الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا لِبَيْتِ نَارٍ، وَلَا لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَرِثُهُ فِي الْحَالِ أَوْ لَا، وَيَسْتَوِي فِيهِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ.
فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تَجْعَلُ الْقَرَابَةَ كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَرَابَةِ كَانَ حُكْمُهُمْ كَمَا سَلَفَ، وَإِنْ قُلْنَا الْقَرَابَةُ تَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْآبَاءِ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهِمُ الْأُمُّ، وَلَا أَقَارِبُهَا.
مَسْأَلَةٌ: أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَعْطَى ثَلَاثَةً، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْإِخْوَةِ، فَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ثَلَاثَةٌ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، كُمِّلَتْ مِنَ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ مِنْهَا، فَمِنَ الثَّالِثَةِ.
فَوَائِدُ: أَوْصَى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَصُرِفَ فِي تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ، وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي التُّرَابِ يُصْرَفُ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَفِي الْمَاءِ يصرف فِي عَمَلِ سُفُنٍ لِلْجِهَادِ، وَفِي الْهَوَاءِ قَالَ شَيْخُنَا مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ بَاذْهَنْجُ لِمَسْجِدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُصَلُّونَ، وَفِيهِ شَيْءٌ. وَلَوْ وَصَّى بِكُتُبِ الْعِلْمِ لِآخَرَ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَفْنِهَا لَمْ تُدْفَنْ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بَأْسَ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحْوَطُ دَفْنُهَا.
[الْجِهَاتُ الَّتِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا]
فَصْلٌ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا لِبَيْتِ نَارٍ) وَلَا لِعِمَارَتِهَا، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مَنْسُوخَةٌ، وَالِاشْتِغَالُ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: لَوْ أَوْصَى بِحُصْرٍ لِبِيَعٍ وَقَنَادِيلِهَا لَا عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِهَا، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ، وَتَعْظِيمِ كَنَائِسِهِمْ، وَعَنْ أَحْمَدَ: صِحَّتُهَا مِنَ الذِّمِّيِّ لِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ.
لِمَلِكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ، وَإِنْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا النِّصْفُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: أَوْصَى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ، صَحَّ، لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ كَافِرٍ، فَأَسْلَمَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، ابْتُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ (وَلَا لِمَلِكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ) وَلَا لِجِنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، فَلَمْ تَصِحَّ لَهُمْ كَالْهِبَةِ.
فَرْعٌ: تَصِحُّ وَصِيَّةٌ لِحَبِيسٍ وَفَرَسِ زَيْدٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَيَصْرِفْهُ فِي عَلَفِهِ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ.
(وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ) أَوْ مِائَةٍ (لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا: أَنَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَ الْوَصِيَّةَ لِلْحَيِّ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ بَيْنَهُمَا كَالْمَنْصُوصِ فِي لَهُ وَلِجِبْرِيلَ، أَوِ الْحَائِطِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلَّا النِّصْفُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ الْأَشْيَاخُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ، بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْحَيِّ، وَهُوَ النِّصْفُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ) وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِمَا، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْآخَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيَّيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
فَرْعٌ: أَوْصَى لِلَّهِ وَلِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، فَنِصْفَانِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ بِأَنَّ جَمِيعَهُ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ، وَإِنْ وَصَّى لِلرَّسُولِ، وَلِزَيْدٍ، صَحَّ، وَنِصْفُ الرَّسُولِ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ.
وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ، وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا وَصِيَّتَهُ، فَلَهُ التُّسْعُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ) فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الرَّدِّ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ السُّدُسُ، فَصَحَّ لِلْأَجْنَبِيِّ إِذْ لَا اعْتِرَاضَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ، وَبَطَلَ سدس الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَفِي الرِّعَايَةِ إِذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ بِثُلُثِهِ اشْتَرَكَا مَعَ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ الرَّدِّ عَلَى الْوَارِثِ لِلْآخَرِ الثَّالِثِ، وَقِيلَ: نِصْفُهُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِثُلُثِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى الْوَارِثِ فَقَطْ، وَإِنْ رَدَّ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ وَصِيَّتِهِ عَيْنًا، فَهُوَ لَهُمَا، وَقِيلَ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقِيلَ: لَهُ السُّدُسُ، وَيَبْطُلُ الْبَاقِي، وَلَوْ أُجِيزَ لِلْوَارِثِ وَحْدَهُ، فَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ إِذَنْ، وَقِيلَ: السُّدُسُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا) أَيْ لِلْوَارِثِ، وَأَجْنَبِيٍّ (بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ: إِذَا أَبْطَلَ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ تَعَيَّنَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يُزَاحِمُ الْأَجْنَبِيَّ مَعَ الْإِجَازَةِ، فَإِذَا رَدُّوا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ رَدٍّ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّهُمْ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِبْطَالِ الثُّلُثِ، فَمَا دُونَ إِذَا كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ جَعَلْنَا الْوَصِيَّةَ بَيْنَهُمَا لَمَلَكُوا إِبْطَالَ مَا زَادَ عَلَى السُّدُسِ، وَكَمَا لَوْ خَصُّوا الْوَارِثَ بِالْإِبْطَالِ، فَإِنْ قَالُوا: أَجَزْنَا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، وَرَدَدْنَا نِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ، صَحَّ، وَاتَّبَعَ كَالْعَكْسِ، وَإِنْ أَجَازُوا أَنْ يَنْقُصُوا الْأَجْنَبِيَّ عَنْ نِصْفِ وَصِيَّتِهِ، لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدُّوا جَمِيعَ وَصِيَّةِ الْوَارِثِ، وَنِصْفَ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ.
(وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ التُّسْعُ عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ رَجَعَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَى الثُّلُثِ، وَالْمُوصَى لَهُ ابْنَانِ وَأَجْنَبِيٌّ، فَيَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ التُّسُعُ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَبِالرَّدِّ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ عَمَلًا بِالْوَصِيَّةِ السَّالِمَةِ عَنِ الْمُزَاحِمِ