الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عِوَضًا فِي الْخَلْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ.
فَصْلٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَنْبِيهٌ: إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ، سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَيُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ غَائِبًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَالْغَائِبِ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا قَدِمَ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِابْنِي الطِّفْلِ، فَهُوَ كَالْغَائِبِ فِي وَجْهٍ. وَفِي الْآخَرِ: لَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلطِّفْلِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي مَالِهِ حَقٌّ بِإِقْرَارِ وَلَيِّهِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فِي شِقْصٍ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، أَوِ الطِّفْلِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمَا، فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ.
(وَإِنْ كَانَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهِ (فَقَالَ الْقَاضِي) وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ (يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ الشِّقْصَ الْقَابِلَ لِلشُّفْعَةِ بِبَدَلٍ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً لَا مِثْلَ لَهَا (وَقَالَ غَيْرُهُ) وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ "(يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ الْمَشْفُوعِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ كَالثَّمَنِ، مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمَبِيعَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ إِمَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ لِلْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِالْمَهْرِ وَفِيهِ تَقْوِيمُ الْبُضْعِ، وَإِضْرَارٌ بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَتَفَاوَتُ مَعَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ فِي صِفَةِ الْأَخْذِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا أُخِذَ أُجْرَةً، أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ، أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ.
[فَصْلُ لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ]
فَصْلٌ (وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ إِلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ رِضَاهُ بِالْتِزَامِهِ، وَإِيجَابَ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتَ حَقِّهِ مِنَ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِ
أَقَرَّ الْبَائِعُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ، وَإِذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّمَنِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ) وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ، فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَلِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَقِيلَ: تَثْبُتُ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: إِنْ شُرِطَ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَجِبْ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ؛ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، وَالشَّفِيعُ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، فَكَانَ لَهُ، وَغَايَةُ مَا تَقَدَّمَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ بِهَا كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْكَافِي " أَحَدُهُمَا: لَا شُفْعَةَ، نَصَرَهُ الشَّرِيفُ فِي مَسَائِلِهِ، وَلَا نَصَّ فِيهَا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فَرْعُ الْبَيْعِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ فَرْعُهُ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِحَقَّيْنِ: حَقٌّ لِلشَّفِيعِ، وَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِإِنْكَارِهِ ثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ لِرَجُلَيْنِ، فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا، فَعَلَيْهِ يَقْبِضُ الشَّفِيعُ مِنَ الْبَائِعِ، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ دَرْكُ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ، وَلَا لِلشَّفِيعِ مُحَاكَمَةُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي بَقِيَ الثَّمَنُ الَّذِي عَلَى الشَّفِيعِ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ: لَا أَسْتَحِقُّهُ، فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ) الْعُهْدَةُ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الشِّقْصَ إِذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا أَوْ مَعِيبًا فَإِنْ الشَّفِيعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ بِأَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَائِعَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ، فَإِنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ (فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَاجِبٌ لِيَحْصُلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي
وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أَبِيهِمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَشَرِيكِ أَبِيهِ، وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَسْلِيمِهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يُلْزِمُ فِي الْعَقَارِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَإِذَا وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أَبِيهِمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَشَرِيكِ أَبِيهِ) لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَمَلَّكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ عَلَى شُرَكَائِهِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ (وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ " الْعِلَلِ "، وَأَبُو بَكْرٍ، وَفِي إِسْنَادِهِمَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، وَنَائِلٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُخْتَصُّ بِهِ الْعَقَارُ، أَشْبَهَ الِاسْتِعْلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهَا خِيَارٌ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالشِّرَاءِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْقَى فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهَا إِذَا ثَبَتَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهِ، فَلِأَنْ تَثْبُتَ عَلَى الذِّمِّيِّ مَعَ دَنَاءَتِهِ أَوْلَى، وَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِكَافِرٍ عَلَى مِثْلِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا كَالْمُسْلِمِينَ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ لَهُمَا إِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا، فَإِنْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ شِقْصًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصَحِّ كَخِنْزِيرٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: هَلْ هِيَ مَالٌ لَهُمْ؟ فَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ هَلْ لَهُمْ شُفْعَةٌ؟ وَذُكِرَ لَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّافِضَةِ شُفْعَةٌ، فَضَحِكَ وَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَهَا لَهُمْ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْغُلَاةِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا الْغُلَاةُ
الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَمُعْتَقِدِ غَلَطِ جِبْرِيلَ فِي الرِّسَالَةِ، وَمَنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنَ الدُّعَاةِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلذِّمِّيِّ الَّذِي يُقِرُّ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمَضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؟ وَفِيهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، وَصُورَتُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُضَارِبُ لَهُ شِقْصٌ فِي عَقَارٍ، فَاشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَقِيَّتَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَالثَّانِي: لَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ تَعَلُّقًا فِي الْجُمْلَةِ، أَشْبَهَ رَبَّ الْمَالِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، وَإِلَّا وَجَبَتَ، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ ": وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ. الثَّانِيَةُ: الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمَضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: تَجِبُ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ كَالْمُنْفَرِدِ بِنَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا، فَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ شُفْعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجْلِبْ مِلْكًا، وَإِنَّمَا قَرَّرَتْهُ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا شُفْعَةَ لِمُضَارِبٍ فِيمَا بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا وَلَهُ فِيهِ مِلْكٌ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ شَرِكَةً لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ كَانَ فِيهَا حَظٌّ، فَإِنْ أَبِي أَخَذَ بِهَا رَبُّ الْمَالِ.
تَذْنِيبٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يَرَى الشُّفْعَةَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا، وَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ وَقَفَهَا كَالشَّامِ وَمِصْرَ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ، فَتَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ فِيهِ.