المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجناس المركب والمطلق - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: ‌الجناس المركب والمطلق

ففي صرفه (سلمى) وتسكينه آخر الفعل الماضي ما يغني عن الكلام على بقية ما فيه. ومن كان هذا مبلغه من النحو فالسكوت أولى به ولا نطول بذكر جميع هذه البديعية. فالمطلع يدل على ما بعده. وما كان الغرض من إثباته إلا إقامة البينة على ما ذكره، وليس المقصود بهذا كله تتبع العثرات والعياذ بالله، بل تنبيه الطالب على اجتناب الوقوع في مثل ذلك. ومن لم يستطع شيئاً فليدعه كما قيل:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

ولنقتصر على هذا المجال من الكلام على حسن الابتداء وبراعة الاستهلال.

‌الجناس المركب والمطلق

دعي وعجبي وعج بي بالرسوم ودع

مركب الجهل واعقل مطلق الرسم

الجناس والتجنيس والمجانسة والتجانس: كلها ألفاظ مشتقة من الجنس. فالجناس مصدر جانس، والتجنيس تفعيل من الجنس، والمجانسة مفاعلة منه. لأن إحدى الكلمتين إذا شابهت الأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية، والتجانس مصدر تجانس الشيئان: إذا دخلا تحت جنس واحد.

وحكي عن الخليل: بهذا يجانس هذا أي يشاكله، ونص عليه في التهذيب أيضاً. قال الجوهري في الصحاح: زعم ابن دريد: إن الأصمعي كان يدفع قول العامة: هذا مجانس لهذا، ويقول: إنه مولد، وكذا في ذيل الفصيح للموفق البغدادي. قال الأصمعي: قول الناس: المجانسة والتجنيس، مولد وليس من كلام العرب، ورده صاحب القاموس: بأن الأصمعي واضع كتاب الأجناس في اللغة، وهو أول من جاء بهذا اللقب.

وحد الجناس في الاصطلاح: تشابه الكلمتين في اللفظ، أي في التلفظ. قال في سر الصناعة: ولم أر من ذكر فائدته، وخطر لي أنها الميل إلى الإصغاء إليه. فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاء إليها. ولأن اللفظ المذكور إذا حمل على معنى، ثم جاء والمراد به معنى آخر، كان للنفس تشوق إليه. انتهى. والعبارة الثانية قاصرة عن بعض أنواع الجناس قاله في عروس الأفراح.

وهو أنواع، وجملة ما ذكره الشيخ صفي الدين في بديعيته منها اثنا عشر نوعا. ومنهم من زاد، ومنهم من نقص؛ ونحن ذكرنا ما ذكره الصفي؛ ورتتناه حسبما رتبه.

فمن أنواعه الجناس المركب والجناس المطلق: أما الجناس المركب - فهو ما تماثل ركناه وكان أحدهما كلمة مفردة والآخر مركباً من كلمتين فصاعداً، وهو على ثلاثة أنواع، أحدهما: الجناس المقرون. ويسمى المتشابه، وهو ما اتفق ركناه لفظاً وخطا، كقول أبي الفتح البستي:

إذا ملك لم يكن ذاهبه

فدعه فدولته ذا هبه

وقول أبي جعفر الاسكافي:

فرشت لشيبي أجل البساط

فلم يستطب مجلساً غير رأسي

فقلت لنفسي لا تنكريه=فكم للمشيب كراسي كراسي وقول أبي حفص عمر الحاكم المطوعي:

يا خادماً يملك مني خادما

قد صير الدنيا علي خاتما

كم من دما صب صببت ظالما

أخادما أصبحت أم أخادما

وقوله أيضاً:

ألا يا سيدا خلقت يداه

لثروة معدمٍ أو يسرعان

مضى العسر الذي قاسيت فاعدل=إلى يسرين نحوك يسرعان

عسى ما عسى من عود شملي يكتسي

بعودهم بعد التسلب أوراقا

فلم يصف لي من بعد قط مورد

ولا لذلي عيش وإن طاب أوراقا

ومنه قول الحصري:

رب سهل على فتاتي فتاتي

لترى هل سلافتاها فتاها

علمته جفونها آي سحر

ما تلاها في حبها مذ تلاها

وقول شمسويه البصيري:

ناظراه بما جنى ناظراه

أو دعاني أمت بما أو دعاني

وقولي في مطلع قصيدة مناجاة:

قف طالبا فضل الإله وسائلاً

واجعل فواضله إليه وسائلا

وقولي أيضاً في مطلع أخرى:

تراءت سليمى وهي كالبدر أو أسنى

فضاء فضاءُ الربع من ضوئها وهنا

وقول الآخر:

بعدت وقد أضرمت ما بين أضلعي

ببعدك ناراً حشو قلبي وقودها

وكلفت نفسي قطع بيداء لوعة

تكل بها هوج المطي وقودها

وقول الآخر:

صلوا مغرماً من أجلكم واصل الضنا

وفي حبكم طيب الرقاد فقد فقد

أثار الهوى نارا تشب بقلبه

ومن لي بإطفاء الغرام وقد وقد

وقول الآخر:

قلت لبدر التم لما غدا

معتجبا من حسن أوصافه

إن شئت أن تسرق من حسنه

فلذ به يا بدر أوصافه

وقول الآخر:

ص: 16

بكيت فيروزا على بعده

فأصبحت عيناي فيروزجا

وجاء من بشرني مسرعا

وقال لي يهنيك فيروزجا

وقول الآخر:

رب سفيه جليس سوءٍ

مفترس عرضنا بنابه

يقدح فينا بكل سوءٍ

وكل ما قاله بنابه

وقول الآخر:

رأيتك تكويني بميسم ذلة

كأنك قد أصبحت علة تكويني

وتلويني الحق الذي أنت أهله

وتخرج من أمري إلى كل تلوين

وقول الآخر:

بعدت فأما الطرف مني فساهر

لشوقي وأما الطرف منك فراقد

فسل عن سهادي أنجم الليل أنها

ستشهد لي يوماً بذاك الفراقد

وقول الآخر:

تفرق قلبي في هواه فعنده

فريق وعندي شعبة وفريق

إذا ظمأت نفسي أقول له اسقني

وإن لم يكن ماء لديك فريق

وهذا النوع لم يذكره الشيخ صفي الدين في بديعيته.

والنوع الثاني، الجناس المفروق - وهو ما اتفق ركناه لفظاً لا خطا، وخص باسم المفروق لافتراق الركنين في الخط، وهو الذي نظمه الصفي. ومن أمثلته، قول الحاكم المطوعي:

لا تعرضن على الرواة قصيدة

ما لم تكن بالغة في تهذيبها

فمتى عرضت الشعر غير مهذب

عدوة مثل وساوسٍ تهذي بها

وقول المعتمد بن عباد - وقد قالت له بعض خطاياه بأغمات: يا مولاي لقد هنا هنا-:

قلت لقد هنا هنا

مولاي أين جاهنا

قلت لها إلهنا

صيرنا إلى هنا

وقول أبي الفتح البستي:

إن هز أقلامه يوما ليعلمها

أنساك كل كمي هز عامله

وان أقر على رقٍ أنامله

أقر بالرق كتاب الأنام له

وقوله من أبيات:

يرمي سهاماً أن أسر المقت لي

بالكيد لا يقصد غير المقتل

وقول أبي الفضل الميكالي:

لقد راعني بدر الدجى بصدوده

ووكل أجفاني برعي كواكبه

فبا جزعي مهلا عساه يعود لي

ويا كبدي صبرا على ما كواك به

وقول ابن جابر:

أيها العاذل في حبي لها

خل نفسي في هواها تحترق

ما الذي ضرك مني بعد ما

صار قلبي من هواها تحت رق

وقول الصاحب قوام الدين القمي:

مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا

ومات في أثرهم تلك الكرامات

وخلفوني في قوم ذوي سفهٍ

لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا

وقول أبي الفضل أيضاً:

وكل غنى يتيه به غني

فمرتجع بموت أو زوال

وهب جدي زوى لي الأرض طرا

أليس الموت يزوي ما زوى لي

وقول ابن أسد الفارقي:

غدونا بآمالٍ ورحنا بخيبةٍ

أماتت لنا أفهامنا والقرائحا

فلا تلق منا غاديا نحو حاجةٍ

فتسأله عن حاجةٍ والق رائحا

وكقول أبي الفتح البستي:

أأروم في أيام غيرك بسطة

في الجاه لي أني لعين الجاهل

وقول محمد بن سليمان بن قطرش:

يا قوم ما بي مرض واحد

لكن بي عدة أمراض

ولست أدري مع ذا كله

أساخط مولاي أم راضي

وقلت أنا في ذلك أيضاً:

أيا بانيا عليا القصور مؤملا

أماناً من الدنيا ونيل أماني

أقل البنا فالدهر يوم وليلة

عجولان للأعمار ينتهبان

وقل للذي لا ينتهي عن بنائها

متى يأتي أمر الله ينته بان

وقال أبو الحسن الباخرزي:

لولا سعيد لنضت سعدها

مجالس العلم وتدريسها

شمس يعم الخالق إشراقه=وغره لو كنت تدري سسها وقال آخر من دوبيت:

هذا زمن الربيع قم فانتبه

فالراح تزيل كلما أنت به

وقول أبي سعيد عبد الرحمن بن محمد دوست من شعراء اليتيمة:

وشادن نادمت في مجلس

قد أمطرت راحا أبا يقه

طلبت ورداً فأبى خده

ورمت راح فأبى ريقه

وقوله أيضاً:

وشادن قلت له

هل لك في المنادمه

فقال رب عاشقٍ

سفكت بالمنى دمه

وقول بعضهم وأجاد:

لي مدمع وصبي به

من فيضه وصبيبه

وجوىً غدا ولهي به

من حره ولهيبه

ناديت من أسرى به

بحياة من أسري به

صل مدنفاً تجري به

بلواه في تجريبه

وقول الشيخ العميد أبي سهل بن الحسن:

عجبت من الأقلام لم تبد خضرة

وباشرن منه كفه والأناملا

ص: 17

لو أن الورى كانوا كلاماً وأحرفا

لكان نعم منهم وباقي الأنام لا

وقول الآخر:

أمير كله كرم سعدنا

بأخذ المجد منه واقتباسه

يحاكي النيل حين يروم نيلا

ويحكي باسلاً في وقت باسه

وقول الآخر:

يا من تدل بمقلة

وأناملٍ من عندم

كفي جعلت لك الفدا=ألحاظ عينك عن دم وقول الآخر:

لا خير في العلم إذا لم يكن

حظ من المال أو الجاه لي

والعلم إن لم أك ذا ثروة

أنزلني منزلة الجاهل

وقول الآخر:

يا من يقول الشعر غير مهذب

ويسومني التكليف في تهذيبه

لو أن كل الخلق فيك مساعدي

لعجزت عن تهذيب ما تهذي به

وقول الباخرزي:

أصبحت عبداً لشمس

ولست من عبد شمس

إني لأعشق ستي

وحق من شق خمس

هيفاء تترك يومي

بالهجر حاسد أمسي

ولا تبالي جفاء

أسر قلبي أم سي

النوع الثالث: الجناس المرفو، وهو ما كان أحد ركنيه مستقلاً، والآخر مرفو من كلمة أخرى. ولم ينظمه الصفي أيضاً. ومثاله قول الحريري:

ولا تله عن تذكار ذنبك وأبكه

بدمع يحاكي المزن حال مصابه

ومثل لعينيك الحمام ووقعه

وروعة ملقاه ومطعم صابه

وقوله أيضاً:

وإن قصارى مسكن الحي حفرة

سينزلها مستنزلاً عن قبابه

فواها لعبد ساءه سوء فعله

وأبدي التلافي قبل إغلاقه بابه

وقول الآخر:

كف عن الناس إذا شئت أن

تسلم من قول جهول سفيه

من قذف الناس بما فيهم

يقذفه الناس بما ليس فيه

وقول آخر:

هتف الصبح بالدجى فاسقنيها

خمرة تترك الحليم سفيها

لست أدري من رقة وصفاء

هي في كأسها أم الكأس فيها

وقولي:

إذا أصبحت ذا طرب ولهوٍ

تعاقر راحة أو شرب راح

فقل لي كيف ترجوا الرشيد يومياً

وما لك عن ضلالك من براح

وقول بعضهم:

دعوني ورسمي في العفاف فإنني

جعلت عفافي في حياتي ديدني

وأعظم من قطع اليدين على الفتى

صنيعة بر نالها من يدي دني

وقول أبي الحسن الباخرزي:

أنا القادم بأرضك رحله

فإن زرته بدلت بالخاء قافه

أحبك قبل الالتقاء فإن يذب

أخو صبوة شوقاً إلى الملتقى فهو

انتهى الكلام على الجناس المركب وأقسامه. قال ابن الحجة: وهنا بحث لطيف وهو أنه قد تقرر أن ركني الجناس يتفقان في اللفظ، ويختلفان في المعنى، لأنه نوع لفظي لا معنوي، وهو نوع متوسط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع. والتورية من أعز أنواعه وأعلاها رتبة. فإذا جعلت الجناس تورية انحصر المعنيان في ركن واحد، وخلصت من عقادة الجناس. وأنا أذكر المثالين، قال صاحب الجناس المركب:

اعن العقيق سألت برقا أومضا

أأقام حادٍ بالركائب أومضا

وقال صاحب التورية:

وإذا تبسم ضاحكاً لم ألتفت

أن عاد برقا في الدياجي أومضا

وقال في الجناس التام: وإذا راجعت النظر في كلامهم وجدت غالب ما نظموه من التورية جناسا تاماً. فمن ذلك قول الشيخ صدر الدين الوكيل في الدوبيت:

كم قال معاطفي حكتها الأسل

والبيض سرقن ما حكتها المقل

والآن أوامري عليهم حكمت

البيض تحد والقنا تعتقل

ففي تحد وتعتقل، جناسان تامان، إذا أبطلت الاشتراك وأبرزت كلا من الركنين في موضعه على طريق من له رغبة في الجناس. انتهى.

وأنا أقول: إن هذا الكلام الذي قرره لا يختص بالتورية، بل يجير في الاستخدام على طريقة ابن مالك أيضاً كقول المعري:

تلك ماذية وما لذباب الصيف والسيف عندها من نصيب

وهذا خروج من الاصطلاح، وقول بالاقتراح. لأن الجناس لا بد فيه من أن يكون ركناه المتفقان في اللفظ، المختلفان في المعنى، موجودين في اللفظ، وإلا لم يسم جناساً عندهم كما هو صريح حدهم له، وكلام ابن حجة ليس بحجة. فإن هذا الذي ذكره شيء لا يعرفه أرباب البديع ولا نص عليه أحد منهم، فلا يلتفت إليه.

ص: 18

وأما الجناس المطلق - وسماه جماعة كالسكاكي وغيره، تجنيس المشابهة - فهو ما اختلف ركناه في الحروف والحركات، وجمع بين لفظيهما المشابهة، وهو ما يشبه الاشتقاق ولي باشتقاق، وذلك بان يوجد في كل من اللفظين جميع ما في الآخر من الحروف أو أكثر، لكن لا يرجعان في المعنى إلى أصل واحد. وبهذا يفرق بينه وبين المشتق. فإن المشتق يرجع معنى ركنيه إلى أصل واحد. قال الشيخ صفي الدين في شرح بديعيته: وقد غلط أكثر المؤلفين في المشتق، وعدوه تجنيساً، وليس من أصناف التجنيس. انتهى.

ولنمثل لكل من القسمين ليتضح الفرق بينهما كما الاتضاح. فالمشتق كقول الله: (فأقم جهك للدين القيم) فإن الركنين مشتقان من قام ويقوم، فهما راجعان إلى معنى واحد. وقوله تعالى:(يمحق الله الربا ويربي الصدقات) فإنهما مشتقان من ربا يربو، بمعنى زاد ونما، وقوله) صلى الله عليه وآله وسلم (: ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً، وقول الشاعر:

وذلكم أن ذل الجار حالفكم

وإن أنفكم لا يعرف الأنفا

وقول الآخر:

ونرتاب بالأيام عند سكونها

وما أرتاب بالأيام غير مريب

وما الدهر في حال السكون بساكن

ولكنه مستجمع لوثوب

وقول أبي العلاء المعري: ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا=تجاهلت حتى قيل أني جاهل وقول صاحب البردة:

ظلمت سنة من أحيى الظلام إلى

أن اشتكت قدماه الضر من ألم

وما ألطف قول كشاجم في خادم أسود يعرف بالظلم:

يا مشبها في فعله لونه

لم تحظ ما أوجبت القسمة

فعلك من لونك مستخرج

والظلم مشتق من الظلمة

لأن كليهما يرجعان إلى معنى الستر. فإن الظالم يستر الحق، والظلمة تستر المحسومات. وقال) صلى الله عليه وآله وسلم (فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر: الظلم ظلمات يوم القيامة. ومن محاسن أبي الحسن علي بن الحسين الباخرزي قوله في هذا النوع:

عاينت طيف الذي أهوى فقلت له

كيف اهتديت وجنح الليل مسدول

فقلت أبصرت ناراً من جوانحكم

يضيء منها لدى السارين قنديل

فقلت نار الهوى معنى وليس لها

نور يضيء فماذا القول مقبول

فقال نسبتنا في الأمر واحدة

أنا الخيال ونار الشوق تخييل

فنبه على الاشتقاق في قوله (نسبتنا في الأمر واحدة) . وقلت أنا في ذلك منبهاً على الاشتقاق بصريح اللفظ:

والأماني كالمنايا وأن نا

زع غر فالاشتقاق دليل

والجناس المطلق، كقوله تعالى:(يا أسفي على يوسف) فإن الأسف ويوسف لا يرجعان إلى أصل واحد. وقوله تعالى: (قال إني لعملكم من القالين) فإن قال من القول، والقالين من القلى. وقوله) صلى الله عليه وآله وسلم (- فيما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة: أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله. فإن أسلم لم تسم من المسالمة، ولا غفار من المغفرة ولا عصية - تصغير عصا - من العصيان، بل هي أسماء قبائل مرتجلة، لم يلاحظ في وضعها تلك المعاني بخلاف نحو هاشم؛ فإنه سمي به لما هشم الثريد لقومه في عام محل وقع بمكة. ومن أمثلته في الشعر قول النعمان بن بشير لمعاوية بن أبي سفيان:

ألم تبتدركم يوم بدر سيوفنا

وليلك عما ناب قومك نائم

وقول الآخر:

عرب تراهم أعجمين عن القرى

متنزلين عن الضيوف النزل

فأقمت بين الأزد غير مزود

ورحلت عن خولان غير مخول

وقول الآخر:

صل الراح بالراحات وأقدح مسرة

بأقداحها واعكف على لذة الشرب

ولا تخش أوزاراً فأوراق كرمها

أكف غدت تستغفر الله للذنب

الشاهد في البيت الأول، وما أحسن ما استعمل الاستغفار في البيت الثاني. وقول القاضي الأرجاني:

وفي الحي كل كليل اللحاظ

يطالعنا من خصاص الكلل

وقول أبي فراس الحارث بن حمدان:

سكرت من لحظه لا من مدامته

ومال بالنوم عن عيني تمايله

فما السلاف دهتني بل سوالفه

ولا الشمول ازدهتني بل شمائله

ألوي بعزمي أصداغ لوين به

وغال قلبي بما تحوي غلائله

وفيه شاهد الاشتقاق والجناس المطلق كما لا يخفى.

وقولي من أبيات:

اطرح زنادك لا تستوره قبسا

لا يقدح الزند من في كفه القدح

وقولي من قصيدة:

ص: 19

خاطرت في هواك مهجة صب

هويت منك ذابلاً خطارا

ومنها:

لا تلمني فما التصابي بعار

قبل يسترجع الصبا ما أعارا

وقولي من قصيدة أخرى وفي البيت الأول الاشتقاق، وفي الذين بعده الجناس المطلق:

ولائم لام على حبه

جهلاً بأمر الحب وهو المليم

يروم مني الغدر فيه وما

ذمام ودي في الهوى بالذميم

صم صدى العاذل في حب في

أسكنته في مهجتي في الصميم

وقول الآخر:

إن فصل الربيع فصل مليح

تضحك الأرض من بكاء السماء

ذهب حيثما ذهبنا ودر

حيث درنا وفضة في الفضاء

وقول بعضهم:

بجانب الكرخ من بغداد عن لنا

ظبي ينفره عن وصلنا تفر

ظفيرتاه على قتلي تظافرتا

يا من رأى شاعراً أودى به الشعر

وقول الآخر:

إذا أعطشتك أكف اللئام

كفتك القناعة شبعاً وريا

فكن رجلاً رجله في الثرى

وهامة همته في الثريا

وقول الشيخ العميد:

إذا بلغ الحوادث منتهاها

فرج بعيدها الفرج المطلا

فكم كرب تولى إذا توالى

وخطب قد تجلا حين جلا

وقول الآخر:

رب خود عرفت في عرفات

سلبتني بحسنها حسناتي

لم أنل في منى منى النفس لكن

خفت بالخيف أن تكون وفاتي

وقول المعري:

لا تنزلي بلوى الشقائق فاللوى

ألوى المواعد والشقيق شقاق

تنبيه: - علم بالأمثلة المذكورة أنه ليس المراد بما يشبه الاشتقاق في الجناس المطلق، الاشتقاق الكبير، لأن الاشتقاق الكبير، هو الاتفاق في حروف الأصول من غير رعاية ترتيب، مثل، القمر والرقم والمرق، ونحو ذلك. والأسف ويوسف؛ وقال والقالين ليس من هذا القبيل، وهو ظاهر نبه عليه السعد التفتازاني في شرح التلخيص.

إذا عرفت هذا فالشيخ صفي الدين (ره) جمع بين الجناس المركب والمطلق في المطلع فقال:

إذن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم

واقر السلام على عرب بذي سلم

فالمركب في قوله: (سلعا) و (سل عن) ، والمطلق في (السلام) و (السلم) .

وابن جابر جاء المركب في بيت، وبالمطلق في بيت، فقال في المركب:

دع عنك وسل ما بالعقيق جرى

وأم سلعا وسل عن أهله القدم

وقال في المطلق:

جار الزمان فكفوا جوره وكفوا

وهل أضام لدى عرب على أضم

قال ابن حجة: المطلق في (أضام) و (أضم) . وأما (جار) و (جوره) فمشتق، ولكن لم يخف ما في البيتين من الثقل مع خفة الالتزام. انتهى. قلت: وهو - أعني المطلق - في (كفوا) و (كفوا) أيضاً كما هو ظاهر.

وبيت الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

فحي سلمى وسل ما ركبت بشذا

قد أطلقته أمام الحي من أمم

فأتى بالنوعين في بيت واحد، وورى بالاسمين من جنس الغزل.

وبيت ابن حجة قوله - وحذا فيه حذو الموصلي-:

بالله سربي فسربي طلقوا وطني

وركبوا في ضلوعي مطلق السقم

والشيخ عبد القادر الطبري لم يذكر في بديعيته إلا الجناس المركب، وأما المطلق فلم يجر له ذكراً فقال:

فأم سلعاً وسل عن أهله فهم

قد ركبوا في الحشا ناراً ببعدهم

وبيت بديعيتي هو:

دعني وعجبي وعج بي بالرسوم ودع

مركب الجهل واعقل مطلق الرسم

وبيت بديعيتي هو:

دعني وعجبي بي بالرسوم ودع

مركب الجهل واعقل مطلق الرسم

فالمركب في (عجبي) و (عج بي) والمطلق في (الرسوم) و (الرسم) فالرسوم: الآثار، والمراد هنا آثار الديار بقرينة المقام. والرسم: صفة للأينق التي تمشي الرسيم، وهو نوع من سير الإبل، فحذف الموصوف وأبقى الصفة وهو كثير الوقوع في فصيح الكلام، قال تعالى (وعندهم قاصرات الطرف) أي حور قاصرات الطرف (وألنا له الحديد أن اعمل سابغاتٍ) أي دروعاً سابغات. والعجب بالضم: الزهو والكبر. وعاج يعوج، أي أقام بالمكان ووقف. والجهل المركب: خلاف البسيط، فإن المركب هو عدم العلم مع اعتقاده، فهو مركب من الجهل والجهل بالجهل. والبسيط، هو عدم العلم فقط. قال بعضهم:

قال حمار الحكيم يوماً

لو أنصفوني لكنت أركب

لأنني جاهل بسيط

وراكبي جاهل مركب

ص: 20