الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنوان في هذا البيت هو الإشارة إلى ما ذكره الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في تفسيره قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) قال: لما ذلت من آدم الخطيئة وأعتذر إلى ربه عز وجل وقال: يا رب تب علي وأقبل معذرتي، وأعدني إلى مرتبتي، وأرفع لديك درجتي، فلقد تبين بعض الخطيئة وذلها بأعضائي، وسائر بدني. قال الله تعالى (يا آدم أما تذكر أمر إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل التي تبهظك؟ قال آدم: يا رب بلى. قال الله عز وجل: فبهم، وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصاً فادعني، أجبك إلى ملتمسك، وأزدك فوق مرادك. فقال آدم: يا رب وإلهي قد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل إليهم وبهم تقبل توبتي، وتغفر خطيئتي؟ وأنا الذي أسجدت له ملائكتك، وأبحته جنتك، وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرائم ملائكتك. قال الله: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك في السجود إذ كنت وعاء لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوك أبليس حتى تحترز منها، لكنت قد جعلت ذلك، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي. فالآن فبهم فادعني لأجيبك. فعند ذلك قال آدم: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي، وغفران زلتي، وإعادتي من كرامتك إلى مرتبتي.
فقال الله عز وجل: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت الآئي ونعمائي إليك، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز وجل (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) .
وبيت بديعية الشيخ إسماعي المقري قوله:
وحاز حدا وجاز الحد حيث دنا
…
كقاب قوسين أو أدنى ولم يرم
والعنوان فيه ظاهر والله أعلم.
التسهيم
به دعا إذ دعا فرعون شيعته
…
موسى فأفلت من تسهيم سحرهم
التسهم مأخوذ من البرد المسهم أي المخطط، وهو الذي يدل أحد سهامه على الذي يليه لكون لونه يقتضي أن يليه لون مخصوص بمجاورة اللون الذي قبله أو بعده منه. والمراد به في الاصطلاح، أن يؤسس الكلام على وجه يدل على بناء ما بعده، ومناسبته للمعنى اللغوي ظاهرة.
وقيل: سمي تسهيما لأن المتكلم يصوب ما قبل عجز الكلام إلى عجزه. والتسهيم: تصويب إلى الغرض. ومنهم من سماه (الأرصاد) من أرصد له، بمعنى أعد أول الكلام لآخره، أو لأن السامع يرصد ذهنه لعجز الكلام بما دل عليه مما قبله.
قال الشيخ صفي الدين: ومن المؤمنين من سماه (التوشيح) والتوشيح غيره، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه: أحدها، أن التسهيم يعرف به من أول الكلام آخره، ويعلم مقطعه من حشوه، من غير أن تتقدم سجعة النثر أو قافية الشعر، والتوشيح لا يعلم السجعة والقافية منه إلا بعد تقدم معرفتها.
والآخر، أن التوشيح لا يدلك أوله إلا على القافية فحسب، والتسهيم يدلك تارة على عجز البيت، وطورا على مادون العجز، بشرط الزيادة على القافية.
والثالث، أن التسهيم يدل تارة أوله على آخره، وطورا آخره على أوله، بخلاف التوشيح. فهذه الفروق ظاهرة. انتهى.
إذا عرفت ذلك فأعلم، أن التسهيم ضربان: أحدهما ما دلالته لفظية كقوله تعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) فلو وقف على (أوهن البيوت) علم أن بعده (بيت العنكبوت) .
ومنه قول البحتري:
أحت دمي من غير جرم وحرمت
…
بلا سبب يوم اللقاء كلامي
فليس الذي حللته بمحلل
…
وليس الذي حرمته بحرام
وقوله أيضا:
فإذا حاربوا أذلوا عزيزا
…
وإذا سالموا أعزوا ذليلا
وقول القائل - وينسب إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام:
ولي فرس بالجهل للجهل ملجم
…
ولي فرس بالحلم للحلم مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم
…
ومن شاء تعويجي فإني معوج
وقول ابن هاني الأندلسي:
وإذا حللت فكل واد ممرع
…
وإذا ظعنت فكل شعب ما حل
وإذا بعدت فكل شيء ناقص
…
وإذا قربت فكل شيء كامل
الثاني، ما دلالته معنوية، وأحسن شواهدها، ما روي أنه حين بلغت قراءته صلى الله عليه وآله وسلم في سورة المؤمنين إلى قوله تعالى (ثم أنشأناه خلقا آخر) قال عبد الله بن أبي سرح:(فتبارك الله أحسن الخالقين) فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: أكتب هكذا نزل، فقال: إن كان محمد نبيا يوحى إليه، فأنا نبي يوحى إلي، ولحق مرتدا بمكة. فلما كان يوم الفتح أهدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دمه، فأستأمن له عثمان (وكان أخاه من الرضاعة) فأمنه وأسلم يومئذ.
ومن غريب أمثلة هذا النوع - لأنوع التوشيح كما زعم ابن حجة وغيره لما عرفته في وجوه الفرق بينهما - ما حكى جعفر بن سعيد بن عبيدة العماري قال: أتى عمر بن أبي ربيعة عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو في حلقة في المسجد الحرام قال: أمتعني الله بك، إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر وقد أكثر الناس في الشعر، فجئت حتى أنشدك. فأقبل عليه عبد الله بن عباس فقال: هات، فأنشده: - (تشط غد دار جيراننا) فقال ابن عباس: - (وللدار بعد غد أبعد) فقال عمر: والله ما قلت إلا كذا، فقال ابن عباس: وهكذا يكون.
وقريب من ذلك ما يحكى أن عدي بن الرقاع أنشد الوليد بن عبد الملك بحضرة جرير والفرزدق قصيدته التي مطلعها: (عرف الديار توهما فأعتادها) حتى انتهى إلى قوله فيها: - (تزجي أغن كأن إبرة روقه) ثم شغل الوليد عن الاستماع بأمر عرض له فقطع عدي الإنشاد، فقال الفرزدق لجرير - في خلال ذلك -: ما تراه قائلا؟ فقال جرير: أراه يستلهب بها مثلا، فقال الفرزدق: إنه سيقول: - (قلم أصاب من الدواة مدادها) . فلما عاد الوليد إلى الاستماع، وعاد إلى الإنشاد قال كما قال الفرزدق. فقال الفرزدق: فو الله لقد سمعت صدر البيت فرحمته، فلما أنشد عجزه انقلبت الرحمة حسدا.
قال زكي الدين بن أبي الأصبع: الذي أقول: أن بين ابن العباس وبين الفرزدق في استخراجهما العجزين كما بينهما في مطلق الفضل، وفضل ابن العباس معلوم، وأنا أذكر الفرق. فإن بيت عدي بن الرقاع من جملة قصيدة تقدم سماع مطلعها مع معظمها، وعلم أنها دالية مردفة بألف، وهي من وزن قد عرف، ثم تقدم في صدر البيت ذكر ظبية تسوق خشفا لها قد أخذ الشاعر في تشبيه طرف قرنه، مع العلم بسواده، وهذه القرائن لا تخفى على أهل الذوق الصحيح، أن فيها ما يدل على عجز البيت، بحيث يسبق إليه من هو دون الفرزدق من حذاق الشعراء. وبيت عمر بيت مفرد لم تعلم قافيته من أي ضرب هي القوافي، ولا رويه من أي الحروف، ولا حركة رويه من أي ضرب هي من القوافي، ولا رويه من أي الحروف، ولا حركة رويه من أي الحركات، فاستخرج عجزه ارتجالا في غاية العسر، ونهاية الصعوبة، لولا ما أمد الله به هؤلاء الأقوام من المواد التي فضلوا بها غيرهم. انتهى كلام ابن أبي الإصبع. وإنما قال: إن بيت عمر بيت مفرد لم تعلم قافيته ولا رويه، لأنه هو مطلع القصيدة ولم يتقدمه شيء يعلم به ذلك.
ومثل ذلك ما روي عن أبي عبيدة قال: أقبل راكب من اليمامة فمر بالفرزدق، فقال له: هل رأيت ابن المراغة؟ قال: نعم، قال: فأي شيء أحدث بعدي؟ فأنشده:
هاج الهوى بفؤادك المهتاج
…
فقال الفرزدق
فانظر بتوضح باكر الأحداج
…
فأنشد الرجل
هذا هوى شغف الفؤاد مبرح
…
فقال الفرزدق
ونوى تقاذف غير ذات خداج
…
فأنشد الرجل
إن الغراب بما كرهت لمولع
…
فقال الفرزدق
بنوى الأحبة دائم التشحاج
…
فقال الرجل: هكذا والله قال أفسمعتها من غيري؟ قال: لا ولكن هكذا ينبغي أن يقال.
وحكي أن جريرا لما أنشد الراعي النميري قصيدته التي هجاه بها كان الفرزدق حاضرا، فلما وصل إلى قوله:(ترى برصا بمجمع إسكتيها) غطى الفرزدق عنفقته فقال جرير: (كعنفقة الفرزدق حين شابا) فقال له الفرزدق: أخزاك الله، والله لقد علمت أنك لا تقول غيرها.
ومدح أبو الرخاء الأهوازي الصاحب بن عباد لما ورد الأهواز بقصيدة منها:
إلى ابن عباد أبي القاسم ال
…
صاحب إسماعيل كفاي الكفاة
فاستحسن جمعه بين اسمه وكنيته لقبه واسم أبيه في بيت واحد. ثم ذكر وصوله إلى بغداد، وملكه إياها إلى أن قال:(ويشرب الخيل هنيئا بها) فقال له: أمسك، ثم قال: تريد أن تقول: