المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لفظة شكوا مشتركة، فهم أرادوا ضد اليقين، وهو حملها على - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: لفظة شكوا مشتركة، فهم أرادوا ضد اليقين، وهو حملها على

لفظة شكوا مشتركة، فهم أرادوا ضد اليقين، وهو حملها على أنهم أرادوا بها طعنوا.

‌التسليم

.

كم ادعوا صدقهم يوما وما صدقوا

سلمت ذاك فما أرجو بصدقهم.

التسليم- قال بعضهم هو أن يفرض المتكلم حصول أمر قد نفاه، أو فهم استحالته، أو شرط فيه شرطا مستحيلا، ثم يسلم وقوع ذلك بما يدل على عدم فائدته.

وقال الأكثرون: هو أن يفرض المتكلم فرضا محالا منفيا أو مشروطا بحرف الامتناع، ليكون المذكور ممنوع الوقوع لامتناع وقوع شرطه، ثم يسلم وقوعه تسليما جدليا، ويدل على عدم الفائدة لو وقع.

فالأول أعني المحال المنفي كقوله تعالى: (ما تخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) . فإن معنى الكلام ليس مع الله من إله، ولو سلم أن معه سبحانه إلها لزم من ذلك التسليم، ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق، وعلو بعضهم على بعض، فلا يتم في العالم أمر ولا ينفذ حكم ولا تنتظم أحواله. والواقع خلاف ذلك؛ ففرض إلهين فصاعدا محال لمن يلزم منه المحال.

وهذا القسم هو الذي بنى عليه أرباب البديعيات أبياتهم، لكن ما فرضوه محال ادعاء وليس بمحال حقيقة كما ستراه.

والثاني اعني المشروط بحرف الامتناع مثلوا له بقول الطرماح:

لو كان يخفى على الرحمن خافية

من خلقه خفيت عنه بنو أسد.

وهو ليس بكامل الشروط إذ ليس فيه التسليم الجدلي، إنما هو مشروط بحرف الامتناع لا غير. وذكر ابن أبي الأصبع: أن التسليم فيه مقدر؛ وتكلف في تقديره.

وقد نظمت له أنا أمثالا مستوفيا لشروط فقلت:

هم كدروا صفو الوداد وأقبلوا

يرومون من قلبي البقاء على الود.

يقولون لو تصفو صفونا وهبهم

وفوا لي بما قالوا فماذا الذي يجدي.

ألم يسمعوا قول الوشاة وجاهروا

على غير ذنب بالقطيعة والصد.

المثال في البيت الثاني فإنه مشروط بحرف الامتناع وفيه التسليم الجدلي والدلالة على عدم الفائدة، على حد ما ذكروه في التعريف.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي في هذا النوع قوله:

سألت في الحب عذالي فما نصحوا

وهبه كان فما نفعي بنصحهم.

وهذا من قسم المنفي كما سبقت الإشارة إليه.

وسقط هذا النوع من بديعية ابن حجة وشرحها في النسخ التي حضرتني، وبسقوطه تعذر هنا إيراد بيتي بديعيتي الموصلي، وابن جابر فإنني لم أقف عليهما إلا من شرح بديعية ابن حجة، ولعل الله يظفر بهما فيما بعد؛ فيثبتان مع مشيئة الله تعالى.

وبيت بديعية الطبري قوله:

لم يجد لي عذالهم نفعا أسلمه

وهبه أجدى فماذا لي بنفعهم.

وبيت بديعيتي هو قولي:

كم أدعوا صدقهم يوما وما صدقوا

سلمت ذاك فما أرجو بصدقهم.

وبيت بديعية إسماعيل المقري قوله:

لم يلق أذنا على أذني ملامك لي

وهبه يلقى فلي قلب أصم عمي.

‌الاقتباس

.

قالوا سمعنا وهم لا يسمعون وقد

أوروا بجنبي نارا باقتباسهم.

الاقتباس في اللغة: مصدر اقتبس إذا أخذ من معظم النار شيئا، وذلك المأخوذ قبس بالتحريك، وفي الاصطلاح هو تضمين النظم أو النثر بعض القرآن لا على أنه منه، بأن لا يقال فيه: قال الله أو نحوه، فإن ذلك حين إذا لا يكون اقتباسا.

قال الحافظ السيوطي: وقد اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله. وأما أهل مذهبنا- يعني الشافعية- فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم، واستعمال الشعراء له قديما وحديثا، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه، واستدل بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله في الصلاة وغيرها: وجهت وجهي إلى آخره، وقوله: اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني ديني واغنني من الفقر. وفي سياق كلام أبي بكر: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وفي آخر حديث لابن عمر: قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. انتهى.

وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام المواعظ والثناء والدعاء وفي النثر، ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق.

ص: 128

فإن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعرمكروه وفي النثر جائز، واستعمله أيضاً في النثر القاضي عياض في مواضع من خطبة الشفاء.

وقال الشرف إسماعيل المقري صاحب مختصر الروضة وغيره في شرح بديعيته: فما كان منه في الخطب والمواعظ ومدحه صلى الله عليه وآله وسلم فهو مقبول وغيره مردود.

وفي شرح بديعية الشيخ صفي الدين الحلي: الاقتباس ثلاثة أقسام محمود مقبول، ومباح مبذول، ومردود مرذول.

فالأول-ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي وآله عليهم السلام ونحو ذلك.

والثاني-ما كان في الغزل والصفات والقصص والرسائل ونحوها.

والثالث- على ضربين: أحدهما ما نسبه الله تعالى إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه، كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية من عماله:"إن إلينا إيابهم ثن إن علينا حسابهم" والآخر تضمين آية كريمة في معرض هزل أو سخف، ونعوذ بالله من ذلك، كقول أحد العصرين:

قالت وقد أعرضت عن غشيانها

يا جاهلا في حمقه يتناهى.

إن كان لا يرضيك قبلي قبلة

لأولينك قبلة ترضاها.

انتهى. قال السيوطي: وهذا التقسيم حسن جدا وبه أقول.

وقال الشيخ بهاء الدين السبكي في عروس الأفراح: الورع اجتناب ذلك كله، وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله، لاسيما إذ أخذ شيء من القرآن وجعل بيتا مصرعا، فإن ذلك ما لا يناسب المتقين، كقوله:

كتب المحبوب سطرا

في كتاب الله موزون.

لن تنالوا البر حتى

تنفقوا مما تحبون.

وبقي هنا فوائد: الأولى- الصحيح أن المقتبس ليس بقرآن حقيقة بل كلام يماثله، بدليل جواز النقل عن معناه الأصلي، وتغيير يسير كما سيأتي. وذلك في القرآن كفر، وهذا سر قول أصحابنا: لو قرأ الجنب الفاتحة على قصد الثناء جاز، قاله السيرافي. وقال في العروس: المراد بتضمين شيء من القرآن في الاقتباس، أن يذكر كلام وجد نظمه في القرآن؛ أو السنة، مرادا به غير القرآن، فلو أخذ به القرآن كان ذلك من أقبح القبائح، ومن عظائم المعاصي نعوذ بالله منه.

الثانية- الاقتباس على ضربين: ضرب لا ينقل المقتبس فيه عن معناه الأصلي، كقول بعض العصرين- وقد طلب من بعض أصحابه الذين بمكة حبا فاعتذر منه-: -

طلبنا منكم حبا

أجبتم فيه بالمنع.

عذرناكم لأنكم

بواد غير ذي زرع.

فإن المراد به مكة المشرفة، وكذلك هو في الآية الشريفة. وضرب ينقل عن معناه الأصلي بناء على أنه ليس بقرآن حقيقة كما مر.

وكقول ابن الرومي:

لئن أخطأت في مدحك

ما أخطأت في منعي.

لقد أنزلت حاجاتي

بواد غير ذي زرع.

فإنه كنى به عن الرجل الذي لا نفع لديه، والمراد به في الآية الشريفة مكة شرفها الله تعالى كما تقدم.

الثالثة-جوزوا تغير لفظ المقتبس بزيادة أو نقصان، أو تقديم أو تأخير؛ أو إبدال الظاهر من المضمر، أو نحو ذلك بناء على ما هو الصحيح من أن المراد به غير القرآن كما تقدم.

ومثاله قول أبي تمام في مطلع قصيدة يرثي ابنا له، فيما رواه أبو بكر الصولي عن أبى سليمان النابلسي:

كان الذي خفت أن يكونا

إنا إلى الله راجعونا.

أمسى المرجى أبو علي

موسدا في الثرى يمينا.

حين استوى وانتهى شبابا

وحقق الرأي والظنونا.

كنت عزيزا به كثيرا

وكنت صبا به ضنينا.

دافعت إلا المنون عنه

والمرء لا يدفع المنونا.

وهي قصيدة طويلة، فقوله: إنا إلى الله راجعونا؛ اقتباس لكنه زاد الألف في راجعون على جهة الإشباع، وأتى بالظاهر مكان المضمر في قوله: إنا لله وإن إليه؛ ومراده آية الاسترجاع وهي قوله: "إنا لله وإن إليه راجعون".

قال في عروس الأفراح: وفي تسمية هذا البيت اقتباسا نظر، لأن في هذا اللفظ ليس في الأصل من القرآن. وتعقبه ابن جماعة بأنه اقتباس بالنظر إلى الأصل الذي هذا مغايره، فهو بالنظر إلى هذا، وما المانع من ملاحظة مثل هذا في التسمية. انتهى.

ص: 129

وهذا البيت لم يعرف أحد من أهل البديع الذين استشهدوا به قائله، فعزاه بعضهم إلى بعض الشعراء وعزاه الخطيب في الإيضاح، والتفتازاني في المطول إلى بعض المغاربة، وقال: إنه قاله عند وفاة بعض أصحابه، وليس كذلك. وإنما قال صاحب قلائد العقيان في ترجمة الرئيس أبي عبد الرحمن ابن طاهر: أنه شهد وفاته، وحين قضى دخل عليه الوزير أبو العلاء بن أزرق وهو يبكي ملء عينيه، ويقلب على ما فاته كفيه، وينادي بأعلى صوته أسفا على فوته:

كان الذي خفت أن يكونا

إنا إلى الله راجعونا.

انتهى. وهذا لا يدل على أن الوزير المذكور قائله، بل تمثل به، فاعلم. ومما وقع التغير فيه بالزيادة والنقصان وإبدال الظاهر من المضمر والمضمر من الظاهر.

قول عمر الخيام:

سبقت العالمين إلى المعالي

بصائب فكرة وعلو همة.

فلاح بحكمتي نور الهدى في

ليال للضلالة مد لهمة.

يريد الجاهلون ليطفؤه

ويأبى الله إلا أن يتمه.

والآية "يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله غلا أن يتم نوره".

الفائدة الرابعة- المشهور بتخصيص الاقتباس بكونه من القرآن. ومنهم من عد المضمن في الكلام من الحديث اقتباسا أيضاً. وزاد الطيبي: من مسائل الفقه. قال بعضهم: إذا قلنا بذلك فلا معنى للاقتصار على مسائل الفقه، بل بكون من غيره من العلوم. إذا عرفت ذلك فالخلاف المذكور في جوائز الاقتباس من القرآن وعدمه لا يجري في الحديث، خصوصا وهو تجوز روايته بالمعنى وغير ذلك مما لا يجوز في القرآن، كذا قال بعضهم. وقد رأيت ما قاله الشيخ بهاء الدين السبكي في العرس: من أن الورع أن ينزه عن مثله كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا محل إثبات شيء من أمثلة الاقتباس بأنواعه نثرا ونظما.

فمن الاقتباس من القرآن في النثر، قول ابن نباتة الخطيب، من خطبة له: فيا أيتها الغفلة المطرقون؛ أما أنتم بهذا الحديث مصدقون؟ مالكم لا تشفقون؟ "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" وقوله من أخرى في ذكر يوم الحساب: هنالك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، وتقطع الأسباب؛ وتذهب الأحساب، ويمنع الأعتاب؛ ويجمع من حق عليه العقاب، وجب له الثواب، فيضرب "بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وقول الحريري في مقاماته: فطوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى "ونهى النفس عن الهوى" وعلم أن الفائز من ارعوى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى".

وممن تقدم في نحو هذا الكلام، فكان إمام هذا المقام: عبد المؤمن الأصبهاني، في رسالة أطباق الذهب؛ وهي مائة مقالة عارض بها أطواق الذهب للزمخشري. وقال في ديباجتها: وهي مائة مقالة صيغت دمالج للعضد ومخانق للجيد، وخلخلت كل واحدة بكلمة من كتاب الله المجيد، وجعلتها كوكبة ثابتة لمغربها، وكلمة باقية في عقبها. فهي لا قدامها عقب، ولختامها مسك عبق؛ ولا أبتغي إلا وجه الله فيما فصلت وقطعت، وما أريد "إلا الإصلاح ما استطعت".

فمما استحسنه منها- وما محاسن شيء كله حسن- قوله وهي المقالة الخامسة:

خليلي هبا طالما قد رقدتما

إلا تنشدان العهد ما قد فقدتما.

أين إخوان عاشرناهم وخلان؟ أين زيد وعمر وفلان وفلان؟ وأين رشفاء الكؤوس، وقدما بقي نسيم رياهم في النفوس؟ أما يزعنا موت الآباء والأمهات عن أباطيل الترهات؟ ألا إن المرء غافل مطرق، والموت واعظ مفلق، ينادي أقواما تظنهم قياما وهم قعود "وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " تكرهون جرع الحمام فإنه ساقيكم "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم".

وقوله، وهي المقالة السادسة والثمانون: ذكر الله أشرف الأذكار، فاذكروه بالعشي والإبكار، ذكره مقدحة الأرواح الصدية، كالصبا من وجه الأقاحي الندية، فاذكر الله ذكرا كثيرا، وكبره تكبيرا. فإذا أخلصت الذكر فاترك الصوت والحرف؛ وإذا شربت وسكرت فاكسر الطرف. السجود ما جل عن نقرات الجباه؛ والذكر ما خفي عن حركات الشفاه؛ فجهز لطيمة الأثنية إلى حظائر قدسة؛ واذكر ربك في نفسك يذكرك في نفسه، وقل لمن يذكر الله في لسانه تورعا "اذكر ربك في نفسك تضرعا".

ص: 130

وقوله وهي الرابعة والثمانون: رب جائع مطعام، ورب أعزل مقدام ورب حسناء مردودة؛ ورب خرقاء محسودة. أخلاق متعاكسة، وشركاء متشاكسة؛ وأقسام متباعدة "وما أمرنا ألا واحدة" سبب واحد، وأحكام متعددات؛ وقضاء فرد، وأحوال متجددات؛ وقدرة غلباء؛ وأقدار متغايرات؛ وبيضة مكنونة؛ وأفراخ متطايرات، كلمة قدسية تنشيء الإيمان والكفر، كخابية المسيح تخرج الحمر والصفر، وكالشمس بنورها تلون الحبر والياقوت؛ أو كالنجار بقدومه ينحت المهد والتابوت. الدعوة واحدة وإن تباينت كلمات الرسل، والمقصد واحد وإن تقاذفت جهات السبل. ثمار تسقى بماء واحد "ونفضل بعضها على بعض في الأكل".

وقوله وهي المقالة السابعة: طوبى للتقي الخامل، الذي سلم من إشارة الأنامل، وتبا لمن قعد في الصوامع، ليعرف بالأصابع. خزائن الأمناء مكتومة؛ وكنوز الأولياء مختومة. والكامل كامن يتضاءل؛ والناقص قصير يتطاول، والعاقل قبعة، والجاهل طلعة فاقبع قبوع الحيات، وكن في الظلمات كماء الحياة؛ كنزك في التراب، وسيفك في القراب، عف آثارك بالذيل المسحوب، واستر رؤاك بسفعة الشحوب، فالنباهة فتنة؛ والوجاهة محنة؛ كن كنزا مستورا؛ ولا تكن سيفا مشهورا، إ ن الظالم لجدير أن يقبر ولا يحشر، والبالي خليق أن يطوى ولا ينشر. ولو علم الجزل صولة النجار؛ وعضة المنشار؛ لما تطاول شبرا، ولا تخايل كبرا، وسيقول البلبل المعتقل ليتني كنت غرابا "ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا".

وقوله وهي المقالة التاسعة والثلاثين: داهية وما داهية، وما أدراك ما هية: قاض خبيث المأكل، ثقيل الهيكل؛ يملأ الحشا بالرشا؛ ويؤذي جليسه بالجشا؛ ولان يطاع عشوة خير له من أن يأكل رشوة، قبلته عتبة السلطان، وسبلته مدبة الشيطان. قلمه وقود النيران، وخدمه لصوص الجيران يعرف الحق ولا ينفذه، ويرى الغريق ولا ينقذه، ينزع قميص اليتيم في مأتمه وينازع الطفل الصغير في مطعمه. يغمس يده في الميراث؛ وينفعه في المبال والمراث. إذا قسم جعل نفسه أكبر البنين، ويلحق اليتيم بالجنين. فما البغاث في منسر البزاة، ولا الحربي في أسر الغزاة، بأعجز من اليتيم في مخالب القضاة. يحسبهم الجهال صلحاء وهم مراق، ويظنونهم أمناء وهم سراق، يثنون على ذي العثنون؛ ويدعون لذلك المطعون؛ وهم إن عرفتهم حق العرفان، سراحين تعبث بالخرفان. يكتبون الزور وبه تجري أقلامهم، ويكتمون الحق وبه تأمرهم أحلامهم "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" يلبسون الحق بالباطل، ويلبسون عارا وشنارا؛ و؛ "يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا".

وقوله وهي المقالة الرابعة والتسعون، وفيها اقتباس من الحديث النبوي أيضاً: عواتق الحجال، شقائق الرجال، الرجال قوامون والنساء قواعد، هم أعضاء الدين وهن سواعد؛ ما هن إلا مكاريب زروعهم، وشراسيف ضلوعهم، إلا فارفقوا بهن فإنهن لحم على خوان، واستوصوا بهن خيرا فإنهن عوان. ورجل بلا بعل، كرجل بلا نعل، والعزوبة مفتاح الزنا، والنكاح ملواح الغنى، ومن نكح فقد صفد بعض شياطينه، ومن تزوج فقد حصن نصف دينه ألا فاتقوا الله في النصف الثاني، فإن خراب الدين بشهوتين: شهوة الفرج وهي الكبرى، وشهوة البطن وهي الصغرى، فاعمر الركنين، واحكم الحصنين؛ فإذا فرغت من الرواق والصفة، فلا تهمل السقيفة والأسكفة. واعلم أن الدنيا والآخرة ضرتان، لك إليهما كرتان، إحداهما حرة خريدة، والأخرى أمة مريدة، فاجعل للحرة يومين؛ فإن لها قسمين، وللأمة قسما، فإن لها في كتابك اسما، وأضعف نصيب العقبى، ولا تنسى نصيبك من الدنيا، واحفظ القسمة العادلة، ولاتكن ممن يحبون العاجلة، فالويل كل الويل إن تميلوا كل الميل. واتق الميل بالقلب "فكل أولئك كان عنه مسؤولا" وإن كان ولابد "فللآخرة خير لك من الأولى" فإن اتقيت الزيغ فطلق الدنيا فإنها زائدة "وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة". انتهى.

ص: 131

وقلت أنا على هذا الأسلوب الحكيم، سالكا هذا النهج القويم- وأنا استغفر الله من قول بلا عمل، وأسأله من فضله بلوغ الأمل- مقالة في الإيقاض من سنة الغفلة لسنة الإتعاض: انتبه يا نائم، فقد هبي النسائم، ودع المنام، فقد انقشع الظلام، هذا الصبح قد لاحت تباشيره وهذا النجح فد وافاك بشيره، فحتى متى هذه الغفلة والغرة؟ وإلى متى هذه الفضيحة والمعرة؟ أركونا إلى الدنيا الدنية؟ واشتغالا عن المنية بالأمنية؟ ما أراك إلا قد تورطت، فاعمل لنفسك قبل أن تقول "يا حسرتا على ما فرطت " وذر الكبر والزهو "فما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو" فتبا لمن نسي وفاته، حتى ذهب أمره وفاته، وطوبى لمن عمل لغده؛ ولم يغتر من العيش برغده؛ فكم هذا التسويف يا ماطل؟ والحق لا يدرك بالباطل؛ فلا يغرنك قوم أعرضوا عن العلم والعمل "ذرهم يأكلون ويتمتعوا ويلههم الأمل" إن الذين أمنوا لا يسوفون من يوم إلى يوم ومن عام إلى عام "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام".

مقالة أخرى في الحث على الأعمال؛ وبيان أن رضى الله سبحانه وتعالى لا ينال بالآمال: من عجيب أمر الإنسان وكل أمره عجيب أن يدعو فيرجو الإجابة، ويدعى فلا يجيب، أليس كما يدين يدان؟ وهل يجزى المرء إلا بما دان؟ عقل في فقار الجهالة هائم، وقلب في تيار الضلالة عائم، يرجو ولا يخاف، إيمان ظاهر؛ وكفر خاف؛ والخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطير، إن قص أحدهما سقط في هوة الضير. فيا أيها المغرور بأمله، المسرور بعمله، إنك في حبائل الشيطان واقع، ألما تصح والشيب وازع؟ فانظر لحالك قبل ترحالك، واعمل في يومك لغدك، قبل فوات الأمر من يدك، ولا تكن عن الآخرة باللاه "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" ولا يعجبنك أمر قوم رضوا من الدنيا الدنية بالدون "إنهم اتخذوا الشياطين من أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ".

مقالة أخرى- في وصف عباد الله الصالحين وأولياؤه الفالحين.

لله در عصابة هم أهل الإصابة، ذاقوا شهد الدهر وصابه، وقاسوا محنة وأوصابه؛ فنبذوا الدنيا وراءهم ظهريا، وامتطوا من عزمهم جملا مهريا يرون ببصائرهم ما لا يرون بأبصارهم، وينتصرون بالله سبحانه لا بأنصارهم هم أعلام الهدى ومعالمه، وأركان التوحيد ودعائمه، أنفسهم في عالم الملكوت سائحة، وقلوبهم في غمار الرهبوت سابحة، نطقهم حكمة وذكر وصمتهم عبرة وفكر، إذا خوطبوا أحسنوا السمع "وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " أكفهم بالبذل مبسوطة، وأوصافهم بالفضل منوطة، يبذلون من المال خلاصه " يرجون تجارة لن تبور" ويخشون يوما يدعى فيه الخاسر بالويل والثبور "يهدون بالحق وبه يعدلون " يأمرون بالصلاح وهم المصلحون "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون".

ولنكتف من محاسن الاقتباس الواقعة في المواعظ بهذه اللمعة المضيئة النبراس، ففيها قناع للمتعظ والواعظ.

ولا بأس بإظهار نور الاقتباس من مشكاة أهل الترسل، ليستضيء الأديب بأنوار اقتباسهم عند التوصل إليه والتوسل. فمن ذلك قول القاضي الفاضل- وهو رئيس هذه الصناعة من غير مناضل- من رسالة يصف، قلعة نجم، وهي من عيون الرسائل: هي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، وهامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قلامة. فاقدة حياة صالحها الدهر إن لا يحلها بقرعة، نادبة عصمة صافحها الزمن على أن لا يروعها بخلعه، فاكتنفت بها عقارب منجنيقات لم تطبع بطبع حمص في العقارب، وضربتها بحجارة أظهرت فيها العداوة المعلومة في الأقارب.

إلى أن قال: فاتسع الخرق على الراقع، وسقط سعده عن الطالع، إلى مولد من هواليها طالع؛ وفتحت الأبراج فكانت أبوابا "وسيرت الجبال فكانت سرابا ".

وقوله: ولنا من الجيران من يجور، ويظن أنه إلى الله لن يحور ويصدق وعد الشيطان وما يعده الشيطان إلا الغرور، وتصدر عنه كل عظيمة، ويجهل أن الله عليم بذات الصدور ويظن أنه يرث الأرض وينسى ما كتب الله في الزبور.

وقوله: وينهى وصول كتاب كريم، تفجرت منه ينابيع البراعة، وتبرعت فيه بالحكم أيدي اليراعة، وجاد منه بسماء مزينة بزينة الكواكب وهطل منه لأوليائه كل صوب ولأعدائه كل شهاب أصيب.

ص: 132

وقوله: كتاب اشتمل على بدائع المعاني وباهرها، وزخرت بحار الفضل إلا أنني ما تعبت في استخراج جواهرها، بل سبحت حتى تناولتها وجنحت إلى ما حاولتها، فيا لله من بدائع وروائع، ولطلائف وطرائف؛ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وما يقرط الأسماع ويقرط الألسن.

وقوله: فلو رأيت أطناب الخيم في أعناق الأسارى يساقون بها مقرنين، لحمدت الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، ولقد شابت بخضاب العجاج ما أرسلته رايات الأبرجة من ذوائب مفرقها، وأسلمت وجهها لله وقطعت زنار خندقها.

وقوله: وما عهدته أدام الله سعادته إلا وقد استراحت عواذله، وعرى به أفراس الصبا ورواحله، إلا أن يكون قد عاد إلى ذلك الجج، ومرض قلبه وما على المريض من حرج. وأيما كان، ففي فؤادي إليه سريرة شوق لا أذيعها ولا أضيعها، ونفسي أسيرة غلة لا أطيقها بل أطيعها، وإني لمشتاق إليك؛ وعاتب عليك، ولكن عتبة لا أذيعها.

وقوله: ورد كتاب لا يجد الشكر عنه محيدا، وآنست القلب الذي كان به وحيدا، وعددت يوم وصوله السعيد عيدا، ووردت منه بئرا غير معطلة وقصرا مشيدا (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وتلك الغاية ليست في وسعي ولا تعلم نفس إلا ما طرق سمعها؛ وتلك المحاسن ما طرق مثلها سمعي، وهذه الأوابد إلا باعد ما طال لها ذراعي ولا استقل بها ذرعي.

وقوله: (لا يجليها لوقتها إلا هو) فسبحانه جلت قدرته جلاها وقد بلغت القلوب الحناجر، وفرجها وقد بلغت الدموع المحاجر ومن بالسلطان على الخلق، وإقامة ليتم به إنشاء الله دين الحق.

وقوله: - في جواب كتاب بعثه العماد إليه في ورق أحمر، فقطعت العرب الطريق على حامله، وأخذوه ثم أعادوه-: ووصل منها كتاب تأخر جوابه لأن العرب قطعوا طريقه، وعقوا عقيقه، ثم أعادوه وما استطاعت أيديهم أن تقبض جمره؛ ولا ألبابهم أن تسيغ خمره، فقطف ورده من شوك أيديهم وحيا حياه الذي جل عن واديهم، وحضر منهم حاضر الفضل الذي ما كان الله ليعذبه بالغربة وأنت في بواديهم، وتشرف منه بعقلية الإنس التي ما كان الله ليمتحنها بقتل واديهم ومسألته بأي ذنب قتلت، وأي شفاعة فيك قبلت، فقال: عرفت الأعراب بضاعتها من الفصاحة، وتناجدت أهل نجد فكل صاح وإصباحه، وقالوا: هذه حقائقنا السحرية، وهذه حقائبنا السحرية؛ وهذه عتائدنا السرية محمولة؛ وهذه مواريث قيثنا وقسنا المأمولة، فقيل لهم: إن الفصاحة تنتقل عن الأنساب، وإن العلم يناله فرسان من فارس ولو كان في السحاب، فدعوا عنكم ثمرا علق بشجراته؛ واتركوا نهبا صيح في حجراته (وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) ثم لمته على الشعث؛ وأحللت به بعد الإحرام؛ فاستباح الطيب؛ وحاشاه من الرفث.

ومن ذلك قول العماد الأصبهاني: صدرت هذه البشرى ودماء الفرنج على الأرض وقيل لها: ابلعي، وعجاجها في السماء وقيل لها: أقلعي، وفاض ماء النصال، وغاض ماء الضلال، وهي بشارة اشترك فيها أولياء النعمة؛ ونبئهم أن الماء بينهم قسمة.

وقول الشيخ جمال الدين بن نباتة- في حضيرة القدس-: وكان معنا شخص يلقب بالخلد سكن بيتا حسنا، وغمض عن الرفاق تغميضا في الخلد بينا، فقال مولانا الصاحب: ما تقول في جنة الخلد، وشكا قوم عشرة هذا الرجل؛ فكتبت على ورقتهم: اصبروا على ما تثقلون (وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعلمون) .

وقوله في منقل نحاس وهو من غريب الاقتباس: طالما حمدت معاشرته وطابت في الليالي مسامرته؛ واطلع من أفقه نجوما سعيدة القران؛ وتلا على الثلج والريح (يرسل عليكما شواظا من نار ونحاس فلا تنتصران) .

وقول القاضي تاج الدين أحمد بن الأثير: ولم يزل القتال ينوبهم وسهام المنون تصيبهم، وسحابها يصيبهم، والسيوف تغمد في الطلى؛ والرماح تركز في الكلى؛ والمجانيق تذلل سورتتهم؛ وتسكن فورتهم، وتقذفهم من كل جانب دحورا، وتعيد كلا منهم مذموما مدحورا، وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالتسليم، وتنتابهم فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.

وقول كمال الدين بن العطار في منازلة قلعة: ونقبت النقوب نظام أساساتها فانحلت، وألقيت النار في أحشائها فألقت ما فيها وتخلت. هذا والمناجيق منا ومنهم تارة وتارة، وكفها يرمي من النفط أصابعها بشرر كالقصر وقودها الناس والحجارة.

ص: 133

وقول الشهاب محمود: - في فتح حصن المرقب-: وتخلخلت قواعد ما شيد من أركانه فانحلت، وانشقت سماؤه من الجزع فألقت ما فيها من الأرض وتخلت، ومشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون. ومنه: فلجأوا إلى الأمان، وتمسك ذل كفرهم بعز الإيمان، وتشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم قد أحيط بهم وجاءهم الموج من كل مكان.

وما ألطف اقتباس أبي طاهر الأصفهاني- في رسالة القوس- إذ قال: وهو صورة مركبة ليس لها من تركيب النظم؛ إلا ما حملت ظهورها والحوايا أو ما اختلط بعظم.

ومن إنشاء الشيخ عبد الرحمن المرشدي؛ من كتب كتبه غلى الأفندي محمد دراز المكي: على رسلك يا رسول البلاغة؛ ماذا التحدي بهذا المعجز الموجز؛ وعلى مهلك يا نبي البراعة فما منا إلا مذعن معجز (والقلم وما يسطرون) ، (وإن هذا إلا سحر يؤثر) ما هذا قول البشر، (حم والكتاب المبين) ما هذا في زبر الأولين.

ومنه: يا أعد قاض أقيم به عماد الدين (آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) .

قلت: هذا وإن عدهم بعضهم من حسن الاقتباس، إلا أني أراه من القسم المردود، لتجاوزه الحدود.

ومن كتاب له إلى بعض كبراء مصر: فياذا القلم السحار، والكلمة الفائقة لطفا على نسائم الأسحار، أعيذ سطرك وطرسك، بالليل إذا تجلى و (أعوذ برب الفلق) ؛ والليل إذا غسق؛ إذ تقوسم بالإزلام أن يكون غيرك ذا القدح المعلى.

وقوله من كتاب آخر: وأما أحوال العسكر الواردة إلى اليمن، المثيرين بمصر تلك الشرور والفتن، فقد جاؤوا إلى بندرة جدة (وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة) ونزل ميدهم وهو في الغاية من السكينة المتمكنة؛ وأما المتجهز منهم في المركب (المجاهد) فقد ندخ بهم المركب إلى القنفذة، وكادت أن تقع بينهم فتنة وعربذة، وذلك عند وصول الماء إليهم فكادوا أن يقتتلوا، فوصل الخبر إلى الموكول إليه، فقال للرسول: أقر بالري عينهم (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) فأطفأ الله النار بذلك الماء وسافروا بعد ذلك غلى حيثما.

ومن ذلك قول الأفندي محمد بن حسن دراز المكي- في جواب كتاب إلى الشيخ عبد الرحمن المرشدي- (والنجم إذا هوى) ما ضل يرعاك وما غوى (علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى) جل فضلك عن التشبيه، وتعالت نباهتك عن الإيماء والتنبيه، ولقبت بالشرف وأنت الشرف النبيه؛ اقتربت ساعة حسادك يا رب البلاغة ووجهك القمر، وأن يروا آية من فضلك يعرضوا، وقد جاء (جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموا قلمك فيما شجر، ويقولوا لجواهر ألفاظك الرطبة إذا نطق ذو اللفظ اليابس: بفيك الحجر، ويوقنوا بحسن تصرفك في التصنيف الذي فيه أنصفت إذ صنفت، وإذا جمع غمام جموعه لمساجلتك قيل له (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت) انتهى.

