الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِشَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ.
فَصْلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ (إِلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) ، أَيْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَنَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ أَنَّ " ثَمْنًا " صَدَقَةٌ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ، وَالسَّهْمَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، فَصَحَّ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَعَلَى هَذَا يُنَفَّذُ مِنَ الثُّلُثِ فَمَا دُونَ، وَيَقِفُ الْبَاقِي عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالتَّدْبِيرِ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَالْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا فِي " الْخِصَالِ "(لَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْوَقْفِ عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: قِفُوا بَعْدَ مَوْتِي، هَذَا وَصِيَّةٌ بِالْوَقْفِ لَا إِيقَافٌ، وَفِي " الشَّرْحِ " سِوَى الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ، وَبَيْنَ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَهِيَ أَوْسَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ، وَلِلْمَجْهُولِ وَالْحَمْلِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ فَدَارِي لِفُلَانٍ، أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِيَ الَّذِي عَلَيْهِ.
[وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ]
فَصْلٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَبُولُ كَالْمَسْجِدِ وَالْقَنَاطِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ لَامْتَنَعَ صِحَّةَ الْوَقْفِ فِيهِ، وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ احْتِمَالًا يَقْبَلُهُ نَائِبُ الْإِمَامِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ "؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبُولُ كَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ، وَلَوْ عَلَى التَّرَاخِي.
يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ إِنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ يُصْرَفُ إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَآلًا أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ أَوْ قَالَ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَخْذُ رَيْعِهِ قَبُولٌ، وَالثَّانِي - وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " - إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ كَالْعِتْقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْمُعَيَّنَ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْبُطُونِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذَا الْفَرْقُ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي الْهِبَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَالْعِتْقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ بَطَلَ فِي حَقِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ أَشْبَهَ الْهِبَةَ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا رَدَّ ثُمَّ قَبِلَ هَلْ يَعُودُ أَمْ لَا؛ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (دُونَ مَنْ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَاخْتَصَّ بِهِ، وَصَارَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، يَخْرُجُ فِي صِحَّتِهِ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ وَبُطْلَانِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ لِتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فِيهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) كَالْمَجْهُولِ (ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) كَالْمَسَاكِينِ (يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ صَيْرُورَةَ الْوَقْفِ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا حَالَةَ يُمْكِنُ انْتِظَارُهَا، فَوَجَبَ الصَّرْفُ إِلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَفُوتَ غَرَضُ الْوَاقِفِ، وَلِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الصِّحَّةِ (وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ)، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (إِنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَعَبْدِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْوَقْفِ (يُصْرَفُ إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ) ؛ لِأَنَّهَا إِحْدَى حَالَتَيْ الِانْقِطَاعِ أَشْبَهَ الْأُخْرَى (ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ) ، أَيْ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ) كَأَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يُمْكِنُ انْقِرَاضُهُمْ (وَلَمْ يَذْكُرْ مَآلًا) الْمَآلُ - بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ - الْمَرْجِعُ
وَقَفْتُ، وَسَكَتَ - انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى إِلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ، وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ؟
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) الْوَقْفُ كَأَوْلَادِهِ (ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) كَالْكَنَائِسِ (أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ، وَسَكَتَ، انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ) قَدْ تَضَمَّنَ هَذَا صِحَّةَ الْوَقْفِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا صَارَ وَقْفًا عَلَى مَجْهُولٍ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْمَصْرِفِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِمَصْرِفِهِ، إِذِ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ (إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ) نَسَبًا، قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " - بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ (وَقَفَا عَلَيْهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَفِي " الْكَافِي " هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَصْرِفُهُ الْبِرُّ، وَأَقَارِبُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» ، وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَاتِهِ النَّوَافِلِ وَالْمَفْرُوضَاتِ، فَكَذَا صَدَقَتُهُ الْمَنْقُولَةُ (وَالْأُخْرَى) يُصْرَفُ (إِلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ أَقَارِبِهِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ عَكْسُهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالْوَقْفِ، فَلَا يَعُودُ مِلْكًا لَهُمْ، وَعَنْهُ: مِلْكًا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ فِي الْوَرَثَةِ (وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ بَلْ يَشْمَلُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ شَمِلَهُمَا، فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي - وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ - أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ؛ إِذِ الْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ، وَالْفُقَرَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهِمْ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ) وَهُوَ " الْجَامِعُ الصَّغِيرُ "، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَإِلَيْهِ
عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا قَالَ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَيْلُ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ (يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ) ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَمُّ جِهَاتِ الْخَيْرِ، وَمَصْرِفُ الصَّدَقَاتِ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ لِلْوَاقِفِ أَقَارِبُ مَسَاكِينُ كَانُوا أَوْلَى بِهِ اسْتِحْبَابًا، كَصَلَاتِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُصْرَفُ إِلَى الْأَقَارِبِ فَانْقَرَضُوا، أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: يَرْجِعُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ إِذِ الْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الصَّدَقَةُ الدَّائِمَةُ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ» .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْهُ مِثْلَهُ، وَعَنْهُ: يَرْجِعُ إِلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي " الْوَاضِحِ ": الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْأَقَارِبِ، أَوْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ إِلَى الْمَسَاكِينِ مُخْتَصٌّ بِمَا إِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، أَمَّا إِنْ كَانَ حَيًّا فَانْقَطَعَتِ الْجِهَةُ، فَهَلْ يَعُودُ الْوَقْفُ إِلَى مِلْكِهِ أَوْ إِلَى عَصَبَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا، وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا وَسَكَتَ، أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ - أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَصِحُّ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَكَذَا إِذَا قَالَ: وَقَفَهُ، وَلَمْ يَزِدْ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إِنَّهُ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": فِيهَا وَفِي تَصَدَّقْتُ بِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": إِنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ، صَحَّ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَنَا.
تَنْبِيهٌ: لِلْوَقْفِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، وَمُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ مُتَّصِلُ الِانْتِهَاءِ، وَمُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ صَحَّ لَهُمْ دُونَهُ.