المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تتمة باب المغايرة - أنوار الربيع في أنواع البديع

[ابن معصوم الحسني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌أنوار الربيع في أنواع البديع

- ‌حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

- ‌الجناس المركب والمطلق

- ‌الجناس الملفق

- ‌الجناس المذيل واللاحق

- ‌الجناس التام والمطرف

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب

- ‌الجناس المعنوي

- ‌الاستطراد

- ‌الاستعارة

- ‌المقابلة

- ‌وإن هم استخدموا عيني لرعيهم=أو حاولوا بذلها فالسعد من خدمي

- ‌الافتنان

- ‌اللف والنشر

- ‌الالتفاف

- ‌الاستدراك

- ‌تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني

- ‌ حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر

- ‌ الجزء الثاني

- ‌الإبهام

- ‌الطباق

- ‌إرسال المثل

- ‌الأمثال السائرة

- ‌التخيير

- ‌النزاهة

- ‌الهزل المراد به الجد

- ‌التهكم

- ‌تنبيهان

- ‌القول بالموجب

- ‌التسليم

- ‌الاقتباس

- ‌المواربة

- ‌التفويف

- ‌الكلام الجامع

- ‌المراجعة

- ‌المناقصة

- ‌المغايرة

- ‌الجزء الثالث

- ‌تتمة باب المغايرة

- ‌التوشيح

- ‌التذييل

- ‌تشابه الأطراف

- ‌التتميم

- ‌الهجو في معرض المدح

- ‌الاكتفاء

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌الاستثناء

- ‌مراعاة النظير

- ‌التوجيه

- ‌التمثيل

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌القسم

- ‌حسن التخلص

- ‌الإطراد

- ‌العكس

- ‌الترديد

- ‌المناسبة

- ‌الجمع

- ‌الانسجام

- ‌تناسب الأطراف

- ‌ائتلاف المعنى مع المعنى

- ‌المبالغة

- ‌ الإغراق

- ‌ الغلو

- ‌التفريق

- ‌التلميح

- ‌العنوان

- ‌التسهيم

- ‌التشريع

- ‌المذهب الكلامي

- ‌نفي الشيء بإيجابه

- ‌الرجوع

- ‌تنبيهات

- ‌تجاهل العارف

- ‌الاعتراض

- ‌حصر الجزئي وإلحاقه بالكلي

- ‌التهذيب والتأديب

- ‌الاتفاق

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌المماثلة

- ‌التوشيع

- ‌التكميل

- ‌شجاعة الفصاحة

- ‌التشبيه

- ‌الفصل الأول في الطرفين

- ‌الفصل الثاني في الوجه

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الثالث في الغرض

- ‌الفصل الرابع في الأحوال

- ‌الفصل الخامس في الأداة

- ‌الفرائد

- ‌التصريع

- ‌الاشتقاق

- ‌السلب والإيجاب

- ‌المشاكلة

- ‌ما لا يستحيل بالانعكاس

- ‌التقسيم

- ‌الإشارة

- ‌تشبيه شيئين بشيئين

- ‌الكناية

- ‌الترتيب

- ‌المشاركة

- ‌التوليد

- ‌الإبداع

- ‌الإيغال

- ‌النوادر

- ‌التطريز

- ‌التكرار

- ‌التنكيت

- ‌حسن الإتباع

- ‌الطاعة والعصيان

- ‌البسط

- ‌المدح في معرض الذم

- ‌الإيضاح

- ‌التوهيم

- ‌الألغاز

- ‌الإرداف

- ‌الاتساع

- ‌التعريض

- ‌جمع المؤتلف والمختلف

- ‌الإيداع

- ‌تنبيهات

- ‌المواردة

- ‌الالتزام

- ‌المزاوجة

- ‌المجاز

- ‌التفريع

- ‌التدبيج

- ‌التفسير

- ‌التعديد

- ‌حسن النسق

- ‌حسن التعليل

- ‌التعطف

- ‌الاستتباع

- ‌التمكين

- ‌التجريد

- ‌إيهام التوكيد

- ‌الترصيع

- ‌التفصيل

- ‌الترشيح

- ‌الحذف

- ‌التوزيع

- ‌التسميط

- ‌التجزئة

- ‌سلامة الاختراع

- ‌تضمين المزدوج

- ‌ائتلاف اللفظ مع المعنى

- ‌الموازنة

- ‌ائتلاف اللفظ مع الوزن

- ‌ائتلاف الوزن مع المعنى

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ

- ‌الإيجاز

- ‌التسجيع

- ‌تنبيهات

- ‌التسهيل

- ‌الإدماج

- ‌الاحتراس

- ‌حسن البيان

- ‌العقد

- ‌تنبيهات

- ‌التشطير

- ‌المساواة

- ‌براعة الطلب

- ‌حسن الختام

- ‌كلمة الختام للمؤلف

الفصل: ‌تتمة باب المغايرة

وباه تميما بالغنى أن للغنى

لسان به المرء الهيوبة ينطق.

ذم الغنى- قال الله عز ذكره (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) .

ويستجاد جداً قول محمود الوراق في هذا الباب:

لا تشعرن قلبك حب الغنى

إن من العصمة أن لا تجد.

كم واجد أطلق وجدانه

عنانه في بعض ما لم يرد.

ومدمن للخمر غاد على

سماع عود وغناء غرد.

لو لم يجد خمرا ولا مسمعا

برد بالماء غليل الكبد.

وكم يد للفقر عند امرء

طأطأ منه الفقر حتى اقتصد.

مدح الفقر- من أحسن ما قيل فيه قول أبي العتاهية:

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى

وأن الغنى يخشى عليه من الفقر.

وقول محمود الوراق:

يا عائب الفقر ألا تنزجر

عيب الغنى أكثر لو تعتبر.

من شرف الفقر ومن فضله

على الغنى لو صح منك النظر.

إنك تعصي الله تبغي الغنى

ولست تعصي الله كي تفتقر.

قلت: محمود الوراق أخذ هذا المعنى من سبيكة ذهب، وقلبه في قطعة خشب، وأين هذا من قول الأول:

دليلك أن الفقر خير من الغنى

وأن قليل المال خير من المثري.

لقاؤك مخلوقا عصى الله للغنى

ولم تر مخلوقا عصى الله للفقر.

ذم الفقر- في كتاب المهبج: الفقر في الأذن وقر، وفي العين عقر، وفي القلب بقر، وفي الجوف بقر، وأنشد:

إذا قل مال المرء قل حياؤه

وضاقت عليه أرضه وسماؤه.

وأصبح لا يدري وإن كان حازما

أقدامه خير له أم وراؤه.

وقال صالح بن عبد القدوس:

بلوت أمور الناس سبعين حجة

ولا بست صرف الدهر في العسر واليسر.

فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى

ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر.

@أنوار الربيع في أنواع البديع

‌الجزء الثالث

‌تتمة باب المغايرة

وقال أبو أحمد التمامي:

غالبت كل شديدة فغلبتها

والفقر غالبني فأصبح غالبي

إن أبده يفضح وإن لم أبده

يقتل فقبح وجهه من صاحب

مدح الصبر - قال بعضهم:

ما أحسن الصبر في مواطنه

والصبر في كل موطن حسن

وقال علي بن الجهم:

وعاقبة الصبر الجميل جميلة

وأفضل أخلاق الرجال التفضل

وقال بعضهم:

الصبر مفتاح ما يرجى

وكل خطب يهون

اصبر وإن طالت الليالي

فربما أمكن الحرون

وربما نيل باصطبار

ما قيل هيهات لا يكون

والنظم والنثر في هذا المعنى كثير جدا.

ذم الصبر - قال البرقعي:

من حمد الصبر وحالاته

فلست بالحامد للصبر

كم جرعة للصبر جرعتها

أمر في الذوق من الصبر

وقال آخر:

ما أحسن الصبر ولكنه

في ضمنه يذهب عمر الفتى

وقال القاضي الفاضل:

يقولون أن الصبر يعقب راحة

وما ضمنوا تبليغ عاقبة الصبر

وفي الصبر ربح أو طريق مبلغ

إلى الربح لكن الخسارة من عمري

وما أحسن قول الشاعر:

ومصبر للصب قلت له وهل

صبر لمن عنه الحبيب يغيب

والله إن الشهد بعد فراقهم

ما لذ لي فالصبر كيف يطيب

مدح المشورة - قال بعض البلغاء: المشورة لقاح العقول، ورائد الصواب، والمستشير على طريق النجاح، واستنارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير. وقد أمر الله بالمشورة أكمل الخلق لبابة، وأولاهم بالإصابة، فقال لرسوله الكريم، في كتابه الحكيم (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) .

وقال الأصمعي: قلت لبشار بن برد: يا أبا معاذ، والله ما سمعت في المشورة أحسن من قولك:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

بحزم نصيح أو نصاحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافي قوة للقوادم

فقال لي: أما علمت أن المشاور بين إحدى الحسنيين، صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه. فقلت له: والله لأنت في كلامك هذا أشعر منك في شعرك.

ذم المشورة - كان عبد الملك بن صالح الهاشمي يذم المشورة ويقول: ما استشرت أحدا قط إلا تكبر علي وتصاغرت له، ودخلته العزة، ودخلتني الذلة. فإياك والمشاورة وإن ضاقت بك المذاهب، واستبهمت عليك المسالك وأداك الاستبداد إلى الخطأ الفادح.

ص: 168

وكان عبد الله (بن) طاهر يقول: ما حك ظهري مثل ظفري، ولأن أخطأ مع الاستبداد ألف خطأ أحب إلي من أن استشير فالحظ بعين النقص والحاجة.

مدح العتاب - قال بعض البلغاء: العتاب حدائق المتحابين، وثمار الأوداء، والدليل على الضن بالأخوة. وكان يقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد.

(وقال) أبو لادرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله.

(وقال) بعضهم:

ترك العتاب إذا استحق أخ

منك العتاب ذريعة الهجر

وقال الشاعر:

نعاتبكم يا آل عمرو لحبكم

إلا إنما الملقي من لا يعاتب

وقال آخر: - (ويبقى الود ما بقي العتاب) وقال آخر: - (وفي العتاب حياة بين أقوام) وقال آخر:

إذا تخلفت عن صديق

ولم يعاتبك في التخلف

فلا تعد بعده إليه

فإنما حبه تكلف

(وقال) آخر:

علامة ما بين المحبين والهوى

عتابها في كل حق وباطل

(وقال) آخر:

ومن لم يعاتب في التواني خليله

وأملى له صار التواني تماديا

ذم العتاب - قال بعضهم: كثرة العتاب داعية الاجتناب. وقال الشاعر:

إن بعض العتاب يدعو إلى الع

ب ويوذي من المحب الحبيبا

وإذا ما القلوب لم تضمر الود

فلن يعطف العتاب القلوبا

وقال آخر:

ودع ذكر العتاب فرب شر

طويل هاج أوله العتاب

وقال آخر:

إذا ما كنت منكر كل ذنب

ولم تحمل أخاك عن العتاب

تباعد من تقارب بعد قرب

وصار به الزمان إلى اجتناب

وقال آخر:

أقلل عتاب من استربت بوده

ليست تنال مودة بعتاب

وفي نوابع الكلم: الكتاب الكتاب، أن أردت العتاب، إن العتاب مسافهة، متى كان مشافهة.

مدح الشباب - قال الصولي في كتاب فضل الشباب على الشيب الذي ألفه للمقتدر: إن السن لا تقدم مؤخرا ولا تؤخر مقدما، بل ربما عدل بجلائل الأمور ومهمات الخطوب عن المشايخ إلى الشبان لاستقبال أيامهم، وسرعة حركاتهم، وحدة أذهانهم، وتيقظ طباعهم؛ ولأنهم على ابتناء المجد أحرص وإليه أصبا وأحوج. وقد أخبر الله عز اسمه أنه أتى يحيى بن زكريا عليهما السلام الحكمة في سن الصبا فقال:(يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) وذكر الفتية في غير موضع من كتابه فقال: (إذ أوى الفتية إلى الكهف) وقال: (إنهم فتية آمنوا بربهم) وقال عز ذكره: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) وقال (في موضع) آخر: (وإذ قال موسى لفتيه) وعن ابن عباس أنه قال: ما بعث الله نبيا من الأنبياء عليهم السلام إلا شابا، ولا أتى العلم عالما إلا وهو شاب ثم تلا هذه الآية:(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) .

وقال بعض البلغاء: الشباب باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله كما أن أطيب الثمار بواكيرها.

ولما أنشد منصور النمري الرشيد قوله:

ما تنقضي حسرة مني ولا جزع

إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع

ما كنت أوفي شبابي كنه عزته

حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع

بكى الرشيد حتى اخضلت لحيته ثم قال: يا نمري ما خير دنيا لا يخطر فيها برداء الشباب.

