الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَ
لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ
، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ يَصِيرُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا حَقٌّ، وَلِأَنَّهُ إِحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُمْلَكُ بِهِ فَقُدِّمَ عَلَى الْمُتَحَجِّرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِ مُسْتَحِقٍّ عَنْ وَظِيفَةٍ لِزَيْدٍ، هَلْ يَتَقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ؟
قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ نَزَلَ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ، وَيُوَلِّيِ مِنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا، اعْتَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ بِعِوَضٍ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَكَلَامُ الشَّيْخِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ لَيْسَ أَهْلًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النُّزُولَ يُفِيدُ الشُّغُورَ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِنُزُولِهِ إِذِ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَقَوْلُهُ: قَضِيَّةٌ فِي عَيْنِ الْأَصْلِ عَدَمُهُ، وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنِ الْوَظَائِفِ النُّزُولُ عَنِ الْإِقْطَاعِ، فَإِنْهُ نُزُولٌ عَنِ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ، أَشْبَهَ مُسْتَحِقِّ الْوَظِيفَةِ، وَمُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْخُلْعِ، فَإِنْهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكِ الْبُضْعَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ.
[لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيَهُ]
فَصْلٌ (وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ) لِأَنَّهُ عليه السلام «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ» ، «وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» ، «وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ» ، وَجَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطِعَ مِقْدَارَ مَا عَيَّنَهُ، فَإِنْ فَعَلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إِحْيَائِهِ اسْتَرْجَعَهُ كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالٍ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ بِالْعَقِيقِ الَّذِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ) لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِ لَمَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ (بَلْ يَصِيرُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ) لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِقْطَاعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَآلِهِ إِلَيْهِ، وَكَذَا لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ
كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلَهُ إِقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ، وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا فَلِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا، وَيَكُونُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا، فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَعْقُوبُ: قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنَ الْمَكْرُوهَةِ، كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ: مَا أَدْرِي مَا هَذِهِ الْقَطَائِعُ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شَاءُوا إِلَى مَنْ شَاءُوا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مَنْ أُقْطِعَهَا، فَكَيْفَ يَخْرُجُ عَنْهُ، وَلِهَذَا عَوَّضَ عُمَرُ جَرِيرًا الْبَجْلِيَّ لَمَّا رَجَعَ فِيمَا أَقْطَعَهُ (وَلَهُ إِقْطَاعُ الْجُلُوسِ) لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ) إِنْ قِيلَ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ إِذَا كَانَتْ وَاسِعَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ الْجُلُوسُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، فَجَازَ إِقْطَاعُهُ كَالْأَرْضِ الدَّارِسَةِ، وَتُسَمَّى إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ (مَا لَمْ يُضَيَّقْ عَلَى النَّاسِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَضْلًا عَمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ.
(وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ) لِمَا ذُكِرَ فِي إِقْطَاعِ الْأَرْضِ (وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا) بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّابِقَ إِذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ عَنْهَا فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهَا، وَهَذَا قَدِ اسْتَحَقَّ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، فَلَا يَزُولُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَعُدْ فِيهِ، وَيَحْرُمُ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَحُكْمُهُ فِي التَّظْلِيلِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَيْسَ بِبِنَاءٍ، وَمَنْعِهِ مِنَ الْمُقَامِ إِذَا أَطَالَ مُقَامُهُ، حُكْمُ السَّابِقِ.
(فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا فَلِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا) عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى وَجْهٍ لَهَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاحْتِيَازِ (وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا) لِسَبْقِهِ إِلَى مُبَاحٍ كَمَارٍّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، وَأَنَّهُ إِذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ فَارَقَ لِيَعُودَ قَرِيبًا فَعَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَعَنْهُ: يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إِلَى اللَّيْلِ، وَفِي افْتِقَارِهِ إِلَى إِذْنٍ، فِيهِ وَجْهَانِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضِيقِهِ، أَوْ كَوْنِهِ يُؤْذِي الْمَارَّةَ (فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا) مِنْ غَيْرِ إِقْطَاعٍ
وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَعْدِنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ، وَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْبِذِهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُزَالُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّمَلُّكِ، وَيُخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُزَالُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ كَالِابْتِدَاءِ (وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ، وَضَاقَ الْمَكَانُ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ، وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ (وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ.
(وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَعْدِنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا إِذَا كَانَ فِي مَوَاتٍ (وَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا، وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لَا يُمْنَعُ لِلْخَبَرِ، وَالثَّانِي: بَلَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَفِي " الشَّرْحِ " إِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ لِيَمْنَعَ غَيْرَهُ، مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ أَخَذَهُ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ، فَأَوْجُهُ الْقُرْعَةِ وَالْمُهَايَأَةِ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يَرَى الْإِمَامُ، وَيَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَيُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً أَقْرَعَ (وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْبُذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ) كَالَّذِي يُنْثَرُ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ، وَمَا يَنْبُعُ مِنَ الْمِيَاهِ فِي الْمَوَاتِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» ، مَعَ قَوْلِهِ لَمَّا رَأَىَ ثَمَرَةً سَاقِطَةً:" «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لِأَكَلْتُهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيَمْلِكُهُ الْآخِذُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا (وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا) جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " الْبَغْدَادِيَّانِ، لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ، وَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ، وَحِذَارًا مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ، وَهَذَا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً، وَالْأَشْهَرُ الْقُرْعَةُ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ بِالِاجْتِهَادِ وَظُهُورِ الْأَحَقِّيَّةِ كَأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا.
بِهِ، وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّمْلِيكِ: الْإِحْيَاءُ، وَالْمِيرَاثُ، وَالْمُعَاوَضَاتُ، وَالْهِبَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالِاصْطِيَادُ، وَوُقُوعُ الثَّلْجِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ، وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ، وَالْبَيْضَةُ الْمُذِرَّةُ فَرْخًا.
(وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا جَارِيًا أَوْ وَاقِفًا، وَالْجَارِي قِسْمَانِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ الَّذِي لَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِالسَّقْيِ مِنْهُ، فَهَذَا لَا تَزَاحُمَ فِيهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ كَنَهْرِ الشَّامِ، أَوْ مَسِيلٍ يَتَشَاحُّ فِيهِ أَهْلُ الْأَرَضِينَ الشَّارِبَةِ مِنْهُ، فَيُبْدَأُ بِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ فَيَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَى الثَّانِي فَيَفْعَلُ كَذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، أَوْ عَنِ الثَّانِي، أَوْ عَنْ مَنْ يَلِيهِمَا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا مَا فَضُلَ، فَهُمْ كَالْعَصَبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا، إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسَلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهُ إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] » الْآيَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» ، فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَشِرَاجُ الْحَرَّةِ: مَسَايِلُ الْمَاءِ، جَمْعُ شَرْجٍ، وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ مُلْتَبِسَةٌ بِحِجَارَةٍ سُودٍ، وَلِأَنَّ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ كَالسَّابِقِ إِلَى أَوَّلِ الْمُشْرَعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهُ مُسْتَقِلَّةً سَدَّهَا حَتَّى يَصْعَدَ إِلَى الثَّانِي، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً، مِنْهَا عَالِيَةٌ، وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ، سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، فَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ إِنْ أَمْكَنَ
إِلَى مَنْ يَلِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ، جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَإِلَّا أَقْرَعَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ (فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) أَيْ: إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ مِنْ رَأَسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَقُ إِلَى النَّهْرِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مَنْعَهُ مِنَ الْإِحْيَاءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَبَقَ إِلَى مَسِيلِ مَاءٍ، أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَأَحْيَا فِي أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ آخَرُ فَوْقَهُ ثُمَّ ثَالِثٌ، سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ تَقَدُّمُ السَّبْقِ إِلَى الْإِحْيَاءِ لَا إِلَى أَوَّلِ النَّهْرِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْجَارِي فِي نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُبَاحَ الْأَصْلِ، مِثْلَ أَنْ يَحْفُرَ إِنْسَانٌ نَهْرًا يَتَّصِلُ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ مُبَاحٍ، فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْحَفْرُ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ، إِذِ الْإِحْيَاءُ يَحْصُلُ بِتَهْيِئَتِهِ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَصِيرُ مَالِكًا لِقَرَارِهِ، وَحَافَّتَيْهِ، وَحَرِيمِهِ، وَهُوَ مُلْقَى الطِّينِ مِنْ جَوَانِبِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُفَّهُمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ، وَإِلَّا قَسَّمَهُ حَاكِمٌ عِنْدَ التَّشَاحِّ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ، فَإِنِ احْتَاجَ الْمُشْتَرِكَ إِلَى كَرِيٍّ أَوْ عِمَارَةٍ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُلُّ، إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَهُ كَذَلِكَ كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ، فَإِذَا حَصَلَ نَصِيبُ إِنْسَانٍ فِي سَاقِيَتِهِ سَقَى بِهِ مَا شَاءَ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ سَقْيُ أَرْضٍ، لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَاقِيَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ إِجْرَاءِ مَاءٍ، أَوْ رَحًى، أَوْ دُولَابٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِكِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّهْرِ قَبْلَ قَسْمِهِ شَيْئًا يَسْقِي بِهِ