الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمِينًا، وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَهُوَ لَهُ كَالْمُتَّصِلِ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ لِلْبَالِغِ، فَكَذَا لِلطِّفْلِ، وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَشَدَّهُ وَاضِعُهُ فِي ثِيَابِهِ لِيُعَلَّمَ بِهِ، وَتَوَسَّطَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فَجَعَلَاهُ لَهُ بِشَرْطِ طَرَاوَةِ الدَّفْنِ؛ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ، وَأَمَا الْمَطْرُوحُ قَرِيبًا مِنْهُ فَقَطَعَ الْمَجْدُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَهُ؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالثَّانِي، وَأَوْرَدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَذْهَبًا: لَا يَكُونُ لَهُ كَالْبَعِيدِ، وَيَرْجِعُ بِهِ إِلَى الْعُرْفِ، وَحَيْثُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ فَهُوَ لُقَطَةٌ أَوْ رِكَازٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَفِي ثَالِثٍ: إِنْ وَجَدَ رُقْعَةً فِيهَا أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ لَهُ (وَأَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إِنْ كَانَ أَمِينًا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَقَ إِلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ؛ لِلْخَبَرِ، (وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ) كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنْفَاقٌ عَلَى طِفْلٍ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ مُودَعٍ، وَأَصْلُهَا مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ آخَرَ مَالًا وَغَابَ، وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَهُ وَلَدٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ، هَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ؟ فَقَالَ: تَقُومُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْإِنْفَاقَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى اللَّقِيطِ وَعَلَى مَالِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عِنْدَهُ إِثْبَاتَ حَاجَتِهِ لِعَدَمِ مَالِهِ، وَعَدَمِ نَفَقَةٍ مَتْرُوكَةٍ بِرَسْمِهِ، وَمَتَى لَمْ يَجِدْهَا حَاكِمًا فَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِدُ حَاكِمًا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، فَإِنْ بُلِّغَ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا وَالتَّفْرِيطِ - قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْفِقِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
[وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ]
(فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا - وَاللَّقِيطُ
يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ
فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا - وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ - أَوْ بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ، لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ، وَإِنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُسْلِمٌ - أَوْ بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حِفْظِهِ إِلَّا الْوِلَايَةُ، وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ، وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِي مَعْنَى التَّكَسُّبِ، وَإِنَّهَا إِذَا انْتُزِعَتْ مِنْهُ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ تُقَرُّ فِي يَدِهِ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِكَوْنِهِ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ أَحَقَّ، فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْعِدُهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَهُ فَلَا يُؤَمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ رِقَّهُ وَيَبِيعَهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي: " فَعَلَى قَوْلِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَيُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ يُشَارِفُهُ لِيُؤْمَنَ التَّفْرِيطُ فِيهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُقَرُّ فِي يَدِهِ مُطْلَقًا كَاللُّقَطَةِ، وَيُجَابُ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ اللَّقِيطَ ظَاهِرٌ وَمَكْشُوفٌ لَا تَخْفَى الْخِيَانَةُ فِيهِ بِخِلَافِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُ بَعْضِهَا وَإِبْدَالُهَا بِخِلَافِ اللَّقِيطِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ، وَالنُّفُوسَ إِلَى أَخْذِهَا دَاعِيَةٌ بِخِلَافِ النُّفُوسِ، فَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ فَوَجْهَانِ.
فَرْعٌ: لَا يُقَرُّ فِي يَدِ مُبَذِّرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا، قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ لَمْ يُمْنَعْ لِلْأَمْنِ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: السَّفِيهُ كَالْفَاسِقِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوِ الْتَقَطَهُ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَلْتَقِطُهُ سِوَاهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْغَرَقِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ".
فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ.
الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حُلَّةٍ أَوْ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى الْحَضَرِ - أُقِرَّ مَعَهُ، وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ الْتَقَطَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ كَافِرٍ إِذَا كَانَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكُفْرَ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَبِّيهِ عَلَى دِينِهِ، نَعَمْ حَيْثُ حُكِمَ بِكُفْرِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ الْبَدَوِيِّ الَّذِي يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِتْعَابًا لِلطِّفْلِ بِتَنَقُّلِهِ، فَعَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إِلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَهُ لَهُ، وَأَخَفُّ عَلَيْهِ، وَفِي آخَرَ أَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ وَلَدُ بَدَوِيَّيْنِ، وَإِقْرَارُهُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ ".
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِ مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ وَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَرْفَهُ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى؛ لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ (وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْبُيُوتِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَحِينَئِذٍ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّةَ كَالْقَرْيَةِ فِي كَوْنِهِ لَا يَرْحَلُ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ (أَوْ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى الْحَضَرِ أُقِرَّ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إِلَى الرَّفَاهِيَةِ وَالدَّعَةِ وَالدِّينِ.
(وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بِبَلَدِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، وَالثَّانِي: يُقَرُّ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ، وَالْبَلَدُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي الرَّفَاهِيَةِ، أَشْبَهَ الْمُنْتَقِلَ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَلَدِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَرَادَ نَقْلَهُ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، أَوْ مِنْ حِلَّةٍ إِلَى حِلَّةٍ، وَعَلَى الْمَنْعِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَلَدُ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَبِيئًا كَغَوْرِ بَيْسَانَ؛ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقِيلَ: إِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ حِلَّةٍ وَقَرْيَةٍ وَبَلَدٍ جَازَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " مَنْ وَجَدَهُ بِفَضَاءٍ خَالٍ نَقَلَهُ حَيْثُ شَاءَ.
(وَإِنِ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ) بِحَيْثُ إِنَّهُمَا تَنَاوَلَاهُ جَمِيعًا (قُدِّمَ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلطِّفْلِ (وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقَ بِالطِّفْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا غَيْرَ
اثْنَانِ قُدِّمَ الْمُوسِرُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُتَّصِفَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمَا، وَيُقَدَّمُ الْأَمِينُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ النَّفْعَ بِإِسْلَامِهِ أَعْظَمُ مِنَ النَّفْعِ الْحَاصِلِ بِيَسَارِهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ: يُقَدَّمُ الْجَوَادُ عَلَى الْبَخِيلِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": يُقَدَّمُ بَلَدِيٌّ عَلَى غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عَلَى مَسْتُورِ الْحَالِ؛ وَقِيلَ: سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْمَانِعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّرْجِيحِ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) فِي الصِّفَاتِ (وَتَشَاحَّا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالْقُرْعَةِ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْقَسْمِ، وَالْعِتْقِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةً؛ لِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ، وَالْأُنْسِ، وَالْإِلْفِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ؛ وَقِيلَ: يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ إِلَى أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِتَسْلِيمِهِ إِلَى الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِيثَارِ بِهِ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنِ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا، أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى - تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا فِي وَجْهٍ، فَيَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَفِي الْآخَرِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ أَوْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَالِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْإِمْسَاكِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ.
قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالطَّلَاقِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ ": يَحْلِفُ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ (فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِمَا، فَتَثْبُتُ الْقُرْعَةُ، وَحِينَئِذٍ يُسَلَّمُ إِلَى مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَمِينَ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهَرًا وَسَأَلَ يَمِينَهُ، حَلَفَ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ ": لَا، كَطَلَاقٍ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ يَقُولَ: فِي ظَهْرِهِ شَامَةٌ، أَوْ بِخَدِّهِ عَلَامَةٌ (قُدِّمَ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَلُقَطَةِ