الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ
لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِهِ فيرثه،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَخَذَ مَالَ مَوْلَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أُخْتٌ، فَمَنْ وَرَّثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، جَعَلَ لَهَا الثُّلُثَيْنِ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالنِّصْفَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِنْ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجَةً وَبِنْتًا، فَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، صَحَّحَهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ، وَلِابْنَتِهِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهُ، وَمَنْ وَرَّثَهُمْ جَعَلَ الْبَاقِيَ لِأَخِيهِ، ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَ وَرَثَةِ أَخِيهِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ ضَرَبَهَا فِي الثَّمَانِيَةِ الْأُولَى، فَصَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ: لِامْرَأَتِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِابْنَتِهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلِامْرَأَةِ أَخِيهِ ثُمُنُ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ، وَلِابْنَتِهِ اثْنَا عَشَرَ، وَلِمَوْلَاهُ الْبَاقِي تِسْعَةٌ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ وَقْتَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَشَكُّوا هَلْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَرِثَ مَنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ مِنَ الْآخَرِ؛ إِذِ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَقِيلَ: لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِحَالٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَوْ مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ، أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، وَرِثَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَغْرِبِ مِنَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَشْرِقِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الزَّوَالِ، قَالَهُ فِي " الْفَائِقِ ".
[بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ]
[مِيرَاثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
بَابُ
مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ
وَهُوَ جَمْعُ مِلَّةٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، إِفْرَادًا وَجَمْعًا، وَهِيَ: الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ.
(لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَمُعَاوِيَةَ خِلَافُهُ،
وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقُيِّدَ الْكَافِرُ بِالْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مُرَادٌ (وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ: مَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ، فَلَمْ يَتَوَارَثَا (إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِهِ فَيَرِثَهُ) نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ قَسْمُ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْبَعْضِ، وَرِثَ مَا بَقِيَ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، فَتَصَرُّفُهُ فِي التَّرِكَةِ وَحِيَازَتُهَا كَقِسْمَتِهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا قُسِّمَتِ التَّرِكَةُ، وَتَعَيَّنَ حَقُّ كُلِّ وَارِثٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ، وَهُوَ: مَا إِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ
وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودِيَّةُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِثُبُوتِهِ (وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» الْخَبَرَ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدِ انْتَقَلَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ يُشَارِكْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ كَمَا لَوِ اقْتَسَمُوا، أَوْ كَانَ رَقِيقًا، فَأُعْتِقَ، فَعَلَيْهَا يَرِثُ عَصَبَةَ سَيِّدِهِ الْمُوَافِقِ لِدِينِهِ، وَوَرَّثَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمُسْلِمَ مِنْ ذَمِّيٍّ؛ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَرِيبُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَلِوُجُوبِ نَصْرِهِمْ، وَلَا يَنْصُرُونَنَا.
(وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ، لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنَعَهُ مُطْلَقًا، خَرَجَ مِنْهُ مَا سَبَقَ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَعَنْهُ: يَرِثُ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَنْ أَسْلَمَ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَكْحُولٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَالْمَذْهَبُ تَوْرِيثُ مَنْ أَسْلَمَ، لَا مَنْ عَتَقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِتَوْرِيثِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ، لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ.
فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَدَبَّرَهُ، يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَ الْمَوْتِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ، وَوَرِثَ فِي الْأَصَحِّ لِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
(وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْإِرْثِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، لَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أُسَامَةَ (وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ) هَذَا رِوَايَةُ (الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ كِتَابٌ، وَأَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ غَيْرُ الْأُخْرَى (وَدِينُ سَائِرِهِمْ) أَيْ: بَاقِيهِمْ كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ
وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَدِينُ سَائِرِهِمْ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أديانهم لَمْ يَتَوَارَثُوا، وَعَنْهُ: يَتَوَارَثُونَ، وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، ذَكَرَهَ الْقَاضِي،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُمْ بِأَنَّهُ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَجَمْعٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمْ، أَشْبَهَ اخْتِلَافَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ: الْكُفْرُ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ يَنْفِي تَوَارُثَهُمْ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِذِكْرِ انْقِسَامِ الْمِلْكِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَوَارُثَ بَيْنَهَا، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِلَلًا كَثِيرَةً، فَتَكُونُ الْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةً، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةً، وَعُبَّادُ الشَّمْسِ مِلَّةً، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ، لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، وَلَا اتِّفَاقَ فِي دِينٍ، وَقَوْلُ مَنْ حَصَرَ الْمِلَّةَ بِعَدَمِ الْكِتَابِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ، لَا يَقْتَضِي حُكْمًا، وَعَنْهُ: مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، نَقَلَهَا حَرْبٌ، فَعَلَيْهَا يَتَوَارَثُونَ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] عَامٌّ فِي جَمِيعِهِمْ، فَالصَّابِئَةُ، قِيلَ: كَالْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَالنَّصَارَى.
(وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ لَمْ يَتَوَارَثُوا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ (وَعَنْهُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَارَثَا، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ، فَمَا لَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْهُ: أنه لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
: يَتَوَارَثُونَ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَكَمَفْهُومِ حَدِيثِ أُسَامَةَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَقَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّهْذِيبِ اتِّفَاقًا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَارَثَا) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": وَهُوَ الْأَقْوَى فِي الْمَذْهَبِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الدَّارُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّ الْمِلَّةَ الْوَاحِدَةَ يَتَوَارَثُونَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ فِي النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ، وَلَا إِجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمْ قِيَاسٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْرِيثِ مَوْجُودٌ، فَيُعْمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقِيقِ الْمَانِعِ.
مَسْأَلَةٌ: يَتَوَارَثُ حَرْبِيٌّ وَمُسْتَأْمَنٌ، وَذِمِّيٌّ وَمُسْتَأْمَنٌ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: يَرِثُ مُسْتَأْمَنًا وَرَثَتُهُ بِدَارِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَفِي التَّرْغِيبِ: هُوَ فِي حُكْمِ ذِمِّيٍّ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: الْمُسْتَأْمَنُ يَمُوتُ هُنَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ الثَّابِتَةُ لَهُ أَوِ اسْتِقْرَارُهَا، فَلِأَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ مِلْكٌ أَوْلَى (إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ) فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَلَوِ ارْتَدَّ مُتَوَارَثَانِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا ارْتَدَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَيَخْرُجُ فِي مِيرَاثِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَذَلِكَ (وَإِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قُتِلَ) أَوْ مَاتَ (فِي رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالصَّحِيحُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، فَلَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلِأَنَّ مَالَهُ مَالُ مُرْتَدٍّ، أَشْبَهَ الَّذِي كَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِأَهْلِ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ، فَلَا يَرِثُونَهُ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمْعٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ كَمَرَضِ مَوْتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ عَلَى الْأُولَى: يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: إِرْثًا.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ) رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ يَرِثُهُ أَهْلُ دِينِهِ كَالْحَرْبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَرِثُهُ، فَهُوَ فَيْءٌ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ تِلَادِ مَالِهِ وَطَارِئِهِ، فَإِنِ ارْتَدَّ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، وُقِفَ مَالُهُ إِلَى أَنْ يَمُوتَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِحُكْمِ الزِّنْدِيقِ، وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، الَّذِي كَانَ يُسَمَّى مُنَافِقًا فِي عَصْرِهِ عليه السلام، حُكْمُهُ كَالْمُرْتَدِّ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَآكَدُ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَالْمُرَادُ إِذَا لَمْ يَتُبْ أَوْ تَابَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَاحْتَجَّ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ: بِكَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ بِإِظْهَارِ الشَّهَادَةِ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِبَاطِنِهِمْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْمُنَافِقَ يَرِثُ وَيُورَثُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْخُذْ مِنْ تَرِكَةِ مُنَافِقٍ شَيْئًا، وَلَا جَعَلَهُ فَيْئًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمِيرَاثَ مَدَارُهُ عَلَى النُّصْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ إِجْمَاعًا، وَلَا لِحُكْمِ الدَّاعِيَةِ، وَهُوَ إِذَا دُعِيَ إِلَى بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ، فَمَالُهُ فَيْءٌ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَهْمِيِّ، وَعَلَى الْأَصَحِّ أَوْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ وَهُمَا فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