الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن جميع أجزاء تفعيل هذا البيت من سباعية وخماسية مسجع على خلاف سجعة الجزء الذي هو قافية البيت. ومنهم من سمى هذا النوع (الموازنة) وعده نوعا مستقلا، وسيأتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى. وأصحاب البديعيات بنوا أبياتهم على التسميط بالمعنى الأول لأنه هو الأشهر.
وبيت بديعية الصفي الحلي قوله:
فالحق في أفق والشرك في نفق
…
والكفر في فرق والدين في حرم.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله: تسميط ذي أدب تنظيم ذي أرب=تحقيق ذي غلب بالنصر ملتزم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
تسميط جوهره يلفى بأبحره
…
ورشف كوثره يروى لكل ظم.
وبيت بديعية المقري قوله:
كم مهجة وسما لما رقى وسما
…
ما فوق سابع سما وخص بالكلم.
وبيت بديعية السيوطي قوله:
في رأسه غسق في وجهه فلق
…
في ثغره نسق تسميط درهم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
سرى إلى أفق والليل في غسق
…
وجاز في طرق لم ترم لم ترم.
وبيت بديعية الطبري قوله:
على البراق سرى لربه نظرا
…
ولات حين سرى في سمط سيرهم.
وبيت بديعيتي قولي:
سمطت من فرحي في وصفهم مدحي
…
ولم أنل منحي إلا بجاههم.
التجزئة
.
جزيت في كلمي أغليت في حكمي
…
أبديت من هممي أرويت كل ظم.
هذا النوع عبارة عن أن يجزئ الشاعر جميع البيت أجزاء عروضية يسجعها كلها على رويين مختلفين، أحدهما على روي البيت والثاني مخالف.
كقول الشاعر:
هندية لحظاتها خطية
…
خطواتها دارية نفحاتها.
وقول أبي الحسن السلامي:
ظلت تزف الدنيا له محاسنها
…
وتستعد له الألطاف والتحفا.
كم ماطر وكفا أو باهر خطفا
…
أو طائر هتفا أو سائر وقفا.
وقل شيخنا العلامة محمد الشامي:
قد كنت آمل أن تموت صبابتي
…
حتى نظرت إليك يا ابنة يعرب.
فطربت ما لم تطربي ورغبت ما
…
لم ترغبي ورهبت ما لم ترهبي.
وبيت بديعية الصفي قوله:
ببارق خذم في مأزق أمم
…
أو سابق عرم في شاهق علم.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
ذي فضل أندية ذي عدل تجزية
…
فالذيب في ظلم يمشي مع الغنم.
هذا البيت لا ينطبق عليه تعريفهم للتجزئة، فهو خارج عما نحن فيه.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وريت في كلمي جزيت في قسمي
…
أيديت من حكمي جليت كل عم.
وبيت بديعية المقري قوله:
جنابه حرمي أبوابه أجمي
…
كتابه حكمي أبابه عصمي.
وبيت بديعية السيوطي قوله:
جزيت منتظمتي وفيت ملتزمتي
…
أهديت من كلمي ألفيت مغتنمي.
وبيت بديعية العلوي قوله:
بوابل رزم في (
…
) أمم
…
ونائل جثم لسائل عدم.
وبيت بديعية الطبري قوله:
نداه مغتنمي هداه معتصمي
…
جزيت من كلمي وفيت ملتزمي.
هذا البيت خارج عن حد هذا النوع أيضاً كما لا يخفى.
وبيت بديعيتي قولي:
جزيت في كلمي أغليت في حكمي
…
أبديت من هممي أرويت كل ظم.
سلامة الاختراع
.
نلت السلامة من بحر القريض وقد
…
سلكته لاختراعي در وصفهم.
هذا النوع عبارة عن أن يخترع الشاعر معنى لم يسبق إليه، وسماهم بعضهم الإبداع وهو اسم مطابق للمسمى، غير أن أصحاب البديعيات وكثيرا من علماء البديع اصطلحوا على جعل الإبداع اسما للإتيان في البيت الواحد والفقرة الواحدة بعدة أنواع من البديع، وقد تقدم الكلام عليه. وسمعوا هذا النوع الاختراع ولك ما اصطلح.
قال عبد الحميد كاتب مروان بين محمد- وهو مضروب به المثل في البلاغة-: خير الكلام ما كان لفظه فحلا، ومعناه بكرا.
فمن المعاني المخترعة قول ابن الرومي:
توددت حتى لم أدع متوددا
…
وأفنيت أقلامي عتابا مرددا.
كأني أستدني بك ابن حنية
…
إذا النزع أدناه من الصدر أبعدا.
ثم تلاعب الشعراء بعده بعدة بنظم هذا المعنى، فقال كشاجم:
أرى وصالك لا يصفو لأمله
…
والهجر يتبعه ركضا على الأثر.
كالقوس أقرب سهميها إذا عطفت
…
عليه أبعدها من نزعة الوتر.
وقال ناصح الدين الأرجاني:
فلا تنكروا حق المشوق فإننا
…
لنا وعليكم أنجم الليل تشهد.
أرانا سهاما في الورى ونراكم
…
حنايا فما تدنون إلا لتبعدوا.
وقال ابن (قسيم) الحموي:
فهو كالسهم كلما زدته من
…
ك دنوا بالنزع زادك بعدا.
وآخر من نظمه شيخنا الشامي فقال:
كل شمل وإن تجمع حينا
…
يوف يمنى بفرقة وشتات.
لا ألوم النوى فرب اجتماع
…
كان أدنى لفرقة وبتات.
مثلما زيدت السهام غلوا
…
في صدور العدى بقرب الرماة.
ومنها قول ابن الرومي في خباز رقاق:
ما أنس خباز أنس مررت به
…
يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر.
ما بين رؤيتها في كفه كرة
…
وبين إلقائها قوراء كالقمر.
إلا بمقدار ما تنداح دائرة
…
في صفحة الماء يلقى فيه بالحجر.
وقوله في قالي الزلالية:
ومستقر على كرسيه تعب
…
روحي الفداء له من منصب تعب.
رأيته سحرا يقلي زلابية
…
في رقة القش والتجويف للقصب.
كأنما زيته المغلي حين بدا
…
كالكيماء التي قالوا ولم تصب.
يقلي العجين لجينا من أنامله
…
فيستحيل شبابيكا من الذهب.
وقوله أيضاً:
وإذا امرؤ مدح امرءاً لنواله
…
وأطال فيه فقد أراد هجاءه.
لو لم يقدر فيه بعد المستقى
…
عند الورود لما أطال رشاءه.
وقوله أيضاً في ذم الخضاب، قال أبو الحسين جعفر بن علي الحمداني ما سبقه أحد إلى هذا المعنى:
إذا دام للمرء السواد وأخلقت
…
شبيبته ظن السواد خضابا.
فكيف يظن الشيخ أن خضابه
…
يظن سوادا أو يخال شبابا.
وقول أبي الطيب المتنبي:
خلقت ألوفا لو أعدت إلى الصبا
…
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا.
وقوله أيضاً:
صدمتهم بخميس أنت غرته
…
وسمهريته في وجهه غمم.
وكان أثبت ما فيهم جسومهم
…
يسقطن حولك والأرواح تنهزم.
الشاهد في البيت الثاني، وأما الأول فمأخوذ من قول الحماسي:
فلو أنا شهدناكم نصرنا
…
بذي لجب أزب من العوالي.
والزبب في الإنسان كثرة الشعر، وفي الإبل كثرة شعر الوجه.
وقول أبي الطيب أيضاً في كافور:
فجاءت بنا إنسان عين زمانه
…
وخلت بياضا خلفها ومآقيا.
قال أبو العباس أحمد بن محمد النامي الشاعر: كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي، وكنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين فإنهما ما سبق إليهما.
أحدهما قوله:
زماني الدهر بالإرزاء حتى
…
فؤادي في غشاء من نبال.
فصرت إذا أصابتني سهام
…
تكسرت النصال على النصال.
والآخر قوله أيضاً:
في جحفل ستر العيون غباره
…
فكأنما يبصرن بالآذان.
ومن معانيه المخترعة قوله أيضاً:
فإن تفق الأنام وأنت منهم
…
فإن المسك بعض دم الغزال.
وقوله أيضاً:
وما أنا منهم بالعيش فيهم
…
ولكن معدن الذهب الرغام.
قال الثعالبي: هذا معنى قد اخترعه المتنبي، وكرره في تفضيل البعض على الكل، فأحسن غاية الإحسان حيث قال:
فإن تكن تغلب الغلباء عنصرها
…
فإن في الخمر معنى ليس في العنب.
وقوله أيضاً:
فإن يكن سيار بن مكرم انقضى
…
فإنك ماء الورد إن ذهب الورد.
ومن المعاني المخترعة قول أبي العلاء المعري:
كالنجم تستصغر الأبصار رؤيته
…
والذنب لعين لا للنجم في الصغر.
وقوله أيضاً:
والخل كالماء يبدي لي ضمائره
…
مع الصفاء ويخفيها مع الكدر.
وقول أبي إسحاق إبراهيم الغزي:
حملنا من الأيام مالا نطيقه
…
كما حمل العظم الكسير العصابا.
قال الثعالبي: أنشدني أبو جعفر مجمد بن عبد الله الأسكافي لنفسه في معنى تفرد به وهو قوله:
الله يشهد والملائك أنني
…
لعظيم ما أوليت غير كفور.
نفسي فداؤك لا لقدري بل أرى
…
إن الشعير وقاية الكافور.
ومن سلامة الاختراع قول القاضي الأرجاني:
رثى لي وقد ساويته في نحوله
…
خيالي ما لم يكن لي راحم.
فدلس بي حتى طرقت مكانه
…
وأوهمت النفي أنه بي حالم.
وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة
…
أنا ساهر في جفنه وهو نائم.
وقول الأبيوردي في الخمر:
ولها من ذاتها طرب
…
فلهذا يرقص الحبب.
وقول ابن القيسراني: هو الذي سلب العشاق نومهم=أما ترى عينه ملأى من الوسن.
وقول أبي يوسف يعقوب بن صابر المنجيقي:
قبلت وجنته فألوى جيده
…
خجلا ومال بعطفه المياس.
فانهل من خديه فوق عذاره
…
عرق يحاكي الطل فوق الآس.
فكأنني استقطرت ورد خدوده
…
بتصاعد الزفرات من أنفاسي.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان: وأنشدني صاحبنا عفيف الدين علي بن عدلان المعروف بالمترجم لأبي يوسف المنجيقي المذكور، وذكر أنه لم يسبق إليه، وهو قوله:
لا تكن واثقا بمن كظم الغي
…
ظ اغتيالاً وخف غرار الغرور.
فالظبي المرهفات أفتك ما كا
…
نت إذا غاض ماؤها في الصدور.
وأنشدني الشيخ العلامة محمد بن علي الشامي رحمه الله تعالى لنفسه، قال: وهو مما لم أسبق إليه:
هجروا وما صبغ الشباب عوارضي
…
عجلان ما علق المشيب بزيقي.
فكأنني والشيب أقرب غاية
…
يوم الفراق كرعت من رواوق.
ومن معانيه المخترعة قوله أيضاً:
لم يضمروا قتل المدام فمالها
…
تصفر من وجل ومن إشفاق.
خجلت لقهقهة الزجاج فجللت
…
بقميصه الوردي وجه الساقي.
وقوله أيضاً من قصيدة تقدم بعضها:
قمر يفور النور من أطواقه
…
فكأنها فوارة للنور.
وأنشدني لنفسه صاحبنا السيد الأجل حسين بن علي بن الأمير شرف الدين الحسني وذكر أنه لم يسبق إليه:
ومتى الفتى يوما نأى عن داره
…
لقي الهوان ولو يكن جليلا.
كالسهم يبقى بعد فرقة قوسه
…
فوق التراب
وإن أصاب
ذليلا.
ومما وقع لي من المعاني المخترعة قولي في وصف الخمر من قصيدة تقدم إنشادها في نوع الغلو:
فانهض إلى حمراء صافية
…
قد كان يشرب بعضها بعض.
وقولي منها:
لا تنكرن لهوي على كبري
…
فعلي من عصر الصبا قرض.
وقولي من أخرى:
يفتر ثغر حباب الكأس في يده
…
كأنها حين يجلوها تمازحه.
وقولي في وصفة سيف الوالد قدس الله روحه:
لا تحسبن فرند صارمه به
…
وشيا أجادته القرون فأبهر.
هذا ندى يمناه سال بمنته
…
فغدا يلوح بصفحتيه جوهرا.
وقولي فيمن أورث شرب الخمر يده رعشة: لا تحسب الراح أورثت يده=من سوئها رعشة لها اضطرابا.
لكنه لا يزال يلمسها=بالكف تهتز دائما طربا.
وقولي أيضاً من قصيدة:
أرعى له العهد وكم ليلة
…
حليت من ذكراه كأس النديم.
فليتني إذا لم يزرني سوى
…
خياله من بعض أهل الرقيم.
وبيت بديعية الصفي قوله:
كادت حوافرها تدمي جحافلها
…
حتى تشابهت الأحجال بالرثم.
الجحفلة (بتقديم الجيم والحاء المهملة) : بمنزلة الشفة للخيل والبغال والحمير، ولا تختص بالعليا كما زعم ابن حجة. والرثم- بالتحريك، بياض في طرف أنف الفرس، أو كل بياض أصاب الجحفلة العليا فبلغ الرسن، أو بياض في الأنف. يقول: إن هذه الخيل لسرعتها في الركض اتصلت أحجالها بجحافله، حتى تشابها في البياض.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
سلامة لاختراعي في على هممي
…
اسمي وفعلي كحرف عند رسمهم.
قال في شرحه: اسمي علي، وفعلي علي، والحرف المشبه بهما في هذا المعنى على الذي هو معدود من حروف الجر.
قال ابن حجة: لو ألحق الشيخ عز الدين ما قاله هنا بالألغاز لكان أليق وأقرب، فإن سلامة الاختراع وغرابة المعنى عنه بمعزل.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وقده باختراع سالم أنف
…
يبدو بترويسه من رأس كل كمي.
قال في شرحه: هذا الاختراع يعد من المرقص والمطرب. قلت: لم أر في هذا البيت اختراعا سوى قوله: ترويسه، فإنها لفظة مخترعة لم ترد بها لغة، ولا نطق بها أحد قبله، وأما تشبيهي قد الرمح بالألف فهو من التشبيهات المبتذلة التي ليس فيها غرابة ولا سلامة اختراع.
وبيت بديعية المقري قوله:
أمضى من البرق يغشى الموت من خطفت
…
يوم الكريهة قبل العلم بالألم.
ولم أقف على بيت بديعية السيوطي في هذا النوع.
وبيت بديعية العلوي قوله:
لو مر في قلبه أن لا يضر فتى
…
حر الجحيم لما بالى من الضرم.