المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ذهليها مريها مطريها … يمنى يديها خالد بن يزيدا وهو غير - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: ذهليها مريها مطريها … يمنى يديها خالد بن يزيدا وهو غير

ذهليها مريها مطريها

يمنى يديها خالد بن يزيدا

وهو غير معروف.

‌العكس

عز الذليل ذليل العز مبغضه=فاعجب لعكس أعاديه وذلهم العكس في اللغة: ردك آخر الشيء إلى أوله، وفي الاصطلاح على نوعين لفظي ومعنوي. فاللفظي هو أن تقدم في الكلام جزأ ثم تعكس وتقدم ما أخرت، وتؤخر ما قدمت، ويسمى التبديل أيضاً، وهو على وجوه كما سيظهر لك من الأمثلة التي سنوردها نثرا ونظما.

فمنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: جار الدار أحق بدار الجار. رواه النسائي، وأبو يعلى في مسنده، وابن حيان في صحيحه عن أنس وأحمد في مسنده، وأبو داود والترمذي عن سمرة. قاله العلامة السيوطي في الجامع الصغير.

وابن حجة لبعد معرفته عن مثل ذلك جاء به بصيغة التمريض فقال: قيل: إنه ورد في الحديث، وذكر الحديث المذكور، وهو جهل منه.

وقول أبي الفتح البستي: عادات السادات سادات العادات. وقولهم: كلام الملوك ملوك الكلام. وقولهم: شيم الأحرار أحرار الشيم. وقولهم: كتب الأحباب أحباب الكتب.

وأنشد الشيخ شهاب الدين أبو الثناء محمود لنفسه في هذا النوع ما كتبه جوابا لصاحب اليمن عن هدية وردت منه قرين كتاب:

أتاني كتابك والمكرمات

تسير لديه مسير السحب

لئن جاء في موكب من نداك

فكتب الملوك ملوك الكتب

ومنه قول القاضي الأرجاني:

أنا أشعر الفقهاء غير مدافع

في العصر لا بل أفقه الشعراء

شعري إذا ما قلت دونه الورى

بالطبع لا بتكلف الإلقاء

أخذه الآخر فقال:

هو في الفقه شاعر لا يبارى

وهو في الشعر أفقه الشعراء

لا إلى هؤلاء إن طلبوه

وجدوه ولا إلى هؤلاء

غير أن ذلك مدح وهذا ذم.

ومنه قوله تعالى: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) .

وقول الحماسي:

رمى الحدثان نسوة آل حرب

بمقدار سمدن له سمودا

فرد شعورهن السود بيضا

ورد وجوههن البيض سودا

وقول أبي هلال العسكري يصف الربيع:

لبس الماء والهواء صفاء

واكتسى الروض بهجة وبهاء

فتخال السماء بالليل أرضا

وترى الأرض في النهار سماء

وقول مجير الدين محمد بن تميم:

وليلة بتها من ثغر حبي

ومن كأسي إلى فلق الصباح

أقبل أقحوانا في شقيق

وأشربها شقيقا في أقاح

وقول بعضهم في رئيس ركب البحر:

ولما امتطى البحر ابتهلت تضرعا

إلى الله يا مجري الرياح بلطفه

جعلت الندى من كفه مثل موجه

فسلمه واجعل موجه مثل كفه

وقول عبد الرحمن بن الحسن القوشنجي

فو الله ما فارقت عهدة عقده

ووالله ما أحللت عقدة عهده

وأني على هجرانه عبد وده

فمن لي بمولى يرتضي ود عبده

وقول السيّد عز الدين المرتضى من قصيدة:

وعين شأني شأن لا أبوح به

وشأن عيني عين ذات تهتان

ومنها:

لقد خبرت بني الدنيا فليس يرى

إنسان عيني فيهم عين إنسان

ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: اشكر لمن أنعم عليك، وانعم على من شكرك. وقوله عليه السلام أن الإنسان ليسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه.

وقول الحسن البصري: إن من خوفك حتى تلقى الأمن خير ممن آمنك حتى تلقى الخوف. وقول بعض الحكماء: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. وقيل لحكيم: لم لا تمنع من يسألك؟ فقال: لئلا أسأل من يمنعني.

ولما قصد أبو تمام عبد الله بن طاهر بن الحسين بخراسان، وامتدحه بقصيدته التي أولها (أهن عوادي يوسف وصواحبه) أنكر عليه أبو سعيد الضرير، وأبو العميثل هذا الابتداء وقالا له: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال لهما: لم لا تفهمان ما أقول فاستحسن منه هذا الجواب.

وقيل للحسن بن سهل: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير.

وقال أبو العيناء لأبي الصقر بن بلبل وهو وزير: أنت والله تقرب منا إذا احتجنا إليك، وتبعد عنا إذا احتجت إلينا.

وقيل لأبي دواد الأيادي - ونظر إلى ابنته تسوس فرسه - لقد أهنتها يا أبا دواد، فقال: أهنتها بكرامتي، كما أكرمتها بهواني.

وقال الجرجاني لأبي علي الحاتمي: إنما تحرم لأنك تشتم، فقال: إنما أشتم لأني أحرم.

ص: 253

وقيل لمريض كيف أنت؟ فقال: أجد ما لا اشتهي، وأشتهي ما لا أجد، وأنا في زمان سوء، من وجد لم يجد، ومن جاد لم يجد.

وقال الأضبط:

ويجمع المال غير آكله

ويأكل المال غير من جمعه

ويقطع الثوب غير لابسه

يلبس الثوب غير من قطعه

ويروى لهارون الرشيد:

لساني كتوم لأسرارهم

ودمعي بسري نموم مذيع

فلولا دموعي كتمت الهوى

ولولا الهوى لم يكن لي دموع

وأولع الشعراء بهذا المعنى فقال بعضهم:

لعمري لعمري بكم عامر

ولا أشتهي العمر لولاكم

فلولاكم ما عرفنا الهوى

ولولا الهوى ما عرفناكم

وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:

مسألة الدور جرت

بيني وبين من أحب

لولا مشيبي ما جفا

لولا جفاه لم أشب

وللشيخ نجيب الدين الشامي:

علة شيبي قبل إبانه

هجر حبيبي في المقال الصحيح

ويدعي العلة في هجره

شيبي ففي القولين دور صريح

وقال آخر:

مسائل دور شيب رأسي وهجرها

وكل غدا عما به في الهوى ينبي

فأقسم لولا الهجر ما شاب مفرقي

وتقسم لولا الشيب ما كرهت قربي

وما أحسن قول شمس الدين محمد بن التلمساني في هذا النوع:

يا بأبي معاطف وأعين

يصول منها رامح ونابل

فهذه ذوابل نواضر

وهذه نواظر ذوابل

غير أن النواضر الأولى بالظاد المعجمة لأنها من النضرة وهي النعمة، والنواظر الثانية بالظاء المشالة لأنها من النظر وهو البصر، ومثل ذلك مغتفر في مثل هذا المقام.

وقول المطوعي:

ألست ترى أطباق ورد وحولها

من النرجس الغض الطري ورود

فتلك خدود ما عليهن أعين

وتلك عيون ما لهن خدود

ومن بديع هذا النوع ما أنشده أبو منصور الثعالبي في اليتيمة لصاحب ابن عباد في وصف الزجاج والشراب:

رق الزجاج ورقت الخمر

فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح

وكأنما قدح ولا خمر

وكثير من ينسب هذين البيتين لأبي نواس، ولم أجدهما في ديوانه.

ولأبي الطيب المتنبي في هذا النوع:

فلا مجد في الدنيا لمن قل مال

ولا مال في الدنيا لمن قل مجده

فما ترزق الأيام من أنت حارم

ولا تحرم الأقدار من أنت رازق

إذا حقدت لم يبق في قلبها رضى

وإن رضيت لم يبق في قلبها حقد

وقال ابن نباتة السعدي:

ألا فاخش ما يرجى وجدك هابط

ولا تخش ما يخشى وجدك رافع

فلا نافع إلا مع النحس ضائر

ولا ضائر إلا مع السد نافع

وقال آخر وأجاد. وغلط ابن حجة في نسبته إلى المتنبي:

إن الليالي للأنام مناهل

تطوى وتنشر دونها الأعمار

فقصارهن مع الهموم طويلة

وطوالهن مع السرور قصار

وقال آخر:

النفس ملأى من المعالي

والكيس صفر الجناب خالي

فليس مالي كمثل فضلي وليس فضلي كمثل مالي

ومن الطريف النادر في هذا الباب قول أبي الحسن الباخرزي من قصيدة بديعة في السيّد ذي المجدين أبي القاسم علي بن موسى الموسوي:

معاد معاديه مهما طوى

على بغضه القلب قعر الطوي

وأمثل أحوال أعدائه

وكلهم نهب داء دوي

عصي مكللة بالرؤوس

وروس مكللة بالعصي

قال في الدمية: أنشدت هذه القصيدة الممدوح بها بحضرة أبي منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني والمجلس غاص بالعام والخاص، فلما انتهيت فيها إلى قولي هذا صفق القاضي أبو منصور بيديه وقال: عين الله عليه، وأثنى علي في ذلك المجلس الغصان، بمثل ما أثنى به حسان على آل غسان.

ومن مستجاده قول القاضي أبي الفتح نصر بن سيار الهروي يصف نار السذق، وهو بفتح السين المهملة والذال المعجمة وبعدهما قاف، ليلة الوقود، فارسي معرب:

رب ليل كشعر ليلى

سوادا

شق جلبابها عن الأرض نار

وترى الأرض كالسماء فكل

قد تجلى خلالها أنوار

وشرار كأنهن نجوم

ونجوم كأنهن شرار

وما ألطف قوله أيضاً في هذا المعنى، وإن لم يكن مما نحن فيه:

وليلة سامحتني

بها نوائب دهري

بتنا نحث زجاجا

ما بين خمر وجمر

فتلك ذائب جمر

وذاك جامد خمر

ص: 254

ويعجبني من هذا الباب قول شرف السادة أبي الحسن البلخي:

أفدي بروحي من قلبي كوجنته

في الوصف لا الحكم فالأحكام تفترق

أعجب لحرقة قلب ما له لهب

ومن تلهب خد ليس يحترق

ومما انعقد الإجماع على حسنه من الأسماع، قول تميم بن مفرج الطائي، من خمرية له أولها:

قم واسقني قبل الصباح المسفر

يوم الخميس على طلوع المشتري

وإذا لقيت الجمعة الزهراء فل

يكن الغبوق على جبين أزهر

واستقبل اليوم السعيد بمقبل

طلق وأدبر عن عذول مدبر

إن قيل أن الراح حرم شربها

عن أهل دين محمد فتنصر

(عن) هنا بمعنى (على) وهما يتعاقبان، قال الله تعالى:(ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) .

قوله المشار إليه في هذا النوع هو:

قل للغزالة وهي غير غزالة

والجؤذر النعسان غير الجؤذر

لمذكر الخطوات غير مؤنث

ومؤنث الخلوات غير مذكر

قال في دمية القصر: هذا بيت شعر يساوي بيت تبر، وفيه قلب يقبله كل قلب. ثم الموازنة بين الخطوات والخلوات في نهاية الحلاوة.

ومقول القول قوله بعده:

قومي إلى الشيء الذي بتنا به

بالأمس بذاك الجوهر

وتسربلي قبل القيام وأسبلي

ذاك العذار الجون ثم تزنري

فتنبهت هيفاء غير بطيئة

عما التمست ولا سحوب المئزر

يعني أنها تشمرت للخدمة، فقلصت أذيالها، لا كالكسلان الذي يزود الأرض فضلة ردائه، إما لكسله، وإما لخيلائه.

وبعده:

تفتر عن برد وتنظم مثله

عقدا وتنظر عن جفون فتر

وتيممت دنين في مطمورة

كانا معا فيما أظن لقيصر

فتحتهما فكأنما فتحتهما

عن لون ياقوت ونكهة عنبر

ومن المستطرف هنا إلى الغاية، قول شيخ الشيوخ بحماة، وهو لسان الحال، حال تأليف هذا الكتاب:

أفنيت عمري في دهر مكاسبه

تطيع أهواءنا فيه وتعصينا

تسعا وعشرين مد الهم شقتها

حتى توهمتها عشرا وتسعينا

وللشيخ صلاح الدين الصفدي:

قد فاق غصن النقا حبيبي

وأخجل البدر في التمام

فذا قوام بلا محيا

وذا محيا بلا قوام

وأنشد الشيخ سعد الدين التفتازاني لنفسه في شرح التلخيص عند الكلام على هذا النوع:

طويت بإحراز الفنون تجشما

رداء شبابي والجنون فنون

فحين تعاطيت الفنون وخطها

تبين لي أن الفنون جنون

وقال الشيخ صفي الدين الحلي:

لا تحقرن المال فالعين للإنسان كالإنسان للعين

وقال أيضاً:

عين النضار كناظر العين الذي

يتأمل القاصي به والداني

ولرب إنسان بلا عين غدا

وكأنه عين بلا إنسان

وقال أيضاً ناظما قول الحكيم المقدم ذكره:

إذا الجد لم يك لي مسعدا

فما حركاتي إلا سكون

إذا لم يكن ما يريد الفتى

على رغمه فليرد ما يكون

وقال آخر:

معشوقتي جارية ساقية

ونزهتي ساقية جاريه

جارية أعينها جنة

وجنة أعينها جاريه

وهذان البيتان حسنان لو سلما من الإيطاء في القافية.

وقلت أنا من قصيدة:

أجلواها والدهر طلق المحيا

والقماري تنادم الأقمارا

في عذارى كأنهن رياض

ورياض كأنهن عذارى

والشعر في هذا النوع كثير جدا، والاقتصار على هذه الجملة منه فيها مقنع.

وأما العكس المعنوي فهو من مستخرجات ابن أبي الإصبع، وحده بأن قال: هو أن يأتي الشاعر إلى معنى لغيره، أو لنفسه فيعكسه.

فمثال عكس الشاعر معنى غيره، قول علي بن الجهم يصف السحاب:

فمرت تفوت الطرف حتى كأنها

جنود عبيد الله ولت بنودها

فات عكس فيه قول أبي العتاهية يصف الرايات:

ورايات يحل النصر فيها

تمر كأنها قطع السحاب

وقول الآخر:

وربما فات بعض الناس أمرهم

مع التأني وكان الحزم لو عجلوا

عكس فيه قول الأخطل:

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

وعكس الصابي قول البحتري في الوداع:

أقول له عند توديعه

وكل بعبرته ملبس

لئن قعدت عنك أجسادنا

لقد سافرت معك الأنفس

فقال الصابي ونبه على ذلك:

ص: 255

ولما حضرت لتوديعه

وطرف النوى نحونا أشوس

عكست له بيت شعر مضى

يليق به الحال إذ يعكس

لئن سافرت عنك أجسادنا

لقد قعدت معك الأنفس

وقال بعضهم:

إذا ما رأيت فتى ماجدا

فظن بعقل أبيه السخف

فقد يلد النجب غير النجيب

وهل يلد الدر إلا الصدف

وعكسه الآخر فقال:

إذا ما رأيت فتى ماجدا

فكن بابنه سيئ الاعتقاد

فلست ترى من نجيب نجيبا

وهل تلد النار غير الرماد

ومن هذا الباب ما حكاه علي بن عبد الله الجعفري، من بني جعفر الطيار عليه السلام وكان ممن حمله المتوكل من المدينة إلى سر من رأى، وحبسه مع الطالبيين - قال: - مكثت في الحبس مدة، فدخل علي يوما رجل من الكتاب فقال: أريد هذا الجعفري الذي تديث في شعره، فقلت له: إلي فأنا هو، فعدل إلي وقال لي: جعلت فداك أحب أن تنشدني بيتيك اللذين تديثت فيهما.

فأنشدته:

ولما بدا لي أنها لا تودني

وأن هواها ليس عني بمنجلي

تمنيت أن تهوى سواي لعلها

تذوق حرارات الهوى فترق لي

قال: فكتبهما، ثم قال: اسمع - جعلت فداك - بيتين قلتهما في الغيرة، فقلت: ما هما؟ فأنشدني:

ربما سرني صدودك عني

فلا طلابيك وامتناعك مني

حذار أن أكون مفتاح غيري

فإذا ما خلوت كنت التمني

انتهى. فهذان البيتان عكس فيهما هذا الكاتب قول الجعفري.

ومنه أيضاً ما حكاه محمد بن يحيى التغليب قال مررت بجعفر بن عفان الطائي يوما وهو على باب منزله فسلمت عليه فقال: مرحبا يا أخا تغلب اجلس، فجلست فقال لي: أما تعجب من ابن أبي حفصة حيث يقول:

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

فقلت بلى والله، أني لأتعجب منه، وأكثر اللعنة له. فهل قلت في هذا شيئا؟ قال نعم قلت:

لم لا يكون وإن ذاك لكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

للبنت نصف كامل من ماله

والعم متروك بغير سهام

ما للطليق وللتراث وإنما

صلى الطليق مخافة الصمصام

وعلى ذلك قال صالح بن عطية الأضجم لما قال مروان بن أبي حفصة: عاهدت الله أن أغتاله فأقتله أي وقت أمكنني ذلك، وما زلت ألاطفه وأبره، وأكتب أشعاري، حتى خصصت به فأنس بي جدا، وعرف ذلك بنو حفصة جميعا فأنسوا بي، ولم أزل أطلب له غرة حتى مرض من حمى أصابته، فلم أزل أظهر الجزع عليه والإشفاق حتى خلا لي البيت يوما، فوثبت عليه فأخذت بحلقه، فما فارقته حتى مات، وخرجت وتركته؛ فخرج إليه أهله بعد ساعة فوجدوه ميتا، وارتفعت الصيحة؛ فحضرت وتباكيت، وأظهرت الجزع عليه، حتى دفن وما فطن بما فعلت أحد، ولا اتهمني. انتهى. ذكر ذلك في الأغاني.

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح اللامية، حكى ابن رشيق في الأنموذج: أن عبد الرحمن بن محمد الفراسي جلس مع بعض شيوخ تونس، وكان الشيخ نهاية في المجون، فاجتاز بهم رجل، فسأل عن دار ابن عبدون؛ فأقبل الشيخ عليه فقال: هي في تلك الرابعة حيث يقوم أيرك، فقال الفراسي: والله لأنظمنه فما رأيت مثل هذا المعنى.

وأنشأ من وقته يقول:

إن شئت أن تعرف عن صحة

دار الذي يعزى لعبدونه

فامش فإن أيرك أبصرته

قام فإن الباب من دونه

قال: وقد عكست أنا هذا المعنى فقلت:

أقول لمن يسائل عن محلي

تقدم وامش من خلف السواري

ومر فحيث ما تلقى حكاكا

بسرمك لا تعد فثم داري

انتهى. ومثال عكس الشاعر معنى نفسه قول بعضهم:

وإذا الدر زان حسن وجوه

كان للدر حسن وجهك زينا

وقول الآخر وأجاد:

ها قد غدا من ثياب الشعر في كفن

وقد تعفت معاني وجهه الحسن

وكان يعرض عني حين أبصره

فصرت أعرض عنه حين يبصرني

وأحسن منه قول نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي:

وجارية من بنات الحبوش ذات جفون صحاح مراض

تعشقتها للتصابي فشبت

غرما ولم أك بالشيب راضي

وكنت أعيرها بالسواد

فصارت تعيرني بالبياض

وأرباب البديعيات إنما بنو أبياتهم على النوع الأول من العكس.

فبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 256