المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنبيه - قال الحافظ السيوطي في الإتقان: قد يكون الإجمال - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: تنبيه - قال الحافظ السيوطي في الإتقان: قد يكون الإجمال

تنبيه - قال الحافظ السيوطي في الإتقان: قد يكون الإجمال في النشر لا في اللف، بأن يؤتى بمتعدد، ثم يلفظ يشتمل على متعدد يصلح لها كقوله تعالى:(حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) على قول أبي عبيدة: إن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل. انتهى. فعلى هذا يكون ذكر المتعدد إجمالاً قسمين، أحدهما ما كان فيه الإجمال في اللف والثاني ما كأن فيه الإجمال في النشر، وإذا ثبت ذلك كانت الفذلكة أيضاً من القسم الإجمالي الذي وقع فيه الإجمال في النشر، لأنها عكس ما تقدم من الأمثلة لذكر المتعدد إجمالاً في اللف فأعلم.

وأرباب البديعيات لم ينظموا إلا اللف والنشر المرتب، لأنه هو أشهر أقسامه وأعلاها رتبة عند علماء البديع.

وبيت الشيخ صفي الدين قوله:

وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي

منهم إليهم عليهم فيهم بهمِ

هذا البيت غاية في بابه لما اشتمل عليه من السهولة والرقة وعدم الحشو.

وابن جابر لم ينظم هذا النوع إلا في بيتين مع عقادة التركيب وهما:

حيث الذي إن بدا في قومه وحبا

عفاته ورمى الأعداء بالنقمِ

والبدر في شبهه والغيث جاد الذي

محل وليث الشرى قد جال في الغنم

وبيت عز الدين الموصلي قوله:

نشر ويسر وبشر من شذا وندى

وأوجه فتعرف طي نشرهمِ

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

فالطي والنشر والتغيير مع قصر

للظهر والعظم والأحوال والهممِ

لا يخفى ما في هذا البيت من الثقل الذي يخف عنده رضوى، ومعناه من الركاكة في الغاية القصوى، ولا أعظم من نشر العظم في هذا النظم، فإن الأسماع لا تسيغه، والعز الموصلي وإن لم يكن لقوله: فتعرف طي نشرهم نص في اللف، بل هو فضلة أتى به لتسمية النوع، لكنه على كل حال أخف على السمع من هذا البيت لفظاً ومعنى، وأحسن منه تشييداً ومبنى.

وبيت الطبري قوله:

لفي ونشري اعتمادي لوعتي ولهي

فيهم إليهم عليهم منهم بهمِ

وبيت بديعيتي هو قولي:

لفي ونشري انتهائي مبدئي شغفي

معهم لديهم إليه منهم بهمِ

في هذين البيتين وهما فرساً رهان في هذا الميدان، رد على ابن حجة حيث قال: لو التزم الشيخ صفي الدين إن يسمى هذا النوع لتجافت عليه تلك الرقة، وهذان مع التزام التسمية ملكاً من حسن الانسجام والسهولة رقه، فلو أدركهما ابن حجة لقامت عليه الحجة.

وبيت المقري قوله:

سقمي دموعي نحولي خمرتي معه

في اللحظ والعقد والأحشا وريق فمِ

‌الالتفاف

ما أسعد الظبي لو يحيك لحاظهم

أو كنت يا ظبي تعزى لالتفاتهمِ

الالتفات - مأخوذي من التفات الإنسان من يمينه إلى شماله، ومن شماله إلى يمينه، وهو عند الجمهور: التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة، أعني: التكلم والخطاب والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.

وقال السكاكي: هو أما ذلك أو أن يكون مقتضى الظاهر التعبير عنه بطريق منها، فعدل إلى الآخر. فهو عنده أعم، فكل التفات عند الجمهور التفات عنده من غير عكس.

فقول امرئ القيس:

تطاول ليلك بالأثمد

ونام الخلي ولم ترقدِ

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العائر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني

وخبرني عن أبي الأسود

فيه عند السكالي ثلاث التفاتات، أحدهما في (ليلك) ، لأنه خطاب ومقتضى الظاهر (ليلي) بالتكلم، والثاني في (باتَ) لأنه غيبة ومقتضى الظاهر (بت) بالتكلم أيضاً، والثالث في (جاءني) لأنه تكلم ومقتضى الظاهر (جاءك) بالخطاب. وعند الجمهور فيه التفاتان وهما الثاني والثالث وأما الأول فليس عندهم بالتفاف، لأنه لم يقع بعد التعبير عنه بطريق آخر من الطرق الثلاثة بخلاف الآخرين.

ص: 73

قال في المفتاح: والعرب يستكثرون من الالتفات، ويرون الكلام إن انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القلوب عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه، واملأ باستدرار إصغائه، وهم أحرياء بذلك، أليس قري الأضياف سجيتهم، ونحر العشار للضيف دأبهم وهجيراتهم؟ - لا مزقت أيدي الأدوار لهم أديماً ولا أباحت لهم حريما - أفتراهم يحسنون قري الأشباح فلا يخالفون فيه بين لون ولون، وطعم وطعم، ولا يحسنون قرى الأرواح فلا يخالفون بين أسلوب وأسلوب، وإيراد وإيراد؟ فإن الكلام المفيد عند الإنسان - لكن بالمعنى لا بالصورة - أشهى غذاء لروحه، وأطيب قرى لها. انتهى.

وهذا الوجه وهو إفادة التطرية لنشاط السامع هو فائدته العامة، وقد يختص كل موقع بنكت ولطائف باختلاف محله. وأقسامه ستة، حاصلة من ضرب الطريق الثلاثة في الاثنين، لأن كلا من الطرق الثلاثة ينقل إلى الآخرين.

أحدهما الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، ومثاله قوله تعالى:(الحمد لله رب العالمين) إلى قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) فالتفت من الغيبة إلى الخطاب، والنكتة فيه أن العبد إذا ذكر الحقيقة بالحمد عن قلبٍ حاضر، ثم ذكر صفاته التي كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال، وآخرها (مالك يوم الدين) المفيد أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، يجد من نفسه حاملاً لا يقدر على دفعه، على خطاب من هذه صفاته بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات.

ومن أمثلته في الشعر قول ربيعة بن مقروم:

تهدمت الحياض فلم يغادر

لحوض من نصائبه إزاءُ

لخولة إذ هم مغنى وأهلي

وأهلك ساكنون وهم رتاءُ

ففي قوله وأهلك التفات من الغيبة إلى الخطاب. والنصائب: حجارة تنصب حول الحوض. والإزاء: مصب الماء إلى الحوض. ورتاء، أي متقابلة.

وقول جرير:

متى كان الخيام بذي طلوع

سقيت الغيث أيتها الخيامُ

وقول أبي العلاء المعري:

هي قالت لما رأت شيب رأسي

وأرادت تنكراً وأزوارارا

أنا بدر وقد بدا الصبح في را

سك والصبح يطرد الأقمار

لستِ بدراً وإنما أنت شمس

لا ترى في الدجى وتبدو نهارا

وقول شريف الرضي) رضي الله عنه (:

مَن شافعي وذنوبي عندها الكبر

إن البياض لذنب ليس يغتفرُ

راحت تريح عليك الهم صاحية

وعند قلبك من غي الهوى سكر

رأت بياضك مسوداً مطالعه

ما فيه للحب لا عين ولا أثرُ

وأي ذنب للون راق منظره

إذا أراك خلاف الصبغة الأثر

وما عليك ونفسي فيك واحدة

إذا تلون في ألوانه الشعر

وقول أبي الحسن التهامي:

أهدت لنا من خدها ورضابها

ورداً تحيينا به وشمولا

ورداً إذا ما شم زاد غضاضة

ولو أنه كالورد زاد ذبولا

وجلت لنا برداً يشهي برده

نفس الحصور العابد التقبيلا

لم أنسها تشكو الفراق بأدمع

ما اعتدن في الخد الأسيل سبيلا

فرأيت سيف اللحظ ليس بمغمد

من تحت أدمعها ولا مسلولا

إن دام دمعك فاحذري غرقا به

فإذا توالى القطر صار سيولا

حطي النقاب لعل سرح لحاظنا

في روض وجهك يرتعين قليلا

لما اتنقبت حسبت وجهك شعلة

خلل النقاب وخلته قنديلا

وقول شيخنا محمد بن علي الشامي:

زعمت بثينة إن قلبك قد سلا

من لي بقلب مثل قلبك قلبِ

وفي هذا البيت التفاتان، أحدهما من الخطاب إلى التكلم، والثاني من الغيبة إلى الخطاب، وهو ما نحن فيه. وعلى رأي السكالي، فيه ثلاث التفاتات كما لا يخفى.

