الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شربت على المائين من ماء كرمة
…
وماء كدر ذائب وعقيق
على قمري أفق وأرض تقابلا
…
فمن شائق حلو الهوى ومشوق
فما زلت أسقيه واشرب ريقه
…
وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التم تعرف ذا الفتى
…
فقال نعم هذا أخي وشقيقي
قال القاضي شمس الدين بن خلكان: وهذه الأبيات من أملح الشعر وأظرفه.
وقول مؤيد الدولة أسامة بن مرشد:
شكا ألم الفراق الناس قبلي
…
وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي
…
فإني ما سمعت ولا رأيت
ومن الشعر المشهور بالرقة والسهولة قول الحسن بن مطير على ما في الغرر والدرر للمرتضى:
ولي كبد مقروحة من يبيعني
…
بها كبدا ليست بذات قروح
أباها جميع الناس لا يشترونها
…
ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الشوق الذي في جوانحي
…
أنين غصيص بالشراب قريح
وكان سلطان مكة المشرفة الشريف محسن بن الحسين بن الحسن الحسني يطرب لهذه الأبيات كثيراً ويعجب لها، فسأل ابن عمه السيد احمد بن مسعود بن الحسن تذييلها، فذيلها بقوله:
على سالف لو كان يشرى زمانه
…
شريت ولكن لا يباع بروحي
تقضى وأبقى لا عجا ُيستفزه
…
تألق برق أو تنم ريح
وقلباً إلى الأطلال والضال لم يزل
…
نزوعاً وعن أفياه غير نزوح
فليت بذاك الضال نجب أحبتي
…
طلاحاً فنضو الشوق غير طليح
يجشمه بالا برقين منيزل
…
وبرق سرى وهنا وصوت صدوح
وموقف بين لو أرى عنه ملحداً
…
ولقت بنفسي فيه غير شحيح
صرمت به ربعي وواصلت أربعي
…
وأرضيت تبريحي وغظت نصيحي
وباينت سلواني وكل ملوح
…
ولا يمت أشجاني وكل مليح
وكلفت نفسي فوق طوقي فلم أطق
…
لعد سجايا محسن بمديح
وذيلتها أنا أيضاً فقلت:
ولي كبد مقروحة من يبيعني
…
بها كبدا ليست بذات قروح
أباها جميع الناس لا يشترونها
…
ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الشوق الذي في جوانحي
…
أنين غصيص بالشراب قريح
وأبكي بعين لا تكف غروبها
…
وأصبو بقلب بالغرام جريح
وألتاع وجدا كلما هبت الصبا
…
بنشر خزامى أو بنفحة شيح
إلى الله قلباً لا يزال معذبا
…
بتأنيب لاح أو بهجر مليح
فيا عصرنا بالرقمتين الذي خلا
…
لك الله جد بالقرب بعد نزوح
أرقت وقد نام الخلي من الأسى
…
بجفن على تلك السفوح سفوح
يهيج أشجاني ترتم صادح
…
ويوقظ أحزاني تنسم ريح
فلله بالجرعاء حي عهدتهم
…
يحلون منها في معاهد فيح
ليالي ليلى من بهيم ذوائب
…
وصبحي من وجه أغر صبيح
هم نيل آمالي ونجح مآربي
…
وصحة أسقامي وراحة روحي
لئن مر دهر بالتنائي فقد حلا
…
غبوقي بهم فيما مضى وصبوحي
وبيت بديعية الصفي قوله:
وقلت هذا قبول جاءني سلفاً
…
ما ناله أحد قبلي من الأمم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
يا رب سهل طريقي في زيارته
…
من قبل أن تعتريني شدة الهرم
وبيت بديعية المقري قوله:
يا احمد الرسل هذا احمد الخلفا
…
في الملك هذا المسمى باسمك العلم
وبيت بديعية العلوي قوله:
ومن يكن للإله الفرد فيه ثنا
…
فمدح كل الورى ضرب من العدم
وبيت بديعيتي قولي:
وأنت يا سيد الكونين معتمدي
…
في أن تسهل ما أرجو ومعتصمي
ولم ينظم سائر أصحاب البديعيات هذا النوع والله تعالى أعلم
الإدماج
أدمجت مدحك والأيام عابسة
…
وأنت أكرم من يرجى لدى الازم
الإدماج في اللغة مصدر أدمج الشيء في الشيء: إذا أدخله فيه.
وفي الاصطلاح أن يضمن المتكلم كلاما ساقه لمعنى معنى آخر، بشرط أن لا يصرح به، ولا يشعر في كلامه بأنه مسوق لأجله. ومثاله من التنزيل قوله تعالى (له الحمد في الأولى والآخرة) فان الغرض منها تفرده تعالى بوصف الحمد، وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.
وقوله تعالى (حملته أمة كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) فأنها سيقت لإثبات منة الوالدة على الولد، وأدمج فيها أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه إذا وضع للفصال أربعة وعشرون شهرا ُلقوله تعالى (وفصاله في عامين) بقي للحمل ستة أشهر، وهي أقل مدته، ويسمى هذا النوع في أصول الحنفية بالإشارة.
ومن النظم قول أبي الطيب في وصف الليل:
أقلب فيه أجفاني كأني
…
أعد بها الدهر الذنوبا
فإنه ضمن وصف الليل بالطول الشكاية من الدهر، يعني لكثرة تقليبي لأجفاني في ذلك الليل كأني أعد على الدهر ذنوبه.
وقول ابن المعتز في الخيري:
قد نفض العاشقون ما صنع ال
…
هجر بألوانهم على ورقة
فان الغرض وصف الخيري بالصفرة فأدمج الغزل في الوصف، وفيه وجه آخر من الحسن وهو إيهام الجمع بين المتنافيين، أعني الإيجاز والإطناب، أما الإيجاز فمن جهة الإدماج، وأما الإطناب فلأن أصل المعنى أنه أصفر، فاللفظ زائد عليه لفائدة، وقد مر الاستشهاد به في نوع البسط.
ومنه قول ابن نباتة:
ولا بد من جهلة في وصاله
…
فمن لي بخل أودع الحلم عنده
فأنه أدمج في الغزل الفخر بكونه حليماً، حيث كنى عن ذلك بالاستفهام عن وجود خليل صالح لأن يودعه حلمه، وضمن الفخر بذلك شكوى الزمان لتغير الأخوان، حيث اخرج الاستفهام مخرج الإنكار إشارة إلى أنه لم يبق في الإخوان من يصلح لهذا الشأن، ونبه بذلك على أنه لم يعزم على مفارقة حلمه أبداً، لكن لما كان مريداً لوصل هذا المحبوب المستلزم للجهل المنافي للحلم، عزم على أنه إن وجد من يصلح لأن يودعه حلمه أودعه إياه، فأن الودائع مستعارة آخر الأمر.
وأورد غير واحد، منهم صاحب المصباح، صفي الدين الحلي في شرح بديعيته، وابن حجة، وسائر أصحاب البديعيات في شروحهم مثالاً لهذا النوع قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لعبيد الله بن سليمان بن وهب حين وزر للمعتضد، وهو:
أبى الدهر إسعافنا في نفوسنا
…
فأسعفنا فيمن نجد ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمها
…
ودع أمرنا أن المهم المقدم
قالوا: أدمج شكوى الزمان، وشرح ما هو عليه من اختلال الأحوال في ضمن التهنية. ورد بان الشكوى مصرح بها في صدر البيتين فكيف تكون مدمجة؟ ولو جعل التهنية مدمجة في الشكوى لكان أقرب.
ومن بديع الإدماج قول الصاحب بن عباد يمدح الأستاذ أبا الفضل بن العميد:
إن خير المداح من مدحته
…
شعراء البلاد في كل ناد
فأنه أدمج الافتخار في أثناء المدح، وهذا البيت من جملة قصيدة من عيون شعر الصاحب وهي:
من لقلب يهيم في كل واد
…
وقتيل للحب من غير واد
إنما أذكر الغوالي والمق
…
صد سعدى مكثراً للسواد
وإذا ما صدقت فهي مرامي
…
ومنائي وروضتي ومرادي
وندى ابن العميد أني عميد
…
من هواها ألية الأمجاد
لو درى الدهر أنه من بنيه
…
لا زدرى قدر سائر الأولاد
أو رأى الناس كيف يهتز للجو
…
دلما عددوه في الأطواد
أيها الآملون حطوا سريعاً
…
برفيع العماد واري الزناد
فهو أن جاد ذم حاتم طي
…
وهو إن قال فل قس أياد
وإذا ما ارتأى فأين زياد
…
من دهاه وأين آل زياد
أقبل العيد يستعير حلاه
…
من علاه العزيزة الأنداد
سيضحي فيه بمن لا يوالي
…
هـ ويبقى بقية الأعياد
ومديحي إن لم يكن طال أبيا
…
تاً فقد طال في مجالي الجياد
أن خير المداح من مدحته
…
شعراء البلاد في كل ناد
على أنه ألم فيه بقول يزيد بن محمد المهلبي لابن المدبر وهو:
أن أكن مهدياً لك الشعراني
…
لابن بيت تهدى له الأشعار
وبيت بديعية الصفي قوله:
لصدق قولك لو حب امرؤ حجرا
…
لكان في الحشر عن مثواه لم يرم
قال في شرحه: الإدماج فيه سؤاله حسن الحشر في زمرة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في ضمن تصديق الحديث المأثور.
وبيت بديعية ابن جابر قوله:
لهم أحاديث مجد كالرياض إذا
…
أهدت نواسم أحيت دارس السلم
قال رفيق الناظم في شرحه: جعل لهم أولا أحاديث مجد طيبة، وأدمج في ذلك وصف الرياض. انتهى. ولا يخفى ما فيه.
وبيت بديعية الموصلي قوله: