الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَإِنْ أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدَهُ أُلْحِقَ بِهِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، حَيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ مَيِّتًا، وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ وُلِدَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ: وَلَدُهَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا أُمُّهُ.
[فَصْلٌ: أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدَهُ]
فَصْلٌ (وَإِنْ أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ أُلْحِقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ؛ لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ، فَقُبِلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِدَعْوَتِهِ، وَأَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ مُلْتَقِطُهُ أُقِرَّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنَ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَبُوهُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، (مُسْلِمًا كَانَ) الْمُدَّعِي (أَوْ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَثْبُتُ لَهُ النِّكَاحُ وَالْفِرَاشُ فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْمُسْلِمِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً، فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْحُرِّ، لَكِنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ حَضَانَةٌ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا كَالْأَبِ، وَإِذَنْ يَلْحَقُهَا نَسَبُهُ دُونَ زَوْجِهَا، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ نَسَبَهُ لَمْ يُلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ.
وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَتِهَا بِحَالٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، إِجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا لَا مُنَازِعَ فِيهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى أَحَدٍ فَقُبِلَ كَدَعْوَى الْمَالِ (حَيًّا كَانَ الْمُلْتَقَطُ أَوْ مَيِّتًا) ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ مَعْنًى، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا حُكْمًا (وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي كُفْرِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى تَخَالُفِ الظَّاهِرَ فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا كَدَعْوَى الرِّقِّ، وَإِذَا قُبِلَ فِي النَّسَبِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَالْكُفْرِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ذُكِرَ لَحِقَهُ نَسَبًا وَدِينًا؛ لِتَحَقُّقِ الْوِلَادَةِ، وَالْوَلَدُ الْمُحَقَّقُ
عَلَى فِرَاشِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُلْحَقُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهَا إِخْوَةٌ أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا وَإِلَّا لَحِقَ، وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ قَدِمَ بِهَا، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدِمَهَا عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا إِنْ مَاتَا، فَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَتْبَعُ مُطْلَقًا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فِي الدِّينِ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَلَدُ كَافِرَيْنِ حَيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ، (وَعَنْهُ: لَا يُلْحَقُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ) لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِزَوْجِهَا بِغَيْرِ إِقْرَارِهِ وَلَا رِضَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهَا إِخْوَةٌ أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا) ، نَقَلَهَا الْكَوْسَجُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ بِهَا لُحُوقُ النَّسَبِ بِالْإِخْوَةِ وَالنَّسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَنَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ تَخْفَ وِلَادَتُهَا عَلَيْهِمْ، وَيَتَضَرَّرُونَ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْيِيرِهِمْ بِوِلَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا (وَإِلَّا) أَيْ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (لِحَقَ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ) سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوِ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا تَنَازَعُوا تَسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ.
(لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ قَدِمَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتُثْبِتُهُ (فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً - تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُمَا هُنَا بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْقُرْعَةِ، وَالْقُرْعَةُ لَا تُثْبِتُ النَّسَبَ، لَا يُقَالُ: إِنَّمَا يَثْبُتُ هُنَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُرَجَّحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونَ لُحُوقُهُ بِالْوَطْءِ لَا بِالْقُرْعَةِ (أَوْ عَدَمِهَا) ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ (عُرِضَ مَعَهُمَا) - أَيْ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ (عَلَى الْقَافَةِ) ، وَهُمْ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْأَنْسَابَ بِالشَّبَهِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْإِصَابَةُ فَهُوَ قَائِفٌ؛ وَقِيلَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي بَنِي مُدْلِجٍ رَهْطِ مُجَزِّزٍ، وَكَانَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَائِفًا، وَكَذَا شُرَيْحٌ (أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا)، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": عُصْبَتُهُمَا (إِنْ مَاتَا، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا حُكْمَ لِلْقَافَةِ، وَيُلْحَقُ بِالْمُدَّعِيَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهَا
أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا، وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّبَهِ وَالظَّنِّ، فَإِنَّ الشَّبَهَ يُوجَدُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَيَنْتَفِي بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَبِدَلِيلِ الرَّجُلِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:«لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وَلَوْ كَانَ الشَّبَهُ كَافِيًا لَاكْتَفَى بِهِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إِجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّهُ يُرْجَعُ لِقَوْلِهَا كَالْبَيِّنَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه السلام فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ:«لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فَحَكَمَ عليه السلام بِهِ لِلَّذِي أَشْبَهَهُ مِنْهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنِ انْتَفَى الْمَانِعُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ، (وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ، فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنُهُمَا، وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ. وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عُمَرَ، فَعَلَى هَذَا يَرِثُهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ، وَيَرِثَانِهِ جَمِيعًا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ إِرْثُ أَبٍ كَامِلٍ، وَنَسَبُهُ مِنَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إِذَا انْفَرَدَتْ، أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ، وَالزَّوْجَةُ كَالزَّوْجَاتِ.
فَرْعٌ: إِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِكَافِرٍ أَوْ أَمَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِرِقِّهِ وَلَا كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ إِسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِظَنٍّ وَلَا شُبْهَةٍ.
(وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ) ، يَعْنِي إِذَا ادَّعَتِ امْرَأَتَانِ نَسَبَ اللَّقِيطِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَبُولِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مِمَّنْ تُقْبَلُ دَعْوَاهَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُوَ ابْنُهَا، كَالْمُنْفَرِدَةِ، وَإِنْ كَانَتَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا فَوُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِمَّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمَا فَهُمَا كَالرَّجُلَيْنِ، لَكِنْ لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأُمَّيْنِ سَقَطَ قَوْلُهَا.
وَاحِدَةٍ، وَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ - لَحِقَ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ، وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ - ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى نَسَبَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَيُلْحَقُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَيَكُونُ ابْنُهُمَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمَا كَالِانْفِرَادِ (وَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ لَحِقَ بِهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ يُلْحَقُ بِثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ إِلْحَاقَهُ بِاثْنَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ ثَبَتَ لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي غَيْرِهِ، فَيَجِبُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِهِ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فِي الْمَخْمَصَةِ، أُبِيحَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَالُ الْغَيْرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا عَدَّى الْحُكْمَ إِلَى مَا فِي مَعْنَاهُ، (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ) ؛ لِلْأَثَرِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَمَنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَلَا قَافَةَ، (وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْمُغْنِي " أَنَّهُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِأَحَدِهِمْ، أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى سِوَى الِالْتِقَاطِ فِي الْمَالِ، وَكَذَا إِذَا اخْتَلَفَ قَائِفَانِ أَوِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَإِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ وَخَالَفَا ثَالِثًا أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ بَيْطَارَانِ وَطَبِيبَانِ فِي عَيْبٍ، وَلَوْ رَجَعَا، (وَفِي الْآخَرِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ (يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى قَرِيبِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ أَقَرَّ بِهِ مَنْ هُوَ أَهْلُ الْإِقْرَارِ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا لَوِ انْفَرَدَ. (أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ) ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُ فِي رَجُلَيْنِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى قَوْلِهِ لَوِ انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَادَ فَانْتَسَبَ إِلَى الْآخَرِ، أَوْ نَفَى نَسَبَهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَسِبْ إِلَى الْآخَرِ - لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِغَيْرِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