الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني من يانع الأراك. ونجاه: قطعه. ومال النبات: ناعمه وحسنه. وعرفوا، أي اجتنوه من عرفات. وذكر أنه خضيب بالطيب الذي بيديها. قاله في الغرر والدرر.
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا
…
عشية راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضحى
…
عصاها ووجه لم تلحه النسائم
وأحسن ما وقع في هذا النوع، قول أبى نواس:
خزيمة خير بني خازم
…
وخازم خير بني دارم
ودارم خير تميم وما
…
مثل تميم في بني آدم
ورد على أبي نواس هذا القول الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري. فقال وأجاد:
محمد خير بني هاشم
…
فمن تميم وبنوا دارم
وهاشم خير قريش وما
…
مثل قريش في بني آدم
ومن رسالة ابن غرسية:
لله مما قد برى صفوة
…
وصفوة الخلق بنو هاشم
وصفوة الصفوة من بينهم
…
محمد النور أبو القاسم
وقال آخر:
قريش خيار بني آدم
…
وخير قريش بنو هاشم
وخير بني هاشم أحمد
…
رسول الإله إلى العالم
ومن أمثلة هذا النوع قول بعضهم، وهو دون ما تقدم في الحسن:
ما أن تريم فؤاده أشجانه
…
كثرت بها يوم النوى أحزانه
أحزانه لما جرت بعظامه
…
من حب من شهدت له أجفانه
أجفانه شهدت له أن الورى
…
طرا أذل رقابهم سلطانه
سلطانه برع الجمال بوجهه
…
وروادف خضعت لها أركانه
أركانه أبدا تميد إذا مشى
…
ويكاد تقطر كفه وبنانه
وبنانه كالخيزران وقده
…
قد القضيب زهت به أغصانه
وفي هذا النوع أعني تشابه الأطراف دلالة على قوة عارضة الشاعر، وتصرفه في الكلام، وإطاعة الألفاظ له، ولا يخلو مع ذلك من حسن موقع في السمع والطبع، فإن معنى الشعر يرتبط ويتلاحم به، حتى كأن معنى البيتين أو الثلاثة معنى واحد، وفي أنواع البديع ما هو أخفض رتبة منه فلا عبرة بقول ابن حجة: ليس تحته كبير أمر، وتالله ما خطر لي يوما ولا حسن لي في الفكر أن ألحق طرفا من تشابه الأطراف بذيل من أبيات شعري. انتهى.
ومن ابن حجة في فحول الشعراء حتى يقول مثل هذا الكلام؟ ويكون عدم حضور هذا النوع في باله وعدم ذكره في شعره مما يدل على أن هذا النوع من البديع ليس تحته طائل، ولا كبير أمر، وكفاه شرفا وقوعه في القرآن الكريم مكررا، فما شعر ابن حجة وإضرابه؟.
ولما كان هذا النوع لا يتأتى إلا في بيتين، قال الشيخ صفي الدين في بديعيته:
قالوا ألم تدر أن الحب غايته
…
سلب الخواطر والألباب قلت لم
لم أدر قبل هواهم والهوى حرم
…
أن الظباء تحل الصيد في الحرم
تشابه الأطراف بين (لم) في قافية البيت الأول و (لم) في أول البيت الثاني.
والشيخ عز الدين لما التزم بالتورية بتسمية النوع شطر البيت شطرين، وجعل كل شطر بمنزلة بيت كامل، وجعل القافية في آخر الشطر الأول، وأعادها في أول الشطر الثاني، فجاء به في غاية اللطف في بيت واحد فقال:
أطرافك اشتبهت قولا متى تلم
…
تلم فتى زائد البلوى فلم يلم
ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
شابهت أطراف أقوالي فإن أهم
…
أهم إلى كل واد من صفاتهم
تعدية الهيام بإلى فيه نظر ظاهر.
وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
شابهت أطراف مدحي في صفاتهم
…
صفاتهم ساميات المجد والشيم
وبيت بديعيتي هو قولي:
تشابهت فيهم أطراف وصفهم
…
ووصفهم لم يطقه ناطق بفم
والشيخ شرف الدين المقري جرى على طريقة الشيخ صفي الدين الحلي التي هي الأصل في هذا النوع فقال:
جرى الفراق فراق الالتقا ووقى
…
ملالة الوصل فاحمده ولا تذم
لا تذممن نوى أبقت عليه هوى
…
به استبحت عناق الطيف في الحلم
ما أظن أحدا من البديعيين يسلم له أن قوله (لا تذممن) في أول البيت الثاني هو لفظة قافية البيت الأول.
التتميم
أنا الذي جئت تتميما لمدحهم
…
نظما بقول يباهي الدر في القيم
التتميم - ومنهم من سماه التمام، وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه، والتسمية الأولى للحاتمي، وهي أولى، وهو عبارة عن الإتيان في الكلام نظما كان أو نثرا بكلمة أو جملة إذا طرحت منه نقص حسنه ومعناه.
ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى: (يطعمون الطعام على حبه) على أن يكون الضمير في حبه للطعام، أي مع حبه والاحتياج إليه. فإن الإطعام حينئذ أبلغ، وأكثر أجرا، فهو تتميم أفاد المبالغة. فلو طرح نقص المعنى، واختل حسن التركيب.
وقوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف) فقوله: وهو مؤمن، تتميم في غاية الحسن، فلو حذفت هذه الجملة لاختل المعنى.
وقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل تتميم أفاد الدلالة على تقليل المدة، وأنه أسرى به في بعض الليل.
ومثاله من الشعر قول زهير:
من يلق يوما على علاته هرما
…
يلق السماحة منه والندى خلقا
فقوله: على علاته، أي على كال حال، تتميم للمبالغة.
وقول الآخر:
أني على ما ترين من كبري
…
أرعف من أين تؤكل الكتف
فقوله: على ما ترين من كبري، تتميم أفاد معنى زائدا، وحسنا آخر، لو حذف لفات ذلك.
وقول الأخطل:
وأقسم المجد حقا لا يحالفهم
…
حتى يحالف بطن الراحة الشعر
قوله: حقا تتميم بديع.
وقول ابن المعتز:
وخيل طواها القود حتى كأنها
…
أنابيب سمر من قنا الخط ذبل
صببنا عليها ظالمين سياطنا
…
فطارت بها أيد سراع وأرجل
فقوله: ظالمين، تتميم في غاية البراعة، فلو حذف لم يبق للبيت رونق، ولا لمعناه لطف.
ومن بديع أمثلته أيضاً قول أبي العلاء المعري:
الموقدون بنجد نار بادية
…
لا يحضرون وفقد العز في الحضر
إذا همى القطر شبتها عبيدهم
…
تحت الغمائم للسارين بالقطر
فقوله: تحت الغمائم تتميم أفاد مبالغة تأكيد لإرادة الإيقاد، والاهتمام بشأنه. وقوله: بالقطر تتميم للتميم، وذلك أن نزول المطر لا يمنعهم من الإيقاد، ولا يوقد عندهم إلا بالحطب الجزل، وإذا كان الحطب قطرا، وهو العود الذي يتبخر به، كان نهاية في إرادة المبالغة في الاهتمام بشأن الإيقاد، ويحتمل الاستتباع أيضاً، لأن صفة السخاوة استتبعت صفة الثروة لأن الوقود إذا كان عودا لدل على أنهم لم يكونوا من أوساط الناس.
وقول الآخر:
نظرت إليك بعين جازئة
…
حوراء حانية على طفل
شبه عينها بعين الظبية على سبيل التجريد، ثم قصد بجازئة المبالغة في الحسن والملاحة، فجاء بقوله: حانية على طفل، تتميما، لأن في نظر الظبية إلى خشفها حال إشفاقها عليه من الملاحة وحسن الفتور ما ليس في غير تلك الحالة.
وقد يؤتى بالتميم لإقامة الوزن، بحيث لو طرحت الكلمة التي قصد بها التتميم، لم ينقص معنى البيت، بل استقل بدونها، ويسمى حشوا، وهو على ضربين: ضرب لا يفيد إلا إقامة الوزن فحسب وهو حشو قبيح معيب، وضرب يفيد مع ذلك نوعا من المحاسن، فإن حذاق الشعراء إذا اضطروا إلى الكلمة لإقامة الوزن، أفادوا بها لطيفة زائدة تفاديا من أن تكون لمجرد الوزن فتعد حشوا قبيحا، وهذا الضرب يسميه بعضهم حشو اللوزينج.
فالأول كقول بعضهم:
ذكرت أخي فعاودني
…
صداع الرأس والوصب
فذكر الرأس حشو قبيح لأن الصداع لا يكون إلا في الرأس وعد منه الطيبي في التبيان قول البحتري:
إذا نضون شفوف الريط آونة
…
قشرن عن لؤلؤ البحرين أصدافا
قال: شبه أجسادهن إذا خلعن ثيابهن بلؤلؤ قشر عنه الصدف، فتم معنى البيت ولم يتم وزنه، فجاء بذكر البحرين حشوا مستهجنا. انتهى كلامه وليس في محله، بل في ذكر البحرين معنى زائد، فإنه أفاد به تشبيه أجسادهن بأعلى أنواع اللؤلؤ وأغلاها، لأن لؤلؤ البحرين لا يدانيه شيء من اللآلئ التي تستخرج من سائر البحور في حسنه وصفائه ورونقه. نعم لو كان اللؤلؤ منحصرا في لؤلؤ البحرين لتوجه ما ذكره؛ وليس كذلك؛ بل اللؤلؤ يستخرج من بحر الهند، وبحر اليمن وغيرهما، لكن ليس شيء منه في الحسن كلؤلؤ البحرين، فذكر البحرين في البيت من التتميم الحسن البديع.
والضرب الثاني كقول المتنبي:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه
…
يا جنتي لرأيت فيه جهنما