المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أحدهما المطرف، وهو أن تكون الفاصلتان مختلفتين في الوزن كقوله - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: أحدهما المطرف، وهو أن تكون الفاصلتان مختلفتين في الوزن كقوله

أحدهما المطرف، وهو أن تكون الفاصلتان مختلفتين في الوزن كقوله تعالى:(ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلكم أطوارا) فالوقار والأطوار مختلفان وزنا، وقولهم: من حسنت حاله استحسنت محاله.

الثاني المرصع، وهو أن يكون ما في أحد القرينتين أو أكثر مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن والتقفية، كقول الحريري: فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الإسماع بزواجر وعظه، وقول البديع الهمذاني: أن بعد الكدر صفوا، وبعد المطر صحوا.

وقد تقدم الكلام على الترصيع في النظم.

الثالث المتوازي، وهو أن تكون الفاصلتان دون سائر ألفاظ القرينتين متفقتين في الوزن والتقفية، كقوله تعالى:(فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة) وقوله عليه السلام: اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا. ومنهم من لم يشترط في السجع التقفية في الفاصلتين، بل اكتفى باتفاقهما في الوزن فقط، وسماء المتوازن كقوله تعالى:(ونمارق مصفوفة، وزرابي مثبوثة) وقولهم: اصبر على حر اللقاء ومضض النزال، وشدة المصاع، ومداومة المراس. قال: فإن روعي الوزن في جميع كلمات القرينتين أو أكثرها، وقابل الكلمة منها بما يعادلها كن أحسن، كقوله تعالى:(وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم) .

ثم السجع ينقسم بحسب القرائن إلى ثلاثة أقسام: الأول ما تساوت قراينه، كقوله تعالى:(في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل مدود)، وقوله:(فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) .

الثاني ما طالت قرينته الثانية، كقوله تعالى:(خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه) ، ويشترط في طول الثنائية أن لا يكون بحيث يخرجها من الاعتدال كثيرا وإلا كان قبيحا، وأما الثالثة فيجوز أن تكون مساوية في الطول للأوليتين، وأن تزيد عليهما طولا كقوله تعالى:(والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصلوا بالحق وتواصلوا بالصبر) .

الثالث ما قصرت قرينته الثانية عن الأولى، وهو عيب فاحش، لأن السمع قد استوفى أمده من الأولى لطولها، فإذا جاءت الثانية أقصر يبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها، والذوق يشهد بذلك ويقضي بصحته، ولذلك عابوا على الفتح بن خاقان المغربي افتتاحه خطبته في قلائد العقيان بقوله: الحمد لله الذي راض لنا البيان حتى انقاد في أعنتنا، وشاد مثواه أجنتنا.

قال ابن الأثير: السجع يحتاج إلى أربعة شرائط: اختيار مفردات الألفاظ، واختيار التأليف، وكون اللفظ تابعا للمعنى لا عكسه، وكون كل واحد من الفقر دالة على معنى آخر، وإلا لكان تطويلا كقول الصابي: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بلحاظها، ولا تحده الألسن بألفاظها، ولا تخلفه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدهور بكرورها، والصلاة على من لم ير للكفر أثرا إلا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفاه. إذ لا فرق بين مرور العصور وكرور الدهور، ولا بين محو الأثر ةإعفاء الرسم. وقول الصاحب بن عباد في مهزومين: طاروا واقعين بظهورهم وصدورهم، وبأصلابهم نحورهم. ورد هذا الشرط الرابع ابن أبي الحديد في الفلك الدائر على المثل السائر بما لا طائل تحته.

ثم السجع إما القصير وهو الأحسن لقرب فواصل السجعة من سمع السامع، وأيضا هو أوعر مسلكا، إذ المعنى إذا صيغ بألفاظ قليلة عسر مواطاة السجع فيه. قيل للصاحب بن عباد: ما أحسن السجع؟ قال: ما خف على السمع، قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل هذا. ومثاله في التنزيل قوله تعالى: (والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا) .

وإما متوسط كقوله عز وجل: "اقتربت الساعة وانشق القمر، وأن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر".

