الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمُوصَى إِلَيْهِ
تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الرُّبُعِ، يَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، أَنْقِصْهَا سَهْمًا يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ، فَهِيَ نَصِيبُ ابْنٍ، أَنْقِصْهَا سَهْمَيْنِ يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْخَالِ، وَإِنْ نَقَصَهَا ثَلَاثَةً، فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ، وَبِالْجَبْرِ تَجْعَلُ مَعَ الْعَمِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَمَعَ الْخَالِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ دِينَارًا، وَعَلَى الدَّنَانِيرِ دِرْهَمًا يَبْلُغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبًا، اجْبُرْ وَقَابِلْ، وَأَسْقِطِ الْمُشْتَرَكَ يَبْقَى مَعَكَ دِينَارَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَاقْلِبْ وَحَوِّلْ تَصِرِ الدَّرَاهِمُ ثَمَانِيَةً وَالدَّنَانِيرُ تِسْعَةً.
الثَّانِيَةُ: أَوْصَى لِعَمِّهِ بِعَشَرَةٍ إِلَّا رُبُعَ وَصِيَّةِ خَالِهِ، وَلِخَالِهِ بِعَشَرَةٍ إِلَّا خُمْسَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ، فَاضْرِبِ الْمَخَارِجَ تَكُنْ عِشْرِينَ، أَنْقِصْهَا سَهْمًا تَكُنْ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَهِيَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْمَالِ أَرْبَعَةً، أَنْقِصْهَا سَهْمًا يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، اضْرِبْهَا فِي الْعَشَرَةِ، ثُمَّ فِيمَا مَعَ الْعَمِّ، وَهُوَ خَمْسَةٌ، تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، اقْسِمْهَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَهِيَ وَصِيَّةُ عَمِّهِ يَخْرُجُ سَبْعَةٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا، فَهِيَ وَصِيَّةُ عَمِّهِ، وَاجْعَلْ مَعَ الْعَمِّ خَمْسَةً، وَانْقُصْهَا سَهْمًا، وَاضْرِبْهَا فِي عَشَرَةٍ، ثُمَّ فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ مِائَةً وَسِتِّينَ، اقْسِمْهَا تَكُنْ مِائَةً، وَثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَهِيَ وَصِيَّةُ خَالِهِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ الثُّلُثِ، وَلِآخَرَ بِدِرْهَمٍ، فَاجْعَلِ الْمَالَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ، وَإِلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ دِرْهَمَيْنِ بَقِيَ سَبْعَةٌ وَنَصِيبَانِ، ادْفَعْ نَصِيبَيْنِ إِلَى ابْنَيْنِ، فَيَبْقَى سَبْعَةٌ لِلِابْنِ الثَّالِثِ، فَالنَّصِيبُ سَبْعَةٌ، وَالْمَالُ ثَلَاثُونَ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَالنَّصِيبُ سِتَّةٌ، وَالْمَالُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْمُوصَى إِلَيْهِ]
لَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ، أَوْصَى إِلَى عُمَرَ، وَأَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: عُثْمَانُ وَابْنُ
امْرَأَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تَصِحُّ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِلَى الْفَاسِقِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ أَشْبَهَتِ الْوَدِيعَةَ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيهَا أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنَ الْخَطَرِ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامِ شَيْئًا، كَمَا كَانَ يَرَى عَدَمَ الِالْتِقَاطِ، وَتَرْكَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ.
(تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ) مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ إِجْمَاعًا، وَلَوْ مَسْتُورًا أَوْ عَاجِزًا، وَيُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إِلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلْمُوصِي أَوْ لِغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، اشْتُرِطَ إِذْنُ سَيِّدِهِ، وَخَصَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ بِعَبْدِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ: لَا تَصِحُّ إِلَى عَبْدٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالْكَسْبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْوَصِيَّةَ كَالْمَجْنُونِ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْعَبْدِ (أَوْ مُرَاهِقًا) بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَهُوَ الْقَرِيبُ مِنَ الِاحْتِلَامِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ فِي إِمْكَانِ التَّصَرُّفِ، فَصَحَّتْ إِلَيْهِ كَالْبَالِغِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَفِي أُخْرَى تَصِحُّ إِلَى مُمَيِّزٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مُجَاوَزَةُ الْعَشْرِ، وَفِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَهُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، كَالطِّفْلِ (أَوِ امْرَأَةً) ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجِزْهُ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَاضِيَةً، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ، أَشْبَهَتِ الرَّجُلَ، وَتَخَالَفَ الْقَضَاءُ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْكَمَالُ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاجْتِهَادِ (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً مِنْ أَصْلِ الْمَالِ عِنْدَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ، (وَلَا تَصِحُّ إِلَى غَيْرِهِمْ) كَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا
أَمِينًا، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا، فَلَا يَلِيَانِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَمْ تَصِحَّ إِلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَالْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ كَالْمَجْنُونِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إِلَى مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفِ لِسَفَهٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ، وَنَحْوِهِ، (وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِلَى الْفَاسِقِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ جَمْعًا بَيْنَ نَظَرِ الْمُوصِي وَحِفْظِ الْمَالِ، وَشَرَطَهُ إِنْ أَمْكَنَ الْحِفْظُ بِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، أَيْ: لَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَمِينٍ، حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَأَخَذَهَا فِي الْمُغْنِي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ أَهْلُ الِائْتِمَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إِيدَاعِهِ لَكِنَّ تَتِمَّةَ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَيُجْعَلُ مَعَهُ آخَرُ كَرِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا، ضُمَّ إِلَيْهِ أَمِينٌ يَعْلَمُ مَا جَرَى، وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَتَرْجَمَةُ الْخَلَّالِ: هَلْ لِلْوَرَثَةِ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ الْوَصِيِّ الْمُتَّهَمِ، ثُمَّ إِنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ مِنَ الْوَصِيَّةِ، تَوَجَّهَ جَوَازُهُ وَمِنَ الْوَصِيِّ، فِيهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ ضَمِّهِ مَعَ الْفِسْقِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كُفْءٍ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أُوصِيَ إِلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حَجَّةٍ: وِلَايَةُ الدَّفْعِ، وَالتَّعْيِينُ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ، وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ فِعْلِهِ مُحَرَّمًا فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا نَظَرَ، وَلَا ضَمَّ مَعَ وَصِيٍّ غَيْرِ مُتَّهَمٍ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ (وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛) أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْأَصَحُّ - أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطُ الْعَقْدِ، فَيُعْتَبَرُ حَالُ وُجُودِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَوْتِ حَسْبُ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَلِأَنَّ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ تُعْتَبَرُ حَالَةَ التَّحَمُّلِ، لَا الْأَدَاءِ، وَرُدَّ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِوَارِثٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْإِرْثِ وَخُرُوجُهَا مِنَ الثُّلُثِ لِلنُّفُوذِ وَاللُّزُومِ، فَاعْتُبِرَ بِحَالَتِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، فَاعْتُبِرَ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، وَلَا يَنْفَعُ وُجُودُهَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا.
1 -
وَجْهَيْنِ وَإِذَا أَوْصَى إِلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا وَصِيَّانِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْتُ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَهُ أَمِينًا، وَكَذَلِكَ إِنْ فَسَقَ، وَعَنْهُ: يُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ وَيَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِذَا أَوْصَى إِلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا وَصِيَّانِ) نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِمَا جَمِيعًا (إِلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْتُ) أَوْ عَزَلْتُ (الْأَوَّلَ) فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِعَزْلِهِ، فَانْعَزَلَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ، ثُمَّ عَزَلَهُ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيِ: الْوَصِيَّيْنِ سَوَاءٌ أَوْصَى إِلَيْهِمَا مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ كَالْوَكِيلَيْنِ (إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ) فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَتَى تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَ الْغَائِبِ أَمِينًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي جَعْلِ الْمَالِ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ مِنْهُمَا، جُعِلَ فِي مَكَانٍ، يَكُونُ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ (أَقَامَ الْحَاكِمُ مَكَانَهُ أَمِينًا) لُزُومًا؛ لِأَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ، فَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالثَّانِي لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمَا مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْصِبَ مَكَانَهُمَا، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ، كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَا إِذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ جُعِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ، لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إِقَامَةُ اثْنَيْنِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ، وَعَجَزَ الْآخَرُ عَنْهَا، أَوْ فَسَقَ أَقَامَ اثْنَيْنِ، كَمَا لَوْ عَجَزَا أَوْ فَسَقَا، وَقِيلَ: يَكْفِي وَاحِدٌ، (وَكَذَلِكَ إِنْ فَسَقَ) ، أَيْ يُقِيمُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، (وَعَنْهُ: يُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ) ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَى الْفَاسِقِ وَالْكَلَامُ الْآنَ عَلَى الْفِسْقِ الطَّارِئِ، فَعِنْدَ الْمُؤَلِّفِ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً،
قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْبُطْلَانَ، وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ عَلَى الْفِسْقِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَجْدِ يُبَدَّلُ بِأَمِينٍ، بِلَا نِزَاعٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّ فِي الِابْتِدَاءِ قَدْ رَضِيَهُ وَاخْتَارَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى رَآهُ فِيهِ، إِمَّا لِزِيَادَةِ حِفْظِهِ أَوْ إِحْكَامِ تَصَرُّفِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَرْبُو عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُ، فَحَالُ الْمُوصِي يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيَ بِعَدْلٍ وَلَا عَدْلَ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْفِسْقِ الْمُقَارِنِ، وَالطَّارِئِ بَعِيدٌ، فَإِنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ كَاعْتِبَارِهَا فِي الِابْتِدَاءِ، سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ لِمَعْنًى يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّفْرِيقِ، فَاعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفِسْقَ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمُوصِي مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ فِسْقِهِ، فَيُشْعِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ، وَخِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَرَأَ فِسْقُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَالِاعْتِبَارُ بِرِضَاهُ.
(وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) لِأَنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ، قَبْلَ الْوَقْتِ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا كَالْوَصِيَّةِ، وَمَتَى قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا كَالْوَكَالَةِ، وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، فَمُقَاسَمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ، (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَضِدِّهَا (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ) ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَ عَلَيْهِ: لَا يَجُوزُ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْتِزَامِ وَصِيَّتِهِ
لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَمَنَعَهُ بِذَلِكَ الْإِيصَاءَ إِلَى غَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَحَنْبَلٌ: لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ إِنْ وَجَدَ حَاكِمًا، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: إِنْ قَبِلَهَا، ثُمَّ غَيَّرَ الْوَصِيَّةَ فِيهَا، قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا إِذَا غَيَّرَ فِيهَا.
مَسْأَلَةٌ: مَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِمَعْرُوفٍ فِي ثُبُوتِهَا، فَمِنْ مَالِ يَتِيمٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ) كَالْمُوَكَّلِ (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ) أَيْ: إِذَا أَطْلَقَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي تَوْلِيَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ كَالْوَكِيلِ (إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تُوصِيَ إِلَى مَا شِئْتَ، أَوْ كُلُّ مَنْ أَوْصَيْتَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ، أَوْ هُوَ وَصِيٌّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَالْوَكِيلِ إِذَا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَمَلَكَ الْوَصِيَّةَ كَالْأَبِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْأَبَ يَلِي مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ أَحَدٍ، وَحُكِيَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ، وَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: إِنْ أُذِنَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ إِلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، جَازَ وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَى زَيْدٍ، فَإِنْ مَاتَ، فَعَمْرٌو، صَحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا إِلَّا أَنَّ عَمْرًا بَعْدَ زَيْدٍ، وَمِثْلُهُ: أَوْصَى إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ تَابَ ابْنِي عَنْ فِسْقِهِ، أَوْ قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ رَشَدَ، صَارَ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، أَوْ هُوَ وَصِيِّي سَنَةً، ثُمَّ عَمْرٌو لِلْخَبَرِ:«أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ» ، وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا هَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ، وَيَعْزِلَ مَنْ وَصَّى إِلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ، فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ إِذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ: الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِي أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ، فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ،
كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَحَّ، وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَإِنْ قَالَ: فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي، فَإِنْ وَلِيَ ثُمَّ مَاتَ فَفُلَانٌ بَعْدَهُ، لَمْ يَصِحَّ لِلثَّانِي، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إِذَا وَلِيَ صَارَ إِمَامًا، وَصَارَ التَّصَرُّفُ، وَالنَّظَرُ، وَالِاخْتِيَارُ إِلَيْهِ، فَكَانَ الْعَهْدُ إِلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جَعَلَ الْعَهْدَ إِلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَتُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إِلَيْهِ إِمَامَةٌ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ الْحُكْمِ أَوْ وَظِيفَةً بِشَرْطِ شُغُورِهَا، أَوْ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ، أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ، وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ فِي مَسَائِلَ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطٍ، بَطَلَ بِمَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ انْتَهَى، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ بِالْوَكَالَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِالْمَوْتِ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ، كَمَا إِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ لِآخَرَ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْوِلَايَةِ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ لَا الْحَيَاةِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ إِجْمَاعًا، وَتَبْطُلُ بِهِ، فَهِيَ ضِدُّ الْوَكَالَةِ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ خَاصَّةً، وَالْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي الْحَيَاةِ، فَهُمَا مُتَضَادَّتَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ صِحَّتُهَا فِي الْحَيَاةِ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْعَاهِدِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَزْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ عَهْدُهُ، كَمَا لَوْ زَالَ مِلْكُ الْمُوصِي عَنِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ.
1 -
(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَّا فِي) تَصَرُّفٍ (مَعْلُومٍ) لِيَعْلَمَ الْمُوصَى إِلَيْهِ مَا وُصِّيَ بِهِ إِلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ (يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي كَالْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْأَطْفَالِ بَلْ ذُو الْوِلَايَةِ إِذَا أَوْصَى إِلَى مَنْ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ الْمَجَانِينَ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُمْ رُشْدٌ، صَحَّ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَهُمْ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْأَحَظِّ، فَأَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ كَالْعُقَلَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرِ أَوْلَادِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْحَيَاةِ.
فَرْعٌ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحَدٍّ، يَسْتَوْفِيهِ لَهُ لَا لِلْمُوصَى لَهُ (وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ، لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ كَالْوَكِيلِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْلِكُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهَا، وِلَايَةٌ تَنْتَقِلُ مِنَ الْأَبِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ
يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إِخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَحْبِسُ بَاقِيهِ حَتَّى يُخْرِجُوا وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ، وَعَنْهُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَوِلَايَةِ الْحَدِّ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وِلَايَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَاسْتَفَادَهَا بِالْقَرَابَةِ، وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَالْإِذْنُ يَتَبَعَّضُ، فَافْتَرَقَا، فَإِنْ وَصَّى إِلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ، فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إِذَا كَانَ نَظِرًا لَهُمْ.
(وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ إِخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ، فَجَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ كَمَا يَدْفَعُ إِلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ (وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ، وَثُلُثَاهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَيَحْبِسُ بَاقِيهِ حَتَّى يُخْرِجُوا) لِأَنَّ إِخْرَاجَ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ وَاجِبٌ، وَهَذَا وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، وَفِي الْفُرُوعِ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا، وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ، وَحَمَلَهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى حَالَتَيْنِ، فَالْأُولَى: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ إِخْرَاجِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ أَجْنَاسًا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ عِوَضًا عَنْ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَرَاضِيهِمْ، وَحَكَى ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا عَنْ أَحْمَدَ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ وَيَطْلُبُهُمْ بِالثُّلُثِ، فَإِنْ فَرَّقَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ جُهِلَ مُوصًى لَهُ، فَتَصَدَّقَ هُوَ أَوْ حَاكِمٌ لَمْ يُضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ يَرْجِعُ بِهِ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى الْوَرَثَةُ) أَوْ جَحَدُوا، وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُ (ذَلِكَ قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ) أَيْ: بَاطِنًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ سَوَاءٌ رَضُوا بِهِ أَوْ أَبَوْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ إِلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ رُجُوعَهُمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فِي الدَّيْنِ: أَيَحِلُّ لَهُ إِنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ؟ قَالَ: لَا، وَعَنْهُ: إِنْ أَذِنَ فِيهِ حَاكِمٌ جَازَ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ حَقًّا، فَجَاءَ الْغَرِيمُ يُطَالِبُ الْوَصِيَّ، وَقَدَّمَهُ إِلَى الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ أَنَّ مَالِي فِي يَدَيْكَ