المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الثاني - أن قوله: فرق بينهما الصفي وغيره بفروق لا - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: الثاني - أن قوله: فرق بينهما الصفي وغيره بفروق لا

الثاني - أن قوله: فرق بينهما الصفي وغيره بفروق لا تكاد تظهر، غير مسلم، بل الفرق مثل الصبح ظاهر. أما على مذهب السكاكي ومن وافقه، من أن التوجيه هو إيراد الكلام محتملا لمعنيين مختلفين، فالفرق بينه وبين التورية: أن التوجيه يلتزم فيه أن يكون المعنيان متضادين لا يتميز أحدهما عن الآخر، بخلاف التورية فإنه يلتزم فيها تضاد المعنيين، ولا عدم تمييز أحدهما عن الآخر كما سيأتي في بابها. وأما على مذهب الشيخ صفي الدين من أنه - أعني التوجيه - تأليف المتكلم مفردات بعض كلامه وجمله وتوجيهها إلى أسماء متلائمة من أسماء الأعلام، أو قواعد علوم، أو غيرها، فالفرق بينه وبين التورية من وجهين: أحدهما أن التورية تكون باللفظ المشترك، والتوجيه باللفظ المصطلح. والثاني أن التورية تكون باللفظ الواحد، والتوجيه لا يصح إلا بعدة ألفاظ متلائمة. فظهر الفرق بينهما، ودعوى عدم ظهوره تعنت.

الثالث - أن تخصيصه التوجيه بما يحتاج إلى ألفاظ قبلها ترشح الكلام للتورية هو بعينه التورية المرشحة، ولا يؤثر عن أحد تسميتها بالتوجيه فهو اصطلاح جديد، إذا اختاره لنفسه فلا مشاحة في الإصلاح.

‌التمثيل

طربت في البعد من تمثيل قربهم والمرء قد تزدهيه لذة الحلم

التمثيل - قالوا هو تشبيه حال بحال على سبيل الكناية، وذلك أن تقصد الإشارة إلى معنى فتوضع ألفاظ على معنى آخر، ويكون ذلك المعنى لا تكون لو ذكر بلفظ الخاص، وذلك لما يحصل للسامع من زيادة التصور. لأنه إذا صور في نفسه مثال ما خوطب به كان أسرع إلى الرغبة عنه، والرغبة فيه.

ومثاله قوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) فإنه مثل الاغتياب بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم الأخ، ثم لم يقتصر عليه حتى جعله ميتا، ثم جعل ما هو في غاية الكراهية موصولا بأخيه، ففيه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له مطابقة المعنى الذي وردت لأجله.

أما تمثيل الاغتياب بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله فشديد المناسبة جدا، لأن الاغتياب إنما هو ذكر مثالب الناس، وتمزيق أعراضهم. وأما قوله (لحم أخيه) فلما في الاغتياب من الكراهية لأن العقل والشرع قد أجمعا على استكراهه، وأمرا بتركه، والبعد عنه. وأما قوله (ميتا) فلأجل أن المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحس بها.

ومن أمثلته في السنة الشريفة قوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل رآه ينهك نفسه في العبادة (إن هذا الدين لمتين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) .

فمثل عليه السلام حال من يعسف نفسه فينهك جسمه في العبادة بحال المنبت، وهو الرجل المنقطع عن أصحابه، فيعسف راحلته في السير في لحاقهم فتعيا راحلته ولا يبلغ رفقته. وأخرج التمثيل مخرج المثل السائر، وهو من أحسن أنواعه.

ومنها أيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أم زرع حكاية عن المرأة الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا برد ولا وخامة ولا سآمة. فإنها أرادت وصفه بحسن العشرة مع نسائه، فعدلت عن لفظ المعنى الموضوع له إلى لفظ التمثيل لما فيه من الزيادة، وذلك تمثيلها الممدوح بليل تهامة (الذي) وصفته بأنه معتدل، فتضمن ذلك وصف الممدوح باعتدال المزاج المستلزم حسن الخلق وكمال العقل، اللذين ينتجان لين الجانب وطيب المعاشرة. وخصت الليل بالذكر لما فيه من راحة الحيوان - وخصوصا الإنسان - لأنه يستريح من الكد والتعب اللذين يحصلان بالتردد في النهار لكون الليل جعل سكنا، والسكن: ما يسكن إليه، لاسيما وقد جعلته ليلا معتدلا بين الحر والبرد، والطول والقصر. فهذه صفة ليل تهامة، لأن الليل يبرد بالنسبة إلى النهار مطلقا، لغيبوبة الشمس وخلوص الهواء من اكتساب الحر، فيكون في البلاد الباردة شديد البرد وفي البلاد الحارة معتدل البرد مستطابه، فلهذا قالت: زوجي مثل ليل تهامة، وحذفت أداة التمثيل لتقرب المشبه به، وهذا مما يبين لك لفظ التمثيل في كونه لا يجيء إلا مقدرا بمثل غالبا.

ص: 210

ومن أمثلته أيضاً في هذا الحديث - أعني حديث أم زرع - قوله عليه السلام حكاية عن المرأة الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعث لا سهل فيرقى، ولا سمين فينتقى. فإنها أرادت وصفه بقلة الخير مع تعذر الوصول إليه لسوء أخلاقه، فمثلته بلحم الجمل المهزول الذي وضع على رأس جبل وعر لا يرتقى إليه، ودلت على هزال اللحم الممثل به بعدم إمكان استخراج نقيه - وهو المخ - لقلته، وهو دليل الهزال. فتضمن ذلك وصفه بقلة خيره وشكاسة أخلاقه التي لا ينال معها شيء من خيره على قلته.

قلت: ولعل الواقف على هذا المقدار من حديث أم زرع يتشوق إلى الاطلاع على سائر الحديث، فلا بأس بذكر جميعه تتميما للفائدة وتعميما للعائدة.

أخرج البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو عبيدة، والهيثم بن عدي، والحارث بن أبي أسامة، والإسماعيلي، وابن السكيت، والأنباري، وأبو يعلى، والزبير بن بكار، والطبراني، وغيرهم، واللفظ لمجموعهم (والمحدثون يعبرون عن هذا بقولهم: دخل حديث بعضهم في بعض) .

عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.

قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعث، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى.

قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذكره أذكر عجره وبجره.

قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن انطق أطلق وإن أسكت أعلق على حد السنان المذلق.

قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا وخامة ولا سآمة والغيث غيث غمامة.

قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، ولا يدفع اليوم لغد.

قالت السادسة: زوجي إن أكل اقتف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، وإن ذبح اغتث، ولا يولج الكف ليعلم البث.

قالت السابعة: زوجي عياياء، أو غياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك، أو بجك، أو فلك، أو جمع كلا لك.

قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، وأنا أغلبه، والناس تغلب.

قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يضاف، ولا يرقد ليلة يخاف.

قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك وهو أمام القوم في المهالك.

قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت نفسي إلي. وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل واطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح، وآكل فأتمنح.

أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رادح، وبيتها فساح.

ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة، وترويه فيقة اليعرة، ويميس في حلق النثرة.

بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وزين أهلها ونسائها، وملء كسائها، وصفر ردائها، وغيظ جارتها، قباء هضيمة الحشا، جائلة الوشاح، عكناء فعماء، نجلاء دعجاء، رجاء زجاء قنواء، مؤنقة مفنقة، برود الظل، وفي الإل، كريمة الخل.

جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ لا تبثث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تغثث طعامنا تغثيثا.

ضيف أبي زرع فما ضيف أبي زرع؟ في شبع وري ورتع.

طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع؟ لا تقتر ولا تعرى، تقدح وتنصب أخرى، فتلحق الأخرى بالأولى.

مال أبي زرع فما مال أبي زرع؟ على الجمم معكوس، وعلى العفاة محبوس.

قالت: خرج أبو زرع من عندي والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها، كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فنكحها فأعجبته فلم تزل به حتى طلقني، فاستبدلت - وكل بدل أعور - فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا، وأخذ خطيا؛ وأراح علي نعما ثريا؛ وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك.

قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.

قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، إلا أنه طلقها وأني لا أطلقك. فقالت عائشة: بأبي أنت وأمي، لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع.

تفسير الغريب من هذا الحديث وضبط ألفاظه:

ص: 211

قول الأولى (غث) بفتح الغين وتشديد الثاء المثلثة، أي مهزول. و (وعث) بفتح الواو وسكون العين والثاء المثلثة، أي صعب المرتقى، ويروى (وعر) وهما بمعنى واحد. و (ينتقى) بالبناء للمفعول من النقي - بفتح النون وسكون القاف وبعدها ياء تحتية - وهو مخ العظم، يقال: نقوت العظم ونقيته وانتقيته: إذا استخرجت نقيه، وفي رواية (فينتقل) باللام في آخره، أي ينقله الناس إلى بيوتهم فيأكلونه.

وقول الثانية (لا أبث) بالثاء المثلثة، أي لا أنشر خبره لقبح آثاره.

وقولها: إني أخاف أن لا أذره (أن) بفتح الهمزة وتخفيف النون: مصدرية و (أذره) ب الذال المعجمة والراء المهملة، فعل مضارع منصوب بأن بمعنى أتركه، والضمير راجع إلى الخبر في قولها (لا أبث خبره) أو إلى زوجها على التفسيرين كما سيأتي. ولم يستعملوا من مادة (وذر) بمعنى الترك إلا فعل الأمر والمضارع يقال: ذره بمعنى اتركه، ويذره بمعنى يتركه وإن كان أصله وذره يذره، كوسعه يسعه، لكن ما نطقوا بماضيه، ولا بمصدره ولا باسم الفاعل، وقيل: جاء وذرته شاذا. ومعنى قولها: إني أخاف أن لا أذره: أني أخاف أن لا أترك وصفه، ولا أقطعه من طوله. وقيل معناه: أني أخاف أن لا أقدر على تركه وفراقه، لأن أولادي منه، وللأسباب التي بيني وبينه.

قولها: أن أذكره أذكر عجره وبجره (العجر) بضم العين المهملة وفتح الجيم وبعدها راء مهملة جمع عجرة - كركب جمع ركبة - وهي العروق المنعقدة في الظهر و (البجر) بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وبعدها راء مهملة، جمع بجرة، وهي العروق المنعقدة في البطن - هذا أصل معنى العجر والبجر ثم نقل إلى ما ظهر من أحوال الإنسان وما خفي - أرادت عيوبه الظاهرة والباطنة.

وقول الثالثة (العشنق) بفتح العين المهملة والشين المعجمة والنون المشددة، كلها مفتوحة ثم قاف، وهو الرجل الطويل الممتد القامة، أرادت أن له منظرا بلا مبخر، لأن الطول في الغالب دليل السفه، وقيل: هو السيئ الخلق.

وقولها (إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق) قيل معناه: إن أنطق بصفاته، أنطق بما يسؤه، فيغضب فيطلقني. والظاهر أن معناه: أني إذا نطقت له، وشكوت عليه سوء عشرته طلقني، ولم يشكني، وإن سكت تركني كالمعلقة، لا ممسكة ولا مطلقة.

وقولها (المذلق) بالذال المعجمة، اسم مفعول من ذلق السنان: إذا حدده. أرادت أنها معه على مثل السنان المحدد، فلا تجد معه قرارا. قاله في النهاية.

وقول الرابعة: زوجي كليل تهامة، (تهامة) أرض أولها ذات عرق - ميقات أهل العراق إلى البحر وجدة - وقيل: هي ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة وما وراء ذلك من المغرب، فهو غور، فمكة من تهامة والمدينة لا تهامية ولا نجدية، فإنها فوق الغور ودون نجد. و (القر) بضم القاف وبعدها راء مهملة مشددة: البرد، ويوم (قر) بفتح القاف: بارد. و (الوخامة) بفتح الواو والخاء المعجمة، مصدر وخم: الطعام إذا ثقل ولم يستمر. (والسآمة) بفتح السين المهملة والهمزة وبعدها ألف فميم مفتوحة فهاء: الملل والضجر.

وقول الخامسة: إن دخل (فهد) بفتح الفاء وكسر الهاء وبعدها دال مهملة، وهو فعل ماض (كعلم) أي نام كما ينام الفهد، لأن الفهد يوصف بكثرة النوم، وهو كناية عن عدم تفقده لما في بيته، وغفلته عن معائب بيته التي يلزمني إصلاحها، وعدم التفاته إلى ما يتلف أهله.

قولها: وإن خرج (أسد) هو أيضاً فعل ماض (كعلم) أي صار كالأسد في الشجاعة.

قولها: ولا يسأل عما (عهد) أي عما كان يعرفه في البيت من طعام وشراب ونحوهما لسخائه وسعة نفسه.

قولها: ولا يدفع اليوم لغد، أي لا يماطل، ولا يسوف أمر اليوم لغد، وذلك لحزمه وهمته.

وقول السادسة: إن أكل (اقتف) بالقاف والتاء المثناة من فوق، وبعدها فاء مشددة، وهو فعل ماض (على افتعل) أي جمع واستوعب. ويروى بدله (لف) أي قش وخلط من كل شيء، و (اشتف) بالشين المعجمة والتاء المثناة الفوقية وبعدها فاء مشددة، وهو أيضاً فعل ماض (على افتعل) أي استقصى ما في الإناء من الشراب. و (التف) أي إذا نام تلفف في ثوبه ونام عني ناحية. قاله في النهاية.

وقولها: إن ذبح (اغتث) هو أيضاً فعل ماض (على افتعل) من الغث وهو المهزول، يعني أنه إذا أراد أن يذبح من نعمه شيئا اختار المهزول منها وذلك لبخله.

ص: 212

وقولها: ولا يولج الكف ليعلم البث، (البث) بفتح الباء الموحدة وتشديد الثاء المثلثة: الحال والحزن وأشد المرض، تعني: أنه لا يدخل يده في ثوبها إذا مرضت ليعلم ما بها كما هو عادة الأجانب فضلا عن الأزواج. وقيل: إن كل كلامها هذا مدح لزوجها، وهو بعيد.

وقول السابعة (عياياء) أو (غياياء) الأول بفتح العين المهملة والياء المثناة من تحت فألف فياء تحتية أيضاً فألف ممدودة وهو العنين الذي يعيه مباضعة النساء، قاله في النهاية. وفي الصحاح: جمل عياياء: إذا لم يهتد للضراب، ورجل عياياء: إذا عي بالأمر والمنطق. انتهى. و (غياياء) الثاني كالأول في الحركات، غير أن الغين منه معجمة: من الغواية، أي عاجز لا يهتدي لأمر، وقيل: هو المنهمك في الشر. و (طباقاء) بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة فألف فقاف فألف ممدودة، قيل: هو الذي ينطبق عليه أمره وقيل: هو الذي يعجز عن الكلام فتنطبق شفتاه، وقيل: الأحمق، وقيل: الثقيل الصدر عند الجماع.

وقولها: كل داء له داء (الداء) بالدال المهملة: المرض، والظاهر أن قولها: له داء، جملة اسمية في محل الخبر أي كل داء يعرف في الناس فهو داء له، أي حاصل فيه. ويجوز أن يكون له صفة الداء، وداء وحده خبرا، أي كل داء حاصل له فهو داء، أي متناه بليغ، كما يقال: زيد رجل وما كل من لبس العمامة برجل. قاله شارح التبيان.

وقولها (شجك) بالشين المعجمة والجيم المشددة وبعدها كاف الخطاب، فعل ماض من الشج، وهو كسر الرأس، أي كسر رأسك. و (بجك) بالباء الموحدة والجيم المشددة وبعدها كاف الخطاب أيضاً فعل ماض من البج، وهو الطعن، أي طعنك و (فلك) بالفاء واللام المشددة، فعل ماض - والكاف للخطاب - من الفل وهو الكسر والضرب وقيل: أرادت بالفل: الخصومة - قاله في النهاية - وقيل: فلك أي جرح جسدك.

وقولها: أو جمع كلا لك، تريد أنها معه بين شج رأس، وطعن في البدن، وكسر عضو أو جمع بينها كلها. والخطاب في كل ذلك عام، أي كل من تزوجها تلقى منه ذلك، ليعلم أن ذلك ليس لتقصير من جانبها، بل هو من شكاسة أخلاقه وسوء طباعه.

وقول الثامنة: المس مس أرنب، (المس) بفتح الميم وتشديد السين المهملة: اللمس و (الأرنب) بفتح الهمزة (وسكون) الراء المهملة وفتح النون وبعدها باء موحدة: دويبة لينة اللمس، ناعمة الوبر، قيل: يطلق على الذكر والأنثى، وقيل: إنما يطلق على الأنثى، ويقال لذكرها: خزز - بمعجمات على وزن صرد - قولها هذا عبارة عن لين جانبه، وحسن خلقه. وهو من أمثلة التمثيل.

وقولها: والريح ريح زرنب، (الزرنب) بزاء مفتوحة، فراء مهملة ساكنة، فنون مفتوحة، فباء موحدة: طيب، وقيل: شجر طيب الرائحة. تعني: أن زوجها طيب الرائحة، ليس منتن الجسد، ولا أبخر الفم، ولا ذفر الإباط.

وقول التاسعة: رفيع العماد طويل النجاد، (العماد) بكسر العين المهملة وفتح الميم وبعد الألف دال مهملة: الخشبة التي يقوم بها البيت. قال في النهاية: أرادت عماد بيت شرفه، والعرب تضع البيت موضع الشرف في النسب والحسب. انتهى. وفي الصحاح: فلان طويل العماد، إذا كان بيته معلما لزائريه، و (النجاد) بكسر النون وفتح الجيم وألف فدال مهملة: حمائل السيف، عنت بطول نجاده: طول قامته، فإنها إذا طالت طال نجاده، وهو من أحسن الكنايات.

وقولها: عظيم الرماد: كناية عن أنه مضياف، ومثل هذه الكناية يسميها أرباب البيان: كناية بعيدة، وتلويحا لبعد المطلوب بها. ألا ترى أن قولها: عظيم الرماد، يدل على كثرة إحراق الحطب تحت القدر، وهي على كثرة الطبائخ، وهي على كثرة الأكلة، وهي على كثرة الضيفان، وهي على أنه مضياف، وهو المقصود بهذه الكناية.

وقولها: قريب البيت من الناد، أرادت (النادي) بفتح النون وبعد الألف دال مهملة، وهو مجتمع القوم. تقول: إن بيته قريب من وسط المحلة ليغشاه الأضياف والطراق - قاله في النهاية -.

ص: 213

وقول العاشرة: له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، (المبارك) جمع مبرك وهو الموضع (الذي) ترك فيه الإبل، و (المسارح) بفتح الميم والسين المهملة وبعد الألف راء فحاء مهملتين: جمع مسرح، وهو الموضع الذي تسرح إليه الإبل بالغداة للرعي. تريد: أن إبله على كثرتها لا تغيب عن الحي، ولا تسرح إلى المراعي البعيدة، ولكنها تترك بفنائه ليقرب الضيفان من لبنها ولحمها، وخوفا من أن ينزل به ضيف وهي بعيدة عازبة. وقيل معناه: أن إبله كثيرة في حال بروكها، فإذا سرحت كانت قليلة لكثرة ما نحر منها في مباركها - قاله في النهاية -.

وقولها: إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، (المزهر) بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء فراء مهملة: العود الذي يضرب به للهو، تريد أن إبله إذا سمعن صوت المزهر علمن بمكان الضيفان، فيوقن بالنحر لا محالة، وأدمجت فيه أنه يكرم ضيفه بإحضار ما يطربهم ويلهيهم.

وقولها: وهو أمام القوم في المهالك (أمام) يجوز أن يكون بفتح الهمزة بمعنى: قدام، يعني أنه يكون قدامهم في المهالك لشجاعته، ويجوز أن يكون بكسر الهمزة، أي يأتمون به، بمعنى أنه عقيدهم ورئيسهم.

وقول الحادية عشرة: أناس من حلي أذني. (أناس) بالنون والسين المهملة، فعل، ماض - كأقام - من النوس، وهو تحرك الشيء متدليا كحركة الذؤابة والعذبة، وأناسه غيره: حركة. و (الحلي) بفتح الحاء المهملة، كالرمي: اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الفضة والذهب، تريد أنه حلاها أقراطا وشنوفا تنوس بأذنيها، فتنوس أذناها لذلك أيضاً. فكأنه هو الذي أناس أذنيها بذلك.

وقولها: وبجحني فبجحت نفسي إلي (بجحني) بالباء فالجيم المشددة فالحاء المهملة، فعل ماض، مثل فرحني، (وبجحت) كفرحت لفظا ومعنى فيهما، من البجح، وهو كالفرح زنة ومعنى، أي فرحني ففرحت نفسي إلي، جعلت نفسها شخصا آخر يظهر إليها الفرح على سبيل التجريد ليكون أدخل في المبالغة. وقيل معناه: عظمني فعظمت نفسي عندي. يقال: فلان يتبجح بكذا، أي يتعظم.

وقولها: في أهل غنيمة بشق، (الغنيمة) بضم الغين المعجمة، تصغير غنم، من غنم، كذا قيل، فيكون زيادة التاء في غنيمة شاذا، لأنها لا تزاد إلا إذا أمن اللبس، وهنا اللبس حاصل بالتباسه بمصغر غنمة. و (الشق) بالشين المعجمة والقاف، يروى بكسر أوله وفتحه، فالكسر: من المشقة، يقال: هم في شق من العيش، إذا كانوا في جهد، ومنه قوله تعالى:(لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) ، وأما الفتح، فهو من الشق، وهو الفصل في الشيء. كأنها أرادت أنهم في موضع حرج ضيق كالشق في الجبل، وقيل: شق: اسم موضع بعينه - قاله في النهاية -.

وقولها: فجعلني في أهل صهيل واطيط ودائس ومنق، (الصهيل) بفتح الصاد المهملة وبعد الهاء ياء تحتية - على فعيل - وهو صوت الخيل و (الأطيط) بفتح الهمزة وكسر الطاء المهملة وياء تحتية ثم طاء مهملة - على فعيل أيضاً - وهو صوت الإبل، و (الدائس) بالدال والسين المهملتين - فاعل من الدوس - وأرادت به الذي يدوس الطعام لإخراج الحب من السنبل و (المنق) بضم الميم وكسر النون وتشديد القاف - اسم فاعل من أنق إذا صار ذا نقيق - وهو أصوات المواشي والأنعام، تصفه بكثرة أمواله. تقول: أنه أخذني من أهل قلة وجهد، فنقلني إلى أهل كثرة وثروة، من خيل وإبل وزرع وأنعام.

وقولها: فلا أقبح، أي لا يرد علي قولي لميله إلي، وكرامتي عليه. يقال: قبحت فلانا إذا قلت له: قبحك الله، من القبح وهو الإبعاد.

وقولها: فأتصبح، بفتح الهمزة والتاء المثناة من فوق الصاد المهملة والباء الموحدة المشددة وبعدها حاء مهملة - فعل من الصبحة بالضم وتفتح - وهي النوم أول النهار، تريد أنها مكفية فهي تنام الصبحة.

وقولها (فأتقنح) بالهمزة وفتح التاء المثناة من فوق والقاف والنون وبعدها حاء مهملة - فعل مضارع ماضيه تقنح، وهو من القنح كالمنع - وهو أن يرفع الشارب رأسه ريا. يقال: قنح الشارب - كمنع - وتقنح، إذا فعل ذلك. وقيل: التقنح، هو أن يقطع الشارب الشرب ويتمهل فيه. وقيل: الشرب بعد الري.

وقولها (فاتمنح) هو تفعل من المنحة - بكسر الميم وسكون النون وفتح (الحاء) المهملة - وهي العطية، أي أطعم غيري.

ص: 214

وقولها: عكومها رداح، (العكوم) بضم العين المهملة والكاف: الأحمال والغرائر التي تكون فيها الأمتعة وغيرها، وأحدها عكم بكسر أوله وسكون ثانيه. و (رداح) بفتح الراء والدال المهملتين، وبعد الألف حاء مهملة، أي ثقيلة، لكثرة ما فيها من المتاع والثياب. وأصله في المرأة، يقال: امرأة رداح أي ثقيلة الأوراك، وقد يوصف به الكتيبة أيضاً، يقالك كتيبة رداح، إذا كانت ثقيلة جرارة.

وقولها: وبيتها (فساح) بفتح الفاء والسيح المهملة وبعد الألف حاء مهملة، أي فسيح واسع.

وقولها: مضجعه كمسل شطبة، (المسل) بضم الميم والسين المهملة و (الشطبة) بفتح الشين المعجمة وسكون الطاء المهملة وفتح الموحدة: السعفة من سعف النخل ما دامت رطبة. أرادت أنه قليل اللحم، دقيق الخصر فشبهته بالشطبة، أي موضع نومه دقيق لنحافته. وقيل: أرادت بمسل الشطبة: سفا سل من غمده. و (المسل) مصدر بمعنى السل، أقيم مقام المفعول، أي كمسلول الشطبة، فيكون من إضافة الصفة إلى الموصوف.

وقولها: تشبعه ذراع الجفرة، (الجفرة) بفتح الجيم وسكون الفاء فراء مهملة: الأنثى من أولاد المعز إذا بلغت أربعة أشهر، تصفه بقلة الأكل.

وقولها: ترويه فيقة اليعرة، (الفيقة) بكسر الفاء وسكون التحتية وقاف: ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين، و (اليعرة) بفتح التحتية وسكون العين المهملة: العناق. تصفه بقلة الشرب.

وقولها: يميس في حلق النثرة، (يميس) مضارع ماس: إذا تبختر. و (الحلق) بفتح الحاء المهملة واللام: جمع حلقة - بسكون اللام - وهي معروفة، و (النثرة) بفتح النون وسكون الثاء المثلة فراء مهملة: الدرع اللطيفة، أو الواسعة، أي يتبختر في حلق الدرع.

وقولها: ملء كسائها، (الملء) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها همزة: ما يملأ الإناء، وهو وصف لها بالسمن، وهو ممدوح في النساء.

وقولها: صفر رداؤها، (الصفر) بضم الصاد المهملة - وقد يثلث - وسكون الفاء وبعد الفاء راء مهملة، ويقال: صفر ككتف، وصفر كزبر: الخالي، وهذا كناية عن أنها ضامرة البطن، فكأن رداءها خال، والرداء ينتهي إلى البطن فيقع عليه.

قولها: وغيظ جارتها، (الغيظ) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية فظاء مشالة، وهو الغضب أو شدته أو سورته. تريد أن جارتها ترى من حسنها ما يغيظها ويهيج حسدها، لأن التحاسد يكون بين الجيران كثيرا؛ ولتحاسدهم حكايات عجيبة.

ص: 215

قولها: قباء إلى آخره، (القباء) بفتح القاف وتشديد الموحدة وبعدها ألف ممدودة: الدقيقة الخصر، و (الهضيمة) بفتح الهاء وكسر الضاد المعجمة وسكون التحتية - على قعيلة - من الهضم محركة وهو انضمام الجنبين ولطف الكشح وضمور البطن. و (الحشا) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة: ما انضمت عليه الضلوع. و (جائلة) بالجيم - على فاعلة - من جال الشيء: إذا ذهب وجاء. و (الوشاح) بكسر الواد وضمها وفتح الشين المعجمة وبعد الألف حاء مهملة: شيء ينسج عريضا من أديم، وربما رصع بالجواهر، فتشده المرأة بين عاتقها وكشحها، وهذا كناية عن لطف كشحها وهيفها، وقد يقال: غرثى الوشاح أيضاً بهذا المعنى. و (العكناء) بفتح العين المهملة وسكون الكاف وفتح النون وبعدها ألف ممدودة على فعلاء: من العكنة - بالضم - وهو ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا، يقال: امرأة عكناء، إذا تعكن بطنها. و (الفعماء) بفتح الفاء وسكون العين - فعلاء من فعمت المرأة ككرمت - إذا استوى خلقها وغلظ ساقها. و (نجلاء) بفتح النون وسكون الجيم - فعلاء من النجل بالتحريك - وهو سعة العين. و (دعجاء) بفتح الدال وسكون العين المهملتين وفتح الجيم - فعلاء من الدعج بالتحريك - وهو شدة سواد العين مع سعتها. و (رجاء) بالراء المهملة والجيم المشددة - فعلاء من الرجاج - وهو التحرك، والمعنى أنها عظيمة الكفل إذا مشت ارتج كفلها. ويقال: ناقة رجاء: إذا كانت عظيمة السنام مرتجته. و (زجاء) بالزاي والجيم المشددة - فعلاء من الزجج بالتحريك - وهو دقة الحاجبين في طول. و (قنواء) بفتح القاف وسكون النون - فعلاء من القنا - وهو طول الأنف مع حدب في وسطه. و (مؤنقة) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر النون وفتح القاف - كمكرمة - أي معجبة، من آنقني الشيء أيناقا: أعجبني. و (مفنقة) بضم الميم وفتح الفاء والنون المشددة والقاف - اسم مفعول من التفنيق وهو التنعيم - تريد: أنها منعمة لم تشق. و (برود) بفتح الباء الموحدة وضم الراء المهملة والواو وبعدها دال مهملة، و (الظل) بكسر الظاء المشالة وتشديد اللام: الفي، وهو كناية عن حسن عشرتها، و (الإل) بكسر الهمزة وتشديد اللام: العهد، (الخل) بكسر الخاء المعجمة وتشديد اللام: الصاحب، ومعنى كل ذلك واضح.

قولها: لا تبثث حديثنا تبثيثا، يروى بالباء الموحدة من البث، وهو نشر الخبر وتفريقه، ويروى بالنون محلها، وهما بمعنى، أي لا تنشر أخبارنا ولا تذكرها هنا وهناك إذا سمعتها.

قولها: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، (التنقيث) من النقث، بفتح النون وسكون القاف وبعدها ثاء مثلثة، وهو النقل، و (الميرة) بكسر الميم وسكون التحتية فراء مهملة: الطعام، تريد أنها أمينة على حفظ طعامنا لا تنقله وتخرجه وتفرقه.

قولها: ولا تغثث طعامنا تغثيثا، هو من (الغث) بفتح الغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة، أي لا تفسد طعامنا. يقال: غث فلان في قوله وأغثه: إذا أفسده - قاله في النهاية -.

قولها: في شبع وري ورتع، (الشبع) بفتح الشين المعجمة وسكون الموحدة وبعدها عين مهملة، ويقال شبع كعنب: ضد الجوع، و (الري) بكسر الراء المهملة وتشديد التحتية: ضد الظمأ. و (الرتع) بفتح الراء المهملة وسكون المثناة الفوقية وبعدها عين مهملة، وهو الأكل والشرب في خصب وسعة.

قولها: طهاة أبي زرع_ إلخ، (الطهاة) بضم الطاء المهملة، جمع طاه، وهو الطباخ. و (تفتر) من الفتور، بضم الفاء والتاء الفوقية وبعد الواو راء مهملة، معناه ظاهر. و (تعرى) بضم التاء الفوقية وسكون العين المهملة وفتح الراء وبعدها ألف - فعل مبني للمفعول - أي لا تترك يقال: أعروا صاحبهم: إذا تركوه. وقيل: معناه: لا تصرف، أي هم دائما يطبخون، والمعنى واحد. و (تقدح) بالقاف والدال والحاء المهملتين، أي اغرف. و (تنصب) من النصب، بفتح النون وسكون الصاد المهملة فموحدة، وهو الرفع، أي ترفع الطعام وتستقبل به الضيفان.

ص: 216

وقولها: على الجمم معكوس، (الجمم) بكسر الجيم وفتح الميم ثم ميم أخرى: جمع جمة، بفتح الجيم، وقد يقال: جمة بضمها، فيكون جمعها: جمم بضمها أيضاً، وهي الجماعة يسألون الدية. و (معكوس) بالعين والسين المهملتين - مفعول من العكس - بمعنى الرد، أي مردود. و (العفاة) بضم العين المهملة وفتح الفاء: جمع عاف، وهو الضيف وكل طالب فضل أو رزق. و (محبوس) بالحاء المهملة والموحدة والسين المهملة أي موقوف.

قولها: والأوطاب تمخض، (الأوطاب) بالطاء المهملة وبعد الألف موحدة: جمع وطب - بفتح الواو وسكون الطاء - وهو سقاء اللبن. و (تمخض) بالخاء والضاد المعجمتين، من المخض، وهو تحريك السقاء الذي فيه اللبن ليخرج زبدة.

قولها: كالفهدين، بالفاء، مثنى فهد، وهو سبع معروف (يقال له بالفارسية: يوز، بضم التحتية وبعد الواو زاي) .

قولها: يلعبان من تحت خصرها برمانتين؛ إشارة إلى عظم كفلها؛ ودقة خصرها، فإذا استلقت بقي بين خصرها والأرض متسع لأنه مجرى الرمانتين يلعب بهما، ويرمي بهما أحد الأخوين إلى الآخر - قاله شارح التبيان -.

قولها: وكل بدل أعور، قال في الصحاح: بدل أعور: مثل يضرب للمذموم يخلف بعد الرجل المحمود.

قولها: رجلا سريا، بفتح السين وكسر الراء المهملتين وتشديد التحتية أي شريفا. و (شريا) بالشين المعجمة، كالأول زنة، أي ركب فرسا يشري في عدوه، أي يبالغ ويجد، وقيل: الشري: الفائق الخيار.

قولها: وأخذ خطيا، بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة، وقد يكسر الخاء أيضاً، أي رمحا منسوبا إلى الخط، وهو موضع باليمامة تنسب إليه الرماح لأنها تباع به، لا أنها منبتها كما يتوهمه كثيرون، حتى قال المعري (يظللهم ما ظل ينبته الخط) .

قولها: وأراح علي نعما ثريا، (أراح) بالراء والحاء المهملتين، بمعنى رد، يقال: أراح إبله، إذا ردها إلى المراح، وإنما قالت (علي) لأن محلها كان مراحا لنعمه. (النعم) بفتح النون والعين المهملة - وقد تسكن -: الإبل، و (ثريا) بالثاء المثلثة المفتوحة وكسر الراء المهملة وتشديد الياء التحتية، أي كثيرا.

قولها: وأعطاني من كل رائحة زوجا، (الرائحة) بالراء والحاء المهملتين، أي من كل ما يروح عليه من أصناف المال. ويروى (ذابحة) بالذال وبعد الألف موحدة فحاء مهملة، أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل ونحوها - وهي فاعلة بمعنى مفعولة - والرواية الأولى هي المشهورة، و (زوجا) بالزاي والجيم المعجمة، قال في النهاية: نصيبا وصفنا، والأصل في الزوج: الصنف والنوع من كل شيء، وكل شيئين مقترنين - شكلين كانا أو نقيضين - فهما زوجان، وكل واحد منها زوج. انتهى. وفي القاموس الزوج خلاف الفرد، ويقال للاثنين: هما زوجان، وهما زوج. انتهى.

قولها: وميري أهلك، من الميرة، أي أطعميهم.

قولها: فلو جمعت كل شيء أعطانيه إلى آخر: مبالغة حسنة.

وهنا انتهى شرح حديث أم زرع، وإنما أطنبت هذا الإطناب في شرحه خشية من أن يقع إلى بعض الطلبة من العجم ونحوهم فيشكل عليه بعض ألفاظه، ولعلك لا تجد هذا الحديث مشروحا هذا الشرح، ولا مضبوطا هذا الضبط في غير هذا الكتاب والله الموفق للصواب.

ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه من الكلام على نوع التمثيل.

ومن شواهده الشعرية قول الشاعر:

ألم أك في يمنى يديك جعلتني

فلا تجعلني بعدها في شمالكا

كأن هذا الشاعر قال: ألم أكن قريبا منك؟ فلا تجعلني بعيدا عنك، فعبر عن قربه بكونه في اليمين لما في ذلك من التمثيل بشيء تقر في النفوس قوته، ووجوب البدأة وسرعة البطش، وعن بعده بكونه في الشمال، لما فيه من التمثيل بشيء هو عكس ذلك. فكان العدول عن لفظ القرب والشمال لهذه الفائدة.

وأحسن التمثيل ما أخرج مخرج المثل كقول أبي تمام:

أخرجتموه بكره عن سجيته

والنار قد تنتضي من ناضر السلم

أوطأتموه على جمر العقوق ولو

لم يحرج الليث لم يخرج من الأجم

ص: 217

ففي كل من عجزي البيتين تمثيل حسن لفظا ومعنى، فإنه مثل إخراجهم له بكره منه عن سجيته التي هي الحلم والصفح، إلى أذاهم والكناية فيهم بإخراج النار من السلم الأخضر اليانع بالإيقاد، ولو ترك وحاله لم تخرج منه نار، ثم بين ذلك بقوله: أوطأتموه على جمر العقوق، يعين أنكم اضطررتموه بشقكم العصا بعصيانه، وترك بره، إلى أذاكم. ولو لم تفعلوا ذلك لم يقع منه شيء من ذلك، كالليث لو لم يحرج عليه ما خرج من غابه. فكل عجز من هذين البيتين تمثيل أخرج مخرج المثار السائر.

وقول الطغرائي:

مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فمثل استواء مجده في الأول والآخر باستواء حالتي الشمس في أول النهار وفي آخره، فشبه نفسه بالشمس وأخرج ذلك مخرج المثل السائر.

وهو مأخوذ من قول أبي العلاء المعري:

وافقتهم في اختلاف من زمانكم

والبدر في الوهن مثل البدر في السحر

غير أن ذاك شبه نفسه بالشمس، وهذا شبه ممدوحه وآباءه بالبدر، وهذا أيضاً من التمثيل المذكور.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

يا غائبين لقد أضنى الهوى جسدي

والغصن يذوي لفقد الوابل الرذم

مثل حاله لما أضنى الهوى جسده لغيبة أحبابه بالغصن الذي ذوى لفقد المطر، وأخرج كلامه مخرج المثل السائر كما تقرر.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

من التعاظم تمثيل الزمان به

وقد يكون اتضاع القدر بالشمم

قال ابن حجة: هذا البيت غير صالح للتجريد، وقد كل الفكر وعجزت أن أتوصل فيه إلى حد يتوصل به إلى فهم معناه، أو إلى صورة التمثيل في تركيبه، فلم أجد بدا من مطالعة الشرح، فلما نظرت في شرحه وجدته قد قال فيه: أن العذول يتعاظم في كلامه وأفعاله، فلذلك مثل الزمان به من استهتار السامع به والتهكم عليه وعدم الإصغاء إليه، وفي ذلك تهجين له. ثم قال في آخر الشرح: وقد أرسلت النصف الثاني من البيت مثلا.

فما زادت مرآه ذوقي بذلك إلا صدأ. انتهى كلام ابن حجة.

وأنا أقول: أما قوله: أنه عجز عن فهم معناه، فما أجدر ابن حجة بأن لا يفهم، ومعناه واضح، وذلك أنه يقول: أنه لما تعاظم هذا العذول في كلامه وأفعاله جعله الزمان مثله - بالضم - أي نكل به، يقال: مثل فلان بفلان تمثيلا، أي نكل به، وقد بين وجه تنكيل الزمان به فيما نقله ابن حجة من شرحه حيث قال: فلذلك مثل الزمان به من استهتار السامع به والتهكم عليه، فقوله: من استهتار السامع إلى آخره: بيان لتمثيل الزمان به. ثم قال: وقد يكون اتضاع القدر بالشمم، والشمم الارتفاع، وأصله في الأنف. يعني أن بعض الارتفاع قد يكون سببا للاتضاع كما وقع لهذا العاذل.

نعم، الذي يرد على الموصلي: أن بيته هذا خال عن شاهد التمثل، لأن التمثيل كما تقدم تشبيه حال بحال، وليس في هذا البيت شيء من ذلك.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وقلت ردفك موج كي أمثله

بالموج قال قد استسمنت ذا ورم

ابن حجة استسمن من هذا البيت ذا ورم فكأنه إنما خاطب نفسه، وذلك أن هذا البيت أيضاً خال من شاهد التمثل، لما عرفت من أن التمثيل تشبيه حال بحال (كما تقدم من الأمثلة) فقوله: ردفك موج، ليس فيه إلا تشبيه الردف بالموج - بحذف الأداة - لا تشبيه حال بحال، وقوله في آخر البيت: قد استسمنت ذا ورم، ليس من إخراج التمثيل مخرج المثل كما زعم، لأنه قد قرر في شرحه: أن التمثيل إنما هو في قوله (ردفك موج) وهذا كلام آخر خارج عن التمثيل. ومعنى إخراج التمثيل مخرج المثل السائر: أن يأتي المتكلم بالتمثيل في كلام يصلح أن يكون مثلا، كما تقدم من قول أبي تمام والطغرائي والمعري، فلا يخفى عليك غفلة ابن حجة وبعده عن تحقيق المقاصد وفهم المعاني. ثم أن عليه هنا نقدا آخر وهو أنه قد قرر في أول شرح بديعيته: أن الغزل الذي صدر به المديح النبوي، يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب، ويطرح ذكر التغزل في ثقل الردف ورقة الخصر وبياض الساق وحمرة الخد ونحو ذلك، فما هذا التغزل البارد الآن في ثقل الردف؟ وقد تقدم أيضاً في تغزله في حمرة الخد في بيت الاكتفاء، وهل هذا منه إلا غفلة أو تهافت؟.

وبيت بديعية الطبري قوله:

كانوا كليل شتاء كم قررت بهم

عينا وتمثيلهم لي مونس النسم

ص: 218