وإما طويل كقوله تعالى: (إذ يريك الله في منامك قليلا ولو أراكم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم أنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور) .

‌تنبيهات

.

ص: 493

الأول كلمات السجاع مبنية على أن تكون ساكنة الإعجاز موقوفا عليها، لأن الغرض من السجع أن يزاوج بين الفواصل، ولا يتم في كل سورة إلا بالوقف وبالبناء على السكون، كقولهم: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت. فإنه لو اعتبر الحركة لفات السجع، لأن التاء من (فات) مفتوحة، ومن (آت) مكسورة منونة، وهذا غير واف بالغرض من تزاوج الفواصل. وإذا رأيتهم يخرجون الكلم عن أوضاعها للازدواج فيقولون (آتيك بالغدايا والعشايا) يريدون: الغدوات، و (هناني الطعام وراني) يريدون: أمراني، و (انصرفن مأزورات غير مأجورات) أي موزورات، و (أخذ ما قدم وما حدث) بالفتح، مع أن فيه ارتكابا لما يخالف اللغة، فما ظنك بهم في ذلك؟.

الثاني: الجمهور على أنه لا يقال في التنزيل إسجاع، تحرزا على معناه الأصلي الذي هو هدير الحمام، بل يقال: فواصل، لقوله تعالى:(كتاب فصلت آياته)، وقال الرماني: السجع عيب، والفواصل بلاغة. قال الخفاجي في سر الفصاحة: قوله هذا غلط، فإنه إن أراد بالسجيع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود، فذلك بلاغة والفواصل مثله، وإن أراد ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف، فذلك عيب والفواصل مثله. قال: وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا: رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم، وهذا غرض من التسمية قريب، والحقيقة ما قلناه.

قال: والتحرير أن الأسجاع: حروف متماثلة في مقاطع الفواصل. انتهى.

وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن، وقالوا: أن ذلك مما يبين به فضل الكلام، وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة، كالجناس والالتفاف ونحوهما.

الثالث قال ابن النفيس: يكفي في حسن السجع ورود القرآن به، قال: ولا يقدح ذلك خلوه في بعض الآيات، لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه. وقال حازم: إنما نول القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بأزاء ورود الاسجاع جميعا أن يكونوا مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف، ولما في الطبع من الملل، ولأن الافتتان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آيات القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل. انتهى.

وإذ قد استوفينا الكلام على ما يتعلق بالسجع في هذا المقام، فلا بأس بإيراد شيء من الإنشاء البديع المشتمل على محاسن التسجيع.

فمن ذلك قول الصاحب بن عباد وكتبه إلى القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني عند وروده باب الري وافدا عليه:

تحدثت الركاب بسير أروى

إلى بلد حططت به خيامي.

فكدت أطير من شوق إليها

بقادمة كقادمة الحمام.

أفحق ما قيل من أمر القادم؟ أم ظن كأماني الحالم؟ لا والله بل هو درك العيان، وأنه ونيل المنى سيان، فمرحبا براحلتك ورحلك،) وأهلا بك وبجميع اهلك) ويا سرعة ما فاح نسيم مسراك، ووجدنا ريح يوسف من رياك، فحث المطي تزل علتي بلقياك، وتبرد غلتي بسقياك، ونص على يوم الوصول نجعله عيدا مشرفا، وتتخذه موسما ومعرفا، ورد الغلام أسرع من رجع الكلام، فقد أمرته أن يطير على نجاح نسر، وأن يترك الصبا في عقال أسر والسلام.

وقوله أيضاً في التهنئة ببنت: أهلا وسهلا بعقيلة النساء (وكريمة الآباء) وأم الأبناء، وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار، والمبشرة بأخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون.

فلو كان النساء كمثل هذي

لفضلت النساء على الرجال.

وما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال.

فأدرع اغتباطا (وتهاتف نشاطا) فالدنيا مؤنثة ومنها خلقت البرية، وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة وقد زرينت بالكواكب، وحليت بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة هي قوام الأبدان، وملاك الحيوان، والجنة مؤنثة وبها وعد المدقون، (وفيها ينعم المرسلون) ، فهنيئا مليئا ما أوليت، وأوزعك الله شكر ما أعطيت.

ومنه قول بديع الزمان الهمذاني: بيننا عذراء زجاجه خدرها، وحبابها ثغرها، بل شقيقة حوتها كمامة، أو شمس حجبتها غمامة، إذا طاف بها الساقي فوردة على غصتها، أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها.

ص: 494

وقوله أيضاً: انظر إلى الكلام وقائله، فإن كان وليلا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن. ألا ترى إلى العرب تقول:(قاتلة الله) ولا يريدون الذم، و (لا أبا له) في الأمر إذا تم.

وقوله أيضاً: فائدة الاعتقاد، أفضل من الانتقاد، والسماح يكسر الرماح، والصفح يفل الصفاح، والجود أنصر من الجنود، وكشف الضر عن الحر أجمل من كشف الصدف عن الدرب، من عرف بالمنح قصد بالمدح، وخير الأخوان من ليس بخوان، وده ميمون وغيبه مأمون، فهو يخالفك ويرافقك ولا يفارقك، ويوافقك ولا ينافقك. إذا حضرت حنا عليك، وإذا غبت حن عليك.

وقوله أيضاً: ما أشبه وعد الشيخ بالخلاف إلا بشجر الخلاف، خضرة في العين، ولا ثمرة في البين، فما ينفع الوعد، ولا إنجاز من بعد، ومثل والوعد مثل الرعد، ليس له خطر، إن لم يتله مطر.

وقوله أيضاً: كتابي من هراة ولا هراة، فقط طحنتها المحن كما يطحن الدقيق، وقلبتها كما يقلب الرقيق، وبلعتها كما يبلع الريق، وقد خدمت الشيخ سنين، والله لا يضيع أجر المحسنين، ونادمته والمنادمة رضاع ثان، ومالحته والممالحة نسب دان، وسافرت معه والسفر والأخوة رضيعا لبان، وقمت بين يديه والقيام والصلاة شريكا عنان، وأثنيت عليه والثناء من الله بمكان، وأخلصت له والإخلاص محمود بكل لسان.

وقوله أيضاً: للشيخ من الصدور ما ليس للفؤاد، ومن القلوب ما ليس للأولاد، كأنما اشتق من جميع الأكباد، وولد بجميع البلاد، سواء الحاضر فيه والباد، فكل أفعاله غرة في ناصية الأيام، وزهرة في جنح الظلام. ألا أن ما أوجبه لفلان روض أنا وسميه، وغصن أنا قمرية، وعود جمره لساني وجود شكره ضماني.

وقوله أيضاً: المرء جزوع لكنه حمول، والإنسان في النوائب شموس ثم ذلول. ولقد عشت بعد الشيخ عيشة الحوت في البر، وبقيت لكن بقاء الثلج في الحر.

وقوله أيضاً: كتابي إلى البحر وان لم أره، فقد سمعت خبره، الليث وان لم ألقه فقد تصورت خلقه، والملك وان لم أكن لقبته، فقد لقيني صيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره. وهذه الحضرة وان احتاج إليها المأمون، ولم يستغن عنها قارون، فان أحب إلى من الرجوع عنها بمال. قدمت التعريف، وأنا انتظر الجواب الشريف.

وقوله أيضاً: حضرته التي هي كعبة المحتاج، أن أم تكن كعبة الحاج، ومشعر الكرام، آن لم تكن مشعر الحرام، ومنى الضيف، أن لم تكن منى الخيف، وقبلة الصلات، أن أم تكن قبلة الصلاة.

وقوله أيضاً: حرس الله هذه الدنانير، ورزقنا منها الكثير، أنها لتفعل مالا تفعل التوراة ة الإنجيل، وتغني مالا يغني التنزيل والتأويل، وتصلح ما يصلح جبرئيل وميكائيل.

وقوله في بعض من عزل من ولاية جماله، ونقص بدر حسنه بعد كماله: هذا الذي تاه بحسن قده، وزها علينا بورد خده، قد نسخ آية حسنه وأقام مائل غصنه، وانتصر لنا منه بشعرات كسفت هلاله، وأكسفت باله، ومسخت جماله، وغيرت حاله.

فمن لك بالعين التي كنت مرة

إليك بها في سالف الدهر أنظر.

أيام كنت تتلفت، فاقصر الآن، عما صار وكان، فانه سوق كسد، ومتاع فسد، ودولة أعرضت، وأيام انقضت، ويوم صار أمس، وحسرة بقيت في النفس. فختام تدل وإلام، وكم نحتمل وعلام.

قلت: لعمري هذا هو السجع الذي فاق سجع الحمائم على الغصون، وأربى بحسنه على ثمين الدر المصون، وهذا الإمام هو الذي صلى الحريري خلفه في مقاماته، وتتبع آثاره في منشآته وكلماته، وعناه بقوله: أن المتصدي بعده لإنشاء مقامة، ولو أوتي بلاغة قدامة، لا يغترف ألا من فضالته، ولا يسري ذلك المسري إلا بدلالته.

وما ألطف قول بعض العلماء: -وقد سئل عن الحريري والبديع في مقاماتها- لم يبلغ الحريري أن يسمى بديع يوم، فكيف يقارب بديع الزمان.

ومن بديع الإنشاء قول أبي بكر محمد بن أحمد اليوسفي: الشوق الذي أقاسي يصدع الجبل القاسي، والذي مر براسي يهد الجبل الراسي، من نواكب أوهت المناكب، وعوارض شيبت العوارض، ومحن عظام أثرت في العظام، وللأيام دول متعاقبة، وللصبر الجميل أحمد عاقبة.

ص: 495

وقول القاضي أبي أحمد منصور بن محمد الهروي وكتبه إلى صديق حياة بباكورة ورد: وصلت الوردة الفردة لا زال ذكره كرياها عرفا، ودهره كفضلها ظرفا، وحال أوليائه كأغصانها خضرة، ووجوه أعدائه كلونها صفرة، فسرت القلب، وسرت الكرب، وأدت الإرب، وأهدت الطرب، ودعت إلى الرسم المألوف، وأمرت بالمنكر المعروف. وافتنا والليل قد خط رواقه، وحل نطاقه، والصبح قد بسط رداءه، ورفع لواءه، والندى طل، والنسيم مبتل، والمزن منسجم، وثغر الصبح مبتسم، ونحن نبوح بما في الصدور، ونظير بأجنحة السرور، فوضعت الوردة على الرؤوس، وأديرت مع الكؤوس، ونطقت الأوتار، (وصدحت الأطيار) ولكل ذي لا فطنة فتنة، ولكل ذي توبة أوبة، وعند كل لفتة حسرة، ومع كل وردة سكرة.

وقوله أيضاً وكتبه إلى شمس الكفاءة عند عود الوزارة إليه:

الشمس في رأد الضحى

والبدن في جنح الدجى

والماء في حر الصدى

والغيث جاد على الثرى

والمزن يضحك في الربى

والورد جمشه الندى

والصبح تقدمه الصبا

والعيش في زمن الصبا

والقرب صب على النوى

والقلب رق مع الهوى

والطرف غازله الكرى

والصفو باعده القذى

والحلي في ثغر الدمى

ومنازل لك الحمى

وعهود سعدى باللوى

والدهر يسعف بالمنى

والبرء في عقب الضنى

والفقر يطويه الغنى

والبشر يتبعه الندى

والنشر من يعد البلى

والود في أثر القلى

والمحل يطرده الحيا

والعتب يمحوه الرضا

والكف تسمح باللهى

ومذكرات ذوى النهى

والرأي يعضده الحجى

والجد ساعد واعتلى

والحظ أدرك ما رجا

بها وبمالها من الأمثال، سارت سوائر الأمثال، فيما يونق النفوس والطباع، ويؤنس الأبصار والأسماع، وأحسن من كل هذا التمثيل أيام الشيخ الجليل، وقد أتاه اسم لم يزل معناه.

فيا حن الزمان وقد تجلى

بهذا الفخر والإقبال صدره

وكان الدهر يغدر قبل هذا

فحل وفاؤه وانحل غدره

فقل النصل وافقه نصاب

واقل في الأفق أشرق فيه بدره

والحمد لله الذي زان الشجر بالثمر، وحلى البرج بالقمر، وآنس العرين بالأسد، وأهدى الروح إلى الجسد. ولم أنس (أدام الله علو مولانا) رسم التصدير، وما يجب من مراعاته على الصغير والكبير. وان التهنئة المرسومة يتهاداها الأكفاء، ويتعاطاها النظراء، فأما الخدم مع الصدور والنجوم التاليات مع الأهلة والبدور، (فالعادة ثمة أن تعذرت الإرادة) ولم تساعد السعادة، فالدعاء موصولا منشورا، والثناء منظوما منثورا، وعلى هذه الجملة عملت، وإلى هذا الجانب عدلت، فأصدت كلمة تتجها الود الصريح، ونسجها الولاء الصحيح

فجاءت تؤدي وجوه الريا

ض أضحكها العارض الهامع

وليس لها غير عين الرضا

لديك ذمام ولا شافع

وقول القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني: وقد كان يقال: إن الذهب الإبريز لا تدخل عليه آفة، وان يد الدهر البخيل عنه كافة. وأنتم - يا بني أيوب - آفة نفائس الأموال، كما أن سيوفكم آفة نفوس الأبطال. فلو ملكتم الدهر لأمطيتم لياليه أداهم، وقلدتم أيامه صوارم، ووهبتم شموسه وبدوره دنانير ودراهم، ووافتكم أعراس تم فيها على الأموال مآتم، والجود خاتم في أيديكم ونفس حاتم في نقش ذلك الخاتم.

وقوله أيضاً: سرنا وروضة السماء فيها الزهرة زهر، ومن المجرة نهر، والليل كالبنفسج تخلله من النجوم أتاح، وكالزنج شمله من الرياح جراح، والكواكب سائرات المراكب لا معرس لها دون الصباح، وسهيل كالظمآن تدلى إلى الأرض ليشرب، والكريم أنف المقام بدار الذل فتغرب، فكأنه قبس تتلاعب به الرياح، أو زينة قدمها بين يدي الصباح، والجوزاء كالسرادق المضروب، أو الهودج المنصوب، أو الشجرة المنورة، أو الحبرة المصورة، والثريا قد هم عنقودها أن يتدلى، وجيش الليل قد هم أن يتولى.

وقوله أيضاً من رسالة يصف فيها قلعة نجم: هي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، وهامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان لها الهلال قلامة.

ص: 496

وقوله في جواب كتاب بعثه العماد في ورق أحمر، فقطعت العرب الطريق على حامله وأخذوه: ووصل منها كتاب تأخر جوابه، لان العرب قطعوا طريقه، وعقوا عقيقه، ثم أعادوه وما استطاعت أيديهم أن تقبض جمره، ولا ألبابهم أن تسيغ خمره، فقطف ورده من شوك أيديهم، وحيا حياة الذي جل عن واديهم، وحضر منه حاضر الفضل الذي ما كان الله ليعذبه بالغربة وأنت فيهم في بواديهم، وتشرف منه بعقيلة الأنس التي ما كان الله ليمتحنها بقتل واديهم، وسألته بأي ذنب قتلت، وأي شفاعة فيك قبلت، فقال عرفت الأعراب بضاعتها من الفصاحة، وتناجدت أهل نجد فكل صاح وإصباحه، وقالوا: هذه حقائقنا السحرية، وهذه حقائبنا السحرية، وهذه عتايدنا السرية محمولة، وهذه مواريث قيسنا وقسنا المأمولة. فقيل لهم: أن الفصاحة تنتقل عن الأنساب، وان العلم يناله فرسان فارس ولو كان في السحاب، فدعوا عنكم ثمرا علق بشجراته، اتركوا نهبا صيح في حجراته (وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وقوله يذكر كتابا جاء في ورق أخضر: ولما في الحلة الخضراء، مخضرا بسريرته السراء، قلت: الله أكبر من كان خاطره غيثا روض، وفاض فأعشب فذهب وفضض، وما شككت أنى دخلت الجنة لما فاض من أنهارها، وأفيض من سندسها، أو طلعت إلى سماء الدنيا لما ملأ سمعي وعيني من شهبها وحرسها، ولا أنني قد جاءني رسالة الروض الأرج لما فغمني من نفيس نفسها، فقلت لصحيفته ما هذه اللبسة الغريبة والحلة العجيبة؟ والورقة التي هزت عطفي ورق الشبيبة؟ والريحانة التي لا يدعيها عذار حبيبه؟ فقالت: شققنا مرائر قوم به فنحن نسميه شق المرارة) .

وقوله أيضاً: ومن مستهل ذي الحجة ما أستهل من يده كتاب، ولا استقل من تلقاء جهته سحاب، ولعل قلمه في الميقات قد أحرم فلم يمس الطيب من أنفاسه، ومسح المداد عنه لتمام الإحرام بكشف رأسه، والآن فقد انقضت الأيام المعلومة، فهلا قضى عنا الأيام التي تمادت فيها شقوة العيون المحرومة.

وقوله أيضاً في القلم: وقد أثمر هذا القلم أكرم الثمر وهو يابس، وأبر جودا على أخضر المغارس، وأتى أكله كل حين ووقت، وطال وان كان القصير فقصر عنه كل نعت.

قلت: وعلى ذكر القلم فقد عن لي أن أورد هنا رسالة القلم لخاتمة المحققين، مولانا جلال الدين الدواني، لما اشتملت عليه من المعاني الغريبة، والأسجاع التي لا يعتري السامع في حسنها ريبة، وهي:(آن القلم وما يسطرون) أن هذه تذكرة لقوم يعقلون. يا من فاق من البراعة، سألتني عن وصف اليراعة، فاستمع لما يتلى عليك (ذلك من أنباء الغيث نوحيه إليك)(أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا، إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتتا من لدنك رحمة وهي لنا من أمرنا رشدا) انه فتى من أصحاب الكهف والرقيم نشر له ربه من رحمته وهيأ له مرفقا ورفع له بخط مستقيم. نبي بعث من سرة البطحاء، وأيد بفصاحة أبكمت مصاقع البلغاء. كليم خص بالطور، والكتاب المسطور، والرق المنشور، وسفير بليغ نذير، وقد جاءنا بالبينات والزبر والكتاب المنير. قد بلغ من ذروة الشرف منتهاه، ومن سنام المعالي أعلاه، ينمي في شجرة النسب إلى أول ما خلق الله. (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا اله ألا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين) يقول إذا برز من بطن النون وشرع في الزبور (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. ألف يقارن نونا، وألف يؤلف به درا ُمكنونا، إذا شددت به أن، وان لنت به اطمأن. عالم من أهل الكتاب علا كعبه في الأحبار، مر على سائر الكتب السماوية من الصحف والأسفار. ذو القرنين يسير المغرب والمشرق في أقصر ساعة، استولى على الأقاليم كلها ومد فيها باعه. فصيح جزل الكلام، لكن لا ينفك كلامه عن الإلهام، وإشراقي في طرق التعلم والتعليم من المشائين بنميم.

ص: 497

بادي البشرة أسود الرأس، فصيح ماش على قدميه لكن ليس من الناس. نشازي النبض ما به من ورم، ناحل الجسم ليس عليه سقم، أرى قدمه، أراق دمه، ولسانه مهد عدمه. كف نفسه عن الراحة، وزاحم بالركب أهل الفصاحة، حتى يضرب به المثل بين الأماثل، ويذعن لنظمه ونثره الأفاضل. ذو اللسانين وذو البيانين، قد هدي النجدين واقتحم العقبتين، وجمع بين العلم والعين. مهندس ينقش الخطوط على السطوح للتعاليم، منجم يصلح الزيجات والتقاويم.

ينقص بالأصابع طل الأقدام، ويرقم على الرخامات دقائق الليالي والأيام. لا يأبى السلاطين ما رسمه، ولا يتجاوز الأساطين عما رقمه. أعجم يعرف اللغات كلها، أدهم قد طوى المقامات جلها. يقول حين يبرز في نادي البيان: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان. صوفي قطع المنازل وبلغ الغايات، ورجع القهقرى لتصحيح البدايات. إن لم يقطع لسانه لم يفصح بيانه، وان لم يشق سنانه لم ينطلق لسانه. عربي واسطي، أصله هندي، زنجي نسله طوطي، أسود المنقار كأن منقاره من قار، ذو ذؤابة يعلم من مسيرة طول حلول الآجال، ويفهم من ظهوره انتقال الدولة وتداول الإقبال، وتحول الأحوال. أحرز قصبات السبق في مضمار البيان، حتى صار بحيث تشير ليه المهرة في ذلك الفن بالبنان. كأنه عصا موسى، وقد ألقيت فإذا هي حية تسعى. أبو قلمون يتقلب في الأطوار، ويتحول من شعار إلى شعار، طورا ينظم القوافي والأشعار، وتارة تلقاه ينثر لأليء الحكم والأسرار ساعة تبصره أنيس الإعلام ذوي البراعة، وكرة تصادفه سمير أهل المجون والخلاعة. سحار يأتي بالغرائب، مكار يري الناظرين العجائب. يثبت في سماء مشرقة كواكب مظلمة، وينثر على صفحة النهار قطعا من الليل معتمة. كاتب شهيد، وحاسب عتيد. تجرع مرارة مذاق الكد حتى تضلع من فنون العلوم، وتحمل الصبر على استنشاق دخان السراج حتى برع بين الفضلاء ذوي الفهوم. لا يزال رطب اللسان في شكر باريه، عذب البيان بذكر باريه. محدث تحدث عنه الآثار، وتنتقل عنه الأخبار في الأقطار. بازي يمتطي أيدي الصناديد الصيد، لا يطير من أيديهم ويصيد. له إشارة مبهمة، وعبارة مفهمة. انقطع عن عبرته لنيل طلبته، حتى بلغ مبلغ الرجال، ونال من الشرف ما نال، فحق أن ينشد فيه.

قول من قال:

ورث النجابة كابرا عن كابر

كالرمح أنبوبا على أنبوب

حكيم تنطوي إشارته على تلويحات إلى قانون الشفاء، وتحتوي على تنبيهات لمناهج النجاة عن درك الجهل والشقاء. له مواقف يحقق فيها مقاصد الكلام، وعوارف معارف يكشف بها عن وجوه الفرائد اللثام. يعرض ذات الشمال وهو من أهل اليمين. ويصدق في أكثر الأقوال ولكنه قد يمين. لا تنظم مصالح الأنام إلا بحسن مساعيه، ولا تنضبط حوادث الأيام إلا بيمن مراعيه. أجوف وهو مصدر المثال، مهموز سالم من الاعتلال. لفيف مفروق من إخوانه، خفيف ناقص من أوزانه. أصل واحد تصدر عنه الأمثلة لمعان مقصودة لا تحصل إلا به، نصل شاهد لا يصاب غرض المطالب ألا بنابه. نموم يسعى في هتك الأستار، غشوم نفوذ في كشف الأسرار، تقي لا يزال مولعا بافتضاض أبكار بنات الأفكار. خضر خاض الظلمات، حتى أرتوي من ماء الحياة. مستوف قد أحاط أبواب حواصل الأقاليم جمعا أو خرجا، وزير قد نظم غوامض أمور الممالك هرجا ومرجا. مشير ذوي النهى في النوائب ومؤنسهم (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) رشيق القد أسيل الخد، أليف الكد طويل المد، قد جاوزت شمائله حد العد. ألف ممدود لا يمنع الصرف، سالك مرتاض لكنه يعبد الباري على حرف. تعمم بشعار آل العباس، وأقام أمر النجدة والباس، فقال: أيها الناس.

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني.

ص: 498