الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبيت الشيخ عز الدين صالح للتجريد وهو:
دع المعاصي فشيب الرأس مشتعل
…
بالاستعارة من أزواجها العقمِ
قال المذكور: لو بلغت ما عسى أن أقرل في قوله: من أزواجها العقم: ما يرعب السامع.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
وكان غرس التمني يانعاً فذوى
…
بالاستعارة من نيران هجرهمِ
وبيت بديعية الطبري قوله:
خوافي الحب أورتها قوادمه
…
من استعارة نار الهجر مع سدمِ
مساوي هذا البيت ظاهرة على كل مبتدئ، فما ظنك بغيره؟.
وبيت بديعيتي هو قولي:
ذوى وريق شبابي في الغرام بهم
…
من استعارة نار الشوق والألمِ
هذا البيت وبيت ابن حجة فرسا رهان في هذه الحلبة.
وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:
إن لم أصغ ناظماً عقداً فرائده
…
وسائط كلها من جوهر الكلمِ
المقابلة
ولوا بسخط وعنف نازحين وقد
…
قابلتهم بالرضا والرفق من أمم
المقابلة - هي أن يأتي المتكلم بلفظين متوافقين فأكثر، ثم بأضدادها أو غيرها على الترتيب، وهذا أحد الفرقين بينهما وبين المطابقة. والمراد بالتوافق خلاف التقابل، لا أنا يكونا متناسبين ومتماثلين، فإن ذلك غير مشروط كما سيجيء من الأمثلة.
قال زكي الدين بن أبي الإصبع: والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين: أحدهما إن الطباق لا يكون إلا بالأضداد، والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها، ولكن الأضداد أعلى رتبة وأعظم موقعاً.
والثاني، إن الطباق لا يكون إلا بين ضدين فقط، والمقابلة لا تكون إلا بما زاد من الأربعة إلى العشرة. انتهى.
قال الشيخ صفي الدين: وكلما كثر عددها كانت أبلغ. انتهى.
وزاد السكاكي في تعريف المقابلة قيداً آخر فقال: هي أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضديهما، ثم إذا شرطت هنا شرطاً، شرطت هناك ضده كقوله تعالى:(فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى) فإنه لما جعل التيسير مشتركاً بين الإعطاء والإتقاء والتصديق، جعل ضده وهو التعسير المعبر عنه بقوله: فسنيسره للعسرى، مشتركاً بين أضدادها وهي: البخل والاستغناء والتكذيب.
فإن قلت: كون البخل ضد الإعطاء، والتكذيب ضد التصديق ظاهر فما وجه كون الاستغناء ضد التقي؟ قلت: هو مبني على اعتبار ما يلزم الاستغناء من ترك الإتقاء، إذ المراد باستغنى، إنه زهد فيما عند الله ولم يرغب فيه، بمنزلة الشيء المستغنى عنه، فترك الإتقاء واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة، فلم يتق الله ولم يحذر المعاصي وإتباع الهوى. ثم هذا القيد الذي زاده السكالي، لم يعتبره الأكثرون لأنهم عدواً من المقابلة قول أبي دلامة:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر وألافلاس بالرجل
قالوا: قابل بين الحسن والقبح والدين والكفر والدنيا والإفلاس. ومع ذلك فالقيد المذكورة معدوم فيه، لأنه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الإفلاس والكفر ضده، فلا يكون هذا البيت عند السكالي من المقابلة.
وقسم بعضهم المقابلة إلى ثلاثة أنواع: نظيري ونقيضي وخلافي. مثال الأول، قوله تعالى:(لا تأخذه سنة ولا نوم) فإنهما جميعاً من باب الرقاد المقابل باليقظة في آية (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود) وهذا مثال الثاني، فإنهما نقيضان. ومثال الثالث مقابلة الشر في قوله تعالى:(وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) فإنهما خلافان لا نقيضان، فإن نقيض الشر الخير، ونقيض الرشد الغي. انتهى.
وهذا تقسيم غريب، قل من ذكره، ولعل قائله تفرد به.
تنبيهان: الأول- ظاهر كلام جماعة إن المقابلة لا تكون إلا بالأضداد كالمطابقة فيبطل الفرق الأول من الفرقين المذكورين بين المطابقة والمقابلة.
الثاني - قال الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته: المقابلة أن يأتي الناظم بأشياء متعددة في صدر البيت، ثم يقابل كل شيء منها بضده في العجز، على الترتيب أو بغير الضد. انتهى.
وظاهر هذا أن المقابلة في النظم لا تكون إلا بين ألفاظ صدر البيت وعجزه. وليس كذلك، بل قد تكون في كل من صدر البيت وعجزه، بأن يأتي بلفظين ويقابل منهما بضده أو غيره في الصدر، وكذا في العجز كقول الطغرائي:
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت
…
بشدة اليأس منه رقة الغزلِ
فإنه قابل الحلو والفكاهة، وهي المزح، بالمر والجد على الترتيب في صدر البيت، وقابل الشدة واليأس بالرقة والغزل على الترتيب في عجز البيت فظهر أن كلام الشيخ صفي الدين مبني على الغالب دون التحقيق والله أعلم.