وما أحسن قوله بعده:

قد كنت آمل أن تموت صبابتي

حتى نظرت إليك يا ابنة يعربِ

فطربت ما لم تطربي ورغبت ما

لم ترغبي ورهبت ما لم ترهبي

وقول الشيخ حسين الطبيب من قصيدة يمدح بها الوالد:

خليلي عوجاً بي على أيمن الحمى

لعل سماحاً بالوصال تسامحُ

سواء علي الموت أم شطت النوى

بسمحاء أم حز الوريدين ذابح

تجنبتها لا عن ملال ولا قلى

ولكن مصاب يصدع القلب فادح

وإن رمت أسلو حبها حال دونه

رسيس جوى ضمت عليه الجوانح

قضى الله يا سمحاء بالبين بينا

إلا كل ما يقضي به الله صالح

ص: 74

حنانيك أنت الداء والبرء إنما

يفوز ويشقى فيك دان ونازحُ

من الاتفاق الغريب إن هذه الأبيات جرت على لسان الشيخ المذكور مجرى الفأل، فقضى الله سبحانه بالبين بين الشيخ وبين فتاته سماح المتغزل فيها بهذه الأبيات، فتوفى بعد نظمه هذه القصيدة بأيام يسيرة.

الثاني الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وهو عكس الأول، ومثاله قوله تعالى:(حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) والأصل بكم، ونكتته العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم، التعجب من كفرهم وفعلهم، واستدعاء الإنكار منهم عليهم، فلو استمر على خطابهم لفاتت هذه الفائدة، وقيل فيها غير ذلك.

ومن أمثلته في الشعر قول النابغة الذبياني:

يا دار مية بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأبد

وقول عنترة:

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرمِ

كيف المزار وقد تربع أهلها

بعنيزتين وأهلنا بالغيلمِ

وقول بعضهم:

أن يكن مسك الليالي بصرف

فهو مثل الحسام يجلو صقلُ

وقول البحتري:

ضمان على عينيك إني لا أسلو

وإن فؤادي من جوى بك لا يخلو

ولو شئت يوم الجزع بل غليله

محب بوصل منك أن أمكن الوصل

وما النائل المطلوب منك بمعوز

لديك بل الإسعاف بعوز والبذل

أطاع لها دل غرير وواضح

شتيت وقد مرهف وشوى خدل

وألحاظ عين ما علقن بفارغ

فخلينه حتى يكون له شغل

وعندي أحشاء تساق صبابة

إليها وقلب من هوى غيرها غفل

وقول الشريف الرضي يخاطب الخلفاء العباسيين:

ردوا تراث محمد ردوا

ليس القضيب لكم ولا البرد

هل أعرقت فيكم كفاطمة

أم هل لكم كمحمد جد

جل افتخارهم بأنهم

عند الخصام مصاقع لد

إن الخلائف والأولى فخروا

بهم علينا قبل أو بعد

شرفوا بنا ولجدنا خلقوا

فهم صنائعنا إذا عدوا

الثالث - الالتفات من الغيبة إلى التكلم، ومثاله قوله تعالى:(والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميتٍ) والأصل (فساقه) . قال الزمخشري: وفائدته في هذه الآية وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة، وإنه لا يدخل تحت قدرة أحد.

ومن أمثلته في الشعر قول مهيار بن مرزويه الكاتب:

حمام اللوى رفقاً به فهو لبه

جواد رهان نوحكن ونحبهُ

أعمداً تهيجن أمرأ بأن أنسه

وأسلمه حتى أخوه وصحبه

أمر ومهري مغرمين على اللوى

فأسأله أو كان ينطق تربه

وقول الحاجري:

أهل لك في إعانة مستهام

يقاد إلى الغرام بلا زمامِ

تعرض بالخيام على زرود

فراح وقلبه بين الخيام

عريب البر كيف أبيح قتلي

أليس العرب تعرف بالذمام

وقول شهاب الدين التلعفري:

لا تقولوا سلا ومل هوانا

وتسلى عنا بحب سوانا

كيف يسلوكم ويصبر عنكم

من يرى سيئاتكم إحسانا

قسماً بعد بعدكم وجفاكم

لم يفارق لي البكا أجفانا

وقوله:

خل الشجي وقلبه وكلومه

فعلام تعذله وفيم تلومهُ

هذا عتابك قد أطلت حديثه

وهوى فؤادي قد يراه قديمه

وقولي وهو صدر قصيدة مدحت بها الوالد، مهنئاً له بالنيروز ستة إحدى وسبعين:

من لحزين كلفٍ موجع

قد شفه الشوق إلى الأربعِ

ما لي وللأربع ما لم تكن

ربوع سلمى ربة البرقع

لم أنس عصراً قد تقضى بها

وجمعنا إذ هو لم يصدع

بكيت يوم البين وجداً فلم

أبق لذكرى الوصل من أدمعي

فهل لذاك الشمل من ناظمٍ

أم هل لذاك العصر من مرجع

الرابع - الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وهو عكس الذي قبله، ومثاله قوله تعالى:(إني رسول الله إليكم جميعا) إلى قوله: (فآمنوا بالله ورسوله) والأصل (وبي) فعل عنه لنكتتين، أحدهما دفع التهمة عن نفسه بالمعصية لها، والأخرى تنبيههم على استحقاقه الاتباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص والمتلوة.

ومن أمثلته في الشعر قول عبد الهل بن طاهر:

وإذا سألتك رشف ريقك قلت لي

أخشى عقوبة مالك الأملاكِ

ص: 75

ماذا عليك

دفنت قلبك في الثرى

من أن أكون خليفة المسواك

أيجوز عندك أن يكون متيماً

دنفاً بحبك دون عود أراك

وقو مهيار الديلمي:

أنذرتني أم سعد أن سعداً

لم يزل ينهد لي بالشر نهدا

ما على قومك إن صار لهم

أحد الأحرار من أجلك عبدا

فيه التفاتان، أحدهما من الغيبة إلى الخطاب، والثاني من التكلم إلى الغيبة وهو ما نحن فيه لأن الأصل (ما على قومها إن صرت لهم عبدا) والنكتة في العدول ظاهرة.

ومنها قول كثير عزة وهو من مختار كلامه:

لقد هجرت سعدي وطال صدودها

وعاود عيني دمعها وسهودها

وكنت إذا ما جئت سعدي بأرضها

أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ود جليسها

إذا ما انقضت أحدوثة تعيدها

منعمة لم تلق بؤساً وشقوة

هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها

هي الخلد ما دامت لا هلك جارة

وهل دام في الدنيا لنفس خلودها

فتلك التي أصفيتها بمودتي

وليداً ولما تستبن لي نهودها

وقد قتلت نفساً بغير بمودتي

وليس لها عقل ولا من يقيدها

الأصل (وقد قتلتني) فعدل عن ذلك لتهويل أمره تلميحاً إلى قوله تعالى: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) ، فلو استمر على التكلم لفاتت هذه النكتة.

وقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي:

أحيي هواه وهواه قاتلي

ما أربح الشامي لو أودى بهِ

وحشي قلبي ضل عنه ريمه

فظل يفلي البيد في طلابه

عجلان ما أخنى عليه قلبه=لو أنه في كفه دحى به الخامس - الالتفات من الخطاب إلى التكلم، ولم يقع في القرآن، قال الحافظ السيوطي في الإتقان: ومثل له بعضهم بقوله: (فاقض ما أنت قاضٍ) ثم قال: (إنا آمنا بربنا) وهذا المثال لا يصح، لأن شرط الالتفاف أن يكون المراد به واحداً. انتهى.

ومن أمثلته في الشعر قول علقمة بن عبدة:

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حال مشيبُ

تكلفني ليلى وقد شط وليها

وعاد عواد بيننا وخطوب

فالتفت من الخطاب في (طحابك) إلى التكلم في (تكلفني) ، وطحابك أي ذهب بك. وشط وليها، أي بعد قربها وعهدها.

وقول القطامي:

نأتك بليلى نية لم تقارب

وما حب ليلى من فؤادي بذاهبِ

وقول أبي فراس بن حمدان:

وقوفك بالديار عليك عار

وقد رد الشباب المستعارُ

أبعد الأربعين محرمات

تمادٍ في الصبابة واغترارُ

نزعت عن الصبا إلا بقايا

يحقرها على الشيب الوقارُ

وطار الليل بي ولرب دهر

نعمت به لياليه قصار

وما أحسن قوله بعده:

وندماني السريع إلى ندائي

على عجلٍ وأقداحي الكبارُ

عسفت بها عواري الليالي

أحق الخيل بالركض المعارُ

وكم من ليلة لم أروَ منها

حييت لها وأرقني أدكار

قضاني الدين ما طله وأوفى

إلي بها الفؤاد المستطار

فبت أعل خمراً من رضاب

لها سكر وليس لها خمار

إلى أن رق ثوب الليل عنا

وقالت قم فقد برد السوار

وولت تسرق اللحظات نحوي

بملتفت كما التفت الصوار

دنا ذاك الصباح فلست أدري

أشوق كان منه أم ضرار

فقد عاديت ضوء الصبح حتى=لطرفي عن طالعه أزورارُ ومنها قولي وهو من أوائل نظمي:

ذاك الحجاز وهذه كثبانه

فاحفظ فؤادك أن رنت غزلانهُ

واسفح دموعك إن مرت بسفحه

شغفاً به إن الدموع جمانه

وسل المنازل عن هوى قضيته

هل عائد ذاك الهوى وزمانه

لهفي على ذاك الزمان وأهله

وسقاه من صوب الحيا هتانه

إذا كان حبل الوصل متصلاً بنا

والعيش مورقة به أغصانه

وإذ المعاهد مشرقات بالمنى

والربع مغنى لم تبن سكانه

وقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي:

أجدك شايعت الحنين المرجعا

وغازلت غزلاناً على الخيف رتعا

وطالعت أقماراً على وجرة النقا

وقد كنت أنهى العين أن تتطلعا

وما ألطف قوله بعده:

ولم أر مثل الغيد أعصى على الهوى

ولا مثل قلبي للصبابة أطوعا

ص: 76

ومن شيمي والصبر مني شيمة

متى أرم أطلالاً بعيني تدمعا

وقور على يأس الهوى ورجائه

فما أتحسى الهم ألا تجرعا

خليلي مالي كلما هب بارق

تكاد حصاة القلب أن تتصدعا

طوى الهجر أسباب المودة بيننا

فلم يبق في قوس التصبر منزعا

لي الله كم أغضى الجفون على القذى

وأطوي على القلب الضلوع توجعا

السادس - الالتفات من التكلم إلى الخطاب، وهو عكس الذي قبله ومثاله قوله تعالى:(وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) الأصل (وإليه أرجع) فالتفت من التكلم إلى الخطاب ونكتته أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه، وهو يريد نصح قومه تلطفاً وإعلاماً أنه يريد لهم ما يريد لنفسه، ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله، كذا قال غير واحد. واعترض بأن هذا إنما يصح أن لو قصد الإخبار عن نفسه في كلا الجملتين. وليس بمتعين، لجوار أن يريد بقوله: ترجعون، المخاطبين لأنفسه. وأجيب: بأنه لو كان المراد ذلك لما صح الاستفهام الإنكاري، لأن رجوع العبد إلى مولاه ليس بمستلزم أن يعبده غير ذلك الراجع، فالمعنى: كيف لا أعبد من إليه رجوعي، وإنما عدل عن قوله: وإليه أرجع، إلى واليه ترجعون، لأنه داخل فيهم؛ ومع ذلك أفاد فائدة حسنة وهي؛ تنبيههم على أنه مثلهم في وجوب عبادة من إليه الرجوع.

ومن أمثلته في الشعر قول مجنون ليلى:

بكت عيني اليسرى فلما زجرتها

عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا

وأذكر أيام الحمى ثم انثنى

على كبدي من خشية أن تصدعا

فليست عشيات الحمى برواجع

عليك ولكن خل عينيك تدمعا

وقوله أيضاً:

تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا

ويصدع قلبي أن يهب هبوبها

إذا هبت الريح الشمال فإنما

جواي بما تهدى إلي جنوبها

قريبة عهد بالحبيب وإنما

هوى كل نفسٍ حيث حل حبيبها

وحسب الليالي أن طرحنك مطرحاً

بدار قلىً تمسي وأنت غريبها

وقول عروة بن حزام صاحب عفراء:

أقول لعراف اليمامة داوني

فإنك إن داويتني لأريبُ

فوا كبدي أمست رفاتاً كأنما

يلذعها بالموقدات طبيب

عشية لا عفراء منك بعيدة

فتسلو ولا عفراء منك قريب

وقوله أيضاً:

جعلت لعراف اليمامة حكمه

وعراف نجد أن هما شفياني

فما تركا من حيلة يعلمانها

ولا شربة إلا وقد سقياني

ورشا على وجهي من الماء ساعة

وقاما مع العواد يبتدران

وقالا شفاك الله والله ما لنا

بما ضمنت منك الضلوع يدان

فويلي على عفراء ويل كأنه

على الصدر والأحشاء حد سنان

فيا رب أنت المستعان على الذي

تحملت من عفراء منذ زمان

فعفراء أوفى الناس عندي مودة

وعفراء عني المعرض المتواني

أفي كل يوم أنت رام بلادها

بعينين إنسانا هما غرقان

فالتفت من التكلم إلى خطاب نفسه، ليتأتي له الإنكار ويخرج الكلام مخرج العذل. فلو استمر على التكلم فاته ذلك.

ومنها قول الصردر:

ومعنف في الوجد قلت له أتئد

فالدمع دمعي والحنين حنيني

ما نافعي إذ كان ليس بنافعي

جاه الصبا وشفاعة العشرين

لا تطرقن خجلاً للومة لائم

ما أنت أول حازم مفتون

فهذه جملة أقسام الالتفات الست وأمثلتها، وهنا تنبيهان: أحدهما - ذكر صدر الأفاضل في ضرام السقط: إن من شرط الالتفات أن يكون المخاطب بالكلام في الحالين واحداً، كقوله تعالى:(إياك نعبد وإياك نستعين) فإن ما قبل هذا الكلام وإن لم يخاطب به الله من حيث الظاهر، فهو بمنزلة المخاطب به لأن ذلك يجري من العبد مع الله لامع غيره.

بخلاف قول جرير:

ثقي بالله ليس له شريك

ومن عند الخليفة بالنجاحِ

أغثني يا فداك أبي وأمي

بسببٍ منك اتك ذو ارتياح

فإنه ليس من الالتفات في شيء، لأن المخاطب بالبيت الأول امرأته، وبالبيت الثاني هو الخليفة. انتهى.

فهذا أخص من تفسير الجمهور، لأن البيتين عندهم من الالتفات، لأنه عبر عن الخليفة أولاً بطريق الغيبة، وثانياً بطريق الخطاب.

وقال الصدر المذكور في قول أبي العلاء:

ص: 77

هل يزجرنكم رسالة مرسلٍ

أم ليس ينفع في أولاك ألوكُ

إنه إضراب عن خطاب بني كنانة إلى الإخبار عنهم، وإن كان يرى من قبل الالتفات فليس منه، لأن المخاطب بهل يزجرنكم من نبو كنانة، وبقوله: أولاك أنت. انتهى.

وهو عند الجمهور التفات من الخطاب في (يزجرنكم) إلى الغيبة في (أولاك) بمعنى أولئك.

الثاني - قد يطلق الالتفات على معنيين آخرين، أحدهما - تعقيب الكلام بجملة مستقلة متلافية له في المعنى، على طريق المثل والدعاء أو نحوهما كما في قوله تعالى:(وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) وقوله تعالى: (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم) .

وقول جرير:

أتنسى يوم تصقل عارضيها

بفرع بشامة سقي البشامُ

قال إسحاق الموصلي: قال لي الأصمعي: أتعرف التفات جرير؟ قلت: وما هو؟ فأنشدني البيت ثم قال: أما تراه مقبلاً على شعره إذا التفت إلى البشام فدعا له.

ويسمى ما عقب بجملة مستقلة على طريق المثل، التمثيل، وسيأتي ذكره منفرداً في بيت من البديعية إنشاء الله تعالى.

الثاني أن تذكر معنى فتتوهم أن السامع اختلجه شيء فتلتفت إلى كلام تزيل اختلاجه، ثم ترجع إلى مقصودك، كقول ابن ميادة:

فلا صرمه يبدو في اليأس راحة

ولا وصله يصفو لنا فنكارمه

كأنه لما قال: فلا صرمه يبدو، قيل له: وما تصنع به؟ فأجاب بقوله: وفي اليأس راحة. ويسمى هذا الاعتراض، وسيأتي والله أعلم: وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

وعاذل رام بالتعنيف يرشدني

عدمت رشدك هل أسمعت ذا صممِ

وابن جابر الأندلسي لم ينظم هذا النوع في بديعيته.

وبيت الموصلي قوله:

وما التفت لشان حج في شغفي

ما أنت للركن من وجدي بملتزمِ

وبيت ابن حجة قوله:

وما أروني التفاتاً عند نفرتهم

وأنت يا ظبي أدري بالتفاتهمِ

وقد أطنب ناظمه في مدحه وإطرائه، فلنذكر ما أطراه به، ثم تتكلم عليه: قال: إنه البيت الذي حظيت من بابه بالفتح، وناده الغير من وراء حجراته، وتغايرت ظباء الصريم، وهو في سرب بديعه على حسن التفاته؛ وودت ربوع البديعيات أن تسكن منها في بيت، ولكن راودته التي هي في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب؛ وقالت: هيت. ولقد أنصف الحريري في المقامة الحلوانية عند إيراد الجامع لمشبهات الثغر بقوله: يا رواة القريض، وأساة القول المريض أن خلاصة الجوهر، تظهر بالسبك، ويد الحق تصدع رداء الشك. قلت: وأنا ماش في غرض بيت بديعيتي على هذا السنن، وأرجو أن يكون بحسن التفاته في مرآة الذوق مثل الغزال نظرة ولفتة. وفيه التورية بتسمية النوع، وقد برزت في أحسن قوالبها. ومراعاة النظيرة في الملائمة بين الالتفات والظبي، والنفرة والانسجام، الذي أخذ بمجامع القلوب رقة. والتمكن الذي ما تمكنت قافية باستقرارها في بيت كتمكين قافيته. والسهولة التي عدها التيفاشي في باب الظرافة، وناهيك بظرافة هذا البيت. والتوشيح وهو الذي يكون معنى أول الكلام دالاً على آخره. فقد اشتمل هذا البيت على ثمانية أنواع من البديع مع عدم التكلف. انتهى.

وأنا أقول: ما زال الأدباء يستظرفون ويتعجبون ويضحكون من طريقة أبي الحسن علي بن هارون المنجم، حال إنشاده شعره حتى جاء هذا المتشدق ابن حجة، فزاد عليه وأربى بشيء كثير، فإن هذاك كان يتبجح ويتكلم بلسانه، ثم ينقضي الكلام. وهذا قاله: بفمه وأثبته في كتابه بقلمه، فخلده على مر الزمان؛ أضحوكة لأولي الألباب والأذهان.

وطريقة ابن النجم المشار إليها هي: ما حكاه الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى، في كتاب الروزنامجة، الذي كتبه إلى أستاذه ابن العميد إياه كونه ببغداد.

قال: استدعاني الأستاذ أبو محمد - يعني الوزير المهلبي - فحضرت وابنا المنجم في مجلسه، وقد أعدا قصيدتين في مدحه، فمنعهما من النشيد لأحضره؛ فأنشدا وجوداً بعد تشبيب طويل، وحديث كثير. فإن لأبي الحسن رسماً أخشى تكذيب سيدنا أن شرحته، وعتابه أن طويته، ولأن أحصل عنده في صورة متزيد أحب إلي من أن أكون في رتبة مقصر.

ص: 78