الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْوَلَاءِ
كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ أَوْ كتابة أو تَدْبِيرٍ أَوِ اسْتِيلَادٍ أَوْ وَصِيَّةٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حُرٌّ النِّصْفُ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَلِابْنٍ مَكَانَهَا النِّصْفُ بِالْعُصُوبَةِ، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِابْنَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرَّانِ، لَمْ نُورِّثْهَا الْمَالَ الْبَقِيَّةَ، مَعَ عَدَمِ عَصَبَةٍ، وَلِبِنْتٍ وَجَدَّةٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ، الْمَالُ نِصْفَيْنِ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ، وَمَعَ حُرِّيَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا بِقَدْرِ فَرْضَيْهِمَا، وَمَعَ حُرِّيَّةِ ثُلُثِهِمَا، الثُّلْثَانِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ، ابْنٌ نِصْفُهُ حُرٌّ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ آخَرُ، فَلَهُمَا الْمَالُ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: لَهُمَا نِصْفُهُ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ، لَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ، وَلَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَكْبَرُ حُرًّا، لَكَانَ الْمَالُ لَهُ، وَبِالْعَكْسِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ مَالٌ وَنِصْفٌ، فَلَهُ رُبُعُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ آخَرُ ثُلُثُهُ حُرٌّ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، كَمَا تُقَسَّمُ مَسْأَلَةُ الْمُبَاهَلَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: يُقَسَّمُ النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، وَفِي وَجْهٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ يُقَسَّمُ السُّدْسُ بَيْنَ صَاحِبَيِ النِّصْفَيْنِ نِصْفَيْنِ.
[بَابُ الْوَلَاءِ]
بَابٌ
الْوَلَاءُ أَيْ: بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ هُنَا الْوَلَاءُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُتَوَارَثُ بِهَا، وَالْوَلَاءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ، وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْعِتْقِ، أَوْ تَعَاطِي سَبَبِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ رَقِيقًا عَلَى أَيِّ جِهَةٍ صَارَ لَهُ عَصَبَةً فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ التَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَالْعَقْلِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] الْآيَةَ، يَعْنِي الْأَدْعِيَاءَ، مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام:«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْوَلَاءُ عَنِ النَّسَبِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى:«الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» رَوَاهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْخَلَّالُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ «لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ، وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ، وَنَحْوُهَا بِخِلَافِ الْوَلَاءِ.
(كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا) وَفِي الْفُرُوعِ: رَقِيقًا، وَهِيَ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، فَسَرَى إِلَى بَقِيَّتِهِ، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ إِجْمَاعًا، حَيْثُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيًّا، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، فَإِنْ جَاءَ الْمُعَتَقُ مُسْلِمًا، فَالْوَلَاءُ بِحَالِهِ، وَإِنَّ سُبِيَ مَوْلَى النِّعْمَةِ، لَمْ يَرِثْ مَا دَامَ عَبْدًا، فَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَهُ الْوَلَاءُ عَلَى عَتِيقِهِ، وَهَلْ يَثْبُتُ لِمُعْتِقِ السَّيِّدِ، وَلَاءٌ عَلَى مُعْتِقِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ، فَأَعْتَقَهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَسَرَهُ مَوْلَاهُ، فَكَذَلِكَ، وَإِنَّ سُبِيَ الْمُعْتَقُ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ، فَأَعْتَقَهُ، بَطُلَ وَلَاءُ الْأَوَّلِ، وَصَارَ لِلثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا، فَهَرَبَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَاسْتُرِقَّ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْحُرُّ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَعَتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، فَهَرَبَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، فَعَلَى هَذَا إِنِ اسْتُرِقَّ، فَالْوَلَاءُ لِلثَّانِي، وَقِيلَ: لِلْأَوَّلِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا، أَوْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَسُبِيَ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَإِنِ اشْتُرِيَ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا التَّوْبَةُ أَوِ الْقَتْلُ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ) يَعْنِي: إِذَا مَلَكَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ وُهِبَهُ أَوْ إِرْثٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (أَوْ كِتَابَةٍ) يَعْنِي إِذَا كَاتَبَهُ، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، عَتَقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَيِّدِهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِكِتَابَتِهِ، وَهِيَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَحَكَى ابْنُ سُرَاقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ أَجْنَبِيٌّ، فَأَعْتَقَهُ، وَهَذَا قُوَيْلٌ عِنْدَنَا، وَرُدَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ.
