الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عم الورى بيد سحنا يرشحها
…
عطاؤه ليس يخشى فاقة النهم.
قال في شرحه: الشاهد فيه قولي: سحا عطاؤه، لأنهما رشحا باليد للنعمة دون الجارحة. انتهى، وفيه نظر ظاهر.
وبيت بديعيتي قولي:
إذا أتيت بترشح لمدحهم
…
حلى لساني وجيدي فضل ذكرهم.
فذكر الجيد رشح وأهل لفظة حلى لاستخدامها بمعنى ألبسة الحلي، ولولاه لانحصرت في معنى جعله حلوا، والله أعلم.
الحذف
.
حذفت ود سوى آل الرسول ولم
…
أمدح سواهم ولم أحمد ولم أرم.
هذا النوع من مستخرجات الإمام أبي المعالي عز الدين بن الوهاب بن إبراهيم الزنجاني صاحب معيار النظار، وهو عبارة عن أن يحذف المتكلم من كلامه حرفا فأكثر من حروف الهجاء أو جميع الحروف المهملة، أو جميع المعجمة، بشرط عدم التكلف.
فالأول كالخطبة المعروفة بالمونقة لأمير المؤمنين (ع) إذ أخلاها من حرف الألف الذي هو أدخل في سائر الحروف في الكلام.
روى هشام بن محمد السائب الكلبي عن أبي صالح، أنه اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتذاكروا، أي الحروف أدخل في الكلام؟ فأجمعوا أن الألف أكثر دخولا، فخطب علي عليه السلام بهذه الخطبة ارتجالا، وسماها المونقة وهي: حمدت من عظمت منيته، وسبقت رحمته، وتمت كلمته؛ ونفذت مشيته: وبلغت حجته، وعدلت قضيته.
حمدته حمد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف بتوحيده، مؤمل من ربه مغفرة تنجيه، يوم يشغل عن فصيلته وبنيه.
ونستعينه ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه، وشهدت له بضمير مخلص مؤمن موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير، وتنزه عن مثل ونظير.
علم فستر، وبطن فخبر، وملك فقهر، وعصي فغفر، وحكم فعدل. لم يزل ولن يزول وليس كمثله شيء، وهو (قبل كل شيء و) وبعد كل شيء، رب متفرد بعزته، متملك بقوته، متقدس بعلوه، متكبر بسموه؛ ليس يدركه بصر، ولم يحط به نظر، قوي منيع بصير سميع، علي حكيم، رؤوف رحيم.
عجز عن وصفه من يصفه، وضل في نعته من يعرفه. قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزق عبده ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي؛ ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم موصدة موبقة.
شهدت ببعث محمد عبده ورسوله، صفيه وحبيبه وخليله، بعثه خير عصر، وفي حين فترة وكفر، رحمة لعبيده، ومنة لمزيده، ختم به نبوته؛ وقوى به حجته، فوعظ ونصح، وبلغ وكدح، رؤوف بكل مؤمن، ولي سخي زكي رضي؛ عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم، من رب غفور رحيم، قريب مجيب.
وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربكم، وذكرتكم بسنة نبيكم. فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم ويبليكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته، وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخشوع، (بتوبة ونزوع) وندم ورجوع. وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل عدمه، وخلوته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل هو يكبر ويهرم، ويمرض ويسقم، ويمله طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، ويتغير عقله (وينقطع عمره 6) ثم قيل هو موعوك، وجسمه منهوك، ثم جد في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد، فشخص ببصره، وطمح بنظره، ورشح جبينه، وسكن حنينه، وجذبت نفسه، ونكبت عرسه؛ وحفر رمسه؛ ويتم ولده، وتفرق عنه عدده، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، وغمض ومدد، ووجه وجرد، وغسل ونشف، وسجي وبسط له، وهيئ، ونشر عليه كفنه وشد منه ذقنه، وقمص وعمم، (ولف) وودع وسلم، وحمل فوق سرير، وصلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، فجعل في ضريح ملحود، ولحد ضيق مرصود، بلبن منضود، مسقف بجلمود. وهيل عليه حفرة، وحثي عليه مدره، فتحقق حذره، ونسي خبره، ورجع عنه وليه ونسيبه، وتبدل به قريبه وحبيبه (وصفيه ونديمه) ، فهو حشو قبر ورهين، يسعى في جسمه دود قبره، ويسيل صديده من منخره، ويسحق بدنه ولحمه، وينشف دمه، ويرمي عظمه حتى يوم حشره، فينشر من قبره، حين ينفخ في صور، ويدعى لحشر ونشور.
فثم بعثرة قبور، وحصلت سريرة صدور، وجيء بكل نبي وصديق وشهيد (منطيق) ، وتوحد لفصل عند رب قدير بعبده خبير بصير. فكم من زفرة تضنيه، وحسرة تضنيه في موقف مهول عظيم، ومشهد جليل (جسيم 12) بين يدي ملك كريم، بكل صغيرة وكبيرة عليم. حينئذ يلجمه عرقه (ويخفره 13) قلقه عبرته غير مرحومة، وصرخته غير مسموعة، وحجته غير مقبولة (ونوول صحيفته، وتبين جريرته، ونطق كل عضو منه بسوء عمله 14) فشهدت عينه بنظره، ويده ببطشه، ورجله بخطوه، وجلده بمسه، وفرجه بلمسه، (ويهدده منكر ونكير، وكشف عنه بصره 15) ، فسلسل جيده، وغلت يده وسيق يسحب وحده، فورد جهنم بكرب شديد وظل يعذب في جحيم، وسقي شربة من حميم، تشوي وجهه، وتسلخ جلده، يضربه زبنيته بمقمح من حديد، يعود جلده كنضجه بعد كجلد جديد، يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنم، ويستصرخ فيلبث حقبة بندم.
نعوذ برب قدير، من شر كل مصير، ونسأله عفو من رضى عنه، ومغفرة من قبل منه، فهو ولي مسألتي، ومنجح طلبتي، فمن زحزح عن تعذيب ربه سكن في جنته بقربه، وخلد في قصور مشيدة (ومكن من حور عين 18) وحفدة، وطيف عليه بكؤوس (وسكن خطيرة فردوس 19) ، وتقلب في نعيم، وسقي من تسنيم، وشرب من عين سلسبيل، ممزوجة بزنجبيل، مختومة بمسك وعبير (مستديم للحبور) ، مستشعر للسرور، يشرب من خمور في روض (مشرق) مغدق، ليس يصدع من شربه وليس ينزف. هذه مسالة من خشي ربه، وحذر نفسه، وتلك عقوبة من جحد مشيئة منشئه، وسولت له نفسه معصية مبدئه، وذلك قول فصل، وحكم عدل، خير قصص قص ووعظ، نص تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدسي مبين، على قلب نبي مهتد مكين، صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، عذت برب رحيم، من شر كل رجيم، فليتضرع متضرعكم، وليبتهل مبتهلكم (فسنستغفر رب كل مربوب لي ولكم) .
هذا آخر الخطبة المونقة لأمير المؤمنين علي عليه السلام. إنما آثرت إيرادها بجملتها مع تداولها وشهرتها، تبركا بها وبقائلها، وتيمنا بمأثور فضائلها.
وكان الصاحب إسماعيل بن عباد رحمه الله عمل قصيدة معراة من حروف الألف في مدح أهل البيت عليهم السلام تقع في سبعين بيتا أولها:
قد ظل يجرح صدري
…
من ليس يعدوه فكري.
فتعجب الناس منها وتداولها الرواة، فاستمر على ذلك النهج، وعمل قصائد كل واحدة منها خالية من حرف من حروف الهجاء، بقيت عليه واحدة تكون معراة من حرف الواو، فانبرى لعملها صهره أب الحسن علي بن الحسين الهمذاني وقال قصيدة فريدة أخلاها من الواو، ومدح الصاحب في عرضها وأولها:
برق ذكرت به الحبائب
…
لما بدا فالدمع يسكب.
أمدامعي منهلة
…
هاتيك أم غزر السحائب.
نثرت لآليء أدمع
…
لم تفترعها كف ثاقب.
يا ليلة أفنيتها
…
بمضاجع فيها عقارب.
لما سرت ليلى تحث
…
لنأيها عنا الركاب.
ظلت تجيل لحاظها
…
كالسيف لم يخط المضارب.
للسحر في أرجائها
…
مهما أرادتها ملاعب.
جعلت قسي سهامها
…
أن ناضلته عقد حاجب.
لم يخط سهم أرسلت
…
هـ إن سهم اللحظ صائب.
تسقيك ريقا سكره
…
إن قسته للخمر غالب.
كم قد تشكى خصرها
…
من ضعفها ثقل الحقائب.
كم أخجلت بضفائر
…
أبدت لنا ظلم الغياهب.
أخجال كف الصاحب القرم المرجى للسحائب.
ملك تلألأ من معا
…
قد عزه شرف المناصب.
نشأت سحائب رفده
…
في الخلق تمطر في بالرغائب.
وهي طويلة تنيف على الستين [بيتا] .
والثاني هو حذف جميع البيوت المهملة.
كقول الحريري:
فتنتني فجننتني تجني
…
بتفن يفتن غب تجني.
شغفتني بجفن ظبي غضيض
…
غنج يقتضي تفيض جفني.
والقطعة مبينة على هذا مع صنعة أخرى، وهي أن حروفها كلها متصلة.
والثالث هو حذف جميع الحروف المعجمة، كقوله في صدر خطبة: الحمد لله سامع الدعاء، وساطع اللألأء، وحاسم اللأواء، ومدمر الأعداء، وصلى الله على رسوله محمد أحمد الرسل أحكاما، وأعلاهم إعلاما، وأسعدهم طالعا، وأسماهم مطالعا، وأكرمهم ملة، وأوكدهم أدلة؛ المرسل إلى الأسود (و) الأحمر، والمعمل للحسام الصارم والرمح الأسمر، وعلى آله العلماء، وأهله الكرماء، ما طلع هلال السماء، واطلع لؤلؤ الدأماء. اسمعوا رحمكم الله وعوا، واسعوا إلى ما دعاكم الله وأسرعوا، ودعوا طول الأمل، وسارعوا إلى صالح العمل، واطرحوا سوء المطامع، وسدوا عما ألهاكم المسامع، وأصلحوا للمعاد أحوالكم، وأدركوا مصارعكم وأهوالكم. أما والله لو علم امرؤ ما أمامه، لصارم آرامه، وأهمل ما رامه، وسالم إسلامه، وسأل الله السلامة.
وللحريري خطبتان على هذا النمط من إسقاط حروف النقط، إحداهما أولها: الحمد لله الممدوح الأسماء، المحمود الألاء، والأخرى أولها: الحمد لله الملك المحمود المالك الودود.
ومن أمثلته الشعرية قول الحريري أيضاً:
أعدد لحسادك حد السلاح
…
وأورد الأمل ورد السماح.
وصارم اللهو ووصل المها
…
وأعمل الكوم وسمر الرماح.
واسع لإدراك محل سما
…
عماده لا لاد راع المراح.
والله ما السؤدد حسو الطلا
…
ولا مراد الحمد رود رداح.
واها لحر صدره واسع
…
وهمه ما سر أهل الصلاح.
مورده حلو لسؤاله
…
وماله ما سألوه مطاح.
ما أسمع الأمل ردا ولا
…
ما طله والمطل لؤم صراح.
ولا أطاع اللهو لما دعا
…
ولا كسا راحا له كأس راح.
وقلت أنا على هذا الوزن والروي:
لله ما أحلى وصال الملاح
…
وما الردى إلا صدور الرماح.
لا أصلح الله عدوا لحى
…
على الهوى لما رأى الوصل لاح.
لو علم اللائم ما رامه
…
ملومه ما رام إلا الصلاح.
ما السعد إلا وصل سعدى ولا
…
روح الهوى إلا كؤوس وراح.
والله لا أسلو هواها ولو
…
لام مصرا ولحى كل لاح.
وللسيد عبد الله الطيلاواني قصيدة عاطلة في الموعظة أولها:
رد الحلم واسمع ما رواه امرؤ آس
…
وأسس عماد العلم وأحكم آساس.
وراع عهود الله وأورع وعوده
…
وحم حول إصلاح لواسع أرماس.
ودم سالكا سهل الكمال ووعره
…
ودم صالح الأعمال حاسم وسواس.
ودع كلما ألهاك عما أراكه
…
إلهك وارحم كل عال وكسكاس.
وصل وصل واسمح ورم ورم على
…
وسد وسد واصدع ودع سكر الكاس.
وكل كل أمر لودود وصم وكل
…
حلالا وواصل درس أحكام أطراس.
ورم صالح الأعمال والمال مصلحا
…
لمورد إسراع ومصدر أعراس.
وعاد سماع اللهو واعدا مهرولا
…
لداع دعا الله واعد لمدارس.
وهي طويلة تقع في اثنين وثمانين بيتا.
ومما لا بد من معرفته في هذا الموضع معرفة ما ينقط مالا ينقط من الحروف فنقول: الحروف على قسمين: أحدهما ما ينقط موصولا ومفصولا وهو الباء والتاء والثاء والجيم والخاء والزاي والشين والضاد والظاء والغين والفاء والقاف والنون والياء، وقيل في الأربعة الأخيرة أنها لا تلفظ إذا لم توصل بما بعدها لعد الاشتباه. وقد سوى الحريري في المقامات بينها متصلة ومنفصلة.
الثاني ما لا ينقط، إما لأنه لا مشابه له صورة، أو لأنه استغني عن نقطه بلزوم النقط لما شاركه في الصورة، وجميع ذلك الهمزة والألف والحاء والدال والسين والصاد والطاء والعين والكاف واللام والميم والواو والهاء. وأما تاء التأنيث في نحو، تمرة طيبة، وجارية زيد، فقد قال المطرزي: لم أجد في نقطها نصا ولأن كنا ننقطها، إلا أن الحريري لم يعدها في حروف النقط، ولهذا ضمن خطبته العرية من الإعجام قوله: ومساورة الإعلال، ومصارمة الأهل والمال، وذلك من إتباعهم الخط.
وأما رحمت الله بالتاء الممدودة، فلأنه لما لزم استعمالها مع الله وحده حتى صارت بمنزلة ما لا ينفصل، كتبت هكذا على اللفظ، كما اتصلت بالمضمر نحو جاريتي وجاريتك.
ونقط الهمزة في نحو قائل وبائع، عامي، والحريري نقطها في الرقطاء في حبائل ونائل وملائم، وعذره كونها على صورة الياء في الخط.