الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى إذا نزت القلوب وقد
…
لزت هناك العذر بالعذر.
وعلا هتاف الناس أيهما
…
قال المجيب هناك لا أدري.
برزت صحيفة وجه والده
…
ومضى على غلوائه يجري.
أولى فأولى أن يساويه
…
لولا جلال السن والكبر.
وقال الكميت بن زيد في مخلد بن يزيد بن المهلب وأبيه:
ما أن أرى كأبيك أدرك شأوه
…
أحد ومثلك طالبا لم يلحق.
تتجاريان له فضيلة سنة
…
[وتلوت بعد مصليا لم يسبق] .
[أن تنزعا وله فضيلة سبقه]
…
من بعد غايته فأحج وأخلق.
وقول الشريف الرضي يخاطب الخليفة القادر بالله العباسي:
مهلا أمير المؤمنين فإننا
…
في دوحة العلياء لا تتفرق.
ما بيننا يوم الفخار تفاوت
…
أبدا كلانا في المعالي معرق.
إلا الخلافة ميزتك فإنني
…
أنا عاطل منها وأنت مطوق.
روي أنه لما بلغت هذه الأبيات القادر بالله قال: على رغم أنف الرضي.
وبيت بديعية الصفي قوله:
هم هم في جميع الفضل ما عدموا
…
سوا الإخاء ونص الذكر والرحم.
هذا البيت غير مطابق لحد هذا النوع عند التأمل لما عرفت في حده أن الزيادة التي يؤتى بها للترجيح ينبغي أن لا ينقص بها مدح الآخر، والشيخ صفي الدين سلب بزيادته جميع الفضل عن الصحابة رضوان الله عليهم كما ترى، فلا يصلح شاهدا لهذا النوع.
وبيت بديعية الموصلي:
جمع لمؤتلف فيهم ومختلف
…
في العلم والحلم مع تقديم ذي قدم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
جمعت مؤتلفا فيهم ومختلفا
…
مدحا وقصرت عن أوصاف شيخهم.
هذا البيت ليس فيه من هذا النوع إلا الاسم، وإما مسماه فهو عنه بمعزل كما لا يخفى.
وبيت بديعية المقري قوله:
وكلهم خيرة الله اصطفاه فما
…
فضل النبي عليهم ضائرا بهم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
وبالشفاعة في الدنيا وآخرة
…
وباللواء وحوض للورى شبم.
وبيت بديعيتي قولي: هم هم ائتلفوا أجمعا وما اختلفوا=لولا الأبوة قلنا باستوائهم.
الإيداع
.
إيداع قلبي هواهم شادلي بهم
…
من العناية ركنا غير منهدم.
الإيداع في اللغة مصدر أودعته مالا، إذا دفعته إليه ليكون عنده وديعة، وأودعته أيضاً إذا أخذت منه وديعة، فيكون من الأضداد، لكنه بمعنى الأول أشهر، والثاني بالمعنى الإصطلاحي أنسب.
وفي الاصطلاح هو أن يودع الشاعر شعره بيتا فأكثر، أو مصارعا فما دونه من شعر غيره، بعد أن يوطئ له في شعره توطئة تناسبه وتلائمه. ويسمى التضمين، والرفو أيضاً.
ومن قال: إن التضمين معدود من العيوب، وهو أن لا يقوم معنى البيت بنفسه حتى يؤتى بما بعده.
كقول الشاعر:
لا صلح بيني فأعلموه ولا
…
بينكم ما حملت عاتقي.
سيفي وما أن مريض وما
…
غرد قمري الواد بالشاهق.
فقد أخطأ، كابن حجة، لأن التضمين بهذا المعنى اصطلاح العروضيين، لا البديعيين، والخلط بين الاصطلاحين خطأ محض. ألا ترى أن العرضين يسمون التضمين بهذا المعنى، التتميم أيضاً، والتتميم عند البديعيين بمعنى أخر- كما عرفته- ويسمون كون بعض الكلمة في أخر البيت إدماجا، وهو أن عيوب القوافي أيضاً.
كقول بشر بن أبي خازم:
فسعدا فسائلهم والرباب
…
وسائل هوازن عنا أذاما.
لقيناهم كيف تفريهم
…
بوانر يفرين بيضا وهاما.
والإيداع عند البديعيين من المحاسن كما ستعرفه في بابه، وإنكار كون التضمين بمعنى الإيداع- بعد أن اصطلح عن ذلك كثير من أرباب هذا الفن، بل هو أشهر من الإيداع في هذا المعنى- لا وجه له.
ومنهم من خص إيداع البيت وما فوقه باسم الاستعانة، والمصراع وما دونه باسم الإيداع، وعلى ذلك جرى الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته.
وشرط قوم في الإيداع مطلقا أن ينبه الشاعر في شعره على ما أودعه من شعر غيره. إن لم يكن مشهورا عند البلغاء، وعاب ذلك قوم منهم ابن رشيق وقال: إنه من سوء ظن الشاعر بنفسه، ووافقه ابن أبي الإصبع وجماعة، قال الشيخ صفي الدين: وهو الصحيح.
تنبيهات
. الأول، أحسن التضمين ما صرف عن معنى غرض الشاعر الأول، وما زاد على الأصل بنكتة كالتورية والتشبيه ونحو ذلك.
كقول ابن أبي الإصبع:
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها
…
تذكرت ما بين العذيب وبارق.
وتذكرني من قدها ومدامعي
…
مجر عوالينا ومجرى السوابق.
الثاني: يجوز في التضمين أن يجعل صدر البيت عجزا وبالعكس.
كقول الحريري:
على أني سأنشد عند بيعي
…
أضاعوني وأي فتى أضاعوا.
المصراع الثاني صدر البيت للعرجي وتمامه (ليوم كريهة وسداد ثغر.
الثالث: لا يضره التغيير اليسير لما قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام.
كقول بعضهم في يهودي به داء الثعلب:
أقول لمعشر غلطوا وغضوا
…
من الشيخ الرشيد وأنكروه.
هو ابن جلا وطلاع الثنايا
…
متى يضع العمامة تعرفوه.
البيت لسحيم بن وثيلة، وأصله قوله:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني.
فغيره إلى طريق الغيبة ليدخل في المقصود.
ومن بديع التضمين قول بعضهم في طبيب يسمى النعمان ويكنى ابن المنذر:
أقول لنعمان وقد ساق طبه
…
نفوسا نفيسات إلى باطن الأرض.
أبا منذر أفنيت فأستبق بعضنا
…
حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
وقول أبي الحسن اللحام مضمنا بيتا للنابغة في وصف الأقحوان:
يا سائلي عن جعفر علمي به
…
رطب العجان وكفه كالجلمد.
كالأقحوان غداة غب سمائه
…
جفت أعاليه وأسفله ند.
وقول أبي عبد الله الحسين بن الحجاج:
صاح أيرى ورمحه فوق خصييه ولا رمح ضمرة بن هلال.
قربا مربط النعامة مني
…
لقحت حرب وائل عن حيال.
ثم أهوى بطعنة بات منها
…
سرم ستي ذاك الشقاء بحالي.
فتولى يقول وهو طعين
…
دمعه مع خراه مثل البزال.
لم أكن من جناتها علم الل
…
هـ وإني بحرها اليوم صال.
وما أحسن ما ضمن هذا البيت شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني في قوله:
وعيون أمرضن جسمي وأضرم
…
ن بقلبي لواعج البلبال.
وخدود مثل الرياض زواره
…
ما الأيام حسنها من زوال.
لم أكن من جناتها علم الل
…
هـ وإني بحرها اليوم صال.
فإنه صرف فيه لفظة جناتها من الجناية إلى معنى الجنة.
ومن محاسن التضمين أيضاً ما حكاه القاضي شمس الدين بن خلكان في تاريخه: إن الحيص بيص الشاعر خرج ليلة من دار الوزير شرف الدين بن طراد الزينبي، فنبح عليه جرو، وكان متقلدا سيفا فوكزه بعقب السيف فمات. فبلغ ذلك أبي القاسم هبة الله بن الفضل المعروف بابن القطان الشاعر فنظم أبياتا وضمنها بيتين لبعض العرب قتل أخوه ابنا له فقدم إليه ليقتاد منه، فألقى السيف فأنشدهما (البيتين المذكوران يوجدان في الباب الأول من كتاب الحماسة) ثم إن الفضل المذكور جعل الأبيات في ورقة وعلقها في عنق كلبة لها جرو، ورتب معها من يطردها مع أولادها إلى باب الوزير المذكور كالمستغيثة، فأخذت الورقة من عنقها وعرضت على الوزير فإذا فيها:
يا أهل بغداد فإن الحيص بيص أتى
…
بفعلة أكسبته الخزي في البلد.
هو الجبان الذي أبدى تشاجعه
…
على جري ضعيف البطش والجلد.
وليس في يديه مال يديه به
…
ولم يكن ببواء عنه في القود.
فأنشدت جعدة من بعد ما احتسبت
…
دم الأبيلق عند الواحد الصمد.
أقول للنفس تأساء وتعزية
…
إحدى يدي أصابتني ولم ترد.
كلاهما خلف من فقد صاحبه
…
هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي.
قال القاضي شمس الدين: وهذا التضمين في نهاية الحسن، ولم أسمع مثله مكثرة استعمال الشعراء التضمين في أشعارهم ألا ما أنشدني الشيخ مهذب الدين أبو طالب المعروف بابن الخيمي لنفسه، وأخبرني أنه كان بدمشق وقد أمر السلطان بحلق لحية شخص له وجاهة بين الناس، فحلقت بعضها وحصلت فيه شفاعة فعفا عنه في الباقي، ولم يصرح باسمه بل رمزه وستره وهو:
زرت ابن آدم لما قيل قد حلقوا
…
جميع لحيته من بعد ما ضرب.
فلم أرى النصف محلوقا فعدت له
…
مهنيا بالذي منهما له وهبا.
فقام ينشدني والدمع يخنقه
…
بيتين ما نظما مينا ولا كذبا.
إذا أتتك لحلق الذقن طائفة
…
فأخلع ثيابك منها ممعنا هربا.
وإن أتوك وقالوا إنها نصف
…
فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا.
والبيتان الأخيران منها في كتاب الحماسة أيضاً في باب مذمة النساء، لكن الأول منهما فيه تغيير، فأن بيت الحماسة هكذا: لا تنكحن عجوزا إن أتيت بها=وأخلع ثيابك منها ممعنا هربا.
وتلطف الحريري في تضمين البيت (من)(8) أبيات للفارابي في وصف الدنيا، فنقله إلى معنى آخر فقال:
أنبات عانتها وفتح مبالها
…
وليان ملمسها من الجثمان.
مرأى كخضراء الديار ومبسم ال
…
ليث الهصور وملمس الثعبان.
ومما جاد في التضمين وبلغ فيه الغاية الشيخ مجير الدين محمد بن تميم وهو القائل:
أطالع كل ديوان أراه
…
ولم أزجر عن التضمين طيري.
أضمن كل بيت في معنى
…
فشعري نصفه من شعر غيري.
ومن محاسنه في هذا الباب قوله:
أزهر اللوز أنت لكل زهر
…
من الأزهار يأتينا أمام.
لقد حسنت بك الأيام حتى
…
كأنك في فم الدنيا ابتسام.
وقوله:
إذا هجرتني الصهباء يوما
…
ألاقي النار في كبدي اشتعالا.
كأن الهم مشغوف بقلبي
…
فساعة هجرها يجد الوصالا.
وقوله في مليح ينظر في مرآة: سقيا لمرآة الحبيب فإنها=جليت بكف مثل غصن أينعا.
واستقبلت قمر السماء بوجهها
…
فأرتني القمرين بوقت معا.
وقوله:
عاينت في الحمام أسود واثبا
…
من فوق أبيض كالهلال المسفر.
فكأنما هو زورق من فضة
…
قد أثقلته حمولة من عنبر.
وقوله:
إن تاه ثغر الأقاحي إذا تشبهه
…
بثغر حبك واستولى به الطرب.
فقل له عندما يحكيه مبتسما
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب.
وقوله:
أفدي الذي أهوى بفيه شاربا
…
من بركة راقت وطابت مشرعا.
أبدت لعيني وجهه وخياله
…
فأرتني القمرين في وقت معا.
ومن محاسن الشيخ صلاح الدين الصفدي قوله:
أرى فضل المشيب على شباب
…
يخالف في بعضه الأغبياء.
وهبني قلت هذا الصبح ليل
…
أيعمى العالمون عن الضياء.
وقوله وقد عاد مليحا أرمد:
أيقظته منكراه بعدما رمدت
…
عيناه لامسه م بعدها الألم.
قد زرته وسيوف الهند مغمدة
…
وقد نظرت إليه والسيوف دم.
وقوله مضمنا قول أبي العلاء المعري في السيف:
ما كنت أحسب لولا نبت عارضه
…
أن ينبت الآس وسط الجمر في النهر.
ولا ظننت صغار النمل يمكنها
…
مشيا على اللج أو سعيا على السعر.
ومن مليح التضمين قول الشيخ زكي الدين بن أبي الإصبع وقد نقل المعنى من الحماسة إلى الغزل:
له من ودادي ملء كفيه صافيا
…
ولي منه ما ضمت عليه الأنامل.
ومن قده الزاهي ونبت عذاره
…
صدور رماح أشرعت وسلاسل.
وقول الشيخ شهاب الدين بن (أبي) حجلة:
قل للهلال وغيم الأفق يستره
…
حكيت طلعه من أهواه بالبلج.
لك البشارة فأخلع ما عليك فقد
…
ذكرت ثم على ما فيك من عوج.
وقول الشيخ عز الدين الموصلي: نادمت قوما لا خلاق لهم ولا=ميل إلى طرب ولا سمار.
يستيقظون إلى نهيق حمارهم=وتنام أعينهم عن الأوتار.
وقول الشيخ عبد الرحمن المرشدي:
إذا الحبشي راوده مريد
…
أجاب ولو تسمط بالعذار.
فلا تمنعك من أرب لحاهم
…
سواء ذو العمامة والخمار.
وقد ضمن الشيخ جمال الدين بن نباتة، والشيخ زين الدين بن الوردي كثيرا من أشطار الملحة للحريري، وأورد أبن حجة نبذة من ذلك في شرح بديعيته.
أما تضمين شيء من ألفية ابن مالك المسماة بالخلاصة فلم أقف عليه إلا الشيخ محمد بن يوسف المراكشي التاولي من علماء هذا القرن فإنه نظم أرجوزة مدح به بلدية الشيخ أحمد بن محمد المقري، وضمن فيها أشطارا من الألفية المذكورة وأجاد في ذلك ما شاء، فمنها قوله:
ذاك الإمام ذو العلاء والهمم
…
كعلم الأشخاص لفظا وهو عم.
فلن ترى في علمه مثيلا
…
مستوجبا ثنائي الجميلا.
ومدحه عندي لازم أتى
…
في النظم والنثر الصحيح مثبتا.
أوصاف سيدي بهذا الرجز
…
تقرب الأقصى بلفظ موجز.
فهو الذي له المعالي تعتزي
…
وتبسط البذل بوعد منجز.
رتبته في العلم يا من قد فهم
…
كلامنا لفظ مفيد فاستقم.