الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ بِخُمْسِ مَالِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، أَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] .
[حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْقَدْرُ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ]
فَصْلٌ (وَالْوَصِيَّةُ) لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَعَنْهُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي الْمَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ الْعَطِيَّةُ الْمُنْجَزَةُ، تَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ إِذَا لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهِيَ (مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] نُسِخَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّرْكِ بَقِيَ الرُّجْحَانُ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«يَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَكَ وَأُزَكِّيَكَ» لَكِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ وَاجِبٌ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ لِكُلِّ قَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْهُ: وَلِلْمَسَاكِينِ، وَوَجْهِ الْبِرِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ تَرْكَ الْخَيْرِ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَلِقَوْلِهِ:«إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ» . الْخَبَرَ (وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ) وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ، فَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ دُونَ الْأَلْفِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أَنَّهَا تُسَنُّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ: عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ،
إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ، فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا تَرَكَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يُوصِي، وَقَالَ: مَنْ تَرَكَ سِتِّينَ دِينَارًا مَا تَرَكَ خَيْرًا، وَعَنْ طَاوُسٍ: هُوَ ثَمَانُونَ دِينَارًا، وَعَنِ النَّخَعِيِّ: أَلْفٌ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عَنْ غِنَى الْوَرَثَةِ لَمْ تُسْتَحَبَّ الْوَصِيَّةُ، لِمَا عَلَّلَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَلَيْهِ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَحَاجَتِهِمْ، فَلَا يُتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ مَعَ غِنَاهُ عُرْفًا، وَقِيلَ: الْغَنِيُّ عُرْفًا: مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْأَدْنَى مَنْ لَهُ دُونَهَا (بِخُمْسِ مَالِهِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ السَّلَفِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ؛ وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: أُوصِي إِلَى أَنْ أَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ: أَيُّ الْوَصِيَّةِ أَعْدَلُ، فَمَا تَتَابَعُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ فَتَتَابَعُوا عَلَى الْخُمْسِ، وَقِيلَ: بِالثُّلُثِ لِلْخَبَرِ، وَفِي الْإِفْصَاحِ: يُسْتَحَبُّ بِدُونِهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ بِخُمْسِهِ الْمُتَوَسِّطَ، وَذَكَرَ آخَرُونَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ فَوْقَ أَلْفٍ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمْسِ، وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَبِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّتَهُ لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَإِنْ وَصَّى لِغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُمْ، صَحَّتْ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ تَرَكَ خَيْرًا، وَهُوَ الْفَقِيرُ (إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ) مَحَاوِيجُ، كَذَا قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ.
قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ أَقَارِبِهِ الْمَحَاوِيجِ إِلَى الْأَجَانِبِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ مَالٍ يَتْرُكُهُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنِ النَّاسِ، وَأَطْلَقَ فِي الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ لَا يَرِثُ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلِمِسْكِينٍ، وَعَالَمٍ، وَدَيِّنٍ قَطَعَهُ عَنِ السَّبَبِ العذر، وَكَذَا قَيَّدَ فِي الْمُغْنِي اسْتِحْبَابَهَا لِقَرِيبٍ بِفَقْرِهِ، (فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
إِلَّا الثُّلُثُ وَلَا تَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، إِلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَهَلْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ، فَإِذَا عُدِمَ، وَجَبَ أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ أَشْبَهَ حَالَ الصِّحَّةِ (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا الثُّلُثُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْ يَعْقِلُ عَنْهُ، فَلَمْ تَنْفُذْ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَرِثَهُ زَوْجٌ، أَوْ زَوْجَةٌ وَرُدَّ، بَطَلَتْ بِقَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ ثُلُثَيْهِ، فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الثُّلُثَ، ثُمَّ ذُو الْفَرْضِ مِنْ ثُلُثَيْهِ، ثُمَّ تُتَمَّمُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لَا تُتَمَّمُ كَوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَعَلَيْهَا بَيْتُ الْمَالِ جِهَةُ مَصْلَحَةٍ لَا وَارِثٌ، وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا لِآخَرَ فَعَلَى الْأُولَى كُلُّهُ إِرْثًا وَوَصِيَّةً، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: ثُلُثُهُ وَصِيَّةٌ، ثُمَّ فَرْضُهُ، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا خَلَّفَ ذَا رَحِمٍ، أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلَا عَصَبَةَ وَلَا مَوْلَى، فَجَائِزٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ إِرْثُهُ كَالْفَضْلَةِ أَوِ الصِّلَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا فِي الْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ كَذِي الْفَرْضِ الَّذِي يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(وَلَا تَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ تَلْزَمُ فِي الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ «يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَالشِّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ فِي الْمَمْلُوكِينَ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمُ الْمَرِيضُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، وَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ فَكَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ فِي أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ، وَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا، تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ وَأَحْمَدُ، وأبو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ، إِلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَقَالَهُ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّتِهَا فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَصَحَّ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْخَبَرُ قَدْ خُصَّ بِخَبَرِ عُمَرَ، وَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَوْ خَلَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةً، أَوْ لَازِمَةً، وَنَحْوَهُمَا، أَوْ يُقَدَّرَ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ، وَإِلَّا هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُكْرَهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَتَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِالْإِجَازَةِ، وَعَنْهُ: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَتَبْطُلُ وَحْدَهَا، وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ بِثُلُثِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ: تُكْرَهُ وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ بِالْإِجَازَةِ (إِلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ) كَمَنَ خَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَأَوْصَى لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ، وَلِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ (فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا جَمَاعَةٌ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَارَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ، أَوْ أَجْنَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَعْيَانِ غَرَضًا صَحِيحًا، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ حَقِّهِ مِنْهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ مِنَ الْقَدْرِ، وَكَذَا، وَقَفَهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا.
1 -
(وَإِنْ لَمْ
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ، جازت
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا، تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ، وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَالثَّالِثِ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَلِفِدَاءِ أَسِيرٍ بِثَلَاثِينَ، وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ، وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، فَجُمِعَتِ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَبَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَنُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَكَانَ ثُلُثَهَا، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ وَصِيَّتِهِ (وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) وَمَا فَضَلَ يُقَسَّمُ بَيْنَ سَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَدْرِهَا، وَهِيَ قَوْلُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ، وَالثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْآدَمِيِّ، فَكَانَ آكَدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ، وَهُوَ أَقْوَى بِدَلِيلِ سَرَايَتِهِ، وَنُفُوذِهِ مِنَ الْمُرَاهِقِ الْمُفْلِسِ، وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ كَالْوَصَايَا فِي هَذَا.
فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْوَارِثَ إِعْتَاقُهُ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِإِعْتَاقِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ، أَوِ الْحَاكِمُ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَكَسْبُهُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ إِرْثٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَهُ، وَفِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي مُوصًى بِوَقْفِهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَسْقَطَ عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا، أَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا، أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ، فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وَصَّى لِغَرِيمِ الْوَارِثِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً: صَحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ الْوَارِثِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْوَارِثِ، لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
(وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَعَنْهُ، وَقَبْلَهُ فِي مَرَضِهِ، خَرَّجَهَا الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ مِنْ إِذْنِ الشَّفِيعِ فِي الشِّرَاءِ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حمدان، والشيخ تَقِيِّ الدِّينِ (جَازَتْ) بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَجَازَتْ بِإِجَازَتِهِمْ، كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ، أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَا
وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا فِيهَا، فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا، كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي، يَخْتَصُّ بِهِ عُصْبَتُهُ، وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ، صَحَّ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ، فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَمَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَجُوزُ لِوَارِثٍ (وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا إِمْضَاءٌ لِقَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّنْفِيذِ إِلَّا ذَلِكَ فَيَكْفِي لَفْظُهَا، وَهُوَ أَجَزْتُ، وَكَذَا أَمْضَيْتُ، أَوْ نَفَذْتُ، فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا لَزِمَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَجْلِسِ (لَا تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا فِيهَا) أَيْ: أَحْكَامُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ) كَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ مَعَ وُجُودِهِ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (الرُّجُوعُ فِيهِ) لِأَنَّ الْأَبَ إِنَّمَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ، لَا فِيمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ (وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا) بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقُوهُ نَفَذَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثِهِ، وَوَقَفَ عِتْقُ الْبَاقِي عَلَى إِجَازَتِهِمْ، فَإِنْ أَجَازُوهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ (وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصَى) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي هُوَ أَعْتَقَهُ (يَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ (وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ) كَالْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ (صَحَّ) أَيِ الْوَقْفُ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُمْ.
(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ) أَخْذًا مِنْ إِطْلَاقِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَظَاهِرُهُ نَفْيُ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا، فَتَكُونُ إِجَازَتُهُمُ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو الْفَرَجِ، وَخَصَّهَا فِي الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ (فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ) فَيَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ مِنَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَّى بِهِ لِابْنِهِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْعَصَبَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَالْوَقْفُ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ فِي صِحَّتِهَا بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ إِذَا قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ - وَجْهَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَلِهَذَا قِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ هَلْ هُوَ بَاطِلٌ، أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؟ وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الْبُطْلَانِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّنْفِيذِ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَقَرَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْوَارِثَ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَطَرَدَ هَذَا فِي الْأَعْيَانِ
أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُشَاعَةِ، كَالْغَانِمِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْوَقْفِ، وَالْمُضَارِبِ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرِّبْحِ.
فَوَائِدُ أُخَرُ مِنْهَا: إِذَا أَوْصَى بِمَجْهُولٍ، فَأَجَازَهُ الْوَارِثُ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، فَأَجَازَ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةُ حِنْثٍ، وَإِلَّا فَلَا.
وَمِنْهَا: إِجَازَةُ الْمُفْلِسِ، فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إِنَّهَا نَافِذَةٌ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ، وَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنَ الْوَصَايَا إِذَا أُجِيزَ هَلْ يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ مَا لَمْ يُجَاوِزْهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَشْكَلَ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْأَصْحَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتْ مَعَنَا وَصِيَّتَانِ، إِحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ، وَالْأُخْرَى لَا تُجَاوِزُهُ، كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ، زَاحَمَ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِلْآخَرِ خُمْسَاهُ، ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ، فَإِنَّمَا يُزَاحِمُهُ بِثُلُثٍ خَاصَّةً إِذِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنَ الْوَرَثَةِ، لَمْ تُتَلَقَّ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَا تُزَاحَمُ بِهِ الْوَصَايَا، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ بِالْإِجَازَةِ.
1 -
(وَمَنْ أَوْصَى لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ) كَمَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ إِخْوَتِهِ (فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ) بِسَبَبِ تَجَدُّدِ ابْنٍ لِلْمُوصِي (صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ) لِأَنَّ الْأَخَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ الْحَالُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِقَالُ إِلَى الْوَارِثِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الثُّلُثِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ) كَمَنَ أَوْصَى لِأَخِيهِ مَعَ وُجُودِ ابْنِهِ (فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا بَطَلَتْ) وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَلَوْ وَصَّى لِثَلَاثَةِ
وَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَجَزْتُ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِخْوَةٍ لَهُ مُفْتَرِقِينَ، وَلَا وَلَدَ لَهُ، وَمَاتَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةٍ إِذَا لَمْ تَتَجَاوَزِ الثُّلُثَ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ بِنْتٌ، جَازَتِ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَيَكُونُ لَهُمَا ثُلُثَا الْمُوصَى بَيْنَهُمَا.
فَرْعٌ: لَوْ وَصَّى لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَأَوْصَتْ لَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُمَا إِلَّا بِالْإِجَازَةِ، وَإِنْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِيُوصِلَ إِلَيْهَا مَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يَنْفُذْ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا.
(وَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ حِينَئِذٍ، فَتَصِحُّ مِنْهُمُ الْإِجَازَةُ، وَالرَّدُّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ) هَذَا زِيَادَةُ إِيضَاحٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَمْلِكُوهُ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ كَالْمَرْأَةِ تُسْقِطُ مَهْرَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَدْ سَبَقَ.
فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمُفْلِسِ، وَالسَّفِيهِ (وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ) كَمَا إِذَا كَانَتْ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَجَزْتُ؛ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا) كَمَا إِذَا أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ، فَأَجَازَهُ الْوَارِثُ، وَكَانَ الْمَالُ سِتَّةَ آلَافٍ، فَقَالَ: ظَنَنْتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إِمَّا تَنْفِيذٌ أَوْ هِبَةٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَذِبَهُ (وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِجَازَةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ خَمْسَمِائَةٍ، فَكَانَتْ أَلْفًا، فَيَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ عَقْدًا لَهُ الْخِيَارَ فِي فَسْخِهِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ كَمَا لَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