الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من بعد ماء الري ماء الفرات) فقال: هو كذا والله، فضحك.
وبيت بديعية الصفي المحلي قوله:
كذاك يونس ناجى ربه فنجا
…
من بطن حوت له في اليم ملتقم
وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
تسهيمه في الوغى حسم لمتصل
…
تسليمه في الرضا وصل لمنحس
قال ابن حجة: بيت عز الدين رماه بالتسهيم في العكس فتشوش، إذ صار كل من النوعين يجاذبه. انتهى.
والذي أعتقده أنا أن الشيخ عز الدين أخطأ سهم تسهيمه الغرض في هذا البيت.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
كذا الخليل بتسهيم الدعاء به
…
أصابهم ونجا من حر نارهم
وبيت بديعية الطبري قوله:
وكل مقتحم في الحرب مبتدر
…
لم يثنه ذاك عن تسهيم لحمهم
ما أحق الطبري أن ينشد في هذا المقام:
على نفسه فليبك من ضاع عمره
…
وليس له فيها نصيب ولا سهم
وبيت بديعيتي هو قولي:
به دعا إذ دعا فرعون شيعته
…
موسى فأخطأه تسهيم سحرهم
وبيت بديعية الشيخ إسماعيل المقري قوله:
ساقي البرايا غدا ماء على قدم
…
صدق فبورك من ساق على قدم
التشريع
لاح الهدى فهدى تشريع ملته
…
لما بدا لسلوك المنهج الأهم
التشريع في اللغة مصدر شرع بالتضعيف. يقال: شرع بابا إلى الطريق تشريعا، أي فتحه وبينه، كأشرعه إشراعا، وشرع الناقة تشريعا إذا أدخلها في شريعة الماء - وهي مورد الإبل على الماء - والتشريع أيضاً إيراد أصحاب الإبل إبلهم شريعة لا يحتاج معها إلى الاستقاء من البئر، ومنه حديث علي عليه السلام: إن أهون السقي التشريع. ومن المعنى الأول نقل الاصطلاح وهو أن تبنى القصيدة على وزنين من أوزان العروض وقافيتين، فإذا أسقط من أجزاء البيت جزء أو جزآن صار ذلك البيت من وزن آخر، كأن الشاعر شرع في بيته بابا إلى وزن آخر. ولما خفي على ابن أبي الإصبع وجه مناسبة التشبيه بين اللغوي والاصطلاحي، أو استعبده، سمى هذا النوع التوأم ليطابق بين الاسم والمسمى.
قال الحافظ السيوطي في الإتقان: وزعم قوم اختصاصه بالشعر، وقال آخرون: بل يكون في النثر، بأن يبنى على سجعتين لو أقتصر على الأولى منها كان الكلام تاما مفيدا، وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التمام والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ.
قال ابن الإصبع: وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن، فإن آياتها لو اقتصر فيها على أولى الفاصلتين دون فبأي آلاء ربكما تكذبان لكان تاما مفيدا، وقد كمل بالثانية فأفاد معنى زائدا عن التقرير والتدبيج.
قلت: التمثيل غير مطابق، والأولى يمثل بالآيات التي في أثنائها ما يصلح أن يكون فاصلة، كقوله (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) وأشباه ذلك.
ومن أمثلته في الشعر قول بعض العرب المتقدمين:
وإذا الرياح مع العشي تناوحت
…
هوج الرمال بكثبهن شمالا
ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا
…
قبل القتال ونقتل الأبطالا
فإنه لو اقتصر على الرمال والقتال لكان الشعر من الضرب المجزو المرفل من الكامل وهو:
وإذا الرياح مع العشي
…
تناوحت هوج الرمال
ألفيتنا نقري العبيط
…
لضيفنا قبل القتال
فأما إذا أتم البيتين صارا من الضرب التام المقطوع منه، وصار لكل بيت منهما قافيتان، ومنه قول الحريري في مقاماته:
يا خاطب الدنيا الدنية إنها
…
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
…
أبكت غدا أف لها من دار
ولا بأس بإيراد صدر المقامة المشتملة على هذه الأبيات، فإن فيه مع إيراد الشاهد على النوع بيان تشريعها، ولطف معانيها وبديعها.
قال: حدث الحارث بن همام قال: نبا بي مألف الوطن، في شرخ الزمن، لخطب خشي، وخوف غشي. فأرقت كأس الكرى، ونصصت ركاب السرى، وجبت في سيري وعورا لم تدمثها الخطى، ولا اهتدت إليها القطا، حتى وردت حمى الخلافة، والحرم العاصم من المخافة. فسروت إيجاس الروع واستشعاره، وتسربلت لباس الأمن وشعاره. وقصرت همي على لذة أجتنيها، وملحة أجتليها فبرزت يوما إلى الحريم لأروض طرفي، وأجيل في طرقه طرفي. فإذا فرسان متتالون، ورجال منثالون، وشيخ طويل اللسان، قصير الطيلسان، وقد لبَّبَ فتى جديد الشباب، خلق الجلباب، فركضت في أثر النظارة، حتى وافينا باب الإمارة. وهناك صاحب المعونة متربعا في دسته، ومروعا بسمته. فقال له الشيخ: أعز الله الوالي وجعل كعبه العالي، إني كفلت هذا الغلام فطيما، وربيته يتيما، ثم لم آله تعليما، فلما مهر وبهر؛ جرد سيف العدوان وشهر، ولم أخله يلتوي علي ويتقح حتى يرتوي مني ويلتقح. فقال له الفتى: علام عثرت مني حتى تنشر هذا الخزي عني؟ فو الله ما سترت وجه برك، ولا هتكت حجاب سترك، ولا ألغيت تلاوة شكرك، ولا شققت عصا أمرك. فقال له الشيخ: ويلك وأي ريب أخزى من ريبك؟ وله عيب أفحش من عيبك؟ وقد أدعيت سحري واستحلقته، وانتحلت شعري واسترقته. واستراق الشعر عند الشعراء، أفظع من سرقة البيضاء والصفراء، وغيرتهم على بنات الأفكار كغيرتهم على البنات الأبكار. فقال الوالي للشيح: وهل حين سرق سلح أم مسخ أم نسخ؟ فقال: والذي جعل الشعر ديوان العرب، وترجمان الأدب، ما أحدث سوى أن بتر شمل شرحه، وأغار على ثلثي سرحه.
فقال له أنشد أبياتك برمتها، ليتضح ما احتازه من جملتها. فقال:
يا خاطب الدنيا الدنية إنها
…
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
…
أبكت غدا بعدا لها من دار
وإذا أظل سحابها لم ينتقع
…
منه صدى لجهامه الغرار
غاراتها ما تنقضي وأسيرها
…
لا يفتدى بجلائل الأخطار
كم مزدهى بغرورها حتى بدا
…
متمردا متجاوز المقدار
قلبت له ظهر الجن وأولغت
…
فيه المدى ونزت لأخذ الثار
فاربأ بعمرك أن يمر مضيعا
…
فيها سدى من غير ما استظهار
واقطع علائق حبها وطلابها
…
تلق الهدى ورفاهة الأسرار
وارقب إذا ما سالمت من كيدها
…
حرب العدى وتوثب الغدار
واعلم بأن خطوبها تفجا ولو
…
طال المدى وونت سرى الأقدار
فقال له الوالي ثم ماذا صنع هذا؟ قال: أقدم للؤمة في الجزاء، على أبياتي السداسية الأجزاء فحذف منها جزأين، ونقص من أوزانها وزنين، حتى صار الرزء فيها رزءين. فقال: بين ما أخذ ومن أين فلذ. فقال: أرعني سمعك، وأخل للتفهم عني ذرعك، حتى تتبين كيف أصلت علي وتقدر قدر اجترامه إلي.
ثم أنشد وأنفاسه تتصعد:
يا خاطب الدنيا الدني
…
ة إنها شرك الردى
دار متى ما أضحكت
…
في يومها أبكت غدا
وإذا أظل سحابها
…
لم ينتقع منه سدى
غاراتها ما تنقضي
…
وأسيرها لا يفتدى
كم مزدهى بغرورها
…
حتى بدا متمردا
قلبت له ظهر المجن وأولغت فيه المدى
فاربأ بعمرك أن يمر
…
مضيعا فيها سدى
واقطع علائق حبها
…
وطلابها تلق الهدى
وارقب إذا ما سالمت
…
من كيدها حرب العدى
وأعلم بأن خطوبها
…
تفجا ولو طال المدى
فالتفت الوالي إلى الغلام وقال: تبا لك من خريج مارق، وتلميذ سارق. فقال الفتى: برئت من الأدب وبنيه، ولحقت بمن يناويه ويقوض مبانيه، إن كانت أبياته نمت إلى علمي، قبل أن ألفت نظمي. وإنما اتفق توارد الخواطر، كما قد يقع الحافر على الحافر. انتهى ما أردنا إيراده من هذه المقامة.
وأغرب ما وقع من هذا النوع ما جاء من غير قصد الشاعر، وقد وقع كثير منه في شعر المتأخرين.
فمنه قول الشيخ العارف عفيف الدين التلمساني من قصيدة أولها:
باكر إلى داعي الصبوح صباحا
…
واجعل زمانك كله أفراحا
واجل التي تجلو همومك في الدجى
…
حتى ترى لظلامه مصباحا
يا طالب الراحات ليس ينالها
…
إلا الذي في الراح يجلو الراحا
أو مغرم أعطى الصبابة حقها
…
تدعوه صبوته إليه كفاحا
نشوان من خمر الصبا فكأنه
…
غصن يميل مع الصبا مرتاحا
الشاهد في البيت الأخير، فإنك إذا أسقطت من كل شطر من البيت جزء صار البيت هكذا:
نشوان من خمر الصبا
…
غصن يميل مع الصبا
وقوله من أخرى وأولها:
يا برق نجد هل حكيت فؤادي
…
في ذا التلهب والخفوق البادي
لولا اشتراك هواكما لم تسفحا
…
دمعيكما في سفح ذاك الوادي
أترى سويكنة الحمى بجمالها
…
سلبت رقادك في الهوى ورقادي
فإذا سقط من كل شطر من البيت الأخير جزء صار هكذا:
أترى سويكنة الحمى
…
سلبت رقادك في الهوى
وقوله أيضاً من جملة قصيدة:
مهما انثنى فأنا الطعين بقامة
…
هيفاء تهزء بالقنا المياد
وإذا رنا فأنا القتيل بمقلة
…
نجلاء أمضى من حدود حداد
فإنك إذا أسقطت من البيت الأول قوله (تهزء بالقنا المياد) ومن الثاني قوله (أمضى من حدود حداد) صار البيتان هكذا:
مهما انثنى فأنا الطعين
…
بقامة هيفاء
وإذا رنا فأنا القتي
…
ل بمقلة نجلاء
وقوله أيضاً في مطلع قصيدة:
بالله بلغ سلامي أيها الحادي
…
إلى غزال الصريم الرائح الغادي
فإنه يخرج منه بيت من منخرق المجتث وهو:
بالله بلغ سلامي
…
إلى غزال الصريم
ومنه قول التلعفري:
نهاري كله قلق وفكر
…
وليلي كله أرق وذكر
فإنه يخرج منه بعد إسقاط جزء من كل من الشطرين بيت وهو:
نهاري كله قلق
…
وليلي كله أرق
وقول ابن النبيه:
خذ من حديث شؤونه وشجونه
…
خبرا تسلسله رواة جفونه
لولا فضيحة خده بدموعه
…
مازال شك رقيبه بيقينه
فإن البيت الثاني يخرج منه بيت وهو.
لولا فضيحة خده
…
مازال شك رقيبه
ومن ألطف ما وقع من هذا النوع عن قصد قول ابن جابر صاحب البديعية:
يرنوا بطرف فاتر مهما رنا
…
فهو المنى لا أنتهي عن حبه
يهفو بغصن ناضر حلو الجنى
…
يشفي الضنى لا صبر لي عن قربه
لو كان يوما زائري زال العنا
…
يحلو لنا في الحب أن نسمى به
أنزلته في خاطري لما دنا
…
قد سرنا إذ لم يحل عن صبه
وهذه الأبيات من الرجز التام، وهو الضرب الأول منه، فإن تركتها كانت على حالتها من التام، وإذا أسقطت من البيت الأول (لا انتهي عن حبه) ، ومن الثاني (لا صبر لي عن قربه) ، ومن الثالث (في الحب أن نسمى به) ، ومن الرابع (إذ لم يحل عن صبه) ، صارت من الرجز المجزو. وإن أسقطت من البيت الأول (فهو المنى) إلى آخره، ومن الثاني (يشفي الضنا) إلى آخره، ومن الثالث (يحلو لنا) إلى آخره، ومن الرابع (قد سرنا) إلى آخره، صارت من الرجز المشطور. وأن أسقطت من الأول قوله (مهما رنا) ومن الثاني) (حلو الجنى) ومن الثالث (زال العنا) ومن الرابع (لما دنا) إلى آخره صار الرجز المنهوك.
ومثل ذلك قول بعضهم:
جمر غرامي واقد يحكي لظى
…
شراره في القلب ليس ينطفي
ودمع عيني شاهد على الهوى
…
مدراره والوجد ما لا يختفي
والنوم مني شارد لا يرتجى
…
غراره فيا لطب مدنف
هل في الهوى مساعد ما قد عنى
…
اعذاره في حب ظبي أهيف
مائل قد مائد إذا انثنى
…
خطاره كالغصن المهفهف
فلحظه لي صائد أن ينتضى
…
بتاره هل في الجفون مشرفي
قلبي عليه واجد لما نأى
…
قراره بين الأسى والأسف
أرغب وهو زاهد وهو المنى
…
أختاره من لي به فأشتفي
أسهر وهو راقد لما جفا
…
نفاره عرضني للتلف
وجدي عليه زائد من الجوى
…
أسعاره بين الدموع الذرف
ولأبي جعفر الغرناطي على أسلوب أبيات الحريري:
يا راحلا يبغي زيارة طيبة
…
نلت المنى بزيارة الأخيار
حي العقيق إذا وصلت وصف لنا
…
وادي منى يا طيب الأخبار
وإذا وقفت لدى المعرف داعيا
…
زال العنا وظفرت بالأوطار
ولابن جابر الأندلسي:
من لي بآنسة تنام لحظها
…
من غير نوم بل تتيه وتفتن
قالت ألست تخاف حين تزورني
…
سطوات قومي كم تبوح وتعلن
فأجبتها في نيل وصلك لم أكن
…
لأخاف لومي فهو عندي هين
ومنه قولي: