الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه قوله تعالى حكاية عن مستحلي الربا "إنما البيع مثل الربا" فإن مقتضى الظاهر هو أن يقال: إنما الربا مثل البيع، لان الكلام في الربا لا في البيع، فخالفوا بجعلهم الربا في الحل أقوى من البيع وأعرف به.
الثاني: بيان الاهتمام بالمشبه به، كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة، بالرغيف، إظهارا للاهتمام بشأن الرغيف لا غير، وهذا يسمى: إظهار المطلوب، ولا يحسن المصير إليه إلا في مقام الطمع في تسني المطلوب.
كما يحكى عن الصاحب بن عباد، أن قاضي سجستان دخل عليه فوجده الصاحب متفننا فأخذ يمدحه، حتى قال (وعالم يعرف بالسجزي) وأشار إلى الندماء أن ينظموا على أسلوبه، ففعلوا واحدا بعد واحد، إلى أن انتهت النوبة إلى شريف في البين فقال (أشهى إلى النفس من الخبز) فأمر الصاحب أن تقدم له مائدة.
هذا كله -أعنى ما ذكرناه- من جعل أحد الشيئين مشبها، والآخر مشبها به، إنما يكون إذا أريد إلحاق الناقص بالزائد حقيقة أو دعاء. فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر من الأمور من غير قصد إلى كون أحدهما زائدا والآخر ناقصا، سواء وجدت الزيادة والنقصان أو لم توجد، فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه، ليكون كل واحد من الشيئين مشبها ومشبها به، احترازا من ترجيح المتشابهين في وجه الشبه.
كقول ابن نباتة السعدي:
فو الله ما أدري أتلك مدامة
…
من الكرم تجنى أم من الشمس تعصر
إذا صبها جنح الظلام وعبها
…
رأيت رداء الشمس يطوى وينشر
وقول الصاحب:
رق الزجاج ورقت الخمر
…
فتشابها وتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح
…
وكأنما قدح ولا خمر
وقول أبي إسحاق الصابي:
جرت الدموع دما وكأسي في يدي
…
شوقا إلى من لج في هجراني
فتخالف الفعلان شارب قهوة
…
يبكي دما وتشابه اللونان
فكأن ما في الجفن من كأسي جرى
…
وكأن ما في الكأس من أجفاني
ويجوز التشبيه أيضاً كتشبيه غرة الفرس بالصبح، والصبح بغرة الفرس، متى أريد إظهار منير في مظلم أكثر منه، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة، والدينار الخارج من السكة، وبالعكس، متى أريد استدارة متلالي متضمن لخصوص من اللون، وإن عظم التفاوت بين بياض الصبح وبياض الغرة، ولون المرآة والدينار، وبين الجرمين، فانه ليس شيء من ذلك بمنظور إليه في التشبيه.
الفصل الرابع في الأحوال
وهي كيفيات يحصل بها حسن التشبيه وقبحه، وقبوله ورده. أما أحوال الحسن فعلى وجوه: أحدها: أن يكون سليما من الابتذال لا تستعمله العامة. كقولهم في السواد كالفحم، وفي البياض كالثلج، لان تجدد صورة عند النفس أحب من مشاهدة معاد، ألا ترى أن الثمرة البالغة حد الكمال في النضج لا يرغب فيها رغبة الباكورة، والبدر التام لا يلتفت إليه التفات الهلال، والشمس في الشتاء أعز منها في الصيف، ولا يتجشم للأهل والأقارب ما يتجشم للضيف.
الثاني: أن يكون أدراك وجه الشبه فيه مرتفعا عن أذهان العامة، كقول فاطمة الأنمارية في بنيها الكملة، وهم، ربيع الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس أولا زياد العبسي -وقد سئلت أيهم أفضل- فقالت: عمارة؛ لا؛ بل أنس؛ لا؛ ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل؛ وهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها؛ أي هم متناسبون في الفضل، يمتنع تعيين بعضهم فاضلا، وبعضهم أفضل منه. كما أن الحلقة المفرغة متناسبة الأجزاء في الصورة؛ يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا؛ لكونها مفرغة مصمتة الجوانب. فوجه الشبه في هذا التشبيه (وهو التناسب) لا يدركه إلا الخاصة الذين ارفعوا عن طبقة العامة.
الثالث: أن يكون التشبيه بعيدا غريبا لا يدرك في بدء الفكر. أما لندور حضور المشبه به عند حضور المشبه كما مر من تشبيه البنفسج بنار الكبريت، أو مطلقا لكونه وهميا كتشبيه نصال السهام بأنياب الأغوال، أو مركبا عقليا كتشبيه مثل أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا، أو لقلة تكرره على الحس كقوله (والشمس كالمرآة في كف الأشل) فإن المرآة في كف الأشل قليل التكرار على الحس، بل ربما يقضي الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآة في يد الأشل.
ولهذا كان قول الصنوبري:
وكأن أجرام النجوم لوامعا
…
درر نثرن على بساط أزرق
أفضل من قول ذي الرمة:
كحلاء في برج صفراء في دعج
…
كأنها فضة قد مسها ذهب
لأن الأول مما يندر وجوده، دون الثاني فإن الناس أبدا يرون في الصياغات فضة قد موهت بذهب، ولا يكاد يتفق أن يوجد درر قد نثرن على بساط أرزق.
وإما لكونه كثير التفصيل، كتشبيه المرآة بالشمس في كف الأشل، فإن وجه التشبيه فيه هو الهيئة الحاصلة من الاستدارة، مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة، مع تموج الإشراق واضطرابه، حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة، ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض وهذه الهيئة لا تقع في نفس الرائي للمرآة الدائمة الانقباض إلا بعد أن يستأنف تأملا، ويكون في نظره متمهلا، فالغرابة في هذا التشبيه من وجهين: أحدهما: قلة تكرار المشبه به على الحس.
والثاني: كثرة التفصيل في وجه الشبه.
والمراد بالتفصيل أني يعتبر في الأوصاف وجودها أو عدمها، أو وجود بعضها وعدم بعضها، كل من ذلك من أمر واحد، أو أمرين أو ثلاثة أو أكثر.
ويقع على وجوه كثيرة أعرفها وأبلغها وجهان: أحدهما: أن تأخذ بعضا من الأوصاف وتدع بعضا.
كما في قول امرئ القيس:
حملت ردينيا كأن سنانه
…
سنا لهب لم يتصل بدخان
ففصل السنا عن الدخان وأثبته مجردا.
والثاني: أن يعتبر الجميع.
كما في قول الآخر:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى
…
كعنقود ملاحية حين نورا
فانه اعتبر من الأنجم الشكل والمقدار، واجتماعها على المسافة المخصوصة في القرب، ثم اعتبر مثل ذلك في العنقود المنورة من الملاحية -وهي بضم الميم- وهي عنب أبيض في حبه طول.
وكلما كان التركيب من أمور أكثر كان التشبيه أبعد وأبلغ، كقوله تعالى "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس" فإنها عشر جمل فصلت. وهي وإن دخل بعضها في بعض حتى صارت كلها كأنها جملة واحدة، فإن ذلك لا يمنع من أن تشير أليها واحدة واحدة، ثم إن التشبيه منتزع من مجموعها من غير أن يكون فصل بعضها عن بعض، حتى لو أخذت منها جملة أخل ذلك بالمغزى من التشبيه.
ومن أبلغ الاستقصاء في التفصيل وعجيبه قول ابن المعتز:
كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى
…
نطير غرابا ذا قوادم جون
شبه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط أن يكون قوادم ريشها أيضاً، لأن تلك الفرق من الظلمة تقع حواشيها من حيث يلي معظم الصبح وعموده لمع نور يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض. وتمام التدقيق في هذا التشبيه، أن جعل ضوء الصبح لقوة ظهوره ورفعه ظلام الليل، كأنه يحفز الدجى ويتسعجلها، ولا يرضى منها بأن تتمهل في حركتها، ثم لما راعى ذلك في التشبيه ابتداء راعاه آخرا، حيث قال (نطير غرابا) ولم يقلك غراب يطير نحوه، لأن الطائر إذا كان واقعا في مكان فازعج وأطير منه، أو كان قد حبس في يد أو قفص فارسل كان لا محالة أسرع لطيرانه، وأدعى له أن يستمر على الطيران حتى يصير إلى حيث لا تراه العيون، بخلاف ما إذا طار عن اختيار، فانه يجوز أن لا يسرع في طيرانه وإن يصير إلى مكان قريب من مكانه الأول.
وإذا قد تحققت ما ذكرنا في التفصيل علمت أن قول امرئ القيس في وصف السنان أعلى طبقة من قول الآخر:
يتابع لا يبتغي غيره
…
بأبيض كالقبس الملتهب
لخلو هذا من التفصيل الذي تضمنه قول امرئ القيس، وهو قصر التشبيه على مجرد السنا، وتصويره مقصورا عن الدخان، ومعلوم أن هذا لا يقع في الخاطر أول وهلة، بل لا بد فيه من أن يثبت وينظر في حال كل من الفرع والأصل حتى يقع في النفس أن في الأصل شيئا يقدح في حقيقة التشبيه، وهو الدخان الذي يعلو رأس الشعلة.
وكذا قول بشار:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
…
وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه
أعلى طبقة من قول أبي الطيب:
يزور الأعادي في سماء عجاجة
…
أسنته في جانبيها الكواكب
وقول الآخر:
تبني سنابكها من فوق أرؤسهم
…
سقفا كواكبه البيض المباتير
لأن كل واحد منهما وإن راعى التفصيل في التشبيه فانه اقتصر على أن أراك لمعان السيوف في أثناء العجاجة، بخلاف بشار، فانه لم يقتصر على ذلك بل عبر عن هيئة السيوف وقد سلت من أغمادها وهي تعلو وترسب وتجئ وتذهب، وهذه الزيادة زادت التفصيل تفصيلا، لأنها لا تقع في النفس إلا بالنظر إلى أكثر من جهة واحدة، وذلك أن للسيوف في حال احتدام الحرب، واختلاف الأيدي فيها للضرب اضطرابا شديدا، وحركات سريعة ثم لتلك الحركات جهات مختلفة وأحوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض، ثم هي باختلاف هذه الأمور تتلاقى وتتداخل ويصدم بعضها بعضا، ثم أشكالها مستطيلة، فنبه على هذه الدقائق بكلمة واحدة هي قوله (تهاوى) فإن الكواكب إذا تهاوت اختلفت جهات حركاتها، وكان لها في تهاويها تدافع وتداخل، ثم إنها بالتهاوي تستطيل أشكالها.
وأبلغ التشبيه ما كان من هذا النوع لغرابته، ولان نيل الشيء بعد طلبه والاشتياق إليه ألذ، وموقعه من النفس ألطف، وبالمسرة أولى، ولهذا ضرب المثل لكل ما لطف ببرد الماء على الظماء.
كما قال:
وهن ينبذن من قول يصير به
…
مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
لا يقال عدم الظهور ضرب من التعقيد، والتعقيد مذموم، لانا نقول التعقيد له سببان: سوء ترتيب الألفاظ، واختلال الانتقال من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو المراد باللفظ، وهذا هو المذموم المردود. والمراد بعدم الظهور في التشبيه ما كان سببه لطف المعنى، ودقته، أو ترتيب بعض المعاني على بعض، كما يشعر بذلك قولنا في بدء الفكر، فإن المعاني الشريفة قلما تنفك عن بناء ثان على أول، ورد تال إلى سابق. ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا) فمن الذي بأول وهلة ينفذ السحر، ويهجم على حكمة الشعر؟ ثم هل شيء أحلى من الفكر إذا صار فيه نهجا قويما وطريقا مستقيما يوصل إلى المطلوب ويظفر بالمقصود؟.
الرابع: من وجود الحسن، أن يكون المشبه به معقولا، والمشبه محسوسا، لما تقدم من أن وجهه أن يقدر المعقول محسوسا، ويجعل كالأصل في ذلك المحسوس على طريقة المبالغة، وذلك لا يخلو من غرابة وبعد تناول.
وما أحسن قول أبي نواس في هذا النوع:
وندمان سقيت الراح صرفا
…
وسر الليل منسدل السجوف
صفت وصفت زجاجتها عليها
…
كمعنى دق في ذهن لطيف
ولمؤلفه عفا الله عنه من أبيات:
رقت فلولا الكأس لم تبصر لها
…
جسما ولم تلمس براحة لامس
فكأنها عند المزاج لطافة
…
وهم يخيله توهم هاجس
وقال الآخر:
كأن القلب والسلوان ذهن
…
يلوح عليه معنى مستحيل
وقال جحظة البرمكي:
ورق الجو حتى قيل هذا
…
عتاب بين جحظة والزمان
وإلى هذا البيت أشار من قال: بيننا عتاب لحظة، كعتاب جحظة.
وقال ابن الهبارية:
كم ليلة بت مطويا على شجن
…
أشكوا إلى النجم حتى كاد يشكوني
والصبح قد مطل الشرق العيون به
…
كأنه حاجة في نفس مسكين
وقال أبو القاسم أسعد بن إبراهيم:
تنفس الصهباء في لهواته
…
كتنفس الريحان في الآصال
كأنما الخيلان في وجناته
…
ساعات هجر في زمان وصال
وهو من قول الآخر:
أسفر ضوء الصبح في وجهه
…
فقام خال الخد فيه بلال
كأنما الخال على خده
…
ساعة هجر في زمان الوصال
والأصل في هذا المعنى قول المعتمد بن عباد:
أكثرت هجرك غير أنك ربما
…
عطفتك أحيانا علي أمور
فكأنما زمن التهاجر بيننا
…
ليل وساعات الوصال بدور
وقال ابن طباطبا:
كأن انتصار البدر من تحت غيمة
…
نجاة من البأساء بعد وقوع
وزعم بعضهم ان هذا أعلى مراتب التشبيه طبقة، لأنه يفتقر إلى لطف ذوق، وسلامة فطرة، وصحة تخيل، فهو صعب على من يرومه، متقاعس عمن جذب إليه زمامه.
الخامس: أن يكون مستحلى عند الذوق، تهش النفس عند سماعه، ويميل الطبع إليه.
كقول القائل في الورد:
كأنه وجنة الحبيب وقد
…
نقطه عاشق بدينار
وقول ابن المعتز:
على عقار صفراء تحسبها
…
شيبت بمسك في الدن مفتوت
للماء فيها كتابة عجب
…
كمثل نقش في فص ياقوت
وقوله في الهلال:
أنظر إليه كزورق من فضة
…
قد أثقلته حمولة من عنبر
وقول بان طباطبا:
أما والثريا والهلال جلتهما
…
لي الشمس إذ ودعت كرها نهارها
كأسماء إذ زارت عشاء وغادرت
…
دلالا لدينا قرطها وسوارها
وإذا علم أحوال الحسن، علم أحوال خلافه بالتقابل، فيقابل السليم عن الابتذال المبتذل العامي كما مر من تشبيه السواد بالفحم والبياض بالثلج ويقابل ما ارتفع عن أذهان العامة إدراك وجهه ما هو ظاهر يدركه كل أحد نحو زيد كالأسد، ويقابل البعيد القريب المبتذل، كتشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل والمقدار، والجرة الصغيرة بالكوز كذلك. وهذا يقابل الخامس أيضاً وهو تشبيه المحسوس بالمعقول، لأن وجه الحسن فيه غرابته وبعد تناوله، لا تشبيه المعقول بالمحسوس، ويقابل المستحلى عند الذوق المكروه الذي ينفر عنه الطباع.
كقول النابغة:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
…
نظر المريض إلى وجوه العواد
فان الأصمعي عاب عليه هذا التشبيه بين يدي الرشيد فقال: يكره تشبيه المحبوب بالمريض.
وقول أبي محجن الثقفي:
ترجع العود أحيانا وتخفضه
…
كما يظن ذباب الروضة الغرد
فانه ما زاد على أن شبه هذه المطربة بالذبابة.
وقول جعفر المصحفي:
صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت
…
في الجسم دبت مثل صل لاذع
قال الثعالبي: لم يحسن في تشبيه دبيب الخمر في جسم شاربها بدبيب الحية اللاذعة، بل تباغض، ومن يعجبه دبيب الحية في جسمه؟.
قلت: وأين هو عن قول أبي نواس:
وتمشت في مفاصلهم
…
كتمشي البرء في السقم
ومثله قول ابن عون في الخمرة الممزوجة:
وتزيد من تيه عليه كأنها
…
عزيزة خدر قد يحبطها المس
فان بشاعة هذا التشبيه مما تنفر عنه الطباع، ومن الذي يطيب له أن يشرب شيئا يشبه زبد المصروع.
قالوا: ومن التشبيه المستبشع قول الآخر:
أن شقائق النعمان فيه
…
ثياب قد روين من الدماء
فإن الثياب المضرجة بالدماء مما تعاف الأنفس رؤيتها.
وانتقدوا على الحاجري قوله:
وما اخضر ذاك الخد نبتا وإنما
…
لكثرة ما شقت عليه المرائر
فان شق المرائر على خد المحبوب مما تشمئز منه القلوب. قالوا: ما زاد على أن جعل خد محبوبه مسلخا.
وما اكتفى الآخر بشق المرائر على خد محبوبه حتى سفك عليها الدماء فقال:
وما احمر ذاك الخد واخضر فوقه
…
عذارك إلا من دم ومرائر
وما أحسن قول الصنوبري في شق المرارة:
أتت في لباس لها أخضر
…
كما لبس الورق الجلناره
فقلت لها ما اسم هذا اللبا
…
س فأدت جوابا لطيف العبارة
شققنا مرارة قوم به
…
فنحن نسميه شق المراره
هذا إذا لم يكن الغرض من التشبيه التشويه والتنفير. أما إذا كان غرض المتكلم التنفير فلا يستهجن ذلك، وكذلك إذا كان الغرض الهجو فانه لا يستهجن فيه ما يستهجن في الغزل.
كما قال الثعالبي في قول الرقي:
لقد جل حظي في التي رق خصرها
…
وأسهر جفني جفنها وهو نائم
إذا كان أصداغ الخدود عقاربا
…
فإن ذوابات الرؤوس أراقم
هذا البيت صعب عندي إذ جمع بين العقارب والحيات في الغزل، والطبع يأنف منها، ولو كان في الهجاء كان جيدا.
كما قال ابن الرومي في هجاء قينة:
فقرطها بعقرب شهرزور
…
إذا غنت وطوقها بأفعى
وأما أحوال القبول فهي أن يكون التشبيه وافيا بأداء الأغراض المتقدم ذكرها، بان يكون المشبه به أعرف بالوجه إذا قصد بيان حال المشبه، ومع العلم به مساويا له إذا قصد بيان مقداره، ومسلم الحكم إذا قصد بيان إمكان وجوده، وأتم معنى فيه إذا أريد زيادة التقرير، أو إلحاق الناقص بالكامل، أو قصد الترغيب أو التعبير، ونادر الحضور إذا قصد غرابته واستطرافه كما مر. والمردود بخلافه.
قال الزنجاني: ومن فساد التشبيه أن يكون منكوسا كقول الفرزدق:
والشيب ينهض في الشباب كأنه
…
ليل يصيح بجانبيه نهار
فذكر أن الشيب يبدو في الشباب، ثم ترك ما ابتدأ به، ووصف الشباب بأنه كالليل والذي تقتضيه المقابلة الصحيحة أن يقول: كمنا ينهض نهار في جانبي الليل. انتهى.
قلت: وقريب من ذلك قول الصلاح الصفدي في تشبيه إشراق القمر من خلال الأغصان: