الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ
أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ كَالرَّمَدِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً، فَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ عَنِ السَّلَفِ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
فَرْعٌ: وِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ مَعَ عُرْفٍ.
[فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ]
فَصْلٌ
فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ (أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ كَالرَّمَدِ) ، وَهُوَ وَرَمٌ حَارٌّ فِي الْمُلْتَحِمِ عَنْ مَادَّةٍ فِي الْعَيْنِ، وَيُعْرَفُ بِتَقَدُّمِ الصُّدَاعِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْحِجَابِ الدَّاخِلِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْخَارِجِ (وَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ) الْيَسِيرِ وَهُوَ وَجَعُ الرَّأْسِ (وَنَحْوِهِ) كَحُمَّى يَوْمٍ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَقِيلَ: سَاعَةٍ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَإِسْهَالٍ يَسِيرٍ مِنْ غَيْرِ دَمٍ (فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ (يَصِحُّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ) وَلَوِ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ؛ لِلْأَدِلَّةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فَبَرَأَ (وَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ) الْقَاطِعَ بِصَاحِبِهِ (الْمَخُوفَ) - أَيْ مَرَضًا مَخُوفًا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ (كَالْبِرْسَامِ) ، وَهُوَ بُخَارٌ يَرْتَقِي إِلَى الرَّأْسِ وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ فَيُحِيلُ عَقْلَ صَاحِبِهِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي، وَيُقَالُ فِيهِ: سِرْسَامٌ، (وَذَاتِ الْجَنْبِ) ، وَهُوَ قَرْحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ، وَوَجَعُ الْقَلْبِ وَالرِّئَةِ، وَلَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا، وَقِيلَ: هُوَ دُمَّلٌ كَبِيرَةٌ تَخْرُجُ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ وَتُفْتَحُ إِلَى دَاخِلٍ (وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ) ، فَإِنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَيُذْهِبُ الْقُوَّةَ (وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارِكِ) ، هُوَ الْمَبْطُونُ الَّذِي أَصَابَهُ الْإِسْهَالُ وَلَا يُمْكِنُهُ إِمْسَاكُهُ، فَإِنْ كَانَ يَجْرِي تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ، فَيَكُونُ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، (وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ) ، وَهُوَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ يُرْخِي بَعْضَ الْبَدَنِ، قَالَ ابْنُ
وَالصُّدَاعِ وَنَحْوِهِ، فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءٌ، يَصِحُّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ؛ كَالْبِرْسَامِ، وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ، وَالسِّلِّ فِي انْتِهَائِهِ، وَمَا قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ أَنَّهُ مَخُوفٌ فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُحَابَاةِ، فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ، وَالْجُذَامِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقَطَّاعِ: فَلَجَ فَالِجًا بَطَلَ نِصْفُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْهُ، (وَالسِّلُّ فِي انْتِهَائِهِ) ، هُوَ - بِكَسْرِ السِّينِ - دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ سَلَّ وَأَسَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَسْلُولٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِثْلُهُ الْقُولَنْجُ، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَنْزِلَ عَنْهُ، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَخُوفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حُمَّى، وَهِيَ مَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا، وَإِنْ بَادَرَهُ الدَّمُ وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ، وَإِنْ هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاءُ فَهِيَ مَخُوفَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً، وَكَذَلِكَ الْبَلْغَمُ إِذَا هَاجَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَزِيرَةِ فَيُطْفِئُهَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "(وَمَا قَالَ عَدْلَانِ) - أَيْ مُسْلِمَانِ - (مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ) أَيْ عِنْدِ الشَّكِّ فِيهِ (أَنَّهُ مَخُوفٌ) فَيُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَالْعَطَايَا، وَقِيلَ: يُقْبَلُ لِعَدَمٍ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ الْمَخُوفَ عُرْفًا، أَوْ يَقُولُ عَدْلَيْنِ (فَعَطَايَاهُ) صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى حِينَ جُرِحَ وَسُقِيَ لَبَنًا وَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى نُفُوذِ عَهْدِهِ (كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَالْهِبَةِ) الْمَقْبُوضَةِ (وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْمُحَابَاةِ) ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنَ الثُّلُثِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَاسْتَدْعَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَإِذَا لَمْ يُنَفَّذِ الْعِتْقُ مَعَ سَرَايَتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ
وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ، فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهِيَ مَخُوفَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْعَطَايَا إِذَا وُجِدَتْ فِي الصِّحَّةِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا:
أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنَ الثُّلُثِ أَوْ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُزَاحِمُ فِي الثُّلُثِ إِذَا وَقَعَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَتَزَاحُمِ الْوَصَايَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ خُرُوجَهَا مِنَ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
(فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ، وَالْجُذَامِ، وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ) ، وَحُمَّى الرِّبْعِ (فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ) ، أَيْ لَزِمَ الْفِرَاشَ (فَهِيَ مَخُوفَةٌ) أَيْ عَطِيَّتُهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ، أَشْبَهَ الْحُمَّى الْمُطْبِقَةَ (وَإِلَّا فَلَا) ، أَيْ إِنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً، وَعَطِيَّتُهُ حِينَئِذٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
