيًّا وَأَخَذَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ، وَإِنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّمَنِ مِعْيَارُهُ لَا عِوَضُهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) وَلَوِ اكْتَفَى بِالثَّانِي كَالْوَجِيزِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بِدُونِ دَفْعِ كُلِّ الثَّمَنِ إِضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ عِوَضٍ عَنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا، وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ عَلَى ثَمَنِهِ قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ قَهْرِيٌّ، وَالْبَيْعَ عَنْ رِضًى، فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي الْحَالِ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُمْهِلُ الشَّفِيعَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا حَدُّ جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَعَنْهُ: مَا رَأَى الْحَاكِمُ.
فَرْعٌ: لَوْ أَفْلَسَ الشَّفِيعُ بَعْدَ أَخْذِ الشِّقْصِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي.
(وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يُزَادُ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِهِ) لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، نَقَلَ صَالِح: لِلْمَاءِ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِي رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ عَلَى مُشْتَرٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ وَجْهَانِ (وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْحَقُ بِهِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُهَا، وَالنُّقْصَانَ إِبْرَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِكَوْنِهِ وُجِدَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ عَيْنًا أُخْرَى (وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا (أَقَامَ) الشَّفِيعُ (كَفِيلًا مَلِيًّا وَأَخَذَ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بِقَدَرِ الثَّمَنِ، وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُؤَلِّفِ اشْتِرَاطُ الْمُلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِدُونِهَا لَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ، فَمَاتَ، أَوِ الْمُشْتَرِي، وَقُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ حَلَّ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ فَهُوَ كَالْحَالِ.
(وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ) كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَالْأَثْمَانِ، وَلِأَنَّهُ مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْمُمَاثِلِ فِي
اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحَدِهِمَا، إِذِ الْوَاجِبُ بَدَلُ الثَّمَنِ، فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ الْعَرَضِ (وَإِلَّا) أَيْ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ، فَتُعْتَبَرُ (قِيمَتُهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِصُبْرَةٍ نَقْدًا وَجَوْهَرَةٍ، دَفَعَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَةُ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَشْيَاءِ بِقِيمَتِهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا قَبِلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فِيهَا.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ، ذِكَرَهُ الْمُعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ، فَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ بِدَعْوًى مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الشِّقْصِ أَنَّهُ أَحْدَثَهُ، وَالشَّفِيعُ لَيْسَ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ غَاصِبٍ وَمُتْلِفٍ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) فَيَعْمَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُكَذِّبُ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً احْتُمِلَ تَعَارُضُهُمَا وَالْقُرْعَةُ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ شَفِيعٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، لِكَوْنِهِ يَطْلُبُ تَقْلِيلَ الثَّمَنِ خَوْفًا مِنَ الدَّرْكِ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْرِفُ قَدْرَ الثَّمَنِ قُدِّمَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا لَا يَدَّعِيهِ، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ فَعَلْتَهُ تَحَيُّلًا عَلَى إِسْقَاطِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنِ ادَّعَى جَهْلَ قِيمَتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوِ ادَّعَى جَهْلَ ثَمَنِهِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِأَلْفٍ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ بِأَكْثَرَ (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ) أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ نَسِيتُ، وَالْبَيِّنَةُ صَادِقَةٌ (فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْكَافِي "؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَلَا يُقْبَلُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ.
فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بَلِ اتُّهِبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي كَالْمُرَابَحَةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتِ الْكَذِبَةُ، فَقُبِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ فَتَحَالَفَا، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، جَازَ، وَمَلَكَ بِشَفِيعٍ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ زَالَ.
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى عَلَى إِنْسَانٍ شُفْعَةً فِي شِقْصٍ اشْتَرَاهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ مِلْكٌ فِي شَرِكَتِي، فَعَلَى الشَّفِيعِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِهِ (وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِأَلْفٍ) فَلِيَ الشُّفْعَةُ، احْتَاجَ إِلَى تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَ الشِّقْصِ وَثَمَنَهُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ (فَقَالَ: بَلِ اتُّهِبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ) فَلَا شُفْعَةَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: مُدَّعِي الْهِبَةِ وَالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ (مَعَ يَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ خَصْمِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ، فَإِنْ قَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ عَلَى شُفْعَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهِيَ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ (فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا) قُضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ (أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ فَلَهُ أَخْذُهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ ثَبَتَ بِحُقُوقِهِ، وَالْأَخْذُ بِهَا مِنْ حُقُوقِهِ (وَ) حِينَئِذٍ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَخَذَهُ دُفِعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَسْتَحِقُّهُ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا:(يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ لِتَحْصُلَ بَرَاءَةُ الشَّفِيعِ، وَكَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إِذَا جَاءَهُ الْمُكَاتَبُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، فَادَّعَى أَنَّهُ حَرَامٌ، وَالثَّانِي: يُقَرُّ فِي يَدِ الشَّفِيعِ إِلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمُشْتَرِي، فَيُدْفَعَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ أَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُهُ حَاكِمٌ، فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَدَّعِيَهُ، فَمَتَى ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي دُفِعَ إِلَيْهِ، وَفَرَّقَ فِي " الشَّرْحِ " بَيْنَ الْمُكَاتَبِ، وَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ يُطَالِبُهُ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الَّذِي أَتَاهُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى سَيِّدِهِ تَحْرِيمَهُ، وَهَذَا لَا يُطَالِبُ الشَّفِيعَ بِشَيْءٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكَلَّفَ الْإِبْرَاءَ مِمَّا لَا يَدَّعِيهِ.