المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أقول: قال في القاموس في مادة (ف اض) فاض الماء - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: أقول: قال في القاموس في مادة (ف اض) فاض الماء

أقول: قال في القاموس في مادة (ف اض) فاض الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر، وفيوضة وفيضانا: كثر حتى سال كالوادي: وصدر بالسر باح، والرجل فيضاً وفيوضا: مات ونفسه خرجت روحه. انتهى. وقال في مادة (فاظ) - فاظ فوظاً وفواظا: مات، كفاظ فيظا وفيوظة وفيظانا محركة وفيوظا، وأفاظه الله، وفاظ نفسه: قاءها. وإذا ذكروا نفسه، ففاضت بالضاد. انتهى. إذا علمت هذا، فقوله فاظ القلب لا يتعين كونه بالظاء المشالة حتى يتعين فيه الجناس اللفظي، بل لو كتب بالضاد أو نطق به كذلك جاز، فيكون حينئذ من الجناس التام، لا من اللفظي، فيحصل الاشتباه فهو محذور. فالأولى اجتناب مثل هذا خصوصاً في البديعية.

وعلى ذلك فما ألطف قول أبي الحسن الباخرزي:

رعى الله أحبابنا الظاعنين

وإن ضيعوا فيَّ شرط الحفاظ

فأحشاء أحبابهم بعدهم

من النار مملوءة بالشواظ

فدمع يفيض ونفس تفيض

وصبر يغاض وصب يغاظِ

وفي المصراع الأخير شاهد لما نحن فيه.

والشيخ عبد القادر الطبري جمع بين اللفظي والمقلوب والمطرف فقال:

قد غاض لفظي وغاظ القلب نقهته

عن ربح حبر يتطرف فلم يلم

أنواع الجناس الثلاثة في هذا البيت، وأما معناه فالعلم عند الله تعالى.

وبيت بديعيتي هو قولي:

ظنوا سلوي إذ ضنوا فما لفظوا

بذكر أنس مضى للقلب في أضم

اللظفي في (ظنوا) و (ضنوا) فالأول بالظاء المشالة: من الظن الذي هو خلاف اليقين، والثاني بالضاد: من الضن وهو البخل، وقرئ قوله تعالى:(وما هو على الغيب بضنين) بالوجهين.

فبالظاء المشالة، بمعنى متهم، وهو من الظنة بالكسر، أي التهمة، وهي راجعة إلى الظن، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي. وبالضاد، بمعنى بخيل من الضن الذي هو البخل، أي لا يبخل بالوحي، فيزوي بعضه غير مبلغه، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه، وهي قراءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر.

وشاهد الجناس المقلوب في البيت قولي: (مضى) و (أضم)، فإن أضم مقلوب مضى. قال في القاموس وإضم كعنب: جبل والوادي الذي فيه المدينة المنورة) صلى الله عليه وسلم (على ساكنها وآله. عند المدينة يسمى القناة، ومن أعلى منها عند السد يسمى الشضاة، ثم ما كان أسفل ذلك يسمى أضما. انتهى.

والمعنى أنهم ظنوا سلوى عنهم حين بخلوا بوصلهم عليَّ، فلم يجروا على لسانهم زمان الوصل والأنس الذي مر لي معهم في ذلك المحل. ولم يزل الشعراء، يذكرون هذا الوضع في أشعارهم.

قال الشريف الرضي عليه من الله الرضا:

يشي بنا الطيب أحياناً وآونة

يضيئنا البرق مجتازاً على اضم

وقال صاحب البردة:

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من اضم

وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:

يا حاظر الوصل باد غير حاضره

ما دائم سقمي إن كنت من قسمي

‌الجناس المعنوي

قدري أبو حسن يا معنوي بهم

ووصف حالي ابنه حال بحبهم

من أنواع الجناس، الجناس المعنوي، وهو قسمان: تجنيس إضمار وتجنيس إشارة.