هذا غيض من فيض، ولم من يم، والقول في هذا الباب لا ينتهي حتى ينتهي عنه، ولا يقف حتى يوقف عليه، فيا أربا الإنشاء والقريض، ويا أصحاب التصريح والتعريض، اقتبسوا مثل هذه الأنوار المشرقة في أشعاركم وخطبكم (وانبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) .

لطيفة- كان القاضي الشهير الشهيد أبو علي الصيرفي المغربي رجلا ذا وقار، يرجع من التقى بأوقار، وعلى وقاره الذي كان يعرف، ندر له مع بعضهم ما يستظرف، وهو: إن فتى يسمى يوسف لازم معطرا رائحته، ومنظفا ملبسه، ثم غاب لمرض قطعه؛ أو أشغل منعه؛ ولما فرغ؛ أو أبل؛ عاود ذلك النادي والمحل؛ وقبل إفضائه إليه؛ دل طيبه عليه. فقال الشيخ- على سلامته من المجون- (إني لجد ريح يوسف لولا أن تفندون) وهي من طرف نوادره.

ومن لطيف ما يحكى هنا: أن المنصور ولى سليمان بن أميل الموصل وضم إليه ألفا من العجم، وقال له: قد ضممت إليك أف شيطان، تذل بهم الخلق. فعتوا في نواحي الموصل، فكتب إليه المنصور: كفرت النعمة يا سليمان، فأجابه (وما فر سليمان ولكن الشياطين كفروا) فضحك منه وأمده بغيرهم.

ولنصرف الآن عنان اليراعة إلى ما وقع من الاقتباس في أشعار أولي البراعة.

فمن الاقتباس من القرآن قول الأحوص:

إذا رمى عنها سلوة قال شافع

من الحب ميعاد السرور المقابر.

ستبقى لها في مضمر القلب والحشا

سرائر ود يوم تبلى السرائر.

وقول أبي القاسم الرافعي:

ص: 134

الملك لله الذي عنت الوجو

هـ له وذلت عنده الأرقاب.

متفرد بالملك والسلطان وقد

خسر الذين يحاربون وخابوا.

دعهم وزعم الملك يوم غرورهم

فسيعلمون غدا من الكذاب.

وقول أبي عبد الرحمن السلمي:

سل الله من فضله واتقه

فإن التقى خير ما تكتسب.

ومن يتقي الله يصنع له

ويرزقه من حيث لا يحتسب.

وقول بديع الزمان الهمذاني:

لآل فريغون في المكربات

يد أولا واعتذار أخيرا.

إذا ما حللت بمغناهم

رأيت نعيماً وملكاً كبيراً.

وقول ابن نباتة:

وأغيد جارت في القلوب لحاظه

وأسهرت الأجفان أجفانه الوسنى.

أجل نظر في حاجبيه وطرفه

ترى السحر منه قاب قوسين أو أدنى.

وما ألطف قول ابن عبد الظاهر في معشوقه نسيم:

إن كانت العشاق من أشواقه

جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا.

فأنا الذي أتلوا لهم يا ليتني

كنت اتخذت مع الرسول سبيلا.

وقول ابن سناء الملك في مطلع قصيدة:

رحلوا فلست بسائل عن دارهم

أنا باخع نفسي على آثارهم.

وقول الخباز البلدي:

سار الحبيب وخلف القبا

يبدي العزاء ويضمر الكربا.

قد قلت إذا سار السفين بهم

والشوق ينهب مهجتي نهبا.

لو أن لي عزا أصول به

لأخذت كل سفينة غضبا.

وقل الأبيوردي:

وقصائد مثل الرياض أضعتها

في باخل ضاعت به الأحساب.

فإذا تناشدها الرواة وأبصروا ال

ممدوح قالوا ساحر كذاب.

وقول محمد الشجاعي:

لا تعاشر معشرا ضلوا الهدى

فسواء اقبلوا أو أدبوا.

بدت البغضاء من أفواههم

والذي يخفون منها أكبر.

وقول القاضي منصور الهروي:

ومنتقب بالورد قبلت خده

وما لفؤادي من هواه خلاص.

فاعرض عني مغضبا قلت لا تجر

وقبل فمي إن الجروح قصاص.

وقول بعضهم في رجل كان يشرب الخمر، فبكر فذات يوم فسقط على زجاجته فجرحته، وسال دمه:

أجريح كاسات أرقت نجيعها

طلب الترات يعز منه خلاص.

لا تسفكن دم الزجاجة بعده

إن الجروح كما علمت قصاص.

وقال شيخ الشيوخ بحماة:

يا نظرة ما جلت لي حسن طلعته

حتى انقضت وأباتتني على وجل.

عاتبت إنسان عيني في تسرعه

فقال لي خلق الإنسان من عجل.

وقول الحافظ بن حجر العسقلاني:

خاض العواذل في حديث مدامعي

لما رأوا كالبحر سرعة سيره.

فحسبته لا صون سر هواكم

حتى يخوضوا في حديث غيره.

وقد سبقه إلى هذا الاقتباس من قال:

أما السماح فقد مضى وقد انقضى

فتسل عنه ولا تسل عن خيره.

واسكت إذا خاض الورى في ذكره

حتى يخوضوا في حديث غيره.

وقول محي الدين بن قرناص:

إن الذين ترحلوا

نزلوا بعين ناظره.

أسكنتهم في مهجتي

فإذا هم بالساهرة.

وقول بعضهم:

تجرد للحمام عن قشر لؤلؤ

وألبس من ثوب الملاحة ملبوسا.

وقد جرد الموسى لتزيين رأسه

فقلت لقد أوتيت سؤالك يا موسى.

قال أبو الحسن البلنسي الصوفي: كان لي صديق أمي لا يقرأ ولا يكتب فعلق فتى، وكان خرج لنزهة، فأثرت الشمس في وجهه، فأعجبه ذلك فأنشأ يقول:

رأيت أحمد لما جاء من سفر

والشمس قد أثرت في وجهه.

فانظر لما أثرته الشمس في قمر

والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا.

وما أحسن قول القاضي تاج الدين بن احمد المالكي من فضلاء العصر:

مذ واصل الخل شمس الراح قلت له

الشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا.

فقال معتذرا لوحيل بينهما

وافى الخسوف لبدر التم مبتدرا.

يشير إلى ما يزعمه المنجون من أنسب خسوف القمر حيلولة الأرض بينه وبين الشمس.

وقال الأبيوردي:

أردت زيارة الملك المفدى

لأمدحه وأخذ منه رفدا.

فعبس حاجب فقرأت أما

من استغنى فأنت له تصدا.

وأحسن من هذا قول الأديب المعروف بالمهتار من شعراء العصر أيضاً مقتبساً لهذه الآية في مليح فقير الحال:

تصد وكم تصدى منك كف

لمن لم يدر قدرك يا مفدى.

ص: 135

فصدك عن أولي أدب فأما

من استغنى فأنت له تصدى.

ويعجبني قول بعضهم مواليا:

ليل المعنى قد طال بكم لما جن

والقلب نحو المنازل والحبائب جن.

وقال لما سكر من غير خمر الدن

يا من يظنوا سلوي أن بعض الظن.

أفقد جفني لذيذ الوسن

من لم أزل فيه خليع الرسن.

عذاره المسكي في خده

أنبته الله نباتا حسن.

وقال أيضاً:

قال جوادي عندما

همزت همزا أعجزه.

إلى متى تهمزني

ويل لكل همزة.

وقال أخر:

بدر ظننا وجهه جنة

فمسنا منه عذاب أليم.

وقد قدر الخال على خده

ذلك تقدير العزيز العليم.

وقول أبي القاسم بن الحسن الكابني:

إن كنت أزمعت على هجرنا

من غير ما ذنب فصبر جميل.

وإن تبدلت بنا غيرنا

فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وما أحسن قول مجير الدين بن تميم في وكيل بدار القضاء يدعى بالعز:

لا تقرب الشرع إذا لم تكن

تخبره فهو دقيق جليل.

ووكل العز الذي وجهه

على نجاح الأمر أقوى دليل.

ولا تمل عنه إلى غيره

فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وهذا اقتباس بالتورية.

ومثله ما حكي: أن النصير المحامي قال للسراج الوراق: قد امتدحت الصاحب بهاء الدين بقصيدة؛ وهي الليلة تقرأ بين يديه؛ وأشتهي منك أن تزهره لها.

فلما أنشدت قال السراج الوراق بعد الفراغ:

شاقني للنصير شعر بديع

ولمثلي في الشعر نقد بصير.

ثم لما سمعت باسمك فيه

قلت نعم المولى ونعم المصير.

ومن بديع الاقتباس بالتورية أيضاً قول القاضي محي الدين بن عبد الظاهر:

بأبي فتاة من كمال صفاتها

وجمال بهجتها تحار الأعين.

كم قد دفعت عواذلي عن وجهها

لما تبدت بالتي هي أحسن.

وأخذه الشيخ جمال الدين بن نباتة بقافيته، ولكن زاده إيضاحا بقوله:

يا عاذلي شمس النهار جميلة

وجمال فاتتني ألذ وأجمل.

فانظر إلى حسنيهما متأملا

وادفع ملامك بالتي هي أحسن.

وألم به الشيخ عز الدين الموصلي وما خرج أيضاً عن إيضاحه فقال:

قد سلونا عن المليح بخودٍ

ذات وجه به الجمال تفنن.

ورجعنا عن التهتك فيه

ودفعناه بالتي هي أحسن.

ومنه قول ابن نباتة في خادم اسمه كافور:

يا لائمي في خادم لي سيد

قسما لقد زدت السلو نفورا.

ولقد أدرت على المسامع شربة

في الحب كان مزاجها كافورا.

ولأبي الفضائل أحمد بن يوسف بن يعقوب قصيدة حسنة اقتبس فيها أكثر سورة مريم عليها السلام، أولها:

لست أنسى الأحباب ما دمت حيا

إذ نووا للنوى مكانا قصيا.

وتلوا آية الدموع فخروا

خيفة البين سجدا وبكيا.

وبذكراهم يسبح دمعي

كلما اشتقت بكرة وعشيا.

وأناجي الإله من فرط حزني

كمناجاة عبده زكريا.

واختفى نورهم فناديت ربي

في ظلام الدجى نداء خفيا.

وهن العظم بالبعاد فهب لي

رب بالقرب من لدنك وليا.

واستجب في الهوى دعائي فإني

لم أكن بالدعاء منك شقيا.

قد فرى قلبي الفراق وحقا

كان يوم الفراق شيئا فريا.

ليتني مت قبل هذا وغني

كنت نسيا يوم النوى منسيا،

وهي نحو من ثلاثين بيتا على هذا النمط.

وما أبدع قول الصاحب عطا ملك في دوبيت:

يا طاقة شعرة براسي انتشبت

بيضاء تصارفي بها قد ذهبت.

يا واحدة سواد قوم نهبت

كم من فئة قليلة قد غلبت.

وقال أبو الحسن الباخرزي:

يزني دهري اللئيم كريما

كان لي والدا وكنت أنا ابنا.

كل شيء يبيد والله باق

ربنا إننا إليك أنبنا.

وما أصدق قول صفي الدين الحلي رحمه الله تعالى:

يا عترة المختار يا من بهم

أرجو نجاتي من عذاب أليم.

حديث حبي لكم سائر

وسر ودي في هواكم قديم.

قد فزت كل الفوز غذ لم يزل

سراط ديني بكم مستقيم.

ومن أتى الله بعرفانكم=فقد أتى الله بقلب سليم.

ومن الاقتباس الذي هو غير مقبول، بل هو من المردود المرذول قول ابن النبيه يمدح القاضي الفاضل:

ص: 136

قمت ليل الصدود إلا قليلا

ثم رتلت ذكركم ترتيلا.

ووصلت السهاد أقبح وصل

وهجرت الرقاد هجرا جميلا.

مسمعي كل عن سماع عذولي

حين ألقى عليه قولا ثقيلا.

وفؤادي قد كان بين ضلوعي

آخذته الأحباب أخذا وبيلا.

قل لرامي الجفون أن لجفني

في بحار الدموع سبحا طويلا.

ماس عجبا كأنه ما رأى غص

نا طليحا ولا كثيبا مهيلا.

وحمى عن محبه كأس ثغر

حين أضحى مزاجها زنجبيلا.

بأن عني فصحت في أثر العي

س أرحموني وأمهلوني قليلا.

أنا عبد للفاضل بن عي

قد تبتلت بالثنا تبتيلا.

لا تسمه وعدا بغير نوال

أنه كان وعده مفعولا.

نعوذ بالله من هذا الكلام. وبعده:

وإذا كان خصمك الدهر وال

حكم إلى الله فاتخذه وكيلا.

إن مدحي له أشد وطاء

وقريضي أقوى وأقوم قيلا.

جل عن سائر الخلائق قدرا

فاخترعنا في مدحه التنزيلا.

هذا من المغالاة والإغراق الذي يجر إلى الإخلال بالدين والعياذ بالله تعالى، ومذهب ابن النبيه في ذلك مشهور.

ومن ذلك قول البهاء بن زهير:

وسقاني من ريقه البارد العذ

ب كؤوسا حوت شرابا طهورا.

بقوارير فضة من ثنايا

قدروها بلؤلؤ تقديرا.

وغيوم مثل الجنان فما تن

ظر شمسا فيها ولا زمهريرا.

نصب روض مشى النسيم عليه

فانبرى سعيه به مشكورا.

أيها الحاسد المنفد إما

أن تكن شاكرا وإما كفورا.

كيف تجفوا التي يطير بها

الهم وإن كان شره مستطيرا.

وقول الحاجري:

قالت وقد حاولت منها نظرة

والقلب في ألم من الخفقان.

انظر إلى القلب الذي تهوي به

فإن استقر مكانه فستراني.

وقول الأخر:

أوحى إلى عشاقه طرف

هيهات هيهات لما توعدون.

وردفه ينطق من خلفه

لمثل ذا فليعمل العاملون.

ومن الاقتباس من الحديث قول الصاحب بن عباد رحمه الله:

قال لي إن رقيبي

سيء الخلق فداره.

قلت دعني وجهك الجن

ة خفت بالمكاره.

ولفظ الحديث (خفت الجن بالمكاره وخفت النار بالسهوات) .

وثل ذلك قول ابن قلاقس:

ووالله لولا أنه جنى المنى

لما كان محفوفا لنا بالمكاره.

وقول ابن نباتة:

عن خده منع الرقي

ب وبعده داجي عذاره.

واهاً لها من جنة=حفت بأنواع المكاره.

وقول ابن مماتي في جارية صورت في وجهها حية وعقربا بالغالية:

قتيلك ما أذكى الهوى جل ناره

إلى أن تبدى الخد في جلناره.

رأى حية في وجنتيك وعقربا

نعم جنة حفت كذا بالمكاره.

واقتبست أنا أخر الحديث فقلت:

لقد ذهبت أنفس العاشقين

على نار وجنته حسرات.

ولا غور أن أصبحت تشتهي

فقد حفت النار بالشهوات.

ومنه قول الصاحب بن عباد أيضاً:

أقول وقد رأيت له سحابا

من الهجرات مقبلة إلينا.

وقد سحت غواديها بهطل

حوالينا الصدود ولا علينا.

اقتبسه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم استسقى وحصل مطر عظيم (اللهم حوالينا ولا علينا) .

وقول منصور الهروي الأزدي:

فلو كانت الأخلاق تحوى وراثة

ولو كانت الآراء لا تتشعب.

لأصبح كل الناس قد ضمهم هوى

وأصبح كل الناس قد ضمهم أب.

ولكنها الأقدار كل ميسر

لما هو مخلوق وله مقرب.

وقوله الأبله الشاعر البغدادي، وكان يهوى بعض أولاد البغاددة، فعبر على بابه فوجد خلوة فكتب على الباب:

دارك يا بدر الدجى جنة

بغيرها نفسي ما تلهو.

وقد روي في خبر أنه

أكثر أهل الجنة البله.

وفي كون هذا اقتباسا نظر لما في حده.

وقول أبي الحسن الباخرزي:

يا حادي العيس رفقا بالقوارير

وقف فليس بعار وقفة العير.

قف واحتلب ماء عين طالما قطرت=حمر الدموع على البيض المقاصير.

ص: 137

اقتبسه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأنجشة- وكان يحدو بالإبل التي عليها نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع- ياأنجشة رويدك رفقا بالقوارير. قيل: شبه النساء بهن لضعف عزائمهن، وقلة دوامهن على العهد، لأن القوارير يسرع إليها الإنكسار، ولا يقبل الجبر. انتهى.

وليس بشيء، والأولى ما قاله في النهاية: شبههن بالقوارير من الزجاج لأنه يسرع غليها الكسر، وكان أنجشة يحدو وينشد القريض والرجز فلم يأمن أن يصيبهن أو يقع في قلبهن حداؤه فأمر بالكف عنه، وفي المثل: الغنا رقية الزنا. وقيل: إن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت وأزعجت الراكب وأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة. انتهى.

وهذا أولى من الأول لدلالة المقام عليه.

ومنه قول أبي الحسن علي بن مفرج المنجم لما احترقت دار ابن صورة بمصر:

أقول وقد عاينت دار ابن صورة

وللنار فيها مارج يتضرم.

كذا كل مال أصله من نهاوش

فعما قليل في نهابر يعدم.

وما هو إلا كافر طال عمره

فجاءته لما استبطأته جهنم.

اقتبسه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أصاب مالا من نهوش أهلكه الله في نهابر، والنهاوش بالنون في أوله والشين المعجمة في آخره: المظالم والإجحافات بالناس. والنهابر: المهالك؛ واحدها نهبرة ونهبورة بضم أولها.

ومن قول أبي جعفر الأندلسي:

لا تعاد الناس في أوطانهم

قلما يرعى غريب في الوطن.

وإذا ما شئت عيش بينهم

خالط الناس بخلق ذي حسن.

اقتبسه من قله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: اتق الله حيث كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالط الناس بخلق حسن.

وقول شمس الدين محمد بن عبد الكريم الموصلي:

ومنكر قتل شهيد الهوى

ووجه ينبئ عن حاله.

اللون لون الدم من خده=والريح ريح المسك من خاله.

اقتبسه من قوله عليه السلام في وصف دم الشهيد: اللون لون الدم والريح ريح المسك.

وقول القاضي أحمد بن خلكان: انظر إلى عارضه فوقه=ألحاظه يرسل منها الحتوف.

وشاهد الجنة في خده

لكنها تحت ظلال السيوف.

اقتبسه من قوله عليه السلام: الجنة تحت ظلا ل السيوف. قال في النهاية: هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه.

واقتبس ذلك أيضاً لسان الدين بن الخطيب فقال:

أصبح الخد منك جن عدن

مجتلى أعين وشم أنوف.

ظللته من الجفون سيوف

جنة الخلد تحت ظل السيوف.

وقول الشيخ جعفر الخطي البحراني:

إني أعجب من هواي وجعلكم

هجري على عكس القضية دابة.

فكأنكم قلتم ألا من حبنا

فليستعد لهجرنا جلبابا.

اقتبسه من قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: ألا من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا.

ومن الاقتباس من دراية الحديث- قول الشهاب أحمد بن يوسف الرعيني الغرناطي:

نسختي اليوم في المحبة أصل

فعليها اعتماد كل عميد.

نقلوا مرسل المدامع منها

وصحيح الهوى بغير مزيد.

قد رواها قبلي جميل وقيس

حين هاما بكل لحظ وجيد.

وقول شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن صارو البعلي:

ومحدث حسن الحديث غدا به

وجدي صحيحا والتسلي معضلا.

لو لم يكن صبري ضعيفاً عنه ما

أجرى الأسى دمعي عليه مسلسلا.

وقول ابن جابر الأندلسي:

أرادت فؤادي للمحبة شاهدا

فقلت لها هذي دموعي فاسألي.

فقالت لها جرح بخدك بين

فتلك شهود عندنا لم تعدل.

وغن حديث الدمع عندي مرسل

وليس على ما أرسلوا من معول.

فيا عجبا من حسنها وهو مالك

ومرسل دمعي عنده غير معمل.

وقوله أيضاً:

نقل المسواك لي فيما روى

أن ذاك الريق مسك وعسل.

قلت عمن قال عن ريقته

قلت هذا خبر صح وجل.

من تبدى جوهريا ثغره

صح في الحسن لدينا ما نقل.

وقول أبي إسحاق بن الحاج الغرناطي مع التورية:

رعى الله معطار النسيم فإنه

رأى من غصون البان ما شاء من عطف.

وأبدى حديث الغيث وهو مسلسل

لذلك لعمري ليس يخلو من الضعف.

وقوله أيضاً:

ص: 138

نظرت إلى روض الجمال بخده

وسقيت دمعا به العين تكلف.

فصح حديث الحسن عن ورد خده

وإن كان أضحى وهو راو مضعف.

وللشيخ الحافظ شهاب الدين ابن عباس أحمد بن فرج الإشبيلي قصيدة غريبة اقتبس فيها جميع مصطلحات علم الدراية في ألقاب الحديث وهي من غريب النظم رقة وانسجاما، وضمن أخرها لغزا، وقد شرحها جماعة من أهل المشرق والمغرب، ولا بأس بإيرادها هنا لغرابة أسلوبها وعذوبة ألفاظها وهي:

غرامي صحيح والرجا فيك معضل

وحزني ودمعي مرسل ومسلسل.

وصبري عنكم يشهد العقل أنه

ضعيف ومتروك وذلي أجمل.

ولا حسن إلا سماع حديثكم

مشافهة يملى علي فأنقل.

وأمري وقوف عليك وليس لي

على أحد إلا عليك المعول.

ولو كان مرفوعا إليك لكنت لي

على رغم عذالي ترق وتعدل.

وعذل عذولي منكر لا أسيغه

وزور وتدليس يرد ويهمل.

أقضي زماني فيك متصل الأسى

ومنقطعا عما به أتوصل.

وها أنا في أكفان هجرك مدرج

تكلفني ما لا أطيق فأحمل.

وأجريت دمعي بالدماء مذبحا

وما هي إلا مهجتي تتحلل.

فمتفق جفني وسهدي وعبرتي

ومفترق صدري وقلبي المبلبل.

ومؤتلف وجدي وشجوي ولوعتي

ومختلف حظي وما منك آمل.

خذ الوجد عني مسندا ومعنعنا

فغيري بموضوع الهوى يتحيل.

وذي نبذ من مبهم فاعتبر به

وغامضه إن رمت شرحا فأطول.

عزيز بكم صب ذليل بعزكم

ومشهور أوصاف المحب التذلل.

غريب يقاسي الذل منه وماله

وحقك عن دار الهوى متحول.

فرفقا بمقطوع المسالك ماله

إليك سبيل لا ولا عنك معدل.

ولا زلت في عز منيع ورفعة

ولا زلت تعلو بالتجني فأنزل.

أورى بسعدي والرباب وزينب

وأنت الذي تعنى وأنت المؤمل.

فخذ أولا من آخر ثم أولا

من النصف منه فهو فيه المكمل.

أبر إذا أقسمت أني بحبه

أهيم وقلبي بالصبابة يشعل.

وهذه القصيدة دالة على تمكن ناظمها ورسوخ قدمه في الفضل والأدب. وفرح بفتح الراء المهملة وبعدها حاء مهملة، وهكذا يقتضي كلام الصفدي في ضبطه، حيث قال في آخر ترجمته: ولم يزل على حاله حتى أحزن الناس ابن فرح، وتقدم غلى الله وسرح. قال بعض المتأخرين: والذي تلقيناه عن شيوخنا أنه بسكون الراء، وكان مولد الشيخ المذكور صاحب القصيدة سنة خمس وعشرون وستمائة، وتوفي تاسع جمادى الآخرة تسع وتسعين وستماية والله أعلم.

وما أحسن قول الخطيب جند بن الحسن:

روت لي أحاديث الغرام صبابتي

بإسنادها عن بانة العلم الفرد.

وحدثني مر النسيم عن الحمى

عن الدوح عن وادي الغضا عن ربى نجد.

بان غرامي والأسى قد تلازما

فلن يبرحا حتى أوسد في لحدي.

ومن الاقتباس من علم الفقه: قول المتنبي:

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها

وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.

قفي تغرمي الأولى من اللحظ مهجتي

بثانية والمتلف الشيء غارمه.

المعنى أن النظرة الأولى أتلفت مهجتي فلزم أن تغرميها بنظرة ثانية لأن من أتلف شيئا لزم أن يغرمه، ولكن التركيب فيه عقادة وقلق.

وقول الأمير أبي فضل الميكالي:

أقول لشاد في الحسن فرد

يصيد بلحظة قلب الكمي.

ملكت الحسن أجمع في نصاب

فأد زكاة منظرك البهي.

وذاك بأن تجود لمستهام

برجف من مقبلك الشهي.

فقال أبو حنيف لي أمام

وعندي لا زكاة علي الصبي.

وقد رواها بعضهم على غير هذه القافية فقال:

أقول لشاد في الحسن فرد

يصيد بلحظة قلب الجليد.

ملكت الحسن أجمع في قوام

فلا تمنع وجوبا عن وجود.

وذلك أن تجود لمستهام

برشف من مقبلك البرود.

فقال أبو حنيفة لي أمام

وعندي لا زكاة على الوليد.

وروى بعضهم فيها زيادة على هذه الصورة:

أقول لشادن في الحسن فرد

يصيد بلحظة قلب الكمي.

ملكت الحسن أجمع في نصاب

فأد زكاة منظرك البهي.

فقال أبو حنيفة لي أمام

يرى أن لا زكاة علي الصبي.

ص: 139

وإن تك مالكي الرأي أو من

يرى رأي الإمام الشافعي.

فلا تك طالبا من زكاة

فإخراج الزكاة على الولي.

وما أعذب قول أبي العلاء المعري:

أيا جارة البيت الممنع جاره

غدوت ومن لي عندكم بمقيل.

لغيري زكاة من جمال فإن تكن

زكاة جمال فاذكري ابن السبيل.

ومثله قول الأخر:

يا قاتلي بالجفا بحقك لا

تأخذ على العبد في تهجمه.

عسى زكاة الجمال تخرجها

على فقير الوصال معدمه.

ومنه قول القاضي عبد الوهاب المالكي:

ونائمة قبلتها فتنبهت

وقالت تعالوا واطلبوا اللعن بالحد.

فقلت لها إني فديتك غاضب

وما حكموا في غاصب بسوى الرد.

خذيها وكفي عن أثيم ظلامة

فإن أنت لم ترضي فألف على العد.

فقالت قصاص يشهد العقل أنه

على كبد الجاني ألذ من الشهد.

فباتت يميني وهي هميان خصرها

وباتت يساري وهي واسطة العقد.

فقالت ألم أخبر بأنك زاهد

فقلت لها ما زلت أزهد في الزهد.

وقول بدر الدين بن العز الحنفي:

يا رب إن العيون السود قد فتكت

فينا وصالت بأسياف من الدعج.

وهذه قصة الشكوى إليك فخذ

منها القصاص وحننها على المهج.

وقال عثمان بن عبد الرحمن الحنفي:

خذوا بدمي من رام قتلي بلحظه

ولم يخش حكم الله في قاتل العمد.

وقودا به جهرا وإن كنت عبده

ليعلم أن الحر يقتل بالعبد.

لما وقف التاج السبكي على هذين البيتين قال: لم أسمع في عمري بأسمج من هذا المقطوع، ولا رأيت قط متغزلاً يصف محبوبته، ثم يقول خذوه بدمي واقتلوه عمدا بمذهبي في المسألة الفلانية، وهذا غلبة التعصب المذهبي على الحب الطبيعي، وليس هذا مذهب ابن حنيفة، لأنه لا يقتل الحر بعبد نفسه، وإنما يقتل العبد بعبد غيره. ولما انتهيت إلى هذا خطر لي هذان البيتان:

لا يأخذ القاضي الحبيب إذا رمى

قلبي بسهم اللحظ عند شهوده.

فالحر لا قود عليه بقتله

عبدا وإني لم أقل عبيده.

انتهى كلام السبكي.

وقال عماد الدين الحنفي معارضا للقاضي عثمان:

أحكامنا إن قال حبي قتلته

بأسياف الحاظي وقتلتم بعمده.

فلا تقتلوه إنني أنا عبده

ولا حر في رأي يقاد بعبده.

ولأبي الفتح البستي في هذا المعنى وهو أقدمهم عصرا ومن ديوانه نقلت:

خذوا بدمي هذا الغلام فإنه

رماني بسهم مقلتيه على عمد.

ولا تقتلوه إنني أنا عبده

ولم أر حرا قط يقتل بالعبد.

ومنه قول أبي الفاضل الدرامي، وقيل: القاضي عبد الوهاب المالكي:

يزرع وردا ناضرا ناظري

في وجنة كالقمر الطالع.

أمنع أن أقطف أزهاره

في سنة المتبوع والتابع.

فلم منعتم شفتي قطفها

والحكم أن الزرع للزارع.

وقد أجال عن ذلك جماعة من الأدباء، فقال بعض المغاربة:

سلمت أن الحكم ما قلتم

وهو الذي نص على الشارع.

فكيف تبغي شفتي قطفه

وغيرها المدعو بالزارع.

وقال الحافظ أبو عبد الله التنسي ثم التلمساني:

في ذي الذي قد قلتم مبحث

إذ فيه إيهام على السامع.

سلمتم الحكم له مطلقا

وغير ذا نص عن الشارع.

يعني أنه يلزم على قول المجيب أن يباح له النظر مطلقا والشرع خلافه.

وقال شيخنا حسين بن عبد الصمد العاملي رحمه الله:

لأن أهل الحب في حكمنا

عبيدنا في شرعنا الواسع.

والعبد لا أملك له عندنا

فحقه للسيد المانع.

وقال بعض المغاربة على غير رويه:

قل لأبي الفضل الوزير الذي

باهى به مغربنا والشرق.

غرست ظلما وأردت الجنى

وما لعرق ظالم حق.

وهذا مما يعين أن الأبيات لأبي الفضل الدرامي وهو:

ص: 140

الوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي الدرامي البغدادي. سمع من جماعة من العلماء ببغداد، وخرج منها رسولا من القائم بأمر الله العباسي إلى صاحب إفريقية المعز بن باديس، واجتمع بأبي العلاء المعري بالمعرة، وأنشده قصيدة لامية يمدح بها صاحب حلب فقبل عينيه وقال: لله أنت من ناظم، وخرج من إفريقية من أجل فتنة العرب، وخيم عند المأمون بن ذي النون بطليطلة؛ وله فيه مدائح كثيرة، ولم يزل في كنفه إلى أن مات ليلة الجمعة لأربع عشرة خلت من شوال خمس وخمسين وأربعمائة.

ومن فريد شعره قوله:

يا ليل ألا انجليت عن فلق

طلت ولا صبر لي على الأرق.

جفت لحاظي التغميض فيك فما

تطبق أجفانها على الحدق.

كأنني صورة ممثلة

ناظرها الدهر غير منطبق.

رجع- ومنه قول أبي عبد الله محمد بن الفراء الأندلسي:

شكوت إليه بفرط الدنف

فأنكر من قصتي ما عرف.

وقال الشهود على المدعي

وأما أنا فعلي الحلف.

فجئنا غلى الحاكم الألمعي

قاضي المجون وشيخ الظرف.

وكان بصيرا بشرع الهوى

ويعلم من أين أكل الكتف.

فقلت له اقض ما بيننا

فقال الشهود على ما تصف.

فقلت له شهدت ادمعي

فقال إذا شهدت تنتصف.

ففاضت دموعي من حينها

كفيض السحاب إذا ما يكف.

فحرك رأسا إلينا وقال

دعوا يا مهاتيك هذا الصلف.

كذا تقتلون مشاهيرنا

إذا مات هذا فأين الخلف.

وأومى إلى الورد أن يجتنى

وأومى إلى الريق أن يرتشف.

فلما رآه حبيبي معي

ولم يختلف بيننا مختلف.

أزال العناد فعانقته

كأني لام وحبي ألف.

وظلت أعاتبه حتى الجفا

فقال عفا الله عما سلف.

وقول الشيخ صدر الدين بن الوكيل:

يا سيدي إن جرى من مدمعي ودمي

للعين والقلب مسفوح ومسفوك.

لا تخش من قود يقتص منك به

فالعين جارية القلب مملوك.

وقوله:

ما الكاس عندي بأطراف الأنامل بل

بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب.

شججت بالماء منها الرأس موضحة

فحين أعقلها بالخمس لا عجب.

وقوله:

لم يصب الراووق إلا عندما

قطع الطريق على الهموم وعاقها.

وقوله:

أرقت دم الراووق حلا لأنني

رأيت صليبا فوقه فهو مشرك.

وزوجت بنت الكرام بابن غمامة

فصح على التعليق والشرط أملك.

وقول أبي العلاء المعري:

أن يكرهوا طعم القريض فعذرهم

باد كحاشية الرداء المعلم.

هم محرمون عن المناقب والعلى

والشعر طيب لا يحل لمحرم.

وقول علي بن همام:

سيرت ذكرك في البلاد كأنه

مسك فسامعة يضمخ أو فما.

وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة

ذكراك أخرج فدية من احرما.

وقول الشهاب أحمد بن يوسف الغرناطي:

حضر العيد يا غزال وقد غب

ت وذاك المغيب منك حرام.

كيف صومتنا عن الوصل في العي

د وما حل يوم عيد وصيام.

وفي معناه لابن الدهان البغدادي:

نذر الناس يوم برئك صوما

غير أنني نذرت وحدي فطرا.

عالما أن يوم برئك عيدا

لا أرى صومه ولو كان نذرا.

وقول محمد بن جابر الأندلسي صاحب البديعية:

طلبت زكاة الحسن منها فجاوبت

إليك فهذا ليس تدركه مني.

على ديون للعيون فلا ترم

زكاة فإن الدين يسقطه عني.

وقول جعفر بن شمس الخرفة:

بنت كرم تجلى لنا وعليها

تاج در من الحباب وعقد.

حد سكري منها ثمانون كأسا

والثمانون هن للسكر حد.

وقول ولادة بنت المستكفي:

لحاظنا تجرحكم في الحشى

ولحظكم يجرحنا في الخدود.

جريح بجرح فاجعلوا ذا بذا

فما الذي أوجب جرح الصدود.

ومن الاقتباس من أصول الفقه قول شمس الدين محمد التلمساني:

قضاة الحسن ما صنع بطرف

تمنا مثله الرشأ الربيب.

رمى فأصاب قلبي باجتهاد

صدقتم كل مجتهد مصيب.

وقل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد:

قالوا فلان عالم فاضل

فأكرموه مثلما يرتضي.

فقلت أما لم يكن ذا تقى

تعارض المانع والمقتضي.

ص: 141

يشير إلى المسألة الأصولية وهي أنه إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع.

وقول ابن جابر:

جئتها طالبا لسالف وعد

فأجابت لقد جهلت الطريقة.

إنما موعدي مجاز فقلت الأصل في سائر الكلام الحقيقة.

وقول الشيخ عبد علي بن ناصر الشهير بابن رحمة الحويزي:

وجهك لما قد غدا ظاهرا

مخبرا عن أصلك الطاهر.

حققت من هذا الذي بان لي

تطابق الأصل مع الظاهر.

وقوله:

يا هاجري وأنا المحقق حبه

لحديث حب عن هواه بمعزل.

لو كنت من أهل الأصول وعلمها

لعلمت باستصحاب حكم الأول.

ومن الاقتباس من علم المنطق قول الشيخ شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:

للمنطقيين أشتكي أبدا

عين رقيب فليته هجعا.

حاذرها من أحبه فأبى

أن نختلي ساعة ونجتمعا.

كيف غدت دائما وما انفصلت

ما نعمة الجمع والخلو معا.

وقد تعقب الشيخ صلاح الدين الصفدي هذه الأبيات في شرح اللامية: بأن المراد في مثل هذا أن يتعجب مما خرج عن القواعد، وهذه القضية موجودة مستعملة، وذلك قولهم: العدد إما زوج أو فرد، فهذه القضية مانعة الجمع، فإن الفردية والزوجية لا يجتمعان، ومانعة الخلو من أحدهما، فلا معنى للتعجب. انتهى.

وقلده في مثل هذا التعجب جماعة كابن حجة وغيره ممن لا يعرف هذا العلم.

وأنا أقول: إن تعجبه ليس من وجود هذه القضية فقط، بل من وجودها مع عدم انفصالها، ومانعة الجمع والخلو لا تكون إلا منفصلة البتة، للحكم بانفصال أحد النسبتين فيها عن الأخرى؛ كما هو صريح قوله (كيف غدت دائما وما انفصلت) ؛ فالتعجب في محله فاعلم.

ومنه قول المحقق نصير الدين الطوسي رحمه الله تعالى:

مقدمات الرقيب كيف غدت

عند لقاء الحبيب متصلة.

تمنعنا الجمع والخلو معا

وإنما ذاك حكم منفصلة.

وقوله وأجاد ما شاء رحمه الله:

ما لمثال الذي ما زال مشتهرا

للمنطقيين في الشرط تسديد.

أما رأوا وجه من أهوى وطرته

الشمس طالعة والليل موجود.

وقلت أنا في ذلك:

تجن واعتب تجد مني بذاك رضا

والعذر إن شئت مسموع ومقبول.

ولم أواخذك في ذنب ولا عتب

فالذنب والعتب موضوع ومحمول.

وقلت أيضاً:

والله لو رمت في غرامي

إلزام من عنه قد نهاني.

أقمت من حاجبي حبيبي

عليه برهاناً اقتراني.

وقال آخر:

تالله ما لمعذبي في حسنه

شبه فأي حشا عليه لم يهم.

لام العذار وميم مبسمة على

ما أدعي من حسنه برهان لم.

وأما الاقتباس من علم النحو فكثير جدا؛ حتى غلب على غالبهم فيه التوجيه.

ومنه قول أبي الطيب المتنبي:

وإنما نحن في جيل سواسية

شر على الحر من سقم على البدن.

حولي بكل مكان منهم حلق

تخطي إذا جئت في استفهامه بمن.

(من) إنما يستفهم بها عمن يعقل؛ يقول: هؤلاء كالبهائم التي لا تعقل؛ فالاستفهام عنهم (بمن) بأن يقال لهم: من أنتم؛ أو من هم خطأ إنما ينبغي أن يستفهم عنهم (بما) لأن موضوعها لما لا يعقل، فيقال لهم: ما أنتم؛ أو ما هم.

ويحكى أن جريرا لما قال:

يا حبذا جبل الريان من جبل

وحبذا ساكن الريان من كانا.

قال له الفرزدق: ولو كان ساكنة قرودا؟ فقال: لو أردت هذا لقلت: ما كانا؛ ولم أقل من كانا.

وروي أن ابن الزبعرى لما سمع قوله تعالى "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" قال: لأخصمن محمداً؛ فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أليس قد عبدت الملائكة؟ أليس قد عبد المسيح؟ فيكون هؤلاء حصب جهنم؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: ما أجهلك بلغة قومك؛ (ما) لما لا يعقل.

ومنه قول المتنبي:

من اقتضى بسوى الهندي حاجته

أجاب كل سؤال عن هل بلم.

وقوله:

إذا كان ما ينويه فعلا مضارعا

مضى قبل أن تلقي عليه الجوازم.

يقول: إذا نويت فعلا أوقعته قبل فوته؛ وقبل أن يقال: لم يفعل=عل؛ وإن يفعل.

وقول أبي العلاء المعري:

فدونكم خفض الحياة فإننا

نصبنا المطايا بالفلاة على القطع.

وقول نجم الدين الحنفي:

أضمرت في الحب هوى شاد

مشتغل بالنحو لا ينصف.

ص: 142

وصفت ما أضمرت من حبه

فقال لي المضمر لا يوصف.

وما أحسن قول أبي المحاسن يوسف بن إسماعيل الشواء:

هاتيك يا صاح ربى لعلع

ناشدتك الله فعرج معي.

وانزل بنا بين بيوت النقا

فقد غدت آهلة المربع.

حتى نطيل اليوم وقفا على ال

ساكن أو عطفا على الموضع.

وقوله وكان كثيرا ما يستعمل هذا النوع في شعره:

وكنا خمسة عشر في التئام

على رغم الحسود بغير آفة.

فقد أصبحت تنوينا وأضحى

حبيبي لا تفارقه الإضافة.

وقوله في غلام عقد أحد صدغيه وأرسل الآخر:

أرسل صدغا ولوى قاتلي

صدغا فأعيا بهما واصفه.

فخلت ذا في خده حية

تسعى وهذا عقربا واقفة.

ذا ألف ليست لوصل وذا

واو ولكن ليست العاطفة.

وقوله أيضاً:

هواك يا من له اختيال

مالي على مثله احتيال.

قسمة أفعاله لحيني

ثلاثة مالها انتقال.

وعدك مستقبل وصبري

ماض وشوقي إليك حال.

وقوله أيضاً:

أرى الصفع أورد منه القذالا

وأوسع من أخدعيه المجالا.

وأسلاه عن حب ذات اللمى

وإن هي راقت وفاقت جمالا.

لئن كان قد حال ما بينه

وبين الحبيبة صفع توالى.

فقد يحدث الظرف بين المضاف

وبين المضاف إليه انفصالا.

وقوله أيضاً:

وجارة قلت لها ألا

رعيت في الحب لنا إلا.

وطرفك الأزرق ما باله

يحث فينا لحظة القتلا.

قالت ألا تقبل طرفا حكى

لون سنان الرمح والشكلا.

قد عملت إن على أنها

حرف وقد أشبهت الفعلا.

ومن لطيف ما يحكى هنا، إن شرف الدين بن عنين الشاعر مرض فكتب إلى الملك المعظم صاحب دمشق هذين البيتين:

انظر إلي بعين مولى لم يزل

يولي الندى وتلاف قبل تلافي.

أنا كالذي احتاج ما تحتاجه

فاغنم دعائي والثناء الوافي.

فعاده الملك المعظم ومعه خمسمائة دينار، وقال له: أنت (الذي) وأنا (العائد) وهذه (الصلة) .

ونظم هذا المعنى الصفي الحلي يشكر رئيسا عاده في مرضه فقال:

لما رأت علياك أني كالذي

أبدو فينقصني السقام الزائد.

وافيتني ووفيت لي بمكارم

فنداك صلة وأنت العائد.

وقال أيضاً: وعلمت أني في محبتك الذي=فنداك لي صلة وبرك عائد.

وما ألطف قول البهاء زهير المصري في ذلك من قصيدة:

يقولون لي أنت الذي سار ذكره

فمن صادر يثني عليك ووارد.

هبوني كما تزعمون أنا الذي

فأين صلاتي منكم وعوائدي.

وما أحسن قوله منها:

فعلتم وقلتم واستطلتم وجرتم

ولست عليكم في الجميع بواحد.

إذا كان هذا بالأقارب فعلكم

فما الذي أبقيتم للأباعد.

وله في المعنى الأول:

فديت حبيبا زارني متفضلا

وليس ذاك على التفضل زائدا.

وما كثرت مني إليه رسائل

ولا مطلت بالوصل منه مواعد.

رآني عليلا في هواه فعاداني

حبيب له بالمكرمات عوائد.

فمت كمدا يا حاسدي فأنا الذي

له صلة ممن يحب وعائد.

وقال آخر:

لا تهجروا من لا تعود هجركم

وهو الذي بلبان وصلكم غذي.

ورفعت مقداره بالإبتدا

حاشاكم أن تقطعوا صلة الذي.

وقال الشيخ شرف الدين العصامي من فضلاء العصر:

قد ذبت من ألم البعا

د وسقمي المتزايد.

وأنا الذي موصول حبكم فهل من عائد.

وقال الأمير أمين الدين علي بن عثمان السليماني في المعنى:

وأنا الذي أضنيته وهجرته

فهل صلة أو عائد منك للذي.

وقال ابن أبي حجلة:

قطع الأحبة عادتي من وصلهم

فكأن قلبي بالتواصل ما غذي.

فإذا سمعتم في النحاة بعاشق

منعوه من صلة له فأنا الذي.

وما أحلى قول ابن الوردي:

وشادن يقول لي

ما المبتدأ وما الخبر.

مثلهما لي مسرعا

فقلت أنا القمر.

وقوله أيضاً:

وأغيد يسألني

أيبتدى بالمضمر.

قلت نعم كقولهم

أنت شبيه القمر.

وقول بعضهم:

يا مانعي القلب إلا عن مودتهم

وصار في الطرف إلا عنهم نظرة.

ص: 143

صيرتموا خبري في الحب مبتدأً

وكل معرفة لي في الهوى نكرة.

ومنه أخذ ابن الوردي حيث قال:

أنتم أحباي وقد

فعلتم فعل العدى.

حتى تركتم خبري

للعاشقين مبتدا.

وقال آخر: قالوا أحب مليحا ما تأمله=فكيف حل به للسقم تأثير.

فقلت قد يعمل المعنى لقوته

في ظاهر الاسم رفعا وهو مستور.

وقال القاضي ابن الخطير:

وأهيف أحدث لي نحوه

تعجبا يعرب عن ظرفه.

علامة التأنيث في لفظه

وأحرف العلة في طرفه.

وقال آخر:

والله ما من خبر سرني

إلا وذكراك له مبتدا.

وطالما باسمك في خلوتي

ناديت واستخدمت حرف الندا.

وقال القاضي الفاضل:

لي عنده دين هل له

من طالب وفؤادي المرهون.

فكأنني ألف ولام في الهوى

وكأن موعد وصله التنوين.

وقال أبو الفتح البستي:

عزلت ولم أذنب ولم أك خائنا

وهذا لإنصاف الوزير خلاف.

حذفت وغير ي مثبت في مكانه

كأني نون الجمع حين يضاف.

وقال الصفي الحلي:

في روضة نصبت أغصانها فغدا

ذيل الصبا بين مرفوع ومجرور.

والماء ما بين مصروف وممتنع

والظل ما بين ممدود ومقصور.

والريح تجري رخاء فوق بحرتها

ومطلق ماؤها في زي مأسور.

قد جمعت جمع تصحيح جوانبها

والماء يجمع فيها جمع تكسير.

وقوله:

فلو استطعت رفعت حالي نحوكم

لكن رفع الحال ليس يجوز.

وقول الفقيه أبي الحسين بن جبير الشاطبي الغرناطي:

تغير إخوان هذا الزمان

وكل صديق عراه الخلل.

وكانوا قديما على صحة

فقد داخلتهم حروف التعليل.

قضيت التعجب من أمرهم

فصرت أطالع باب البدل.

وقول ابن العفيف:

يا ساكنا قلبي المعنى

وليس فيه سواه ثاني.

لأي معنى كسرت قلبي

وما التقى فيه ساكنان.

وقد أورد الصلاح الصفدي على هذين البيتين نقدا حسنا فقال: إن الساكنين إذا اجتمعا كسر أحدهما وهو الأول، وكلامه يؤدي إلى أن المكسور غيرهما. انتهى.

وتكلف بعضهم في الجواب عنه بأنه يمكن توجيه ذلك، بجعل في للسببية، أي لأي سبب كسرت قلبي، والحال انه ما التقى فيه ساكنان، بسبب سكونه وإخلاده إلى حضيض الاطمئنان وعدم تحركه واضطرابه خوفا من طروق نار الهجر، فيكون إذا أحد الساكنين، ويحسن توجيه السؤال عن كسره بلامين. انتهى.

ونظم بعضهم جوابا للبيتين فقال:

سكنته وهو ذو سكون

لم يثنه عن هواي ثان.

فكان كسري له قياسا

لما التقى فيه ساكنان.

وقال مجيبا عنهما أيضاً بعض فضلاء المغرب:

نحلتني طائعا فؤادا

فصار إذا حزته مكاني.

لا غرور إذا كان لي مضافا

إني على الكسر فيه باني.

ولأبي الحسن الباخرزي يهجو:

سئلت عن نائك الوزير أبي

سعد وقد مزقت أسافله.

فقلت دعني فإنه رجل

مفعول ما لم يسم فاعله.

ومن الاقتباس في علم الصرف قول الباخرزي:

أجدك لا ينفك قلب محبس

عليك وإبصار إليك شواخص.

فطرفك معتل وجسمك سالم

وصدغك مهموز وخصرك ناقص.

ومن الاقتباس في علم البيان قول الشيخ عبد علي بن رحمة:

قد قلت للبدر التمام منزلها

عنه معذب مهجتي تنزيها

أشبهته لما استعرت جماله

والاستعارة تقتضي التشبيها

وقوله أيضاً:

ولا تعجب لهجر من حبيب

قريب الدار مرجو الوصال

فحكم الجملتين الفصل حتما

وبينهما كمال الاتصال

ومن الاقتباس من علم البديع قوله ابن رحمة المذكور أيضاً:

وحوراء العيون إذا تجلت

لجيش الهم آذن بالشتات

إذا التفت أفادتني نشاطاُ

وذلك وجه حسن الالتفات

ومن الاقتباس من علم العروض قول أبي نصر الله المصري

وبقلبي من الجفاء مديد

وبسيط ووافر وطويل

لم أكن عالما بذاك إلى أن

قطع القلب بالفراق الخليل

وقول الشيخ شهاب الدين بن صارو:

وبي عروضي سريع الجفا

وجدي به مثل جفاء طويل

قلت له قطعت أسى

فقال لي التقطيع دأب الخليل

وقال سراج الدين الوراق:

ص: 144

قلت صلني فقد تقيدت في الحب به والإسار في الحب ذل

قال يا من يريد علم القوافي

لا تغالط ما للمقيد وصل

وقول برهان الدين القيراطي:

ومليح علم الخليل يعاني

ليته لو غدا خليل خليع

رمت وصلا منه فقال لحاظي

ناطقات بأحرف التقطيع

أحرف التقطيع التي تتألف منها الأجزاء الموزون بها عشرة يجمعها قولك (لمعت سيوفنا) هذا الذي أشار إليه.

وقول ابن جابر الأندلسي:

سبب خفيف خصرها ووراءه

من ردفها سبب ثقيل ظاهر

لم يجمع النوعان في تركيبها

إلا لأن الحسن فيها وافر

وقول ابن العدوي:

بي عروضي مليح

موتتي فيه حياة

عاذلاتي في هواه

فاعلاتن فاعلات

وقول بعضهم يهجو:

وجهك يا عمرو فيه طول

وفي وجوه الكلاب طول

والكلب يحمي عن الموالي

ولست تحمي ولا تصول

مستفعلن فاعلن فعول

مستفعلن فأعلن فعول

بيت كما أنت ليس فيه

شيء سوى أنه فصول

وقول أبي جعفر الألبري رقيق لبن جابر وشارح بديعيته:

دائرة الحب قد تناهت

فما لها في الهوى مزيد

فبحر شوقي بها طويل

وبحر دمعي بها مديد

وإن وجدي بها بسيط

فليفعل الحب ما يريد

وقول بعضهم:

يا كاملا شوقي إليه وافر

وبسيط وجدي في هواه عزيز

عاملت أسبابي لديك بقطعها

والقطع في الأسباب ليس يجوز

وقول يحيى الأصيلي:

وبي عروضي إذا

أبصره لبدر احتجب

أعطافه لصبه

فاصلة بلا سبب

ومن الاقتباس من علم النجوم قول ابن الساعاتي:

تعجبت من نحولي وهي واصلة

توهما أنني بالوصل انتفع

وما درت أن خديها ومصطبري

كجذوة النار منها قرب الشمع

والبدر يكمل حيث الشمس نائية

عنه ويمحق إذ بالشمس يجتمع

وقول ابن قلاقس يشير إلى أن نور البدر عرضي:

ما أنت والقمر المنير وإن غدا

ملء العيون وراقهن سواء

للبدر بالعرض الضياء وأنت قد

جمعت بجوهر ذاتك الأضواء

وقول أبي إسحاق الغزي:

لست أنسى قول سلمى ذات يوم

ما لهذا المنحني الظهر ومالي

أنا شمس في الضحى وهو هلال

وكسوف الشمس من قرب الهلال

وفي معناه قول ابن التلميذ:

أشكو إلى الله صاحبا شكا

تسعفه النفس وهو يعسفها

فنحن كالشمس والهلال معا

تكسبه النور وهو يكسفها

وقول الطغرائي:

وإن علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

وما أحسن ما ضمنه الشيخ صلاح الدين الصفدي فقال:

أفدي حبيبا له في كل جارحة

مني جراح بسيف اللحظ والمقل

تقول وجنته من تحت شامته

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

ومنه قول الأخر وأجاد:

وصل الحبيب جنان الخلد اسكنها

وهجره النار يصليني به النارا

والشمس في القوس أمست وهي نازلة

إن لم يزرني وفي الجوزاء إن زارا

ولهذين البيتين حكاية حكاها الخطيب في تاريخه أبي محمد إسماعيل ابن أبي منصور موهوب الجواليقي قال: كنت في حلقة والدي والناس يقرؤن عليه فوقف عليه شاب وقال: يا سيدي بيتان من الشعر لم أفهم معناهما، وانشد البيتين، فقال له والدي: يا بني هذا من علم النجوم، لا من علم الأدب، ثم قام من الحلقة وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم، ويعرف تسيير الشمس، فنظر في ذلك وعرف ثم جلس في الحلقة. ومعنى البيتين: أن محبوبته إذا لم تزره فليله في غاية طوله، وإذا زارته فليله في غاية قصره، كنى بكون الشمس في القوس عن غاية طول الليل لأن ذلك لا يكون إلا والشمس بهذا البرج، وبكونها في الجوزاء عن غاية قصره، لأن ذلك لا يكون إلا والشمس فيها.

وقول ابن جابر:

يا حسن ليلتنا التي قد زارني

فيها فأنجز ما مضى من وعده

قومت شمس جماله فوجدتها

في عقرب الصدغ الذي في خده

وقول أبي الحسن الباخرزي:

أطلعت يا قمري على بصري

وجها شغلت بحسنه نظري

ونزلت في قلبي ولا عجب

فالقلب بعض منازل القمر

ومن الاقتباس من علم الهندسة، قول ابن جابر:

ص: 145