مثال مقابلة اثنين باثنين - قوله تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً) .
وقول النبي) صلى الله عليه وآله وسلم (: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا الخرق في شيء إلا شأنه.
وقول الذبياني:
فتىَ تم فيه ما يسر صديقه
…
على أن فيه ما يسوء إلا عاديا
وقوله الآخر:
فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح
…
وفيَّ ومطوي على الغل غادرُ
فإن الغل ضد النصح، والغدر ضد الوفاء ومن لطيف ذلك، ما حكي عن محمد بن عمران الطلحي، إذ قال له المنصور: بلغني أنك بخيل، فقال: يا أمير المؤمنين ما أجمد في حقٍ ولا أذوب في باطل.
ومثال مقابلة ثلاثة بثلاثة قول أبي الطيب المتنبي:
فلا الجود يفني المال والجد مقبل
…
ولا البخل يبقي المال والجد مدبرُ
وقول الآخر في المعنى:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
…
على الخلق طرا إنها تنقلبُ
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
…
ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
وقول أبي تمام:
يا أمة كان قبح الجور يسخطها
…
دهراً فأصبح حسن العدل يرضيها
وقول شهاب الدين محمود:
يا راكباً يفري جواد الفلا
…
على أمون جسرة أو جوادْ
يسري فتبيديه ظهور الربى=طوراً فتخفيه بطون الوهاد وقول الآخر وفي كل من البيتين مقابلة ثلاثة بثلاثة:
يفر جبان القوم عن ابن أمه
…
ويحمي شجاع القوم من لا يناسبهْ
ويرزق معروف الكريم عدوه
…
ويحرم معروف البخيل أقاربه
ومنه قول الشيخ صفي الدين الحلي في راقص:
ورَّنح الرقص منه عطفاً
…
حف به اللطف والدخولُ
فعطفه داخل خفيف
…
وردفه خارج ثقيل
فقابل العطف بالردف، والداخل بالخارج، والخفيف بالثقيل. وليس هذا من مقابلة اثنين باثنين كما زعم ابن حجة.
ومثال مقابلة أربعة بأربعة قوله تعالى: فأما من أعطى واتقى - الآيتين - وقد تقدم ذكرهما وبيان المقابلة فيهما.
وقول غرس الدين الأربلي:
تسر لئيماً مكرمات تعزه
…
وتبكي كريما حادثات تهينُهُ
ومثال مقابلة خمسة بخمسة قول أبي الطيب المتنبي:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي
…
وانثني وبياض الصبح يغري بي
قالوا: قابل خمسة بخمسة، والمقابلة الخامسة بين (لي) و (بي)، قال الخطيب القزويني: وفيه نظر، لأن الباء واللام فيهما صلتا الفعل فهما من تمامهما، قال: وضد الليل المحض هو النهار، لا الصبح.
وقد أخذ بعضهم قول أبي الطيب أخذاً مليحاً فقال:
أقلي النهار إذا أضاء صباحه
…
وأظلّ انتظر الظلام الدامسا
فالصبح يشمت بي فيقبل ضاحكاً
…
والليل يرثي لي فيدبر عابسا
قال الصفدي: وهو مقابلة خمسة بخمسة. انتهى.
قلت: والنظر المذكور وارد عليه مع الأغراض.
وعدوا من مقابلة خمسة بخمسة قول الثعالبي:
عذيري من الأيام مدت صروفها
…
إلى وجه من أهوى يد النسخ والمحوِ
وأبدت بوجهي طالعات أرى بها
…
سهام أبي يحيى يسددها نحوي
فذاك سواد الخط ينهى عن الهوى
…
وهذا بياض الحظ أمر بالصحوِ
ومن يرى المقابلة بين صلتي الفعل فهو عنده من مقابلة ستة بستة.
ومثال مقابلة ستة بستة، ما أنشده الصاحب شرف الدين مستوفي أربل لغيره، وهو:
على رأس عبدٍ تاج عز يزينه
…
وفي رجل حر قيد ذل يشينهُ
قال الصلاح الصفدي: هذا أبلغ ما يمكن أن ينظم في هذا المعنى. فإن أكثر ما عد الناس في باب المقابلة بيت أبي الطيب لأنه قابل فيه بين خمسة، وهذا قابل فيه بين ستة والله أعلم.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين قوله:
كان الرضا بدنوي من خواطرهم
…
فصار سخطي لبعدي عن جوارهمِ
قال في الشرح: فيه مقابلة، كان بصار، والرضا بالسخط، والدنو بالبعد، ولفظةِ من بعن، لأنها تخالفها أيضاً، وخواطرهم بجوارهم، فهذه عشرة متقابلة من غير حشو.
وبيت بديعية ابن جابر الأندلسي قوله: