الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فارحل إلى الصفوة من هاشم
…
ليس قدامها كأكذابها.
قلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعسا. ولما كانت الليلة الثانية، أتاني فضربه برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب، واسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، أنه قد بعث رسول من لوي غالب يدعو إلى الله وعبادته.
ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتخبارها
…
وشدها العيس بأكوارها.
تهوي إلى مكة تبغي الهدى
…
ما مؤمن الجن ككفارها.
فارحل إلى الصفوة من هاشم
…
ليسد قدامها كأدبارها.
قلت دعني أنام فإني أمسيت ناعسا. فلما كانت الليلة الثالثة، أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، واسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، انه قد بعث رسول من لوي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته.
ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتحساسه
…
وشدها العيس بأحلاسها.
تهوي غلى مكة تبغي الهدى
…
ما طاهر الجن كأنجاسها.
فارحل إلى الصفوة من بني هاشم
…
وارم بعينيك إلى رأسها.
قال: فرحلت ناقتي وأتيت المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حوله، فأنشأت أقول:
أتاني نجي بين هدو ورقدة
…
ولم أك فيما قد بلوت بكاذب.
ثلاث ليلا قوله كل ليلة
…
أتاك رسول من لوي بن غالب.
فشمرت عن ذيلي الأزرار ووسطت
…
بي الذعلب الوجناء بين السباسب.
فأشهد أن الله لا رب غيره
…
وانك مأمون على كل غالب.
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة
…
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب.
قال: ففرح رسول الله صلى عليه وآله وسلم وأصحابه بمقالتي، فوثب عمر بن الخطاب فالتزمه وقال: كنت اشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، فهل يأتيك اليوم؟ قال: أما مذ قرأت القرآن فلا.
والذعلب، بذال معجمة مكسورة، فعين مهملة ساكنة، فلام موحدة: الناقة السريعة.
وليسدي الوالد متع الله بحياته بيتان من هذا القبيل وهما:
طابة طابت بشرب الظب
…
ي زاهي الخد معسول اللمى الشفاه.
يا له من منهل عذب يزي
…
ل الكرب بل يروي الظما الظماه.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي رحمه الله تعالى قوله:
عدمت صحة جسمي إذ وثقت بهم
…
فما حصلت على شيء سوى الندم.
فإنه لذكر (عدمته) في صدر البيت، يليق أن يكون قافيته (العدم) ولذكر (الصحة) ، يليق بها (السقم والألم) ولذكر (الوثوق) يليق بها (الندم والسأم) ، والأول أرجح، قاله في شرحه.
وبيت بديعية عز الدين الموصلي هو قوله:
تخيير قلبي هوى السادات صح به
…
عهدي وغني لحزني ثابت الألم.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
تخيروا لي سماع العذل وانتزعوا
…
قلبي وزادوا نحولي مت من سقم.
لو قال هذا البيت بعض صغار المتأدبين، لا ستهجن منه، فإنه معمور بالركة التي تتلو عندها الإسماع (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ولا أعجب من شغف ناظمه به وإعجابه.
وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
فمذ تخيرت لي مما وثقت وقد
…
أعريت قلبي نحولا زاد في المي.
معنى هذا البيت يحتاج في فهمه إلى التوقيف من ناظمه؛ وإلا فالإفهام معترفة في التقصير عن أن تحوم حوله.
وبيت بديعيتي قولي:
تخيير قلبي أضناني بهم ومحا
…
مني الوجود والجاني غلى الندم.
فذكر (الضنى) يليق به (السقم والألم) وذكر (الوجود) يليق به (العدم) وذكرهما معا يليق بهم (السأم) ولكن (الندم) أولى لمناسبة التخيير الذي مبنى البيت عليه لفظا ومعنى.
وبين بديعية الشيخ إسماعيل المقري قوله:
من لي بعيش حلا الزمان به
…
وعاضني عنه زادا زاد في نهمي.
قال في شرحه: كان يمكنه أن يقول: زاد في المي، زاد في قرمي، زاد في ضرمي؛ ونحو ذلك.
وبيت بديعية العلوي قوله:
فإن فيه لهيب الشوق مضطرم
…
وكيف يخلو فؤاد الصب من ضرم.
قال ناظمه: كان ينساغ أن يقول: من سقمي، من ألم، ونحو ذلك؛ فكان ذكر (الضرم) أولى لكونه أقوى حرا من (السقم والألم) ولن فيه رد العجز على الصدر.
النزاهة
.
راموا النزاهة عن هجو وقد فعلوا
…
ما ليس يرضاه حفظ العهد والذمم.
النزاهة ضرب من الهجو، غير أنه يتعين أن يكون بألفاظه منزهة عن الفحش والسخف، وهو معنى قول أبي عمرو بن العلاء: خير الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها، فلا يقبح بمثلها.
كقول أوس:
إذا ناقة شدت برحل ونمرق
…
إلى حسن بعدي فضل ضلالها.
واختار ثعلب مثل قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعب بلغت ولا كلابا.
قال ابن الأثير: وبين المذهبين تناسب، إلا أن بيت جرير أهجي، لما فيه منم التفصيل.
قال الحافظ السيوطي وغيره: جميع هجاء القرآن من نوع النزاهة، فمنه قوله تعالى:(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون) فإن ألفاظ ذم هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر، أتت منزهة عما يقع في الهجاء من فحش.
وقالوا: أحسن ما وقع في هذا الباب قول جرير أيضاً:
ولو ترمى بلؤم بني كليب
…
نجوم الليل ما وضحت لسار.
ولبس النهار بني كليب
…
لدنس لؤمهم وضح النهار.
وما يغدو عزيز بني كليب
…
ليطلب حاجة الإبجار.
وقول أبي تمام يهجو صالح بن عبد الملك بن صالح الهاشمي:
يا أكرم الناس آباء ومفتخرا
…
وألأم الناس مبلوا ومختبرا.
تغضي الرجال إذا آباؤه ذكروا=لهم ويغضي لهم أن فعله ذكرا.
وقول الخوارزمي في الصاحب بن عباد: لا تحمدن ابن عباد وإن هطلت=كفاه يوما ولا تذممه إن حرما.
فإنها خطرات من وساوسه
…
يعطي ولا يمنع لا بخلا ولا كرما.
فأجابه الصاحب بعد موته:
أقول لركب من خراسان قافل
…
أمات خوارزميكم قيل لي نعم.
فقلت اكتبوا بالجص من فوق قبره
…
ألا لعن الرحمن من كفر النعم.
وقول ابن المعتز:
فأما الذي محصيهم فمكثر
…
وأما الذي يطريهم فمقلل.
وقول البحتري:
له همة لو يجمع الله شملها
…
على الناس لم تجمع لمكرمة شمل.
له حسب لو كان للشمس لم تبن
…
وللماء لم يعذب وللنجم لم يعل.
وقول البديع الهمذاني:
غني رأيت من المكارم حظكم
…
أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا.
وإذا تذوكرت المكارم مرة
…
في مجلس أنتم به فتقنعوا.
وقول يوسف بن حمويه من شعراء اليتيمية:
إذا ما جئت أحمد مستميحا
…
فلا يغررك منظره الأنيق.
له لطف وليس لديه عرف
…
كبارقة تروق ولا تريق.
فما يخشى العدو له بعيدا
…
كما بالوعد لا يثق الصديق.
فائدة- قال ابن بسام في الذخيرة: الهجاء ينقسم إلى قسمين، فقسم يسمونه هجاء الأشراف، وهو ما لم يبلغ أن يكون سبابا مقذعا، وهجوا مستشبعا، وهو طأطأ قديما من الأوائل، وثل عروش القبائل؛ غنما هو توبيخ وتعيير؛ وتقديم وتأخير؛ كقول النجاشي في بني عجلان؛ وشهرة شعره منعتني عن ذكره؛ واستعدوا عليه عمر بن الخطاب؛ وأنشده قول النجاشي فيهم؛ ودرء الحد بالشبهات.
وفعل ذلك الزبرقان، حين شكا الحطيئة، وسأله أن ينشده ما قاله فيه فأنشده قوله:
دع المكارم لا تنهض لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
فسال عن ذلك كعب بن زهير فقال: والله ما أود بما قال له حمر النعم. وقال حسان: لم يهجه ولكن سلح عليه؛ فهم عمر بعقابه؛ ثم استعطفه بشعره المشهور.
وقال عبد الملك بن مروان يوما: أحسابكم يا بني أمية؛ فما أود أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وإن الأعشى قال في:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم
…
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا.
ولما سمع علقمة بن علاثة هذا البيت بكى وقال: أنفعل هذا نحن بجارتنا؟ ودعا عليه. فما ظنك بشيء يبكي علقمة بن علاثة؟ وقد كان عندهم إذا ضرب بالسيف ما قال حس.
وقد كان الراعي يقول: هجوت جماعة من الشعراء؟ وما قلت فيهم ما تستحي العذراء أن تنشده في خدرها.
ولما قال جرير: فغض الطرف إنك من نمير=فلا كعبا بلغت ولا كلابا.