(وقال) يوتس أغوى: ما بكت العرب على شيء ما بكت على الشباب، وما بلغت منه ما يستحق.

وقال الجاحظ في معنى قول أبي العتاهية:

إن الشباب حجة الصتابي

روائح الجنة في الشباب

معنى كمعنى الطرب الذي تشهد بصحته القلوب وتعجز عن صفته الألسنة.

ذم الشباب - كان يقال: الشباب مطية الجهل، ومطية الذنب.

وقال النابغة الذبياني:

فإن يك عامر قد قال جهلا

فإن مطية الجهل الشباب

وقال الغيبي: قالت عهدتك مجنونا فقلت لها=إن الشباب جنون برؤه الكبر وقال أبو الطيب المصعبي:

لم أقل للشباب في كنف الله وفي سترة غداة استقلا

زائر زارني أقام قليلا

سود الصحف بالذنوب وولى

وقال آخر:

ما أبصرت عيناي أغدر زائر

في الدهر من هذا الشباب الراحل

أكرمته وبررته حتى إذا

واحا حال على المشيب القاتل

مدح الشيب - في الخبر أن الله سبحانه يقول: الشيب نوري، وأنا أستحي أن أحرق نوري بناري.

وكان يقال: الشيب حلية العقل وسمة الوقار.

وكان يقال: المشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب.

ص: 169

وقال بعض الحكماء: إذا شاب العاقل سرى في طريق الرشد بمصباح.

فصل للبديع الهمداني في مدح الشيب (و) ذم الشباب: جزى الله المشيب خيرا فإنه أناة ولا رد الشباب فإنه هناة. وأظن الشباب والمشيب لو مثلا لمثل الأول كلبا عقورا، والآخر شيخا وقورا، ولاشتعل الأول نارا، واشتهر الثاني نورا. فالحمد لله الذي بيض القار وسماه الوقار، وعسى الله أن يغسل الفؤاد كما غسل السواد. إن السعيد من شابت لمته، ولم تخص بالبياض لحيته.

وقال دعبل:

أهلا وسهلا بالمشيب فإنه

سمة العفيف وهيبة المتحرج

ضيف أحل بك النهى فقريته

رفض الغواية واقتصاد المنهج

لا شيء أحسن من مشيب وافد

بالحلم مخترم الشباب الأهوج

فكأن شعري نظم در زاهر

في تاج ذي ملك أغر متوج

وقال طريح بن إسماعيل الثقفي:

والشيب أن يحلل فإن وراءه

عمرا يكون خلاله متنفس

لم ينتقص مني المشيب قلامة

الآن حين بدا ألب وأكيس

وقال أبو تمام:

ولا يروعك إيماض القتير به

فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب

وقال أبو السمط:

إن المشيب رداء العقل والأدب

كما الشباب رداء اللهو والطرب

هذا مختار اليواقيت في مدح الشيب.

وقال الشريف الرضي:

مسيري في ليل الشباب ضلال

وشيبي ضياء في الورى وجمال

سواد ولكن البياض سيادة

وليل ولكن النهار جلال

وما المرء قبل الشيب إلا مهند

صدي وشيب العارضين صقال

وأطرب لقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي أبقاه الله تعالى:

وإن في الشعرات البيض لو عملوا

نورا لعيني ونوارا على عودي

بيض وسود إذا ماستجمعا حسنا

حسن البياض على أحداقها السود

ذم الشيب - ومن أحسن ما قيل فيه على كثرته قول أبي تمام:

غدا الشيب مختطا بفودي خطة

طريق الردى منها إلى النفس مهيع

هو الزور يجفى والمعاشر يجتوى

وذو الإلف يقلى والجديد يرقع

له منظر في العين أبيض ناصع

ولكنه في القلب أسود أسقع

ونحن نزجيه على الكره والرضى

وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع

وقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

تضاحكت لما رأت

شيبا تلالا غرره

قلت لها لا تضحكي

أنبيك عندي خبره

هذا غمام للردى

ودمع عيني مطره

وقول الآخر:

من شاب قد مات وهو حي

يمشي على الأرض مثل هالك

لو كان عمر الفتى حسابا

لكان في شيبه فذالك

هذا ما أورده الثعالبي من الشعر في ذم الشيب.

ويعجبني إلى الغاية قول مهيار بن مرزويه الكاتب رحمه الله:

قالوا المشيب لبسة جديدة

خذوا الجديد واستردوا لي الخلق

وقال القاضي شمس الدين بن خلكان: أنشدني الأديب أبو عبد الله شهاب الدين محمد بن يوسف بن سالم المعروف بالتلعفري في بعض ليالي شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وستمائة بالقاهرة، وهو من شعراء العصر المجيدين:

يا شيب كيف وما انقضى زمن الصبا

عاجلت مني اللمة السوداء

لا تعجلن فو الذي جعل الدجى

من ليل طرتي البهيم ضياء

لو أنها يوم الحساب صحيفتي

ما سر قلبي كونها بيضاء

فقلت له: قد أغرت على بيت نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي حتى أنك قد أخذت معظم لفظه وجميع معناه والوزن والروي، وهو قوله:

لو أن لحية من يشيب صحيفة

لمعاده ما اختارها بيضاء

فحلف أنه لم يسمع هذا البيت إلا بعد عمله الأبيات، والله أعلم بذلك.

وهذا البيت لابن صابر من جملة أبيات وهي:

قالوا بياض الشيب نور ساطع

يكسو الوجوه مهابة وضياء

حتى سرت وخطاته في مفرقي

فوددت أن تنفذ الظلماء

وغدوت أستبقي الشباب تعللا

بخضابها فخضبتها سوداء

لو أن لحية من يشيب صحيفة

لمعاده ما اختارها بيضاء

وهنا انتهى ما أردنا إيراده من كتاب يواقيت المواقيت للثعالبي في نوع المغايرة، مع زيادات فيه نبهنا على بعضها، وأغفلنا البعض.

ومن مشهور أمثلة المغايرة قول ابن الرومي في هجو الود، وهو الذي يقول فيه ابن سكرة الهاشمي:

للود عندي محل

لأنه لا يمل

ص: 170

كل الرياحين جند

وهو الأمير الأجل

وما حمل ابن الرومي على هجوه إلا أنه كان يزكم من رائجته حتى قال فيه ما هو من عجائب التشبيه، ونوادر تقبيح الحسن والتهجين، وهو قوله:

وقائل لم هجرت الورد مقتبلا

فقلت من شؤمه عندي ومن سخطه

كأنه سرم بغل حين أخرجه

عند البراز وباقي الروث في وسطه

أين هذا التشبيه القبيح من قول الآخر في الورد:

كأنه وجنة الحبيب وقد

نقطها عاشق بدينار

وقد كان ابن الرومي ممن يخالف الناس، ويعكس القياس، فيذم الحسن ويمدح القبيح، وهو القائل:

في زخرف القول تزيين لباطله

والحق قد يعتريه بعض تغيير

تقول هذا مجاج النحل تمدحه

وإن ذممت تقل قيء الزنابير

مدحا وذما وما جاوزت وصفهما

سحر البيان يري الظلماء كالنور

قال الصفدي: والحريري إنما فاق على من سواه بما أتى به في مقاماته في مدح الشيء وذمه، كما فعل في المقامة الدينارية، والتي فاضل فيها بين كتابة الإنشاء والحساب، والتي ذكر فيها البكر والثيب والزواج والعزوبة، وغير ذلك، وهذا هو البلاغة والتلعب بالكلام وصحة التخيل والذوق. انتهى.

وحكى الشريف المرتضى علم الهدى رضي الله عنه في كتاب الغرر والدرر قال: حكي أن أبا النظام جاء به وهو حدث إلى الخليل بن أحمد ليعلمه فقال له الخليل يوما يمتحنه وفي يده قدح زجاج: يا بني صف لي هذه الزجاجة فقال: بمدح أم بذم؟ فقال: بمدح، قال: نعم، تريك القذى ولا تقبل الأذى ولا تستر ما ورا.

قال: فذمها، قال: سريع كسرها بطيء جبرها. قال: فصف هذه النخلة - وأومأ إلى نخلة في داره - قال: أبمدح أم بذم؟ قال: بمدح، قال: هي حلو مجتناها، باسق منتهاها، ناضر أعلاها. قال: فذمها؛ قال: هي صعبة المرتقى؛ بعيدة المجتنى؛ محفوفة بالأذى. فقال الخليل: يا بني نحن إلى التعلم منك أحوج.

قال السيّد المرتضى قدس الله سره الشريف: وهذه بلاغة من النظام حسنة، لأن البلاغة هي وصف الشيء ذما أو مدحا بأقصى ما يقال فيه. انتهى.

ويحكى أنه لما حفر عبد الله بن عامر بالبصرة نهره المعروف بنهر عامر ركب إليه يوما ومعه غيلان الضبي؛ فقال له: يا غيلان ما أنفع هذا النهر لأهل هذا المصر؟ فقال: نعم أصلح الله الأمير: هو سقياهم، وتأتيهم فيه ميرتهم، وتتعلم منه السباحة صبيانهم. فلما عزل عبد الله، وولي زياد وكان مولعا برفع آثار عبد الله، وأراد طم هذا النهر فلم يمكنه لفرط منافع الناس به، فركب يوما ومعه غيلان على شط ذلك النهر، فقال له زياد: يا غيلان ما أضر هذا النهر بأهل هذا المصر؟ فقال: نعم أصلح الله الأمير، تنز منه دورهم، ويكثر به بعوضهم، وتغرق فيه ولدانهم. فعجب الناس من تصرفه.

وتكلف ابن الرومي في هجو القمر وعدد له معائب فقال:

لو أراد الأديب أن يهجو البد

ر رماه بالخطة الشنعاء

قال يا بدر أنت تغدر بالسا

ري وتغري بزورة الحسناء

كلف في بياض وجهك يحكي

نمشا فوق وجنة برصاء

يعتريك المحاق في كل شهر

فترى كالقلامة الحجناء

وأبلغ ما قيل في ذلك وأجمعه قول بعض ظرفاء الكتاب ممن يسكن دور الكراء، وقد قيل له: أنظر إلى القمر ما أحسنه، فقال: والله ما انظر إليه لبغضي له، قيل: ولم؟ قال لأن فيه عيوبا لو كانت في حمار لرد بالعيب، قيل: وما هي؟ قال: ما يصدقه العيان، ويشهد به الأثر. فإنه يهدم العمر، ويقرب الأجل، ويحل الدين، ويوجب كراء المنزل، ويقرض الكتان، ويشحب الألوان، ويسخن الماء، ويفسد اللحم؛ ويعين السارق؛ ويفضح العاشق الطارق.

وتأذى ابن المعتز في ليلة من ليالي البدر بالقمراء، وذلك في الصيف فقال يذم القمر:

يا سارق الأنوار من شمس الضحى

يا مثكلي طيب الكرى ومنغصي

أما ضياء الشمس فيك فناقص

وأرى زيادة حرها لم تنقص

لم يظفر التشبيه منك بطائل

متسلخ بهقا كجلد الأبرص

وما أسنى قول (ابن) سناء الملك:

ليل الحمى بات بدري وهو معتنقي

وبات بدرك مرميا على الطارق

شتان ما بين بدر صيغ من ذهب

وذاك بدري

وبدر صيغ من بهق

ص: 171

وأين هؤلاء من ذلك البدوي الذي شردت راحلته بالليل فاتبعها حتى أعيا فلما طلع القمر وجدها معلقة بخطامها ترعى من الشجر، فرفع رأسه إلى القمر فقال:

ماذا أقول وقلي فيك ذو حصر

وقد كفيتني التفصيل والجملا

إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا

أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا

وقد عدوا في الشمس معائب، كما عدوا في القمر، فقال بعضهم: الشمس تشحب اللون، وتغير العرق، وترخي البدن، وتثير المرة. إن أضحيت فيها أمرضتك، وإن أطلت النوم فيها أفلجتك، وإن قربت منها صرت زنجيا، وإن بعدت عنها صرت صقلبيا.

وقال المشرف التيفاشي في ذمها:

في خلقة الشمس وأخلاقها

شتى عيوب ستة تذكر

من صبحها النور لا مسائها

مغائر الأشكار لا يفتر

رمداء عمشاء إذا أصبحت

عمياء عند الليل لا تبصر

ويغتدي البدر لها كاسفا

وجرمه من جرمها أصغر

حرورها في القيظ لا يتقى

ونورها في القر مستحقر

وخلقها خلق الملول الذي

ينكث في العهد ولا يصبر

ليست بحسناء وما حسن من

يقصر عنه اللفظ أن يخبر

وأحسن من هذا قول ابن سناء الملك:

لا كانت الشمس فكم أصدأت

صفحة خد كالحسام الصقيل

وكم وكم صدت بوادي الكرى

طيف خيال جاءني من خليل

وأعدمتني من نجوم الدجى

ومنه روضا بين ظل ظليل

تكذب في الوعد وبرهانه

إن سراب القفر منها سليل

وتحسب النهر حساما فتر

تاع وتحكي فيه قلب الذليل

إن صدئ الطرف فما صقله

إلا التجلي بمحيا جميل

وهي إذا أبصرها مبصر

حديد طرف عاد عنها كليل

يا غلة المهموم يا جلدة ال

محموم يا زفرة صب نحيل

يا قرعة المشرق وقت الضحى

وسلحة المغرب وقت الأصيل

أنت عجوز لم تبرجت لي

وقد بدا منك لعاب يسيل

وأنت بالشيطان قرنانة

فكيف تهدينا سواء السبيل

قال الصفدي: انظر إلى هذا التمحل الذي تكلفه لإظهار معائب الشمس لتعلم تفاوت الناس في البلاغة. وأحسن ما في هذه القطعة قوله: يا غلة المهموم - البيت - والذي بعده حسن، والثالث أيضاً.

وهو مأخوذ من قول أبي العلاء المعري:

وفضل الشمس في الآفاق باق

وإن مدت من الكبر اللعابا

انتهى. وما أحسن قول بعض الأعراب يصف أحوالها:

مخبأة أما إذا الليل جنها

فتخفى وأما في النهار فتظهر

إذا انشق عنها ساطع الفجر وانجلى

دجى الليل وإنجاب الحجاب المنمر

وألبس عرض الأرض لونا كأنه

على الأفق الغربي ثوب معصفر

تجلت سريعا حين يبدو شعاعها

ولم يبد للعين البصيرة منظر

عليها كردع الزعفران يشوبه

شعاع تلألأ فهو أبض أصفر

فلما انجلت وابيض منها اصفرارها

وجالت كما جال الوشاح المشهر

وجللت الآفاق نورا فأصعدت

بحر له صدر الشجى يتسعر

ترى الظل يطوى حين تبدو وتارة

تراه إذا زالت على الأرض ينشر

كما بدأت إذ أشرقت بطلوعها

تعود كما عاد الكبير المعمر

وتدنف حتى ما يكاد شعاعها

يبين إذا ولت لمن يتبصر

وأفنت قرونا وهي إذ ذاك لم تزل

تموت وتحيا كل يوم وتنشر

رجع إلى التغاير - وغاير الناس ابن المعتز في ذم الجود ومدح البخل فقال:

يا رب جود جر فقر امرئ

فقام في الناس مقام الذليل

فاشدد عرى مالك واستبقه

فالبخل خير من سؤال البخيل

وقال ابن الرومي في مدح الحقد:

وما الحقد إلا توأم العقل في الفتى

وبعض السجايا ينسبن إلى بعض

إذا الأرض أدت ريع ما أنت زارع

من البذر فيها فهي ناهيك من أرض

وجرى الحجاج بن يوسف على سجيته فذم العدل ومدح الجور في قوله:

إذا عدل السلطان هان وإن يكن

لدى جوره أمر فإن له نبلا

وما العدل إلا عجز رأي وضلة

وكل أخي عدل سيورثه ذلا

وقال آخر في ذم الحلم والتواضع مغايرا للناس في ذلك:

الحلم عجز والتواضع ذلة

عندي وبعض الحول حلو المجتنى

ولجام ذي السفه الجفاء فإن تزل

عنه جفاءك عاد يركض في الخنا

ص: 172

كالعود يكفيك اللهيب دخانه

فإذا اللهيب انجاب عنه تدخنا

ومن شعر محمد بن أبي حمزة العقيلي يذم الشجاعة:

ظلت تشجعني هند فقلت لها

إن الشجاعة مقرون بها العطب

يا هند لا والذي حج الحجيج له

ما يشتهي الموت عندي من له أرب

ووصف البحتري يوم الفراق بالقصر، وقد أجمع الناس على طوله فقال:

قصرت مسافته على متزود

منه لوهن صبابة وغليل

ولقد تأملت الفراق فلم أجد

يوم الفراق على امرئ بطويل

وقال التهامي في النوائب:

لله در النائبات فإنها

صدأ اللئام وصيقل الأحرار

ما كنت إلا زبرة فطبعنني

سيفا وأرهف حدهن غراري

وقال آخر في ذلك:

جزى الله الشدائد كل خير

وإن هي جرعت غصص الرفيق

وما شكري لها إلا لأني

عرفت بها عدوي من صديقي

وقال آخر في الدعاء لأعدائه:

عداتي لهم فضل علي ومنة

فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

ولم أسمع في نوع المغايرة بأبدع من قول أبي الحسن الباخرزي في عميد الملك الكندري، حين اختصى وحلق لحيته. وسبب ذلك: أن مخدومه الملك ألب أرسلان أرسله إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته، فأرجف أعداؤه: إن عميد الملك خطبها لنفسه، وشاع ذلك بين الناس، فبلغ عميد الملك الخبر، فخاب تغير مخدومه عليه، فعمد إلى لحيته فحلقها، وإلى مذاكيره فجبها، وكان ذلك سبب سلامته من مخدومه. وقيل أن السلطان خصاه.

فلما فعل ذلك قال فيه أبو الحسن الباخرزي قصيدة يمدحه بها مطلعها:

طاب العميد الكندري شمائلا

حتى استعار الروض منه مخائلا

منها في جب مذاكيره وهو قوله المشار إليه:

قالوا محا السلطان عنه

لا انمحى

سمة الفحول وكان قرما صائلا

قلت اسكتوا فالآن زاد فحولة

لما اغتدى عن أنثييه عاطلا

والفحل يأنف أن يسمى بعضه

أنثى لذلك جذها مستأصلا

ومتى يضن على الحديد بفرعه

أصل يسيل على الحديد مقاتلا

وله بما يخصى الجواد فيكتسي

سمنا وقد رثت قواه ناحلا

فيغير في الظلماء غير منبه

جيش العدو بأن يحمحم صاهلا

يهنيه نفي الأنثيين فإنه

نقص يسوق إليه مجدا كاملا

ومنها في حلق لحيته:

هذا وقد كان الكسوف لشمسه

متطرقا يذكي سنا متضائلا

فجلوا عن الشمس الكسوف ليملأ الأقطاب والأقطار ضوء شاملا

إن الأشاء إذا أصاب مشذب

منه أتمهل ذرى وأث أسافلا

قال في الدمية: ولا أعرف أحدا مدح بهذا المديح، وهو نوع من الصنعة يسمى تحسين القبيح. انتهى.

وقد طال الشرح في نوع التغاير ولكنني متعت الأذواق بمحاسن أمثاله الغريبة، وقرَّطت المسامع بدرر شواهده التي لا تعتري حسنها ريبة.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:

فالله يكلؤ عذالي ويلهمهم

عذلي فقد فرجوا كربي بذكرهم

غاير الناس في الدعاء لعذاله، وسؤاله الهامهم عذله، وما ذاك إلا أن العذول لا يزال يذكر الأحباب في عذله، فلما كرر العذال عذله بذكر أحبابه فرجوا كربه بذلك.

وما أحسن قول الشيخ عمر بن الفارض:

اعد ذكر من أهوى ولو بملام

فإن أحاديث الحبيب مدامي

ليشهد سمعي من أحب وإن نآى

بطيف ملام لا بطيف منام

فلي ذكرها يحلو على كل صيغة

وإن مزجوه عذلي بخصام

كان عذولي بالوصال مبشري

وإن كنت لم أطمع برد سلام

وبيت بديعية الشيخ عز الدين الموصلي قوله:

تغاير الحال حتى في النوى فبه

أصبحت منتظرا أيام وصلهم

قال ابن حجة أنه نظم المغايرة ولكن غاير بها الأفهام، وما أرانا من عقادة بيته غير الإبهام.

ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

أغاير الناس في حب الرقيب فمذ

أراه أبسط آمالي بقربهم

قال في شرحه: الناس قد أجمعوا على ذم الرقيب وغايرتهم أنا في مدحه لمعنى، وما ذاك إلا أنني لما أراه أتحقق أنه ما تجرد للمراقبة إلا وقد علم بزيارة الحبيب. فانظر إلى حسن المغايرة وغرابة المعنى وحسن التركيب. انتهى.

ص: 173