الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدث أبو الحسن محمد بن علي العلوي الحسني الهمذاني الوصي (ره) قال: كنت واقفا في السماطين بين سيف الدولة بحلب والشعراء ينشدونه، فتقدم إليه عربي رث الهيئة، فاستأذن الحجاب في الإنشاد، فآذنوا له فأنشد:
أنت علي وهذه حلب
…
قد نقد الزاد وانتهى الطلب
بهذه تفخر البلاد وبالأمير تزهى على الورى العرب
وعبدك الدهر قد أضر بنا
…
إليك من جور عبدك الهرب
فقال سيف الدولة: أحسنت ولله أنت، وأمر له بمائتي دينار.
وحكى الثعالبي في يتيمة الدهر قال: نظر الزعفراني يوما إلى جميع من في دار الصاحب من الخدم والحاشية عليهم الخزور الفاخرة الملونة، فاختزل ناحية وأخذ يكتب شيئا، فسأل الصاحب عنه فقيل: أنه في مجلس كذا يكتب، فقال: علي به، فاستمهل الزعفراني ريثما يتم مكتوبه، فأعجله الصاحب وأمر أن يؤخذ ما في يده من الدرج، فقام الزعفراني إليه وقال: أيد الله مولانا، أسمعه ممن قاله تزدد به عجبا، فحسن الورد في أغصانه.
فقال هات يا أبا القاسم فأنشدها أبياتا منها:
سواك يعد الغنى ما افتني
…
ويأمره الحرص أن يخزنا.
وأنت ابن عباد المرتجى
…
تعد نوالك نيل المنى.
وخيرك من باسط كفه
…
وممن ثناها قريب الجنى.
غمرت الورى بصنوف الندى
…
فأصغر ما ملكوه الغنى.
وغادرت أشعرهم مفحما
…
وأشكرهم عجزا الكنا.
أيامن عطاياه تهدي الغنى
…
إلى راحتي من نآى أو دنا.
كسوت المحلين والمحرمين
…
كسى لم يخل مثلها ممكنا.
وحاشية الدار يمشون في
…
ضروب من الخزي إلا أنا.
ولست أذكرني جاريا
…
على العهد يحسن أن تحسنا.
فقال الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلا قال له: أحملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، ثم قال: لو علمت أن الله خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه. وقد أمونا لك بجبة، وقميص، ودراعة، وسراويل، وعمامة، ومنديل؛ ومطرف؛ ورداء، وجورب. ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه. ثم أمر بإدخال الخزانة وصب تلك الخلع عليه، وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلام.
وبيت بديعية الصفي قوله:
وقد علمت بما في النفس من أرب
…
وأنت أكرم من ذكري له بفمي.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
براعة بأن فيها منتهى طلبي
…
وأنت أكرم من نطق بلا ولم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وفي براعة ما أرجوه من طلب
…
إن ام أصرح فلم أحتج إلى الكلم.
وبيت بديعية المقري قوله:
قد أصبح المر حالي فالحظوه عسى
…
يحلو مذاقا فحالي غير منكتم.
وبيت بديعية السيوطي قوله:
ومطلبي أنت أولى بالنجاح له
…
وأنت أدرى به يا مسبغ النعم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
في النفس ما أنت أولى أن تحيط به
…
لكبر قدرك لم ينطق بذاك فمي.
وبيت بديعية الطبري قوله:
ومطلبي أنت أدرى من براعته
…
به فحالي منها غير منكتم.
وبيت بديعيتي قولي:
براعتي أبت التصريح في طلبي
…
لما رأت من غوادي جودك السجم.
حسن الختام
.
أحق بحسن ابتدائي ما أنال به
…
حسن التخلص يتلو حسن مختتمي.
هذا النوع سماه التيفاشي حسن المطلع، وبعضهم براعة المطلع، وسماه ابن أبي الأصبع حسن الخاتمة وادعى أنه من مستخرجاته، وهو موجود في كتب غيره ممن تقدم بغير هذا الاسم. وهو عبارة عن أن يون أخر الكلام الذي يقف عليه الخطيب أو المسترسل أو الشاعر مستعذبا حسنا، وأحسنه ما أذن بانتهاء الكلام حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما ورائه.
وهذا رابع المواضع التي نص أئمة البلاغة على التألق فيه، لأنه أخر ما يقرع السمع ويرتسم في النفس، وربما حفظ لقرب العهد به، فإن كان مختارا حسنا تلقاه السمع واستلذه حتى جبر ما وقع فيما سبق من التقصير، كالطعام اللذيذ الذي يتناول بعد الأطعمة التفهة، وإن كان بخلاف ذلك كان على العكس حتى ربما أنسى المحاسن الموردة فيما سبق.
وجميع خواتيم السور كفواتحها، واردة على أحسن وجوه البلاغة وأكملها، لأنها بين أدعية، ووصايا وفرائض؛ وتحميد تهليل؛ ومواعظ وود ووعيد؛ إلى غير ذلك مما يناسب الاختتام، كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة، إذ المطلوب الأعلى: الإيمان المحفوظ من المعاصي المسببة لغضب الله والضلال، فصل جملة ذلك بقوله:(الذين أنعمت عليهم) والمراد المؤمنون، ولذلك أطلق الأنعام ولم يقيده، ليتناول كل إنعام، لأن كل من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة لأنها مستتبعة لجميع النعم. ثم وصفهم بقوله:(غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال المسببين عن معاصيه وتعدي حدوده وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من أخر سورة البقرة.
وتأمل سائر خواتيم السور تجدها في نهاية الكمال. ومن أضح ما أذن بالختام، خاتمة سورة إبراهيم عليه السلام، وهو قوله تعالى:(هذا بلاغ للناس ولينذروا به واعلموا إنما هو غله واحد وليذكروا أولي الألباب. وكذا خاتمة الحجر بقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فإنها في غاية البراعة، ومثلها خاتمة الزمر بقوله سبحانه:(وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) ، وأما خاتمة الصافات فإنها العلم في براعة الختام، حتى ضارت يختم بها كلام؛ وهي قوله تعالى:(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) .
ومن أحسن براعات الختام قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إمام أئمة البلغاء في الجاهلية والإسلام- في خاتمة خطبة الاستسقاء: ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد.
وأما حسن ختام الحريري للمقامات فإنه من البراعات التي تنتهي إليها الغايات، وهو قوله: ثم دنوت إليه كما يدنو المصافح، وقلت: أوصني أيها العبد الصالح، فقال: اجعل الموت نصب عينك، وهذا فراق بيني وبينك فودعته وعبراتي يتحدرن من المآقي، وزفراتي تتصعدن إلى التراقي، وكانت هذه خاتمة التلاقي.
ومن أمثلته في النظم قول أبي نواس في خاتمة قصيدته التي مدح بها الخطيب:
وإني جدير إذا بلغتك بالمنى
…
وأنت بما أملت جدير.
فإن تولني منك الجميل فأهله
…
وإلا فإني عاذر وشكور.
وقول أبي تمام في ختام قصيدة فتح عمورية:
إن كان بين صروف الدهر من رحم
…
موصولة أو ذمام غير منقضب.
فبين أيامك اللاتي نصرت بها
…
وبين أيام بدر أقرب النسب.
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم
…
صفر الوجوه وجلت أوجه العرب.
وقول أبي الطيب:
سما بك همي فوق الهموم
…
فلست أعد يسارا يسارا.
ومن كنت بحرا له يا علي
…
لم يقبل الدر إلا كبارا.
وقوله أيضاً:
أنلت عبيدك ما أملوا
…
أنالك ربي ما تأمل.
وقوله أيضاً:
وأعطيت الذي لم يعط خلق
…
عليك صلاة ربك والسلام.
وقول ابن هاني المغربي:
سموت إلى العليا إلى الذروة التي
…
ترى الشمس فيها تحت قدرك تضرع.
إلى غاية ما بعدها لك غاية
…
وهل خلف أفلاك السماوات مطلع.
إلى أين تبغي ليس خلفك مذهب
…
لا لجواد من للحاقك مطمع.
وقوله أيضاً:
فتى كل مسعى من مساعيه قبلة
…
يصلي إليها كل مجد ونائل.
وفي كل يوم فيه للشعر مذهب
…
على أنه لم يبق قولا لقائل.
وقوله أيضاً:
لا زلت تسحب أذيال الندى كرما
…
في نعمة غير مزجاة من النعم.
ما نمنم الروض أو حاكت وشائعه
…
أيدي السحاب الغوادي العز بالديم.
وقول مهيار الديلمي في ختم قصيدته المشهورة:
ولا زالت الأيام تملك أمرها
…
وتأمرها فيما تشاء وتنهاها.
وكنت بعين الله من كل خطة
…
تحاذرها فيما تروم وتخشاها.
فإني متى علقت نفسي بجاجة
…
وخفت عليها الفوت ضمنتها الله.
وقوله أيضاً:
ولا يزل جاري المقادير على
…
ما تبتغي مساعدا معينا.
دعاء إخلاص إذا رفعته
…
قال الحفيظان معي آمين.
وقول أبي العلاء المعري.
ولا تزال لك الأيام ممتعة
…
بالحال والآل والعلياء والعمر.