قَالَ الْقَاضِي: إِذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْهَرِمِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنَ الثُّلُثِ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مَخُوفَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَ حَرْبٌ فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ مِنَ الثُّلُثِ، فَالْمَجْدُ أَثْبَتَهَا وَجَعَلَهَا ثَابِتَةً، وَصَاحِبُ " الشَّرْحِ " حَمَلَهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنَجَّا: إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّنَاقُضُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَغَايَتُهُ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ (وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ) بِأَنِ اخْتَلَطَتِ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُتَّفِقَيْنِ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ، فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ بَعْدَ ظُهُورِهَا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ. (أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ)
وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ - فَهُوَ كَالْمَرِيضِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إِذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَيْ إِذَا اضْطَرَبَ وَهَبَّتِ الرِّيحُ الْعَاصِفُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَكِبَهُ وَهُوَ سَاكِنٌ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ (أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ) قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ، فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ وَالْأَبْدَانُ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا وَيُغَمُّ إِذَا ظَهَرَتْ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيَسْوَدُّ مَا حَوْلَهُ وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلْدَهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَخُوفٌ إِذَا كَانَ فِيهِ، (أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُكِمَ لِلْمَرِيضِ وَحَاضِرِ الْحَرْبِ بِالْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ السَّلَامِ، فَمَعَ ظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ أَوْلَى، وَلَا عِبْرَةَ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقَتْلِ كَغَيْرِهِ لَعَمَّ، سَوَاءٌ كَانَ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ كَالرَّجْمِ، وَكَذَا إِذَا حُبِسَ لِلْقَتْلِ، ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ "، وَأَسِيرٌ عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُمُ الْقَتْلُ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ يَتَحَقَّقُ تَعْجِيلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدِ اخْتَلَّ كَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حِشْوَتُهُ فَلَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ الْعَقْلِ كَمَنْ خُرِقَتْ حِشْوَتُهُ أَوِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عقله صَحَّ تَصَرُّفُهُ، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَكَمَنَ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ كَقَطْعِ حِشْوَتِهِ، وَغَرِيقٍ، وَمُعَايَنٍ كَمَيِّتٍ (وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ) أَيْ عِنْدِ الطَّلْقِ، كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، (فَهُوَ كَالْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا أَلَمٌ شَدِيدٌ يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إِذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) ، هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَيْ عَطِيَّتُهَا مِنَ الثُّلُثِ كَمَرِيضٍ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَالْأَشْهَرُ مَعَ أَلَمٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا ثَقُلَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا إِلَّا الثُّلُثَ، وَلَمْ يَحِدَّ حَدًّا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ (وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ) ،
عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، وَأَمَّا مُعَاوَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَرَضَ بِهِمْ، فَهُمْ كَالصَّحِيحِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ فَإِنْ بَقِيَتِ الْمَشِيمَةُ مَعَهَا أَوْ مَاتَ مَعَهَا فَهُوَ مَخُوفٌ، فَإِنْ خَرَجَا فَحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أَوْ ضُرْبَانٌ شَدِيدٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي النُّفَسَاءِ إِذَا كَانَتْ تَرَى الدَّمَ فَعَطِيَّتُهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَالسَّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ لَا مُضْغَةٌ أَوْ عَلَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَلَمٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، فَالتَّبَرُّعُ عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ مِلْكِهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ. (بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّابِقُ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَنْهُ: يُقْسَمُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ إِذَا كَانَتْ عَطَايَا وَوَصَايَا تُقَدَّمُ الْعَطَايَا؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ، (وَإِنْ تَسَاوَتْ) أَيْ وَقَعَتْ دُفْعَةً بِأَنْ وَكَّلَ جَمَاعَةً فِيهَا فَأَوْقَعُوهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً (قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ (وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ، فَيَكْمُلُ الْعِتْقُ فِي بَعْضِهِمْ.
أَصْلٌ: إِذَا قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَوَفَّتْ تَرِكَتُهُ بِالْكُلِّ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ فَوَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا - وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ - أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ، فَمُنِعَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ كَالتَّبَرُّعِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ تَبَرَّعَ أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَبْطُلْ تَبَرُّعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ.
(وَأَمَّا مُعَاوَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَيَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ التَّبَرُّعُ، وَلَيْسَ هَذَا تَبَرُّعًا (وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا