الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ إِنَّ التَّسْعِيرَ سَبَبُ الْغَلَاءِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لأَِنَّ الْجَالِبِينَ إِذَا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَقْدُمُوا بِسِلَعِهِمْ بَلَدًا يُكْرَهُونَ عَلَى بَيْعِهَا فِيهِ بِغَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَمَنْ عِنْدَهُ الْبِضَاعَةُ يَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهَا وَيَكْتُمُهَا، وَيَطْلُبُهَا أَهْل الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَلَا يَجِدُونَهَا إِلَاّ قَلِيلاً، فَيَرْفَعُونَ فِي ثَمَنِهَا لِيَصِلُوا إِلَيْهَا، فَتَغْلُو الأَْسْعَارُ وَيَحْصُل الإِْضْرَارُ بِالْجَانِبَيْنِ، جَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي مَنْعِهِ مِنَ الْوُصُول إِلَى غَرَضِهِ، وَجَانِبِ الْمُلَاّكِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ بَيْعِ أَمْلَاكِهِمْ، فَيَكُونُ حَرَامًا (1) .
شُرُوطُ جَوَازِ التَّسْعِيرِ:
8 -
تَقَدَّمَ أَنَّ الأَْصْل مَنْعُ التَّسْعِيرِ، وَمَنْعُ تَدَخُّل وَلِيِّ الأَْمْرِ فِي أَسْعَارِ السِّلَعِ، إِلَاّ أَنَّ هُنَاكَ حَالَاتٍ يَكُونُ لِلْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا حَقُّ التَّدَخُّل بِالتَّسْعِيرِ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّدَخُّل عَلَى اخْتِلَافِ الأَْقْوَال.
وَهَذِهِ الْحَالَاتُ هِيَ:
أ -
تَعَدِّي أَرْبَابِ الطَّعَامِ عَنِ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا:
9 -
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ
(1) المغني 4 / 240، وشرح الإقناع 3 / 150 ط مطبعة السنة المحمدية.
لِلْحَاكِمِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ إِنْ تَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنِ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إِلَاّ بِالتَّسْعِيرِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَشُورَةِ أَهْل الرَّأْيِ وَالْبَصِيرَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَبِهِ يُفْتَى؛ لأَِنَّ فِيهِ صِيَانَةَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الضَّيَاعِ، وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ الْعَامَّةِ (1) .
وَالتَّعَدِّي الْفَاحِشُ كَمَا عَرَّفَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ الْبَيْعُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ (2) .
ب -
حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى السِّلْعَةِ:
10 -
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ، إِلَاّ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ، كَمَا اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وُجُودَ مَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَنُسِبَ إِلَى الشَّافِعِيِّ مِثْل هَذَا الْمَعْنَى.
وَكَذَا إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى سِلَاحٍ لِلْجِهَادِ، فَعَلَى أَهْل السِّلَاحِ بَيْعُهُ بِعِوَضِ الْمِثْل، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَحْبِسُوا السِّلَاحَ حَتَّى يَتَسَلَّطَ
(1) ابن عابدين 5 / 256، والفتاوى الهندية 3 / 214 ط المطبعة الكبرى الأميرية، والاختيار لتعليل المختار 4 / 161، والهداية 4 / 93، وكشف الحقائق 2 / 237، والزيلعي 6 / 28.
(2)
الزيلعي 6 / 28، والعناية، والكفاية المطبوعتان على هامش فتح القدير 8 / 192 ط دار إحياء التراث العربي، وكشف الحقائق 2 / 237، وابن عابدين 5 / 256 نقلا عن الزيلعي.