الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمُوصَى لَهُ
تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍ، وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَا يَدُلُّ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} [الأنعام: 141] . الْآيَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَنْ مَاتَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، لَزِمَهُ أَنْ يُوصِي بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ.
[بَابُ الْمُوصَى لَهُ]
ُ هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] . قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ لَهُمْ، فَصَحَّتْ لَهُمُ الْوَصِيَّةُ كَالْمُسْلِمِ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّتُهَا مِنَ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْوَصِيَّةِ لِكَافِرٍ مَا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمُصْحَفٍ، أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ، أَوْ سِلَاحٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، (وَمُرْتَدٍّ) كَالْهِبَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَلَكِنْ إِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُ وَعَنْ وَصِيَّتِهِ، بُدِئَ بِعِتْقِهِ، وَحَرْبِيٍّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 9] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَنَا، لَا يَحِلُّ بِرُّهُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ الْهِبَةِ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ، وَقَضِيَّةُ عُمَرَ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيهِ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَبَيْعِهِ مِنْهُ.
فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ بِعَبْدٍ كَافِرٍ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ مُلِكَتْ بِالْقَبُولِ بَطَلَتْ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ: فَلَا، وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ أَوْلَى (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، فَهُوَ كَالْمَيِّتِ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ مَالِهِ بِرِدَّتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ بَقِي مِلْكُهُ، صَحَّ الْإِيصَاءُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَهُ كَالْهِبَةِ لَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ فَلَا، وَإِنْ وَقَفَ أَمْرُ مَالِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، فَأَسْلَمَ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى إِذِ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا.
تَنْبِيهٌ: يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْمُوصَى لَهُ، فَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِأَحَدِ هَذَيْنِ، أَوْ لِجَارِهِ، أَوْ لِقَرَابَتِهِ مُحَمَّدٍ بَاسِمٍ مُشْتَرَكٍ، لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: بَلَى، كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا، فِي الْأَصَحِّ، فَقِيلَ: يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ، وَقِيلَ بِقُرْعَةٍ، وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ بِصِحَّتِهَا بِمَجْهُولٍ وَمَعْدُومٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: عَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، وَلَهُ مِائَةٌ وَلَهُ عَبْدَانِ بِهَذَا الِاسْمِ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ هِيَ لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
(وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ بِالْعَقْدِ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالْحُرِّ، وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ، وَمُكَاتَبِ أَجْنَبِيٍّ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِجُزْءٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْمُكَاتَبَ، وَلَا يَمْلِكُونَ مَالَهُ، فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْ مُكَاتَبِي بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَضَعُوا مَا شَاءُوا، وَإِنْ قَالَ ضَعُوا نَجْمًا فَلَهُمْ وَضْعُ أَيِّ نَجْمٍ شَاءُوا سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ أَوِ اخْتَلَفَتْ، فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ، رُدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نُجُومِهِ، وَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا، وَإِنْ قَالَ: الْأَوْسَطَ، تَعَيَّنَ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً، تَعَيَّنَ الثَّالِثُ، أَوْ سَبْعَةً، تَعَيَّنَ الرَّابِعُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ، رُجِعَ إِلَى قَوْلِ الْوَرَثَةِ (وَمُدَبَّرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَصَحَّتْ كَأُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ هُوَ وَالْوَصِيَّةُ، قُدِّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ بَعْضُهُ، وَيُمْلَكُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا عُتِقَ مِنْهُ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ وَصَّى لِعَبْدِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً، فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِمُشَاعٍ مِنْ مَالِهِ (وَأُمِّ وَلَدِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، وَكَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ فَرَسِهِ، وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا، نَقَلَهُ الْمَرْوَذِيُّ، وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا، فَفَعَلَتْ، وَأَخَذَتِ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى شَرْطِهِ.
فَإِذَا قَبِلَهَا، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ، وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمَشَاعٍ كَثُلُثِ مَالِهِ، فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ عَتَقَ، وَأَخَذَ فَاضِلَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ، أَوْ بِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ اكْتِسَابُهُ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ كَالْحُرِّ، إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْوَاضِحِ ـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ـ خِلَافُهُ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَبْدَ وَارِثِهِ، وَلَا قَاتِلَهُ إِنْ لَمْ يَصِرْ حُرًّا وَقْتَ نَقْلِ الْمِلْكِ (فَإِذَا قَبِلَهَا، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، وَكَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا، وَقْتَ مَوْتِ مُوصٍ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَالْخِلَافُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَبُولَ الْعَبْدِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ كَالِاحْتِطَابِ، وَفِيهِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنَ الْعَبْدِ، فَهُوَ كَبَيْعِهِ، وَرُدَّ: بِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِهِ كَالْمُبَاحِ.
(وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمَشَاعٍ كَثُلُثِ مَالِهِ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ تَضَمَّنَتِ الْعِتْقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ (فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ عَتَقَ) كَمَا إِذَا كَانَ ثُلُثُهُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةً أَوْ دُونَهَا، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ ثُلُثَهُ مَشَاعًا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ نَفْسُهُ، فَيَمْلِكُ ثُلُثَهَا، وَإِذَنْ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْجُزْءُ لِتَعَذُّرِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَيَسْرِي إِلَى بَقِيَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، بَلْ أَوْلَى (وَأَخَذَ فَاضِلَ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُنَفَّذُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى لَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ رَقَبَتِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ بِقَبُولِهِ إِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ، فَخَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مَا وَصَّى لَهُ بِهِ، وَفِي بَقِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ) كَدَارٍ وَثَوْبٍ (أَوْ بِمِائَةٍ، لَمْ يَصِحَّ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، فَمَا وَصَّى لَهُ بِهِ، فَهُوَ لَهُمْ، فَكَأَنَّهُ وَصَّى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَالْمَشَاعِ، وَعَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَيَعْتِقُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مُحَافَظَةٌ عَلَى تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ مَا
حَالَ الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا، أَوْ لِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَمْكَنَ إِذْ تَصْحِيحُ الْوَصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَبَنَى الشِّيرَازِيُّ الْخِلَافَ عَلَى تَمْلِيكِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى رِوَايَةِ الصِّحَّةِ تُدْفَعُ الْمِائَةُ إِلَيْهِ فَإِنْ بَاعَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْمِائَةُ لَهُمْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إِذَا لَمْ يَشْرُطْهَا الْمُبْتَاعُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَيُعْطَى ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ إِنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَعَنْهُ: مَنْعُهَا، كَقِنِّ زَمَنِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ كَمَا لَهُ (وَحُكِي عَنْهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمِيرَاثِ فِي الِانْتِقَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ وَصِيَّةً بِقَوْلِهِ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] الْآيَاتِ، وَالْحَمْلُ يَرِثُ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ مَعَ أَنَّهَا أَوْسَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِلْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، وَالْعَبْدِ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْلَى، لَكِنْ إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا حِينَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا يَثْبُتَانِ بِالشَّكِّ، وَسَوَاءٌ مَاتَ لِعَارِضٍ مِنْ ضَرْبِ بَطْنٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا صَحَّتْ (إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ (بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا) أَوْ بَائِنًا لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ، إِذِ التَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ لِمَعْدُومٍ، وَفِي الْمُغْنِي: أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتُمِلَ حُدُوثُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يُصَادِفْ مَوْجُودًا يَقِينًا، وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ الْمُنَجَّا، فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَيُقَدَّمُ رَدُّهُ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُمَا، وَمَا وَطِئَا لِبُعْدٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَبْسٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (أَوْ لِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ: إِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِوُجُودِهِ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إِذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ بَائِنًا لَا