الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانه لما جعل الفم كأٍسا ضيقا مثل خاتم من الدر، وكان الكأس غالبا مما يكرع فيه كل واحد من أهل المجلس، حتى كأنه يقبله، دفع ذلك بأنه لم يحدث الملك المختال المتكبر نفسه بتقبيله، فكيف غيره؟.
فالفرق بين الإيغال والتتميم: أن التتميم يجعل المعنى الناقص تاما، والإيغال يفيد المعنى التام نكتة لا يتوقف تمامه عليها.
قال ابن حجة: وبين الإيغال والتكميل تجاذب يكاد أن ينتظم كل منهما في سلك الآخر. ومفهومه أنه لا فرق بينهما، وليس كذلك. فإن الفرق بينهما من وجهين: أحدهما، إن التكميل يؤتى به لإفادته معنى آخر يكمل المعنى الأول كما مر في بابه، والإيغال يؤتى به لإفادته نكتة في ذلك المعنى بعينه، كما رأيت في الأمثلة المذكورة.
الثاني، أن التكميل قد يكون في أثناء الكلام، وقد يكون في آخره، والإيغال لا يكون إلا ختما للكلام كما هو صريح حده، فظهر الفرق بينهما ظهورا لا يخفى إلا على ابن حجة.
وبيت بديعية الصفي الحلي قوله:
كأن مرآه بدر غير مستتر
…
وطيب رياه مسك غير مكتتم
الإيغال فيه في موضعين وهما غير مستتر، وغير مكتتم.
وبيت بديعية العز الموصلي قوله:
أضحت أعاديه في الأقطار طائرة
…
وأوغلت في الهوى خوفا مع العصم
قال في شرحه: الإيغال في قوله: خوفا من العصم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
للجو في السير إيغال إليه وكم
…
حبا الأنام بود غير منصرم
الإيغال في قوله: غير منصرم، ولكن استعارة السير والإيغال للجود لا وجه لها، لأن الجود من الغرائز، والغريزة طبيعة لا تنفك عن الإنسان حتى تسير إليه، أو توغل في سيرها إليه، وهذا من الغلط في الكلام.
وبيت بديعية المقري قوله:
كأن الشمس الضحى من حسنه كسبت
…
ورونق الحسن منه صيغ القدم
وبيت بديعية الطبري قوله:
هو الكريم بإيغال فلست ترى
…
أمد منه عطاء غير منحسم
وبيت بديعيتي قولي:
ما أوغل الفكر في قولي بمدحته
…
إلا وجاء بعقد غير منفصم
الإيغال فيه قولي: غير منفصم، والله أعلم.
النوادر
فهل نوادر قولي إذ أتت علمت
…
بأنها مدح خير العرب والعجم
النوادر، جمع نادرة. قال الجوهري: ندر الشيء يندر ندرا: إذا شذ، ومنه النوادر. وفي القاموس: نوادر الكلام: ما شذ وخرج من الجمهور. وسماه قدامة ومن تبعه: الإغراب بالغين المعجمة، والطرافة. قال قدامه: هو أن يأتي الشاعر بمعنى غريب لقلته في الكلام، لأنه لم يسمع مثله، كالورد، وغيره إذا جاء في غير وقته سمي طريفا نادرا، لأنه لم ير مثله.
كقول المتنبي:
يطمع الطير فيهم طول أكلهم
…
حتى تكاد على هاماتهم تقع
وقال ابن أبي الأصبع: هو أن يعمد الشاعر إلى معنى مشهور مبتذل فيتصرف فيه تصرفا يخرجه إلى الغرابة بعد شهرته وابتذاله.
كقول القاضي الفاضل:
تراءى ومرآة السماء صقيلة
…
فأثر فيها وجهه صفحة البدر
فان تشبيه الوجه الحسن بالبدر معنى مشهور مبتذل، لكنه تصرف فيه التصرف الذي جعله غريبا نادرا.
ومثل ذلك قول أبي الفتح البستني:
أرأيت ما قد قال لي بدر الدجى
…
لما رأى طرفي يديم سهودا
حتام ترمقني بطرف ساهر
…
أقصر فلست حبيبك المفقودا
وقول الآخر:
نظر الصباح إلى صفاء جبينه
…
فتعلقت أنفاسه الصعداء
والليل فكر في سواد فروعه
…
فتشبثت بمزاجه السوداء
وقول الآخر:
عرض المشيب بعارضيه فأعرضوا وتفو
…
ضت خيم الشباب فقوضوا
وقد سمعت ما سمعت بمثلها
…
بين غراب البين فيه أبيض
وقول مؤلفه عفا الله عنه:
سقى صوب الغمام عريش كرم
…
جنينا من جناه العذب أنا
وأمسى عاصر العنقود فيه
…
يكسر أنجما ويصوغ شمسا
وقوله أيضاً:
يا سحب نيسان روي الكرم عن كرم
…
ففي الحباب غنى عن لؤلؤ الصدف
وبيت بديعية الصفي الحلي قوله:
كأنما قلب معن ملء فيه فلم
…
يقل لسائله يوما سوى نعم
قال في شرحه: النادر في البيت (قلب معن) بنعم.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع.
وبيت بديعية العز الموصلي قوله:
نوادر من جناني كالجنان زهت
…
أم هل بدت واضحة الحسن من إرم
وبيت بديعية ابن حجة قوله: