المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأنا أقول: إن الذي استحسنه من الشطر الأول ليس بشيء - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: وأنا أقول: إن الذي استحسنه من الشطر الأول ليس بشيء

وأنا أقول: إن الذي استحسنه من الشطر الأول ليس بشيء من جهة المعنى وإن كان حسناً من جهة اللفظ، لأن قوله: لما بها سمحوا يعني بعين المال، لا يناسب الغزل، فإن السماح بالمال يكون من جانب المحب لا من جانب المحبوب، وهذا يليق أن يقال في صفة ممدوح طلب صلته، لا محبوب طلب وصله. وأما قول ابن حجة: لا أعلم ما المراد بقوله: واستخدموها من الأعدا، فجدير أن لا يعلم، وما ظهر له خلاف الصواب، وتسرع إلى الانتقاد في غير محله، فإن الضمير في قوله: واستخدموها، راجع إلى العين بمعنى الربيئة وهو طليعة القوم الذي يبعث ليطلع طلع العدو، بقرينة قوله: من الأعداء، وهو من معاني العين، والمعنى: أنهم استخدموا ربيئتهم حذراً من الأعداء فلم تنم. والله أعلم.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

واستخدموا العين مني وهي جارية

وكم سمحت بها أيام عسرهمِِ

الشطر الأول منه حسن بديع، والذي أوجب حسنه، التورية في جارية بعد قوله: استخدموها، وأما الشطر الثاني، فأردت الكلام عليه ولكني رأيت الشيخ أبا العباس أحمد بن إبراهيم العلوي سبقني إلى ذلك فقال: لو أنه قال: وكم سمحت بها طوعاً لأمرهم لكان أنسب وأولى من نسبه العسر إلى أيام أحبابه، فإن في نسبة ذلك إليهم ما لا يخفى على الأديب الفطن من البشاعة. انتهى.

وبيت بديعية الطبري:

واستخدموا العين تجري مخافتها

أنفقتها فيهم أوقفتها بهمِ

هذا البيت فيه أربع استخدامات، ولكن لا يخفى ما فيه من التعقيد والركة.

وبيت بديعيتي هو قولي:

وإن هم استخدموا عيني لرعيهم

أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

أردت بالعين، الباصرة، بقرينة قولي: لرعيهم، وبالضمير في بذلها، المال، بقرينة البذل، وأنت إن نظرت إلى مفهوم قولي: فالسعد من خدمي، ولحظت ما يفهمه قول ابن حجة: وكم سمحت بها أيام عمرهم، من المنة عليهم بذلك ظهر لك بين المعنيين الفرق الجلي، وحكمت بتقديم علي.

وبيت بديعية إسماعيل المقري قوله:

أقر عيناً وأجراها ندى وأبا

ها عسجداً وحكاها في دجى الظلمِ

هذا البيت مدرج، وآخر الشطر الأول من الألف من قوله: وأبا، وأراد بالعين الباصرة، وبالضمير في أجراها، العين الجارية، وفي أباها، الذهب، لأنه) صلى الله عليه وآله وسلم (عرضت عليه الجبال ذهباً فأباها، وفي حكاها، الشمس، فاستخدم العين لأربعة معان ولكن في قوله: في دجى الظلم، قصور ظاهر، لأنه كان ينبغي أن يقول: في الضحى لا في دجى الظلم حتى تتم المشابهة، ولا يكون المشبه دون المشبه به، أستغفر الله من ذلك والله أعلم.

‌الافتنان

إن افتنانهم في الحسن هيمني

قدما وقد وطئت فرق السها قدمي

الافتنان - هو الإتيان بفنين مختلفين من فنون الكلام في بيت واحد فأكثر، مثل النسيب والحماسة، والمدح والهجو، والتهنية والتعزية، ولا يختص بالنظم، بل يكون في النثر أيضاً كقوله تعالى:(كل من عليها فانٍ. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) فإنه جمع بين الفخر والتعزية، فعزى سبحانه جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة، وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات، مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء، بالجلال والإكرام.

ومنه ما حكي أنه لما مات معاوية اجتمع الناس بباب يزيد لعنة الله، فلم يعرف أحد ما يقول، ولم يقدروا على الجمع بين التعزية والتهنية، حتى أتى عبد الله بن همام السلولي فدخل فقال ليزيد: آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية، فقد رزيت عظيماً؛ وأعطيت جسيماً، فاشكر الله على ما أعطيت، واصبر على ما رزيت، فقد فقدت الخليفة، وأعطيت الخلافة، ففارقت خليلا، ووهبت جليلا، أن قضى معاوية ووليت الرياسة، وأعطيت السياسة، فأورده الله موارد السرور، ووفقك لمصالح الأمور.

ثم أنشد:

فاصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة

واشكر حباء الذي بالملك أصفاكا

لا رزء أصبح في الأقوام نعلمه

كما رزئت ولا عقبى كعقباكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف

إذا نعيت فلا نسمع بمعناكا

ففتح للناس باب القول.

فقال أبو نواس يعزي الفضل عن الرشيد ويهنيه بالأمين:

تعز أبا العباس عن خير هالك

بأكرم حي كان أو هو كائنُ

ص: 63

حوادث أيام تدور صروفها

لهن مساوٍ مرة ومحاسن

وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى

فلا الملك مغبون ولا الموت غابن

وتبعه أبو تمام بالقصيدة التي أولها: ما للدموع تروم كل مرام، بقوله للواثق ويهنيه بالخلافة ويعزيه بالمعتصم. صرف القول فيها كيف شاء وأطنب كما أراد، واحتج وأسهب، وتقدم فيها على كل من سلك هذه الطريقة من الشعر.

يقول فيها:

لله أي حياة انبعثت لنا

يوم الخميس وبعد أي حمامِ

أودى بخير أمام اضطربت به

شعب الرجال وقام خير إمامِ

تلك الرزية لا رزية مثلها

والقسم ليس كسائر الأقسام

إن أصبحت هضبات قدسَ أزالها

قدرٌ فما زالت هضاب شمام

أو يفتقد ذو النون في الهيجا فقد

دفع الإله لنا من الصمصام

أوجب منا غارب غدرا فقد

رحنا بأتمك ذروة وسنام

هل غير بؤسي ساعة ألبستها=بنداك ما لبست من الأنعام

نقض كرجع الطرف قد أبرمته

يا بن الخلائف أيما إبرام

ما أن رأى الأقوام شمساً قبلها

أفلت ولم تعقبهم بظلام

أكرم بيومهم الذي ملكتهم

في صدره وبعامهم من عام

وأراد ابن الزيات مجاراته فعلم من نفسه التقصير فاقتصر على قوله:

قد قلت إذا غيبوك واصطفقت

عليك أيدٍ بالترب والطينِ

أذهب فنعم المعين كنت على

الدنيا ونعم الظهير للدين

لن يجبر الله أمة فقدت

مثلك إلا بمثل هارون

والجمع بين التهنية والتعزية في باب الافتنان أصعب مسلكاً من الجمع بين غيرهما من فنون الكلام، لشدة ما بينهما من التناقض.

ومن رائق ذلك قول أبي الفتيان محمد بن حيوس، يخاطب نصر بن محمود صاحب حلب مهنياً له بالملك، ومعزياً له في أبيه، وهي في قصيدة طويلة جيدة:

صبرنا على حكم الزمان الذي سطا

على أنه لولاك لم يكن الصبرُ

عسرانا ببوسي لا يماثلها الأسى

تقارن نعمى لا يقابلها الشكر

وما أحسن قوله فيها:

ثمانية لم تفترق مذ جمعتها

فلا افترقت مادب عن ناظر شفرُ

يقينك والتقوى وجودك والغنى

ولفظك والمعنى وعزمك والنصر

وأما ما افتن به الشاعر من النسب والحماسة، فمنه قول عنترة:

إن تغد في دوني القناع فإنني

طب بأخذ الفارس المستلئمِ

فأول البيت نسيب وآخره حماسة، والمستلئم: الذي يلبس لبس لأمة حربه، وهي الدرع، وما أحسن مقابلته به قناع المرأة.

ومنه قول عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، الملقب والده بذي اليمينين، وزير المأمون:

نحن قوم تذيبنا الحدق النج

ل على أننا نذيب الحديدا

طوع أيدي الغرام تقتادنا الغي

د ونقتاد بالطعان الأسودا

نملك الصيد ثم تملكنا البي

ض المصونات أعيناً وخدودا

تتقي سخطنا الأسود ونخشى

سخطة الخشف حين يبدي الصدودا

فترانا يوم الكريهة أحرا

راً وفي السلم للحسان عبيدا

وقول أبي دلف العجلي:

أحبك يا ظلوم وأنت مني

مكان الروح من جسد الجبانِ

ولو أني أقول مكان روحي

خشيت عليك بادرة الطعان

وقول أبي فراس بن حمدان:

هوانا غريب شزب الخيل والقنا

لنا كتب والباترات رسائلُ

أغرن على قلبي بخيل من الهوى

وطارد عنهن الغزال المغازل

بأسهم لفظ لم تركب نصالها

وأسياف لحظ ما جلتها الصياقل

وقائع قتلى الحب فيها كثيرة

ولم يشتهر سيف ولا هز ذابل

أراميتي كل السهام مصيبة

وأنت لي الرامي وكلي مقاتل

وإني لمقدام وعندك هائب

وفي الحي سحبان وعندك بأقل

وقوله من قصيدة مطلعها:

لعل خيال العامرية زائر

فيسعد مهجور ويسعد هاجرُ

وإني على طول الشماس على الصبا=أحن وتصبيني إليه الجآذر منها:

فيا نفس ما لاقيت من لاعج الهوى

ويا قلب ما جرت عليك النواظر

ويا عفتي ما لي وما لك كلما

هممت بأمرهم بي منك زاجر

كأن الحجا والصون والفضل والتقى

لدى لربات الخدور ضرائر

وكم ليلة خضت الأسنة نحوها

ولا هدأت عين ولا نام سامر

ص: 64

تقول إذا ما جئتها متدرعاً

أزائر شوقٍ أنت أم أنت ثائر

فقلت لها كلا ولكن زيارة

تخاض حتوف دونها ومحاذر

فلما خلونا يعلم الله وحده

لقد كرمت نجوى وعفت سرائر

وبت يظن الناس فيّ ظنونهم

وثوبي مما رجم الناس طاهر

وقوله وقد أصابته طعنة في خده:

لما رأت أثر السنان بخده

ظلت تقابله بوجه عابسِ

خلف السنان به مواقع لثمها

بئس الخلافة للمحب البائسٍ

وقوله أيضاً:

ورب ديار بالعوالي منيعة

طلعت عليها بالردى أنا والفجرُ

وحي رددت الخيل حتى ملكته

هزيما وردتني البراقع والخمر

وساحبة الأذيال نحوي رأيتها

فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر

وهبت لها ما حازه الجيش كله

وأبت ولم يكشف لأبياتها ستر

ومنه قول امرئ القيس:

فبتنا نذود الوحش عنا كأننا

قتيلان لم يعرف لنا الناس مضجعا

تجافى عن المأثور بيني وبينها

وترخي علي السابري المضلعا

إذا أخذتها هزة الروح أمسكت

بمنكب مقدام على الهول أروعا

قال الشريف المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه في رسالة له: رأيت قوماً من متعمقي أصحاب المعاني يقولون: أراد بالمأثور، السيف، وعنى أنه كان مقلداً سيفاً حال مضاجعته لها، وأنها كانت تتجافى عنه اشتغالاً به. ثم قال: والذي يقوي في ظني أن امرء القيس لم يعن هذا المعنى وإنما عنى أنها تتجافى عن الحديث المأثور بيني وبينها من الوشايات والسعايات، التي يقصد بها الوشاة تفريق الشمل، وإنها تعرض عن ذلك كله، وتطرحه وتقبل على ضمي واعتناقي وإدخالي معها في غطاء واحد. قال ولفظة مأثور تصلح للحديث وللسيف عن القطع. ثم قال: ولم أجد بين امرئ القيس وأبي الطيب من ألم بهذا المعنى.

قال أبو الطيب:

وقد طرقت فتاة الحي مرتدياً

بصاحب غير عز هاةٍ ولا غزلِ

فبات بين تراقينا ندافعه

وليس يعلم بالشكوى ولا القبل

قال: وما وجدت لأحد من الشعراء بين أبي الطيب وبين أخي الرضي رضي الله عنه شيئاً في هذا المعنى، ووجدت له رحمه الله أبياتاً جيدة، وهي هذه:

تضاجعني الحسناء والسيف دونها

ضجيعان لي والعضب أدناها عني

إذا دنت البيضاء مني لحاجة

أبي الأبيض الماضي فما طلها عني

وإن نام لي في الجفن إنسان ناظر

تيقض عني ناظر لي في الجفن

أغرت فتاة الحي مما ألفته

أغلله بين الشعار من الطبن

فقالت هبوه ليلة الخوف ضمه

فما عذره في ضمه ليلة الأمن

قال (وهذه الأبيات استوفت هذا المعنى واستوعبته واستغرقته) وأطنب في نعتها. ثم قال: (ويمضي في ديوان شعري نظم هذا المعنى في أقطاع) . أثبتها في رسالته المذكورة، لكنها تقصر عن رتبة قطعة أخيه.

فمن أحسنها قوله:

لما اعتنقنا ليلة الرمل

ومضاجعي ما بيننا نصلي

قالت أما ترضى ضجيعك من

جسمي الرطيب ومعصمي الطفل

إلا احتملت فراق نصلك ذا

في هذه الظلماء من أجلي

انظر إلى ضيق العناق بنا

تنظر إلى عقد بلا حل

لا بيننا يجري العقار ولا

فضل به لمدبة النمل

فأجبتها أني أخاف إذا

فطنوا بنا أهلوك أو أهلي

عديه مثل تميمة نصبت

كيلا نصاب بأعين نجل

إني أخاف العار يلصق بي

يوماً ولا أخشى من القتل

ثم أثبت إقطاعاً أخر خارجة عما نحن فيه، وأطنب الكلام في ذكر محاسنها وبيان ما اشتملت عليه من النكت بياناً طويلاً.

قلت: ولما وقفت على ذلك عن لي أن أنظم هذا المعنى فاستعنت بالله تعالى ونظمته وزدت فيه زيادة لطيفة، لم يسبقني إليها أحد، فقلت ولم أخرج عما نحن فيه من الافتنان:

ولقد طرقت الحي من سعد

تحت الدجى كالخادر الوردِ

في ليلة مدت غياهبها

من فرعها كالفاحم الجعد

والصبح يستهدي لمطلعه

نجم الدجنة وهو لا يهدي

ومصاحبي من ليس يخفرني

ماضي الضريبة مرهب الحد

وسريت معتسفاً أنص على

عبل المقلد مشرف نهد

لا أهتدي والليل معتكر

ألا بنشر المسك والند

حتى اقتحمت الخدر مجترئاً

أدلي بعهد الحب والود

ص: 65

فتنبهت مرتاعة فزعا

ريا المخلخل طفلة الخد

قالت من المقتول قلت لها

من قد قتلت بلوعة الصد

قالت قتيل هواي قلت أجل

قالت أجلك عن جفا الرد

فوقفت مهري غير مرتقب

ونزلت عن نهدٍ إلى نهد

ودنوت منها وهي عاتبة

أبدي العتاب لها كما تبدي

ثم اعتنقنا وهي مغضية

عني وبات وسادها زندي

وضممت سيفي بيننا فغدت

غيري تدفعه على عمد

حتى إذا ضاق العناق بنا

ضما يذوب له حصى العقد

قالت فديتك دعه ناحية

يغنيك ضم الرمح من قدي

وقلت في ذلك أيضاً وزدت في زيادة أخرى:

وليلة عانقت في جنحها

ثالثة الشمس وبدر التمامْ

فلم يطب لي ضمها ساعة

حتى ضممت السيف عند المنام

فاستنكرت ضمي له بيننا

وقد صفا الوصل وطاب اللزام

قالت فدتك النفس من حازم

ما تصنع الآن بهذا الحسام

يغنيك عنه لا خشيت العدى

مهند اللحظ ورمح القوام

ذكرت بقول أبي الطيب: وقد طرقت فتات الحي مرتدياً - البيتين - ما حكاه لي سيدي الوالد رحمه الله تعالى في بعض منادماته قال: كان بعض الناس ممن أدركته يكثر التمثل بشعر أبي الطيب من غير أن يفهم المعنى، فأنشد يوماً هذين البيتين مترنماً بهما، فسأله بعض الحاضرين، ما عنى بقوله (فبات بين تراقينا ندفعه) ؟ فقال: عنى فرساً، فقال: لو كان فرساً لكسر تراقيك، وتراقيها وأنتما تدفعانه.

وقريب من ذلك ما حكاه صاحب الأغاني، قال: كان الأقيشر عنيناً لا يأتي النساء وكان يصف ضد ذلك من نفسه، فجلس إليه يوماً رجل من قيس.

فأنشده الأقيشر:

ولقد أروح بمشرف ذي ميعة

عسر المكرة ماؤه يتفصدُ

مرح يطير من المراح لعابه

ويكاد جلد أهابه يتقدد

ثم قال للرجل: أتبصر الشعر؟ قال: نعم. قال: فما وصفت؟ قال: فرساً، قال: أفكنت لو رأيته تركبه؟ قال: أي والله واثني عطفه، فكشف الأقيشر عن أيره فقال هذا وصفت فقم فأركبه، فوثب الرجل عن مجلسه وهو يقول: قبحك الله من جليس سائر اليوم.

رجع. ومن الافتنان بالنسيب والمدح: قول القزاز الأندلسي في ابن صمادح، وهو غريب:

نفى الحب عن مقلتي الكرى

كما قد نفى عن يدي العدمْ

فقد قر حبك في خاطري

كما قر في راحتيك الكرم

وفرَّ سلوك من فكرتي

كما فر عن عرضه كل ذم

فحبي ومفخره باقيان

لا يذهبان بطول القدم

فأبقى لي الحب خال وخد

وأبقى له الفخر خال وعم

ومن الافتنان بالهجو والمدح، قول ربيعة في يزيد بن حاتم، يفضله على يزيد بن أسيد [وكان] في لسانه تمتمة، فعرض بها في هذه الأبيات:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

يزيد سليم والأغر ابن حاتمِ

فهم الفتى الأزدي أتلاف ماله

وهم الفتى القيسي جمع الدراهم

فلا يحسب التمتام أني هجوته

ولكنني فضلت أهل المكارم

وهذا من أشد أنواع الهجاء، وهو الذي يسمى بالمقذع.

تنبيه - ذكر ابن أبي الإصبع في كتابه المسمى بتحرير التجبير نوعاً يسمى التمزيج - بالجيم - ولم ينظمه أصحاب البديعيات، وهر قريب من الافتنان، غير أن بينهما فرقاً دقيقاً، وهو أن الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من فنون الكلام، والتمزيج يكون بالجمع بين الفنون والمعاني.

ومن أمثلته قول الشريف الرضي عليه من الله الرضا جامعاً بين الحماسة والمدح والهجو تعريضاً لا تصريحاً.

فقال وأغرب في المقال:

ما مقامي على الهوان وعندي

مقول صارم وأنف حمي

وإباء محلق بي من الضي

م كما راغ طائر وحشي

أي عذر له إلى المجد إن ذل غلام في غمده المشرفي

ألبس الذل في ديار الأعادي

وبمصر الخليفة العلوي

من أبوه أبي ومولاه مولا

ي إذا ضامني البعيد القصي

لف عرقي بعرقه سيد النا

س جميعاً محمد وعلي

أن ذلي بذلك الجو عز

وأوامي بذلك النقع ري

قد يذل العزيز ما لم يشمر

لانطلاق وقد يضام الأبي

إن شراً علي إسراع عزمي

في طلاب العلي وحظي بطي

أرضي بالأذى ولم يقف العز

م قصوراً ولم تعز المطي

ص: 66

تاركاً أسرتي رجوعاً إلى حي

ث غديري قذٍ ورعيي وبي

كالذي يخبط الظلام وقد أق

مر من خلفه النهار المضي

فتحسم أولاً ومدح الخليفة العلوي بمصر، ومت إليه بالنسب وعرض بهجاء بني العباس، ولما ظهرت هذه الأبيات وبلغت القادر بالله، أقامته وأقعدته، وبلغت منه كل مبلغ، فعقد مجلساً أحضر فيه أبا أحمد الطاهر الموسوي والد الرضي، وابنه أبا القاسم المرتضى، وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم هذه الأبيات، وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وأبرز إليهم هذه الأبيات، وقال الحاجب للنقيب أبي أحمد: قل لولدك محمد - يعني الرضي -: أي هو أن قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضمي رآه من جهتنا؟ وأي ذلك أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو ذهب إليه؟. أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟ ألم نوله النقابة؟ ألم نوله المظالم؟ ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز؟ وجعلناه أمير الحجيج؟ فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا؟ وهل كان لو حصل عنده إلا واحداً من أفناء الطالبيين؟. فقال النقيب أبو أحمد، أن هذا الشعر مما لم نسمعه منه ولا رأيناه بخطه، ولا يبعد أن يكون بعض أعداء الرضي عزاء إليه. فقال القادر بالله: إن كان كذلك فليكتب الآن محضر يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر، ويكتب محمد خطه فيه. فكتب محضر بذلك، شهد فيه جميع من حضر في المجلس، منهم النقيب أبو أحمد، وابنه المرتضى، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب عليه خطه، حمله إليه أبوه وأخوه فامتنع من سطر خطه وأقسم أنه لي من شعره، وأنه لا يعرفه، فأجبره أبوه على أن يسطر خطه في المحضر، فلم يفعل وقال: أخاف دعاة المصريين وغيلتهم. فقال أبوه: وا عجبا تجاف من بينك وبينه ستماءة فرسخ ولا تخاف من بينك وبينه ستة أذرع؟ وحلف أن لا يكلمه، وكذلك أخوه المرتضى. فعل ذلك تقية وخوفاً من القادر بالله وتسكيناً له. ولما انتهى الأمر إلى القادر سكت عنه على غل أضمره له، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة والله أعلم.

ووقع لي أنا في ذلك قصيدة اشتملت على نسبي وشكوى وفخر وحماسة وحكمة، ولا بأس بإثباتها هنا فإنها من أمثلة هذا النوع وهي:

لك الخير أن جزت اللوى والمطاليا

فحي ربوعاً منذ دهر خواليا

وقف سائلاً عن أهلها أين يمموا

وإن لم تجد فيها محبباً وداعيا

وعج أولا نحو المعاهد ثانيا

زمام المطايا واسأل العهد ثانيا

فإن تلفها من ساكنيها عواطلا

فعهدي بها مر الليالي حواليا

تحل بها غيد غوان كأنما

نظمن على جيد الزمان لئاليا

يرنحن من هيف القدود ذوابلا

وينضين من دعج اللحاظ مواضيا

ويبدين من غر الوجوه أهلة

وينشرن من سود الفروع لياليا

تحكمن قسراً في القلوب فلن ترى

فؤاد محب من هواهن خاليا

قضت بهواهن الليالي وما قضت

ديون الهوى حتى سئمنا التقاضيا

أطعت الصبا في حبهن مدى الصبا

فلما انقضى استبدلت عنه التصابيا

نعم قد حلا ذاك الزمان وقد خلا

على مثله فلبيك من كان باكيا

وثم صبابات من الشوق لن تزل

تؤجج وجداً بين جنبي واريا

ولكنني أبدي التجلد في الهوى

وأظهر سلواناً وما كنت ساليا

قصارى النوى والهجر أن يتصرما

فيمسي قصي الدار والود دانيا

صبرت على حكم الزمان وذو الحجا

ينال بعون الصبر ما كان راجيا

وقلت لعل الدهر يثني عنانه

فاثني عن لوم الزمان شاكيا

ولو أجدت الشكوى شكوت وإنما

رأيت صروف الدهر لم تشك شاكيا

فليت رجالاً كنت أملت نفعهم

تولوا كفافاً لا عليَّ ولا ليا

ولو أنني يوم الصفاء أتقيتهم

تقاة الأعادي ما خشيت الأعاديا

ولكنهم أبدوا وفاقاً واضمروا

نفاقاً وجروا للبلاء الدواهيا

فأغضيت عنهم لا أريد عتابهم

ليقضي أمر الله ما كان قاضيا

ولي شيمة في وجنة الدهر شامة

تنير على رغم الصباح الديايا

يؤازرها من هاشم ومحمد

مفاخر لا تبقي من الفخر باقيا

سبقت إلى غايات مجد تقطعت

رقاب أناس دونها من روائيا

وزدت على دهري وسني لم تكن

تزيد على العشرين إلا ثمانيا

ص: 67