الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَصِلٌ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنْ غَيْرِ مُمَانَعَةٍ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ (وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَضْمَنُهُ، فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ، وَحُلِيَّهُ) أَيِ الَّتِي لَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ (عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ أَشْبَهَ ثِيَابَ الْكَبِيرِ، وَالثَّانِي بَلَى؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا (وَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ، وَهِيَ مُتَقَوَّمَةٌ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ (وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً) أَيْ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تَلْزَمُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَهُ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا يَصِحُّ غَصْبُهُ أَشْبَهَ ثِيَابَهُ إِذَا بَلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَطْرَافَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ وَلَوْ عَبْدًا لَمْ يَضْمَنْ مَنَافِعَهُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَيَتَوَجَّهُ: بَلَى فِيهِمَا، قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَإِنْ مَاتَ فِي حَبْسِهِ فَهَدَرٌ، وَإِنْ صَحَّ غَصْبُهُ صَحَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُسْتَأْجِرُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ رِوَايَتَانِ اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ الصِّحَّةَ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى الْوَرَعِ.
[يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا]
فَصْلٌ (وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ) إِنْ كَانَ بَاقِيًا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّهِ إِنْ كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُشْتَغَلْ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَزِمَتْهُ إِعَادَتُهُ (إِنْ
خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ وَرَدُّهُ، وَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ، وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا، وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَصْلَحَتِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْغَرَامَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ؛ لِأَنَّهُ جَنَى بِتَعَدِّيهِ، فَكَانَ ضَرَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: خُذْ مِنِّي أَجْرَ رَدِّهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي هَاهُنَا، أَوْ بَذَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ لَمْ يَلْزَمِ الْمَالِكَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: دَعْهُ لِي فِي مَكَانِهِ الَّذِي نَقَلْتَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكِ الْغَاصِبُ رَدَّهُ، وَإِنْ قَالَ: رُدَّهُ إِلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ، لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ: دَعْهُ فِي مَكَانِهِ وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ حَمْلَهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ لَمْ يُلْزَمِ الْغَاصِبُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا (وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ) كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ، وَتَمْرٍ بِزَبِيبٍ (لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ) أَيْ تَخْلِيصُ الْمُتَمَيِّزِ (وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ رَدُّ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِغَيْرِهِ، وَأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ رَدِّهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ وَجَبَ تَمْيِيزُ مَا أَمْكَنَ (وَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ) يَعْنِي إِذَا غَصَبَ شَيْئًا، فَشَغَلَهُ بِمُلْكِهِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بَنَى عَلَيْهَا، أَوْ خَيْطٍ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا، لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِنِ انْتُقِضَ الْبِنَاءُ، وَتُفُصِّلَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَمْكَنَ رَدُّهُ فَوَجَبَ كَمَا لَوْ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ) لِأَنَّهُ صَارَ هَالِكًا فَوَجَبَ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا) لِلْخَبَرِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ.
مَسَائِلُ: إِذَا غَصَبَ فَصِيلًا وَنَحْوَهُ، فَأَدْخَلَهُ دَارَهُ، وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ نُقِضَ بَابُهُ مَجَّانًا، فَإِنْ دَخَلَ الْفَصِيلُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ دَارًا غَصَبَهَا غَرِمَ مَالِكُهُ أَرْشَ نَقْصِ الْبِنَاءِ وَإِصْلَاحِهِ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ رَبُّهُ عِوَضَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: يُذْبَحُ إِنْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا غَاصِبُهَا تَابُوتًا، وَلَمْ يَخْرُجْ، فُكَّ التَّابُوتُ وَلَمْ يُنْقَضِ الْبِنَاءُ، وَإِنْ سَقَطَ فِي مَحْبَرَتِهِ مَالٌ بِتَفْرِيطِهِ أُخْرِجَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كُسِرَتْ لَهُ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَسْرَهَا، فَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا بَدَلَ مَالِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ: إِذَا بَاعَ دَارَهُ وَلَهُ فِيهَا أُسْرَةٌ، وَتَعَذَّرَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّفْكِيكُ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِ
الزَّرْعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا، وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ، وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: كَمَا لَوْ قَلَعَ أَحْجَارًا لَهُ فِيهَا مَدْفُونَةٌ، وَفُصِّلَ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ) فَهُوَ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ كَمَا لَوِ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ ضَمِنَ ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ حَرْبٌ أَنَّ لَهُ تَمَلُّكَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ يَنْبُتُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً، وَقَرَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُوَافَقَتَهُ لِلْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِمَا، وَبُطُونُ الْأُمَّهَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، وَمَاءُ الْفُحُولِ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ، وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ) فِيهَا (خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ) أَيْ بِأُجْرَةِ (مِثْلِهِ) ، وَأَرْشِ نَقْصِ الْأَرْضِ (وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ.
وَجُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ، فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ، خِلَافًا لِأَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَلِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ ظُلْمًا أَشْبَهَ الْغَرْسَ، لَنَا مَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، فَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ، لَا يُجْبَرُ عَلَى إِلْقَائِهِ، فَكَذَا هُنَا صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنِ التَّلَفِ، وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُنَا عَلَى الزَّرْعِ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ زَرْعٌ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَعَارَةً، أَوْ مَشْفُوعَةً (وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الزَّرْعِ، فَيُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَعَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْأَرْضِ إِلَى حِينِ تَسْلِيمِ
يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لَا، نَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالثَّانِي: هِيَ نَفَقَتُهُ، فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَنْفَقَ مِنَ الْبَذْرِ، وَمُؤْنَةِ لَوَاحِقِهِ مِنَ الْحَرْثِ، وَالسَّقْيِ، وَنَحْوِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَصْلُهُمَا هَلْ يُضْمَنُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: فِيهِ ثَالِثَةٌ خَرَّجَهَا أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يُخَيَّرُ إِنْ شَاءَ دَفَعَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ النَّفَقَةَ، نَقَلَ مُهَنَّا: وَيُزَكِّيهِ إِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَهُ قَلْعُهُ إِنْ ضَمِنَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إِذْنِ شَرِيكِهِ، وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مِنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ، قُسِّمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: وَهَلِ الرُّطَبَةُ وَغَيْرُهَا كَزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، فَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا فَأَثْمَرَتْ، فَسَيَأْتِي (وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا أَخَذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ) أَيْ: إِذَا طَالَبَ مَالِكَ الْأَرْضِ لَزِمَ الْغَاصِبَ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِلْأَثَرِ الْحَسَنِ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُئُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ» ، قَالَ أَحْمَدُ الْعُمُّ: الطِّوَالُ، وَلِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ الَّذِي لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَزِمَهُ تَفْرِيغُهُ كَمَا لَوْ جَعَلَ فِيهَا قُمَاشًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مَشَاعًا، قَالَ: إِنْ كَانَ