فتجنيس الإضمار هو أن يضمر المتكلم ركني الجناس ويظهر في اللفظ ما يرادف أحد الركنين، ليدل على ما أضمره، فإن تعذر المرادف، أتى بلفظ فيه إشارة لطيفة تدل على ذلك المضمر، كقول أبي بكر بن عبدون وقد اصطبح بخمرة وترك بعضها إلى الليل فصار خلا:

ألا في سبيل اللهو كأس مدامة

أتتنا بطعم عهده غير ثابتِ

حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة

وأمست كجسم الشنفرى بعد ثابت

بنت بسطام بن قيس اسمها الصهباء، وقوله: كجسم الشنفرى بعد ثابت، أشار به إلى قول الشنفرى يرثي خاله تأبط شراً واسمه ثابت:

فاسقنيها أيا سواد بن عمرو

إن جسمي من بعد خالي بخل

ص: 36

والخّل: النحيف المهزول. فصح معه جناسان مضمران في صدر البيت وعجزه. فالأول (صهباء وصهباء) والثاني في (خلّ وخلَ) ولم يسمع في هذه الصناعة أحسن من هذين البيتين، وقل من ذكر هذا النوع، وهو عزيز الوجود جداً، وأكثر من ألف في المعاني والبيان أغفل ذكره، فسلم يذكره الساكي في مفتاحه، ولا القزويني في تلخيصه ولا إيضاحه، ولا ابن رشيق في العمدة، ولا ابن أبي الأصبع في تحريره، على تبحره، ولا ابن منقذ في كتابه. وإنما نظمه الشيخ صفي الدين في بديعيته، لأنها نتيجة سبعين كتاباً في هذا الفن، كما ذكره في شرحها. واقتصر عليه فلم ينظم تجنيس الإشارة لأنها بالنسبة إلى هذا القسم كلا شيء، فهي كما قيل: في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل.

قال ابن حجة: كان شيخنا علاء الدين القضامي يقول: ما أعلم لبيت أبي بكر بن عبدون في إضمار الركنين ثانياً، غير بيت الشيخ صفي الدين ولو لم يفتح ابن عبدون هذا الباب في بيته، ما حصل للشيخ صفي الدين دخول إلى نظم هذا النوع. انتهى.

قلت: هذا عدم إطلاع من شيخ ابن حجة المذكور. وليس ابن عبدون أول من اخترع هذا النوع حتى يكون هو الفاتح لهذا الباب، فقد وقع في شعر أبي العلاء أحمد بن سليمان المعري هذا الجناس بعينه، وصح معه في بيت واحد جناسان مضمران، كما صحا مع ابن عبدون في بيته المتقدم ذكره. المعري أقدم من ابن عبدون بأكثر من مائة عام.

وبيت المعري هو قوله:

نهارهم ابن يعفر في ضحاه

وليلة جارهم بنت المحلق

فابن يعفر هو الأسود، وبنت المحلق اسمها ليلى، أي ليلة جارهم مظلمة. يقال: ليلاء وليلى، أي طويلة شديدة الظلام، فتم معه الجناسان المضمران. وله أيضاً.

هزت إليك من القد ابن ذي يزن

ولاحظتك بهاروت على عجلِ

أرتك عمَّ رسول الله منتقباً=أبا حذيفة يحكي أو أبا جملِ ابن ذي يزن هو سف الملك المشهور، وعمُّ رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم (: العباس، وحذيفة وجمل ابنا بدر، ففي كل ذلك جناس معنوي. ومن العجب أن الشيخ صلاح الدين الصفدي قال في شرح لامية العجم وفي كتابه المسمى بجنان الجناس لما اعترضه الجناس المعنوي: هذا النوع باطل، وأورد منه في تذكرته أبياتاً جارية على ما شرطه أرباب هذا الفن فيه، ومما أورد بيت المعري المذكور.

وقول بعضهم يهجو إنساناً:

على أبوابه في كل حين

لسائله أخو عمرو بن ود

اسم أخيه: ضبة.

أخو لخم أعارك منه ثوبا

هنيئاً بالقميص المستجد

أخو لخم اسمه جذام.

وقد ألقى كساء أبي عبيد

عليك فصرت أكسى أهل نجد

أبو عبيد يلقب بالأبرص

أراد أبوك أمك حتى زفت

فلم توجد لأمك بنت سعدِ

بنت سعد اسمها عذرة.

أراني الله جسمك في خفاء

وعينك مثل بشار بن بردِ

أي عمياء لأن بشاراً كان أعمى. فهذه الأبيات طرفة في هذا الباب فمن كتب بخطه هذه الأبيات كيف ينكر هذا النوع، ولعله خفي عليه معناه أولاً ثم ظهر له فيما بعد والله أعلم.

