المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حسن الحضارة مجلوب بتطرية … وفي البداوة حسن غير مجلوب وبيت - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: حسن الحضارة مجلوب بتطرية … وفي البداوة حسن غير مجلوب وبيت

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

لا يهدم المن منه عمر مكرمة

ولا يسوء أذاه نفس متهم

فمراده نفي المن والإساءة، وإن قديهما بالمكرمة والمتهم.

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

لم ينف ذما بإيجاب المديح فتى

إلا وعاقدت فيه الدهر بالسلم

هذا البيت ليس فيه من نفي الشيء بإيجابه إلا لفظا النفي والإيجاب، وأما المعنى الذي تقرر في تفسير هذا النوع فليس فيه بوجه. وقال ناظمه في شرحه: معناه أنه ما نفى الذم بإيجاب المديح كريم إلا وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عاقد الدهر بالسلم على ذلك المعنى، قبل الذي فعل هذا الفعل المحمود، فإنه هو الأصل في الأسباب الخيرية. هذا كلامه بنصه، فلم يزد إلا بعدا عن الغرض من هذا النوع.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

لا ينتفي الخير من إيجابه أبدا

ولا يشين العطا بالمن والسأم

ظاهره نفي انتفاء الخير في إيجابه صلى الله عليه وآله وسلم، والمن والسأم في العطاء، والمراد نفي ذلك مطلقا.

وبيت بديعية الطبري قوله:

لم ينف إيجاب ما أعطاه آمله

بالمن مستكثرا حاشاه من وصم

مراده عدم نفي إيجاب ما أعطاه مطلقا، وإن قيده بالمن والاستكثار.

وبيت بديعيتي هو:

نفى بإيجابه عنا بسنته

جهلا نضل به عن وأضح اللقم

ظاهره نفي الجهل الموصوف بالضلال به عن واضح سواء الصراط، والغرض نفي الجهل مطلقا. واللقم بالتحريك: وسط الطريق.

وبيت بديعية الشيخ إسماعيل المقري قوله:

ما راع جارا رعاه وجه حادثة

ولا انثنى مازجا دمعا جرى بدم

قال ناظمه في شرحه: إنه نفى ارتياع جاره من وجود الحادثات فقط، فكأنها تطرقه ولا تروعه. ومراده نفي الحوادث من أصلها، والزيادة قوله: رعاه، فكأنه نفى ارتياع جار رعاه فقط، والمراد نفيه عنه مطلقا. وكذلك قوله: ولا انثنى مازجا، ظاهره نفي مزج الدمع بالدم، والمراد نفي البكاء من أصله.

‌الرجوع

ولا رجوع لغاوي نهج ملته

بلى بإرشاده الكشاف للغمم

هذا النوع جعله بعضهم من نوع الاستدراك وليس كذلك، بل الصحيح أن كلا منهما نوع برأسه. أما الاستدراك فقد سبق ذكره. وأما الرجوع فهو العود على الكلام السابق بنقضه وإيطاله لنكتة، وليس المراد أن المتكلم غلط ثم عاد، لأن ذلك يكون غلطا لا بديع فيه، بل المراد أنه أوهم الغلط وإن كان قاله عن عند إشارة إلى تأكد الإخبار بالثاني، لأن الشيء المرجوع إليه يكون تحققه أشد.

كقول زهير:

قف بالديار التي لم تعفها القدم

بلى وغيرها الأرواح والديم

فإن أول الكلام دل على أن تطاول الزمان، وتقادم العهد لم يعف الديار، ثم عاد إليه ونقضه لنكتة، وهي إظهار الكآبة والحزن، والحيرة والدهش. كأنه لما وقف على الديار تسلط عليه كآبة أذهلته، فأخبر بما لم يتحقق، ثم ثاب إليه عقله، وأفاق بعض الإفاقة فتدارك كلامه السابق قائلا: بلى عفاها القدم، وغيرها الأرواح والديم.

ومثله قول الآخر:

فأف لهذا الدهر لا بل لأهله

وإن كنت منهم ما أمل وأعذرا

وقول أبي البيداء:

ومالي انتصار إن عدا الدهر جائرا

علي بلى إن كان من عندك النصر

وعد كثير منه قول ابن الطثرية:

أليس قليلا نظرة إن نظرتها

إليك وكلا ليس منك قليل

وتعقبه بعض المحققين: بأن القليل الأول المثبت هو باعتبار القلة الحقيقية، والقليل الثاني النفي باعتبار المعنى والشرف فلم يتواردا على معنى واحد فلا رجوع.

ومنه قول المتنبي:

لجنية أم غادة رفع السجف

لوحشية لا ما لوحشية شنف

وما أحسن قول أبي بكر الخوارزمي مع حسن التخلص:

لم يبق في الأرض من شيء أهاب له

فلم أهاب انكسار الجفن ذي السقم

أستغفر الله من قولي غلطت بلى

أهاب شمس المعالي أمة الأمم

وقول ابن اللبانة:

بكت عند توديعي فما علم المركب

أذاك سقيط الطل أم لؤلؤ رطب

وتابعها سرب وإني لمخطئ

نجوم الدياجي لا يقال لها سرب

وقول المتنبي أيضاً:

ص: 356

أقاضينا هذا الذي أنت أهله

غلطت ولا الثلثان هذا ولا النصف

يقول: هذا الذي أثنيت به عليك أنت أهله، ثم قال: غلطت ليس هذا ثلثي ما أنت أهله ولا نصفه.

وقوله أيضا:

دمعي جرى فقضى في الربع ما وجبا

لأهله وشفى أنى ولا كربا

يعني أنه بكى في أطلال الأحبة ما وجب لهم، وشفاه من وجده بهم، ثم رجع عن ذلك وقال: أنى أي كيف قضى ذلك ولا كرب، أي ولا قارب ذلك، يعني أنه لم يقض الحق، ولا شفى الوجد، وذلك أنه لما أكثر البكاء غلب على ظنه أنه بلغ قضاء حقهم وشفى وجده، ثم أنه عرف قصوره فرجع عما قال.

وعد منه الشيخ صفي الدين الحلي قول بشار:

نبت فاضح قومه يغتابني

عند الأمير وهل علي أمير

ومثله قولي من قصيدة:

ما على من حملوها قمرا

يهتدي الركب به إن جن جنح

لو أصاخوا للمعنى ساعة

يشرح الوجد وهل للوجد شرح

قال ابن حجة: الذي أقول: إن هذا النوع لا فرق بينه وبين السلب والإيجاب. فإن السلب والإيجاب هو أن يبني المتكلم كلامه على نفي شيء من جهة، وإثبات من جهة أخرى، والرجوع هو العود على الكلام السابق بالنقض، وكل من التقريرين لائق بالنوعين. انتهى.

قلت: إني لا عجب من غباوة ابن حجة في هذا المقال، فإنه جعل ما هو حجة عليه حجة له، والفرق بين النوعين ظاهر من الحدين المذكورين للنوعين ظهور فلق الصباح، وأين نفي شيء من جهة وإثباته من أخرى، من العود على الكلام السابق بالنقض، فإن مفاد حد الرجوع: أن النفي والإيجاب يتواردان على معنى واحد، وحد السلب والإيجاب: أن النفي يكون باعتبار، والإيجاب باعتبار آخر، وبين الحالتين بون بائن فاعلم.

وبيت بديعية الصفي الحلي قوله:

أطلتها ضمن تقصيري فقام بها

عذري وهيهات أن العذر لم يقم

وبيت بديعية ابن جابر قوله:

قلوا ببدر ففلوا غرب شانئهم

به وما قل جمع بالرسول حمي

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

رمت الرجوع عن الأمداح أنظمها

سوى مديح سديد القول محترم

ليس في هذا البيت - كما قال ابن حجة - سوى الرجوع عن حشمة الألفاظ في مديح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قوله: سديد القول دون مقدار من أنزل القرآن في صفاته، وأقسم الرحمن بحياته.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وما لنا من رجوع عن حماه بلى

لنا رجوع عن الأوطان والحشم

لا يخفى أنه قد تقدم في حد هذا النوع أنه العود على الكلام السابق بنقضه وإبطاله، وابن حجة لم يبطل ما تقدم، بل نفى رجوعه عن حماه، وأثبت رجوعا آخر، وهذا من نوع السلب والإيجاب، لا من هذا النوع. لكن قد علمت أنه لم يفرق بين هذين النوعين فبنى بيته على حسب اعتقاده، وقد مر البحث معه آنفا.

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:

بلا رجوع فمدحي فيك قام بما

يليق هيهات ذاك المدح لم يقم

لا يخفى ما في هذا البيت من قلة الأدب مع سيد العجم والعرب، ولعمري أنه قام بما لا يليق، لا بما يليق وإن كان قد رجع، إلا أنه ما رجع حتى اشمأزت النفوس، وملت الظنون، وبلغت القلوب الحناجر. ولا ريب أنه أراد أن يحوك على منوال بيت الشيخ صفي الدين، وهيهات أين حشمة بيت الشيخ صفي الدين من هذا.

وبيت بديعيتي هو قولي:

ولا رجوع لغاوي نهج ملته

بلى بإرشاده الكشاف للغمم

دل أول البيت على أن من ضل طريق ملته صلّى الله عليه وآله لا رجوع له بوجه - فإن النكرة في سياق النفي تعم - ثم رجع إليه ونقضه لنكتة، وهي إظهار استعظام رجوع من ضل سبيل دينه صلى الله عليه وآله وسلم حتى كأنه أخبر أولا بما لم يتأمل فيه، ثم تأمل فتدارك الكلام السابق فقال: بلى له رجوع بإرشاده الكشاف للغمم.

وبيت بديعية الشيخ إسماعيل المقري قوله:

قد كرر العبد مدحا كافيا وثنا

هيهات لا مدحي تكفي ولا كلمي

1 @التورية

ردت بمعجزه من غير تورية

له الغزالة تعدو نحو أفقهم

التورية أقرب اسم سمي به هذا النوع لمطابقته المسمى، لأنه مصدر وريت الحديث: إذا أخفيته وأظهرت غيره. قال أبو عبيد: لا أراه إلا مأخوذاً من وراء الإنسان، فإذا قال: وريته فكأنه جعله وراءه بحيث لا يظهر. ويسمى الأبهام، والتوجيه، والتخييل.

ص: 357

وهي في الاصطلاح أن يذكر لفظ له معنيان، أما بالاشتراك، أو التواطيء، أو الحقيقة والمجاز. أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، فيقصد المتكلم المعنى البعيد، ويوري عنه بالقريب، فيتوهم السامع أنه يريد القريب من أول وهلة، ولهذا سمي أبهاما.

قال العلامة الزمخشري: لا ترى بابا في البيان أدق ولا ألطف من التورية، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات من كلام الله تعالى وكلام الأنبياء عليهم السلام.

قال شيخ الأدب صلاح الدين الصفدي في ديباجة كتابه المسمى بفض الختام عن التورية والاستخدام: ومن البديع ما هو نادر الوقوع، ملحق بالمستحيل الممنوع، وهو نوع التورية والاستخدام، فإنه نوع تقف الأفهام حسرى دون غايته عن مرامي المرام.

نوع يشق على الغبي وجوده

من أي باب جاء يعدو مقفلا

لا يفرع هضبته فارع، ولا يقرع بابه قارع، إلا من تنحو البلاغة نحوه في الخطاب، ويجري ريحها بأمره رخاء حيث أصاب. انتهى.

وإذا عرفت معنى التورية فاعلم أنها تنقسم إلى أربعة أنواع: مجردة، ومرشحة، ومبينة، ومهيأة.

فالنوع الأول وهي المجرد.

هي التي تنجرد عما يلائم كلا من المعنيين، أعني المورى به والمورى عنه. قالوا: فأعظم أمثلة هذا النوع قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" فإن الاستواء يطلق على معنيين، فالتورية لم يجامع شيئا مما يلائم المورى به ولا المورى عنه. واعترض بعض المحققين: بان فيه ما يلائم المورى به وهو العرش، لأنه ملائم للاستقرار، فهي إذن مرشحة لا مجردة. ومنه قوله صلى الله عليه وآله سلم في خروجه إلى بدر، وقد قيل له: من أنتم؟ فلم يرد أن يعلم السائل فقال: من ماء، أراد أنا مخلوق من ماء فورى عنه بقبيلته من العرب.

وقول صاحبه في خروجهما إلى المدينة من الغار وقد سئل عنه صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: يا أبا بكر من هذا؟ فقال: هاد يهديني السبيل. أراد سبيل الخير فورى عنه بهادي الطريق.

وفي النهاية لابن الأثير: لقيهما في الهجرة رجل بكراع الغميم فقال من أنتم؟ فقال أبو بكر: باغ وهاد. عرض ببغاء الإبل، أي طلبها، وهداية الطريق، وهو يريد الطلب، والهداية من الضلالة.

وعد الصلاح الصفدي من هذا النوع _وتبعه ابن حجة_ قول القاضي عياض:

كأن كانون أهدى من ملابسه

لشهر تموز أنواعا من الحلل

أو الغزالة من طول المدى خرفت

فما تفرق بين الجدي والحمل

يعني كأن الشمس من كبرها وطول مدتها صارت خرفة قليلة العقل فنزلت في برج الجدي في أوان الحلول ببرج الحمل. والشاهد في الغزالة، فإنه لم يذكر معها شيء من لوازم الغزالة الوحشية، وهو المورى به كطول العنق، وحسن الالتفات، وسرعة النفور، وسواد العين. ولا شيء من لوازم الغزالة الشمسية، كالإشراق؛ والطلوع، والأفول.

قال: وليس القائل أن يقول: إن الغزالة قد ترشحت بالجدي والحمل، وهي مرشحة لهما، لأنا نشترط في لوازم التورية أن لا يكون لفظا مشتركا، والغزالة هنا مشتركة، وكذا الجدي والحمل فإنهما يطلقان على الحيوان المعروف، وعلى بعض البروج. انتهى بالمعنى.

والذي مشى عليه الخطيب في الإيضاح، والعلامة التفتازاني في المطول أنها من المرشحة.

قال في المطول: أراد بالغزالة معناها البعيد، أعني الشمس، وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب الذي ليس بمراد، أعني الرشأ، حيث ذكر الخرافة وكذا ذكر الجدي والحمل. انتهى.

وقد يقال: أنه فسر الخرافة بقلة العقل وهي لا تناسب الرشأ، لأنه لا عقل له، ويجاب بأن المراد به قلة الإدراك. لا يقال: الغزالة بالتاء مخصوصة بالشمس، ولا يقال لأنثى الغزال: غزالة، بل ظبية، كما نص عليه اللغويون فلا تصح التورية فيها. لأنا نقول: لم يثبت إجماع اللغويين على ذلك، بل حكى بعض الثقات منهم أنه يقال لأنثى الغزال: غزالة. قال أبو حاتم وهو أعلم اللغويين وأضبطهم بلا خلف: ولد الظبية أو ما يولد فهو طلا، ثم هو غزال والأنثى غزالة. وقال ابن السيد: الغزال: ابن الظبي إلى أن يقوى ويطلع قرناه، والجمع غزلة وغزلان، مثل غلمة وغلمان، والأنثى غزالة.

ص: 358

تنبيه، قال بعض علماء هذا الفن: إذا أتيت في التورية بلازم لكل من المعنيين فتكافئا ولم يترجح أحدهما على الآخر فكأنك لم تذكر شيئاً من اللازمين، وصار المعنى القريب والمعنى البعيد بذلك في درجة واحدة فتلحق هذه التورية بالمجردة، وتعد منها قسما ثانيا وتصير مجردة بهذا الاعتبار.

كقول ابن الوردي:

قالت إذا كنت تهوى

وصلي وتخشى نفوري

صف ورد خدي وإلا

أجور ناديت جوري

فقوله: ورد خدي، يلائم أن يراد بقوله: جوري، اسم نوع من الورد، وهو المعنى المورى وهو المقصود. وقوله: وإلا أجور يلائم لأن يراد به فعل الأمر المستند إلى ضمير الواحدة، وهو المعنى القريب المورى به.

والنوع الثاني وهي المرشحة.

هي التي تجامع ملائما للمعنى المورى به إما قبل التورية أو بعده فهي قسمان: الأول ما جامع قبل التورية، كقوله تعالى "والسماء بنيناها بأيد" فإنه أراد (بأيد) معناها البعيد، أعنى القدرة، وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب، أعنى الجارحة، وهو قوله (بنيناها) هكذا قاله غير واحد، لكن قال السبكي في عروس الأفراح: وفيه نظر، لأن قوله تعالى (بأيد) له معنيان

إلى آخره من الحواشي. انتهى.

وألطف تورية وقعت من هذا النوع المتقدم، قول يحيى بن منصور من شعراء الحماسة:

وجدنا أبانا كان حل ببلدة

سوى بين قيس قيس عيلان والفزر

فلما نأت عنا العشيرة كلها

أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر

فلما أسلمتنا عند يوم كريهة

ولا نحن أغضينا الجفون على وتر

فإن لفظ (أغضينا) قبل (الجفون) رشحه للتورية، ورجحه في الظاهر لإرادة إغماض جفون العيون على إغماض السيوف، بمعنى إغمادها، لأن السيف إذا أغمد انطبق عليه، وإذا جرد انفتح للخلاء الحاصل بين الدفتين، لكن دل سياق كلامه على إرادة أنهم لا يغمدون سيوفهم ولهم وتر عند أحد.

وقول الآخر:

حملناهم طرا على الدهم بعدما

خلعنا عليهم بالطعان ملابسا

الشاهد في الدهم، فإنه يحتمل الخيل الدهم وهو المعنى القريب المورى به، وقد تقدم لازمه المرشح له وهو لفظ الحمل، لأنه من لوازم الخيل، ويحتمل القيود وهو المعنى البعدي المورى عنه وهو المراد، لأنه أراد تقييد العدى، الثاني ما جامع ملائما بعد التورية.

كقول الصاحب عطاء الملك في امرأة اسمها شجر:

يا حبذا شجر وطيب نسيمها

لو أنها تسقى بماء واحد

الشاهد في شجر، فإنه يحتمل ماله ساق من النبات وهو المعنى المورى به، وقد رشحه بعد التورية بما يلائمه وهو طيب النسيم والسقي بماء واحد ويحتمل اسم المرأة وهو المعنى المورى عنه وهو المقصود.

النوع الثالث وهي المبينة.

هي التي تجامع ملائما للمعنى البعيد المورى عنه إما قبلها أو بعدها، فهي أيضاً قسمان. الأول، ما جامع ملائما قبل التورية.

كقول شيخ الشيوخ بحماة:

قالوا أما في جلق نزهة

تنسيك من أنت به مغرى

يا عاذلي دونك من لحظة

سهما ومن عارضه سطرا (ى)

الشاهد هنا في السهم وسطرى، فإن المعنى المورى عنه هما الموضعان المشهوران من منتزهات دمشق، وقد جامعا ما يلائمهما قبلهما وهو ذكر النزهة، وإما المعنى القريب فسهم اللحظ، وسطر العارض. الثاني، ما جامع ملائما بعد التورية.

كقول ابن سناء الملك:

أما والله لولا خوف سخطك

لهان علي ما ألقى برهطك

ملكت الخافقين فتهت عجبا

وليس هما سوى قلبي وقرطك

فإنه أراد بالخافقين قلبه وقرط محبوبته، وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه، وقد بينه بالنص عليه في المصراع الأخير. ويحتمل أن يريد المشرق والمغرب، وهذا هو المعنى القريب المورى به.

والنوع الرابع وهي المهيأة.

هي التي تفتقر إلى ذكر شيء يهيئها لاحتمال المعنيين، أما قبلها، أو بعدها، وإلا لم تتهيأ التورية، أو تكون بلفظين أو أكثر لولا كل منها لم تتهيأ التورية في الآخر. فهي بهذا الاعتبار ثلاثة أقسام.

الأول، ما تهيأت بلفظ قبلها.

كقول الشيخ أحمد ابن عيسى المرشدي في شداد ناقة لشريف مكة المشرفة. والشداد في عرف أهل الحجاز: الرحل.

أفق الشداد بدت به

شمس الخلافة والهلال

ومن العجائب جمعه

ليث الشرافة والغزال

ص: 359