بِعِتْقِهِ، فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ، وَعَلَى مُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، وَيَرِثُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ، ثُمَّ يَرِثُ بِهِ عَصَبَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَعَنْهُ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بَعِوَضٍ حَالَ عِتْقٍ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ (أَوْ تَدْبِيرٌ) أَيْ: عَتَقَ عَلَيْهِ بِالتَّدْبِيرِ، فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ (أَوِ اسْتِيلَادٍ) يَعْنِي: إِذَا عُتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَوَلَاؤُهَا لَهُ يَرِثُهَا أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا، فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهَا، وَلَهُ بَيْعُهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَابِرِ بْنُ زَيْدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا عُتِقَتْ بِفِعْلِهِ مِنْ مَالِهِ، فَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ، كَمَا لَوْ عُتِقَتْ بِقَوْلِهِ (أَوْ وَصِيَّةٍ بِعِتْقِهِ) أَيْ: إِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأُعْتِقَ، فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَكَذَا إِنْ وَصَّى بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي (فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) أَيْ: ثَبَتَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَقِ، إِلَّا إِذَا أَعْتَقَ قِنٌّ قِنًّا مَلَكَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِمْ وَعِتْقُهُمْ بِسَبَبِهِ، وَلِأَنَّهُمْ فَرْعٌ، وَالْفَرْعُ: يَتْبَعُ أَصْلَهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَيَتْبَعُونَهَا فِي عَدَمِ الْوَلَاءِ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَاءٌ (وَعَلَى مُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا) لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِمْ، وَبِسَبَبِهِ عَتَقُوا، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُمْ بِالْعِتْقِ (وَيَرِثُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَتَقِ عَصَبَةٌ، وَلَا ذُو فَرْضٍ، فَهُوَ لِلْمَوْلَى؛ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ مَرْفُوعًا «الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى» وَلِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنَ الْوَلَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، سُقُوطُ الْقِصَاصِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْوَلَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَصَبَةٌ، أَوْ ذُو فَرْضٍ يَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمُ الْمَالَ، فَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذُو فَرْضٍ لَا تَسْتَغْرِقُ الْمَالَ، فَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى.
(ثُمَّ يَرِثُ بِهِ عَصَبَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ) سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا، أَوْ أَخًا، أَوْ أَبًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعَصَبَاتِ، وَلَا
إِلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ وَلَاءَهُ لَهُمْ، وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرَّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعَتَقِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْمَوْلَى أَخٌ فِي الدِّينِ، وَمَوْلَى نِعْمَةٍ، يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُعْتَقِ» وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ كَالنَّسَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمَوْلَاهُ (وَعَنْهُ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى إِلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ وَلَاءَهُ لَهُمْ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَوْهُ (وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا، فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتْبَعُ الْأَدَاءَ، وَفِي التَّبْصِرَةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي الْمُبْهِجِ: إِنْ أَعْتَقَ كُلُّ الْوَرَثَةِ الْمَكَاتَبَ نَفَذَ، وَالْوَلَاءُ لِلرِّجَالِ، وَفِي النِّسَاءِ رِوَايَتَانِ (وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرَّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ عَرَبِيًّا أَوْ مَوْلًى؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إِنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا فِي انْتِفَاءِ الرِّقِّ وَالْوَلَاءِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهَا فِي نَفْيِ الْوَلَاءِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، بِحَيْثُ يَصِيرُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى أَبِيهِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهُ فِي سُقُوطِ الْوَلَاءِ عَنْهُ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، مَعْلُومَ النَّسَبِ أَوْ مَجْهُولَهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ، إِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً، وَعَلَّلَهُ الْخَبَرِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ لِحُرِّيَّةِ الْأَبِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْأَبَ حُرٌّ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، أَشْبَهَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، إِذِ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَوْلًى، وَالْأُمُّ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَالْمَذْهَبُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَبَوْهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَمُّهُ عَتِيقَةٌ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلِي لِمَوْلَى أُمِّهِ.
وَمَنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَتِيقَةً، وَأَبُوهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَلِي كَمَوْلَى أَبِيهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِمُعْتَقَةٍ لِقَوْمٍ أَوْ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ، فَأَوْلَدَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ أَنَّ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ لِمَوْلَى أَبِيهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي
الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ فِي زَكَائِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَمَا رَجَعَ فِي مِيرَاثِهِ، رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا يَعْتِقُهُمْ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْوَجِيزِ، وَفِي حُرِّ الْأَصْلِ: إِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً، فَعَتَقَ وَلَدُهَا عَلَى سَيِّدِهَا، فَلَهُ وَلَاؤُهُ.
(وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً) كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكَ سَائِبَةً، كَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ لِلَّهِ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْكَ، وَأَصْلُهُ مِنْ تَسْيِيبِ الدَّوَابِّ، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ، فَأَشْهَرُهُمَا - وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إِنَّ الْقَاضِي وَالشَّرِيفَ وَأَبَا الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنَ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا - أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَعْتَقَ سَائِبَةً، فَمَاتَ، فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ بِمَالِهِ رِقَابًا، فَأَعْتَقَهُمْ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ: بِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَفِي عَقْلِهِ لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا، وَانْتِفَاءِ الْوَلَاءِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي أَعْتَقْتُ عَبْدًا، وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً فَمَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسِيِّبُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسِيِّبُونَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ، وَإِنْ تَأَثَّمْتَ وَتَحَرَّجْتَ فِي شَيْءٍ، فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ، وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ أَنَّ عُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَا فِي مِيرَاثِ السَّائِبَةِ: هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ (أَوْ فِي زَكَائِهِ أَوْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْعِتْقَ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا، (وَالثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى السَّاعِي، فَاشْتَرَى بِهَا وَأَعْتَقَ، وَكَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ مَالًا، فَأَدَّاهُ فِي كِتَابَتِهِ، وَفَارَقَ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِهِ، وَالْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الْعِتْقَ فِي الزَّكَاةِ (وَمَا رَجَعَ مِنْ مِيرَاثِهِ رَدٌّ فِي مِثْلِهِ، يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا
بِلَا أَمْرِهِ، فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالولاء لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ، وَالثَّمَنُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُعْتِقُهُمْ) هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي السَّائِبَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَظَرًا إِلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَحْضًا لِلَّهِ، فَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْجِهَةِ، وَهَلْ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ النَّائِبُ عَنِ اللَّهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، أَوْ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يُعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ: إِنْ وَرِثَ مِنْهُ شَيْئًا، جَعْلَهُ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِي السَّائِبَةِ وَالْمُعْتَقِ فِي الْوَاجِبِ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، بَلْ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِذَا خَلَّفَ السَّائِبَةُ ذَا فَرْضٍ، لَا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، أَخَذَ فَرْضَهُ، وَاشْتَرَى بِبَاقِيهِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَمُعْتِقًا، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي فِي الْعِتْقِ، إِذْ جِهَةُ الْعِتْقِ هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلْوَلَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ، وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى الْآخَرِ: الْجَمِيعُ لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، إِذِ الرَّدُّ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
(وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، بِلَا أَمْرِهِ، فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ، فَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُنَوِّهْ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ، تَبَعًا لِلْقَاضِي: أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَنْ مَيِّتٍ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنِ الْمَيِّتِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إِلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ شَرْطِهَا الدُّخُولُ فِي مِلْكِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْعِتْقُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِوَصِيَّةٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِعِتْقِهِ عَنْهُ، وَلَا تَرِكَةَ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ كَإِطْعَامٍ وَكُسْوَةٍ أَمْ لَا؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِدُونِ الْمُعْتِقِ عَنْهُ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ، فَأَوْجُهٌ: ثَالِثُهَا: يُجْزِئُهُ فِي إِطْعَامٍ وَكُسْوَةٍ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَكَانَ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ، وَلِمَا ذَكَرَهُ حَالَاتٌ، نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:(وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) فَفَعَلَ قَبْلَ فِرَاقِهِ أَوْ
عَلَيَّ، فَفَعَلَ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَعْدَهُ (فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَيُقَدَّرُ ابْتِيَاعُهُ مِنْهُ، ثُمَّ تَوْكِيلُهُ فِي عِتْقِهِ لِيَصِحَّ، أَشْبَهَ مَا لَوِ ابْتَاعَهُ مِنْهُ ثُمَّ وَكَّلَهُ فِي عِتْقِهِ، وَكَإِطْعَامِهِ طَعَامَهُ عَنْهُ وَالْكُسْوَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ، فَيُعْتِقَهُ هُوَ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبَهُ، وَيُلْزِمُهُ عِوَضَهُ بِالْتِزَامِهِ، وَعَنْهُ: يُلْزِمُهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ، وَعَنْهُ: الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمَسْؤُولِ لَا لِلسَّائِلِ، إِلَّا حَيْثُ الْتَزَمَ الْعِوَضَ، وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَارَتِي، وَلَكَ عَلَيَّ مِائَةٌ، فَأَعْتَقَهُ، عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ، وَيَلْزَمْهُ الْمِائَةُ وَالْوَلَاءُ لَهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي بِهَذَا الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، مَلَكَهُ، وَعَتَقَ كَالْهِبَةِ، وَالْمِلْكُ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ فِي هِبَةٍ بِلَفْظِهَا لَا بِلَفْظِ الْعِتْقِ، بِدَلِيلِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ قَبْلَ إِعْتَاقِهِ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ قَابِضًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ أَوْ وَهَبْتُكَ هَذَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هُوَ حُرٌّ، عَتَقَ وَقُدِّرَ الْقَبُولُ حُكْمًا.
(وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ، وَالثَّمَنُ عَلَيَّ) أَوْ أَعْتِقُهُ عَنْكَ، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ (فَفَعَلَ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى السَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جُعْلًا عَلَى الْإِعْتَاقِ فَلَزِمَهُ بِالْعَمَلِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ بَنَى لِي هَذَا حَائِطًا، فَلَهُ كَذَا، اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ (وَالْوَلَاءُ) وَالْعِتْقُ (لِلْمُعْتِقِ) أَيِ: الْمَسْؤُولِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ، وَلَا قَصَدَ بِهِ الْمُعْتِقُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي صَرْفَهُ إِلَيْهِ، فَيَبْقَى لِلْمَسْؤُولِ عَمَلًا بِالْخَبَرِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ، وَيَقَعُ عَنِ الْعِتْقِ، وَالْوَلَاءُ لِلسَّائِلِ، قَالَ فِي الْمُحَرِّرِ: وَفِيهِ بُعْدٌ.
تَنْبِيهٌ: بَقِيَ هُنَا صُورَتَانِ، الْأُولَى: إِذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي، وَأَطْلَقَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، إِذِ الْغَالِبُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ الْعِوَضُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، الثَّانِي: إِذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي مَجَّانًا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْوَلَاءُ وَالْعِتْقُ لِلسَّائِلِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ، عَتَقَ، وَلَزِمَ الْقَائِلَ أَلْفٌ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَقِيلَ: لِلْقَائِلِ، فَلَوْ قَالَ: اقْبَلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ، فَلَغْوٌ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ.
(وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَفَعَلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟
الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَفَعَلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ، فَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَرِثُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْمُعْتَقِ، وَرِثَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا، وَرِثَ الْمُعْتِقُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ زَمَنًا يَسِيرًا، فَاغْتُفِرَ هَذَا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأَبَدِ، وَهُوَ نَفْعٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَهَيِّئًا لِلطَّاعَاتِ، وَإِكْمَالِ الْقُرُبَاتِ، وَحِينَئِذٍ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ كَالْمُحَقَّقِ، وَثُبُوتُ الْمُحَقَّقِ مَنْفِيٌّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّغَارِ، فَكَذَلِكَ ثُبُوتُ مَا يُشْبِهُهُ، وَحَكَاهُمَا فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَتَيْنِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ، فَلَهُ وَلَاؤُهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَبِالْعَكْسِ، (وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَرِثُ) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ؛ لِخَبَرِ أُسَامَةَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَلِأَنَّهُ مِيرَاثٌ، فَمَنَعَهُ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمِيرَاثِ النَّسَبِ، وَالْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ أَقْوَى، فَإِذَا مُنِعَ الْأَقْوَى، فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى، وَالثَّانِيَةُ: يَرِثُهُ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الرِّقِّ، فَلَمْ يَضُرَّ تَبَايُنُ الدِّينِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ (لَكِنْ) أَيْ: عَلَى الْأُولَى (إِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: لِلسَّيِّدِ (عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (وَرِثَهُ) أَيْ: الْعَصَبَةُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَةِ مُخَالِفًا لِدِينِ الْمَيِّتِ، وَالْأَبْعَدُ عَلَى دِينِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنَ السَّيِّدِ