ومنه قول بعضهم وفيه أربع جناسات:

بابي قدار منك وابن زرارة

أدنيت حتف المستهام العاني

لو أنّ كان أبو معاذ قلبه

ما كان في البلوى أبا حسانِ

أبو قدار اسمه سالف، وابن زرارة اسمه حاجب، وأبو معاذ اسمه جبل، وأبو حسان اسمه ثابت. يعني بسالف منك وحاجب أدنيت حتف المستهام الأسير فلو أن قلبه كان جبلاً لما كان ثابتاً. فصح معه في كل بيت جناسان مضمران.

ومن ذلك ما يحكى أن بعضهم سئل عن معشوق له فقال: أبو سفيان، فقيل له: استعن عليه بنت بسطام. أراد أن صخر، والآخر أراد أنه يسقيه صهباء، فنظم ذلك بعض الشعراء فقال:

ولم أنسه إذ زار بعد أزوراره

فبت نديم البدر في ليلة البدرِ

وكان أبو سفيان حتى تولعت

بابنة بسطام فبتنا إلى الفجر

خليفة بغداد الموفى ثلاثة

وعشرين والموفي الثلاثة في مصر

أراد المطيع والحاكم، يعني بات مطيعاً لي، وبت حاكماً عليه.

وللباخرزي:

لم يخل مذ أعرضت عن جانبي

حلقي وقلبي من شجىً أو شجنْ

ما غير سلسالك وردي ولو

حزَّ وريدي بابنه ذو يزن

أراد بسيف.

ولأبي الحسن الجزار:

يا أخا مالك ويا من له الخن

ساء أخت ويا أبا لمعاذِ

ص: 37

أرد متمماً وصخراً وجبلاً.

ولبعض المغاربة:

كأبي الأمين برأيه وكجده

أنى توجه وابن يحيى في الندى

أراد الرشيد والمهدي وجعفر.

وحكي أن السلطان أبا زكريا يحيى بن عبد الواحد صاحب أفريقية عرض مرة أجناده وكان فيهم أمرد وسيم، اسم جده النعمان، فسأله السلطان عن اسمه وأعجبه حسنه، فخجل واحمر وجهه فازداد حسناً. فقال السلطان:

(كلمته فكلمت صفحة خده) وسأل من الحاضرين الإجازة فلم يأتوا بشيء فقال السلطان مجيزاً لشطره (فتفتحت فيه شقائق جده) .

وكان المتوكل مضحكان يسمى أحدهما بعرة والآخر شعرة، فسأل شعرة بعرة: ما فعل فلان في حاجتك؟ فقال: ما فتني ولا قطعتك. يشير إلى المثل المشهور: ما فت بعرة ولا قطع شعرة، يضرب للرجل الذي لا يقضي حاجة.

وما أحسن قول بدر الدين ابن الطحان في تخميس بديعية الصفي:

وفاحم كأبي المقداد ذي فنن

وخاطري كأخي الخنساء لم يكنِ

أراد الأسود وصخر.

وللمؤلف عفا الله عنه في والده:

على باب ابن معصوم انخنا

ففزنا بالنجاء وبالنجاحِ

هو ابن عطاء المعطي كثيرا

لنا من جوده ابن أبي رباح

فابن عطاء اسمه واصل، وابن أبي رباح اسمه عطاء. والمعنى: هو واصل ولنا من جوده عطاء.

وبيت بديعيته الشيخ صفي الدين قوله:

وكل لحظ باسم ابن ذي يزن

في فتكه بالعنى أو أبي هرم

وابن ذي يزن اسمه سيف، وأبو هرم اسمه سنان، ففيه جناسان مضمران.

وابن جابر لم ينظم هذا النوع في بديعيته، وذكره رفيقه في شرحها.

والشيخ عز الدين الموصلي، جنح إلى تجنيس الإشارة لسهولة مأخذه وترك نظم هذا النوع. وسيأتي ذكره بيته في محله. والظاهر أنه عمل بقول القائل كما قال ابن حجة:

إذا منعتك أشجار المعالي

جناها الغض فاقنع بالشيم

وبيت ابن حجة: أبا معاذ أخا الخنسا كنت لهم=يا معنوي فهدوني بجورهم أبو معاذ اسمه جبل، وأخو الخنساء اسمه صخر، ففيه أيضاً جناسان مضمران على حد ما تقدم، غير أن هذا مأخوذ برمته من قول البهاء زهير المصري، يهجو ثقيلاً:

وجاهل طال به عنائي

لازمني وذاك من شقائي

أبغض للعين من الأقذاء

أثقل من شماتة الأعداء

فهو إذا رأته عين الرائي

أبو معاذ وأخو الخنساء

والبهاء زهير أقدم عصراً من ابن حجة، فذهب تبجحه بذلك ضائعاً.

وبيت الشيخ عبد القادر الطبري مر إنشاده في الجناس المذيل والكلام عليه وسرد البديعيات باعث على إعادته هنا وهو:

معنى ابن تيم أبي النعمان كنت لهم

وذيل الصبر صبا بالغرام عمي

ابن تيم اسمه سعدان، أراد به تيم بن مرة، ويحتمل أن يكون أراد به غيره، وأبو النعمان اسمه المنذر. وقد أظهرت فيما تقدم عجزي عن فهم معنى هذا البيت. ولم يقع لي شرح هذه البديعية، حتى أراجع ما قاله الناظم إذ صاحب البيت أدرى بالذي فيه.

وبيت بديعيتي قولي:

قدري أبو حسن يا معنوي بهم

ووصف حالي ابنه حال بحبهم

أردت علياً وحسناً، أي قدري علي بهم، ووصف حال حسن، فحصل جناسان دل عليهما كنايات الألفاظ الظاهرة، أحدهما في صدر البيت وهو (عليّ وعليّ) والثاني في عجزه وهو (حسن وحسن) .

وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:

لو كان قلبي أبا سفيان وانقلبت

هند أباه لأضحى قلب جدهم

قال في الشرح: معناه لو كان قلبي أبا سفيان أي صخر - فإن اسم أبي سفيان صخر - وانقلبت هند، أباه أي حرباً لي - فإن اسم أبيه حرب - لأضحى قلبه جدهم، أي قلب أمية مصغرة - فإن اسم جدهم أمية - وهو تصغير أمة. وإن شئت جعلت قلب بمعنى مقلوب، فإن مقلوب أمية هيما، أي لأضحى هيما بمعنى هائماً، فإنه يقال فيه: هايم وهيم، وإن شئت جعلته مقلوب لفظة جدهم، فإن مقلوبها مهدج بكسر الميم وإسكان الهاء وفتح الدال، أي كثر الحنين، قال في الصحاح: والهدجة حنين الناقة على ولدها وقد هدجت فهي مهداج، انتهى. ويجوز في مهداج مهدج، والله أعلم هذا نصه.

قلت: غفر الله للشيخ قد كان في أحد هذه المعاني كفاية عن ذكر الباقي وما جهد القلب حتى يتحمل كل هذا.

ص: 38

وتجنيس الإشارة - ويسمى تجنيس الكناية، هو أن يذكر أحد ركني الجناس في اللفظ ويشار إلى الآخر بلفظ يدل عليه من صفة أو عكس أو تصحيف أو لفظ يرادفه أو نحو ذلك. وسبب ورود هذا النوع، أن الشاعر يقصد للمجانسة بين لفظين، فلا يساعده الوزن إبرازهما في اللفظ، فيضمر أحدهما ويشير إلى الثاني بما يدل عليه.

ومثاله قول الشماخ:

وما أروى وإن كرمت علينا

بأدنى من موقفةٍ حرونِ

يطيف بها الرواة وتتقيهم

بأوعال معطفة القرونِ

أراد أن يجانس بين أروى اسم محبوبته وبين أروى بمعنى الكثير من أنثى الوعول، فلم يطعه الوزن، فعدل عن ذكرها إلى صفاتها التي تدل عليها. والموفقة المشددة ثم الفاء: التي في يديها حمرة تخالف سائرها. والحرون بفتح الحاء المهملة وضم الراء المهملة: التي لا تبرح أعلى الجبل من الصيد.

وقد صرح أبو العلاء المعري بهذا الجناس في قوله:

أروى النياق كأروى النيق يعصمها

ضرب يضل به السرحان مبهوتا

ومن ذلك قوله الآخر:

حلقت لحية موسى باسمه

وبهارون إذا ما قلبا

أراد أن يقول: لحية موسى بموسى، فلم يوافقه الوزن، فاضمر الركن الثاني، وأشار إليه بما يدل عليه وهو قوله: باسمه.

وقول الآخر:

وتحت البراقع مقلوبها

تدب على ورد خد ندي

فكنى عن العقارب بمقلوب البراقع، ولا شك أن بين اللفظ المصرح به والمكنى عنه تجانسا.

ومنه قول امرأة من عقيل، وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان، وتوجه جماعة يحضرون الإبل:

فما مكثنا

دام الجمال عليكما

بثهلان إلا أن تشد الأباعر

أرادت أن تجانس بين الجَمال والجِمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية، فأضمرت الركن الثاني، وأشارت إليه بما يدل عليه وهو الأباعر الذي هو مرادف الجِمال.

ومثله قول شرف الدين الحلاوي:

وبدت نظائر ثغره في قرطه

فتشابها متخالفين فأشكلا

فرأيت تحت البدر سالفة الطلى

ورأيت فوق الدر مسكرة الطلا

قصد المجانسة بين سالفة الطلى وسلافة الطلا، فعصاه الوزن فعدل إلى قوله: مسكرة الطِلا وهي مرادفة للسلافة. قال ابن حجة: وهذا النوع لا يتفق في الكلام المنثور. انتهى.

قلت: إنما قال ذلك لما تقدم من أن سبب ورود هذا النوع عدم مساعدة الوزن للشاعر على إبراز ركني الجناس في اللفظ، والنثر ليس فيه وزن يمنع من ذلك.

وقد تقدم أن الشيخ عز الدين لم ينظم من الجناس المعنوي إلا هذا القسم، وهو الذي أوجب تأخير بيته عن المناظرة، وهنا محل إثبات بيته وهو:

وكافر نعم الإحسان في عذل

كظلمة الليل عن المعنوي عمي

الكافر في الأصل اسم فاعل، من كفر الشيء، إذا ستره. وسمي الكافر كافراً لأنه ستر نعمة الله عليه، أي سترها بجحدانه لوجوده، ثم أطلق على ضد المسلم، وكفر النعمة: جحدها وسترها. ويسمى الليل كافراً لأنه يستر المحسوسات.

وما ألطف قول البهاء زهير:

يا ليل طل يا هجر دم

إني على الحالين صابر

لي فيك أجر مجاهد

إن صح أن الليل كافر

فالشيخ عز الدين أرد أن يجانس بين كافر النعمة، أي جاحدها، وبين كافر بمعنى الليل، فأظهر أحد الركنين في اللفظ، وهو قوله: وكافر نعم الإحسان، وأضمر الركن الثاني، وأشار إليه بما يدل عليه وهو الظلمة، لأنها مرادفة له، فظهر جناس الإشارة بين (كافر وكافر) . وتعقبه ابن حجة: بأن الوزن ما عصاه حتى عدل إلى المرادف، فلو أراد أن يبرز الركنين لكان الوزن داخلاً تحت طاعته إذا قال:

وكافر نعم الإحسان في عذل

لكافر الليل عن ذا المعنوي عمي

انتهى.

تتمة - ومن أنواع الجناس: المشوش، وهو ما تجاذبه طرفان من الصنعة، فلا يمكن إطلاق اسم أحدهما عليه، كقولهم: فلان مليح البلاغة، لبيق البراعة، فإنه لو كانت عينا الكلمتين متحدتين مثلاً، لكان جناس تصحيف، أو لاماهما متحدتين لكان جناساً مضارعاً، فلما لم يكن كذلك بقي مذبذباً.

ومثاله في النظم قول أبي فراس بن حمدان:

لطيرتي في الصداع نالت

فوق منال الصداع مني

وجدت فيه اتفاق سوء

صدعني مثل صد عني

فلولا تشديد نون عني لكان جناساً مركباً، أو كان (صد عني) كلمة واحدة، لكان جناساً محرفاً.

ص: 39

واعلم أن أرباب البديع اختلفوا في أقسام الجناس، وأسمائها اختلافاً كثيراً، واستيفاء ذلك هنا يقضي إلى الإطناب والإسهاب. وقد أفرده بالتأليف جماعة منهم الشيخ صفي الدين الحلي، ألف فيه كتاباً سماه الدر النفيس في أجناس التجنيس، والشيخ صلاح الدين الصفدي ألف فيه كتابه المسمى بجنان الجناس. فمن أراد بسط القول فيه فعليه بهما.

تنبيه - قال أبو المكارم ناصر الدين المطرزي في شرح المقامات: اعلم أن أنواع الجناس لا تستحسن حتى يساعد اللفظ المعنى، ولا تستلذ حتى تكون عذبة الإصدار والإيراد، سهلة سلسلة المقاد، ولا تبرع حتى يساوي مطلعها مقطعها، ولا تملح حتى يوازي مصنوعها مطبوعها، مع مراعاة النظائر، وتمكن القرائن، وإلا فما قلق في أماكنه، ونبا عن مواقعه، فبمعزل عن الرضا عند علماء البيان، وبمكان من البشاعة لدى أرباب النثر وأصحاب النظم. فإذا أردت أن تستوفي أقسام المحاسن، وتجتنب أنواع المشائن، فأرسل المعاني على سجيتها ودعها تطلب لأنفسها الألفاظ، فإنها إذا تركت وما تريد، لم تكتس إلا ما يليق بها، ولم تلبس من المعارض إلا ما يزينها. فأما أن تصنع في نفسك أنه لا بد لك من تجنيس أو تسجيع بلفظين مخصوصين، فهو الذي أنت منه بعرض الاستكراه على خطر من الخطأ.

فإن ساعدك الجد كما ساعد طاهراً البصري في قوله:

ناظراه بما جنى ناظراه

أو دعاني أمت بما أودعاني

وأبا تمام في قوله:

وأنجدتم من بعد اتهام داركم

فيا دمع أنجدني على ساكني نجدِ

فذاك وإلا أطلقت لسان العتب، وأرخيت عنان الذم، وأفضي بك طلب الإحسان من حيث لم تحسنه إلى أشنع القبح، وأوقعك الولوع بالثناء عليك في ورطة القدح، وانقلب إحسانك إساءة، وتحول سرورك مساءة. انتهى.

وقال الشيخ الأديب صلاح الدين الصفدي، في شرحه لامية العجم: الجناس وإن كان من أنواع البديع، ولكن بعض صوره مستثقل، كقول ابن الفارض:

أما لك من صد أمالك عن صد

لظلمك ظلماً منك ميل لعطفةِ

فرُحن بحزن جازعات بعيدما

فرحن بحزن الجزع بي لشبيبتي

فانظر إلى استثقال هذا البيت الأول لما فيه من جناس التحريف في (صد وصدٍ) والأول من الصدود، والثاني من الصدي، أي عطشان، وفي (ظلم وظُلم) الأول بالفتح، وهو الريف؛ والثاني بالضم وهو الجور مع التقديم والتأخير الذي يحتاج إقليدس، حتى يستخرج ترتيبه على خط مستقيم، والتقدير فيه: أمالك ميل لعطفة عن صد، أمالك ظلماً منك عن صد لظلمك. فأمالك الأولى، مركبة من همزة الاستفهام، وما النافية، ولام الجر؛ وكاف الخطاب، وأما البيت الثاني، ففي (فرحن) مرتين، الأولى (الفاء) فاء العطف و (رحن) فعل ماض من الرواح لجماعة الإناث. والثانية فعل ماض من الفرح لجماعة الإناث. وفيه (الحزن) مرتين، الأولى بضم الحاء ضد الفرح، والثانية بفتح الحاء، من حزن الأرض، ضد السهل. ولهذه الألفاظ التي عقدها عقد الميزان لأجل الجناس، صار كلامه وحشياً من العوام، بل من بعض الخواص الذين لم يتمهروا في الأدب، وقل أن تجد من ديوانه نسخة صحيحة. وأكثر ما يساعد الأفاضل على تصحيح ألفاظه وزن الشعر، كما في قوله (صد وصد) الأولى مشددة، والثانية مخففة، وكما في قوله أيضاً:

وإذا أذى ألمٍ المّ بخاطري

فشذا أعيشاب الحجاز دوائي

فانظر إلى هذا، لا يستقيم الكلام إلا بمراعاة الوزن، فإنه يضطر الواقف إلى أن يجعل الأول من الألم، والثاني من الإلمام، ولهذا جاء جناس العماد الكاتب في الشعر أخف منه في النثر، لأن الوزن يضع كل كلمة في مكانها.

ومن الجناس المستثقل: جناس التصحيف، كقول ابن الفارض أيضاً:

وما اخترت حتى اخترت حبك مذهباً

فواحيرتي إن لم يكن فيك خيرتي

وجذ بسيف العزم سوف فإن تجد

تجد نفساً فالنفس إن جدت جدت

ص: 40