الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالتَّرْجَمَةُ تَكُونُ بِلُغَةٍ مُغَايِرَةٍ، وَعَلَى قَدْرِ الْكَلَامِ الْمُتَرْجَمِ، دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ فَقَدْ يَطُول وَيَتَنَاوَل الدَّلَالَاتِ التَّابِعَةَ لِلَّفْظِ.
تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَنْوَاعُهَا:
3 -
قَال الشَّاطِبِيُّ: لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ - مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ - نَظَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أَلْفَاظًا وَعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةً دَالَّةً عَلَى مَعَانٍ مُطَلَّقَةٍ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ الأَْصْلِيَّةُ.
وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أَلْفَاظًا وَعِبَارَاتٍ مُقَيَّدَةً، دَالَّةً عَلَى مَعَانٍ خَادِمَةٍ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ التَّابِعَةُ.
فَالْجِهَةُ الأُْولَى: هِيَ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ الأَْلْسِنَةِ، وَإِلَيْهَا تَنْتَهِي مَقَاصِدُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَا تَخْتَصُّ بِأُمَّةٍ دُونَ أُخْرَى، فَإِنَّهُ إِذَا حَصَل فِي الْوُجُودِ فِعْلٌ لِزَيْدٍ مَثَلاً كَالْقِيَامِ، ثُمَّ أَرَادَ كُل صَاحِبِ لِسَانٍ الإِْخْبَارَ عَنْ زَيْدٍ بِالْقِيَامِ، تَأَتَّى لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ. وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُمْكِنُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الإِْخْبَارُ عَنْ أَقْوَال الأَْوَّلِينَ - مِمَّنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْل اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ - وَحِكَايَةِ كَلَامِهِمْ. وَيَتَأَتَّى فِي لِسَانِ الْعَجَمِ حِكَايَةُ أَقْوَال الْعَرَبِ وَالإِْخْبَارُ عَنْهَا، وَهَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ.
وَأَمَّا الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا لِسَانُ الْعَرَبِ فِي تِلْكَ الْحِكَايَةِ وَذَلِكَ الإِْخْبَارِ، فَإِنَّ كُل خَبَرٍ يَقْتَضِي فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أُمُورًا خَادِمَةً لِذَلِكَ
الإِْخْبَارِ، بِحَسَبِ الْمُخْبِرِ، وَالْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَالْمُخْبَرِ بِهِ، وَنَفْسِ الإِْخْبَارِ، فِي الْحَال وَالْمَسَاقِ، وَنَوْعِ الأُْسْلُوبِ: مِنَ الإِْيضَاحِ وَالإِْخْفَاءِ، وَالإِْيجَازِ، وَالإِْطْنَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنَّكَ تَقُول فِي ابْتِدَاءِ الإِْخْبَارِ: قَامَ زَيْدٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ عِنَايَةٌ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ، بَل بِالْخَبَرِ. فَإِنْ كَانَتِ الْعِنَايَةُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ قُلْتَ: زَيْدٌ قَامَ. وَفِي جَوَابِ السُّؤَال أَوْ مَا هُوَ مُنَزَّلٌ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ: إِنَّ زَيْدًا قَامَ. وَفِي جَوَابِ الْمُنْكِرِ لِقِيَامِهِ: وَاَللَّهِ إِنَّ زَيْدًا قَامَ. وَفِي إِخْبَارِ مَنْ يَتَوَقَّعُ قِيَامَهُ، أَوِ الإِْخْبَارِ بِقِيَامِهِ: قَدْ قَامَ زَيْدٌ، أَوْ زَيْدٌ قَدْ قَامَ. وَفِي التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ: إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ.
ثُمَّ يَتَنَوَّعُ أَيْضًا بِحَسَبِ تَعْظِيمِهِ أَوْ تَحْقِيرِهِ - أَعْنِي الْمُخْبَرَ عَنْهُ - وَبِحَسَبِ الْكِنَايَةِ عَنْهُ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَبِحَسَبِ مَا يُقْصَدُ فِي مَسَاقِ الإِْخْبَارِ، وَمَا يُعْطِيهِ مُقْتَضَى الْحَال، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ دَائِرٌ حَوْل الإِْخْبَارِ بِالْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ.
فَمِثْل هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ مَعْنَى الْكَلَامِ الْوَاحِدِ بِحَسَبِهَا، لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الأَْصْلِيَّ، وَلَكِنَّهَا مِنْ مُكَمِّلَاتِهِ وَمُتَمِّمَاتِهِ. وَبِطُول الْبَاعِ فِي هَذَا النَّوْعِ يَحْسُنُ مَسَاقُ الْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنْكَرٌ. وَبِهَذَا النَّوْعِ الثَّانِي اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَقَاصِيصِ الْقُرْآنِ؛ لأَِنَّهُ يَأْتِي مَسَاقُ الْقِصَّةِ فِي بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى وَجْهٍ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَفِي ثَالِثَةٍ عَلَى وَجْهٍ